اختلاف الرأي والعلاقات الإنسانية


تحدث سماحة الشيخ حسن الصفار في الليلة السابعة من محرم 1427 هـ في (مأتم العدواني) بدبي، عن: «اختلاف الرأي والعلاقات الإنسانية»، وذلك في محورين انطلق فيهما من خلال الآيتين القرآنيتين: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الممتحنة:8 - 9):

وهذا بعض ما طرحه سماحته في المحاضرة:


المحور الأول: واقع الاختلاف ومشروعيته


كل إنسان يحمل فكرة فإنه يعتقد أنها الأصوب والأصح، دينية كانت أو سياسية أو في المجال الاجتماعي أو في المجال المعرفي، ويتمنى لو أن الناس على فكرته ومعتقده، ولكن طبيعة البشر تقتضي الاختلاف والتنوع حتى في مجال الأذواق والأمزجة، فكلٌّ له مزاجه وذوقه الذي يتميز به عن الآخرين.

* أسباب الاختلاف بين البشر

ويرجع اختلاف الناس فيما بينهم إلى عدة أسباب، منها:

(1) عامل المدارك والأفهام والمستوى المعرفي لدى الإنسان الذي يختلف من إنسان لآخر، فإن نتاج تفكير كل إنسان قد يختلف عن نتاج تفكير الآخرين، ولذلك لا نجد اختلافًا في سلوك قطيع من الحيوانات، وذلك لعدم تمتعهم بالقدرة الفكرية والعقلية.

بينما الإنسان بسبب اختلاف مستويات الفهم والإدراك بينه وبين الآخرين ينشأ الاختلاف والتنوع بينهم، فهذا القرآن الكريم يحدثنا عن نبيين من الأنبياء يختلفان في الموقف بسبب اختلاف المستوى المعرفي لدى كل منهما، وذلك في قصة نبي الله موسى والخضر ـ عليهما السلام ـ الواردة في سورة الكهف.

(2) المصالح الخاصة فردية أو فئوية، ففي كثير من الأحيان تتبنى بعض المجموعات رفع بعض الشعارات والأفكار وتحافظ عليها لأنها تحفظ مصالحها، بينما الأفكار المغايرة تهدد هذه المصالح، وفي هذا الصدد يقول الله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا (النمل:14).

(3) اختلاف البيئات، فكل بيئة لها عاداتها وتقاليدها ومناخاتها وتاريخها وثقافتها التي تؤثر على فكر واعتقاد الإنسان، ولذلك فإن أبناء كل بيئة قد تختلف معتقداتهم أفكارهم عن أبناء البيئة المغايرة.

المحور الثاني: احترام العلاقات الإنسانية


في خصوص مسألة العلاقات الإنسانية هناك من يحمل عقلية منغلقة، بحيث يطلب من الجميع أن يحمل نفس فكره ومعتقده في كل ما يؤمن ويعتقد، ويُسْقِطُ من الاعتبار كل من يختلف معه في الرأي أو في المعتقد والديانة، وينسب هذا إلى الدين والملة.

بينما يحدثنا تاريخنا الإسلامي أن الإسلام لا يرفض التعايش مع أبناء الديانات المخالفة، بل التعايش هو الأمر الطبيعي. والصراع أو النزاع لا يحدث بين أصحاب الديانات إلا في حالات غير طبيعية وعدوانية تمارسها طائفة ضد أخرى، أما في الحالات العادية لا مسوّغ شرعي للمشاحنة والتباغض، يقول تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، فالآية تعبر عن العلاقة بين المسلم ومن يخالفه بِـ «البر»، وهي نفس اللفظة التي يستعملها القرآن الكريم في العلاقة التي يجب أن تقوم بين الإنسان ووالديه.

وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ (الأعراف: 85)، سواء أشياءهم المادية أو المعنوية.

فالقيمة الأساس التي يوليها الإسلام للإنسان عمومًا وبِغَضِّ النظر عن معتقده هي: الكرامة، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (الإسراء: 70).

والرسول كان يرشد المسلمين إلى هذه النقطة من خلال توجيهاته الشريفة، يروى عنه أنه قال:

* « «من ظلم معاهدًا أو كلَّفه فوق طاقته أو انتقصه شيئًا من حقه كنتُ أنا حجيجه يوم القيامة».»

* « «من آذى ذميا فقد آذاني».»

ويروى أن جنازة مرت والرسول جالس بين أصحابه، فوقف النبي لها، فاستغرب المسلمون منه ذلك قائلين: إنه يهودي يا رسول الله؟! فقال : أو ليست نَفْسا؟!

والتعاليم الأخلاقية الخاصة بالتعامل مع الآخرين لم تكن تفرق بين مسلم وغير مسلم، فالبر بالوالدين واجب وإن كانا مشركين. والتعامل بالحسنى مع الجار والتواصي به مطلوب وإن كان غير مسلم، وكذلك الرحم، والمصاحب في السفر، والإحسان إلى الضعفاء من الناس، كل ذلك لا يميز الإسلام فيه بين المسلم وغير المسلم.

بل إن القرآن الكريم يمدح أهل البيت في سورة الإنسان بأنهم يطعمون من بين من يطعمون: الأسير، والأسير في ذلك الوقت هو أسير حرب مع غير المسلمين، ومع ذلك كان أهل البيت يحسنون إليه.

باحث وكاتب من القديح - السعودية