الرحمة والرفق بالحيوان

 

يقول تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم [سورة الأنعام، الآية: 38].

تعيش إلى جانب الإنسان في هذه الحياة أصناف وأنواع كثيرة من الحيوان، بعضها يدبّ على وجه الأرض اليابسة، بالزحف أو المشي برجلين أو أربع أو أكثر، وبعضها يدبّ بالسباحة في عمق الأرض المغمورة بالماء، وبعضها يطير ويحلّق في الفضاء بجناحيه.

وكلّ نوع من الحيوان له عالمه ونظامه، من حيث تركيب الجسم وطريقة الحياة، وهذا ما تعبّر عنه الآية الكريمة بقوله تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم. والأمة أصلها الجماعة من الناس، التي يجمعها نسب أو لغة أو عادة أو مقصد، ولأنّ كلّ صنف من الحيوان يتماثل في صفات أساسية محددة، أطلقت عليه الآية مجازًا أنه أمة، فالحيوانات أمم كأمم البشر، وهي مثيلة للبشر، في أنها مخلوقة لله تعالى، وأنّ أفراد كلّ نوع وصنف يتماثلون في صفاتهم الأساسية وفي طريقة حياتهم، كما هو حال البشر. وإن كان البشر أعلى مستوى وأفضل حالًا منها.

أصناف الكائنات الحية

بذل علماء الأحياء جهودًا كبيرة في تصنيف الكائنات الحيّة، إلّا أنهم عجزوا إلى اليوم عن إحصاء جميع أصناف الكائنات الحية، فلا يُعرف كم يبلغ عددها، لكنّ عدد أصناف الكائنات الحيّة التي تم وصفها وتصنيفها وتسميتها، قد بلغ حوالي 1.2 مليون صنف، ويعتقد عدد كبير من العلماء أنّ ما خفي أعظم من ذلك بكثير[1] .

يقول تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [سورة النحل، الآية: 8].

لقد تم تعريف حوالي مليون نوع من الحشرات وحدها، كما يوجد حوالي 21.700 نوع من الأسماك، و8.600 نوع من الطيور، و600 نوع من الزواحف، و3.200 نوع من البرمائيات، و4000 نوع من الثدييات[2] .

إنّ كلّ صنف ونوع من هذه الكائنات الحية، له دور في منظومة الطبيعة والحياة، حيث تتكامل الأدوار والمهام بين الموجودات، لذلك يتحدّث علماء الطبيعة عن التوازن البيئي، وما يسمى شبكة الحياة، فانقراض وانحسار أيّ موجود وكائن يسبب خللًا وثغرة.

دور الحيوان في حياة الإنسان

قد لا يستطيع البشر الحياة دون مساعدة الحيوانات. فالدور الذي تقوم به الحيوانات في التوازن الطبيعي هو أهم خدمة تؤديها للبشرية. وعلاوة على ذلك، فإنّ الحيوانات تمدّ البشر بكثير من الأغذية المختلفة والمنتجات المفيدة الأخرى. فبدون الحيوانات لن يكون للبشر أغذية، مثل اللحوم والألبان والبيض والعسل، أو منتجات مفيدة مثل الصوف والفراء والحرير[3] .

وتعتمد معظم النباتات، مثلها مثل البشر، على الحيوانات في احتياجاتها الأساسية. فبدون الحيوانات لا يتكاثر العديد من النباتات (ينتج أجيالًا جديدة من نفس نوعه). على سبيل المثال يعتمد كثير من النباتات الزهرية على النحل والحشرات الأخرى لحمل حبوب اللقاح من نبات إلى آخر[4] .

وإبرازًا لأهمية دور الحيوان في عالم الطبيعة، ولارتباطه الوثيق بحياة الإنسان، أفرد القرآن الكريم مساحة كبيرة للحديث عن عالم الحيوان، ففي القرآن الكريم سورة باسم (سورة الأنعام) وسور بأسماء بعض أنواع الحيوانات، كسورة البقرة، وسورة النمل، وسورة النحل، وسورة العنكبوت، وسورة الفيل، بالإضافة إلى ذكر أسماء أخرى لأنواع من الحيوان في سائر الآيات.

وثمة آيات كثيرة في القرآن الكريم، تُلفت الإنسان إلى عالم الحيوان حتى يتأمله ويدرسه، ليرى مظاهر عظمة الخالق وإبداعه، وليقدّر الدور الذي يقوم به الحيوان في حياة الإنسان، وليتعرف على آفاق الاستفادة الأكثر من هذا العالم.

يقول تعالى: ﴿وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [سورة الجاثية، الآية: 4].

ويقول تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ [سورة النحل، الآية: 66].

ويقول تعالى: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ‎*‏ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ‎*‏ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ‎*‏ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [سورة النحل، الآيات: 5-8].

التعامل بمسؤولية مع الحيوان

إنّ على الإنسان أن يتعامل بمسؤولية مع هذه الحيوانات التي سخّرها الله تعالى له، فهي نعمة وثروة يجب أن يحافظ عليها وينمّيها، لخدمة الحياة ومصلحة الأجيال البشرية، وعليه أن يُحسن طريقة التعامل معها ليعزّز الشعور بالمسؤولية داخل نفسه، ولينمّي مشاعره الإيجابية، وليحترم وجود وأحاسيس هذه الكائنات الحيّة، فهي مثله تمتلك مشاعر وأحاسيس بدرجة أو أخرى لا ينبغي تجاهلها.

ونشير هنا إلى أهم المبادئ والتعاليم الإسلامية في مجال التعامل مع الحيوان:

أولًا: حفظ حياة الحيوان، إلّا إذا كانت هناك مصلحة مشروعة للإنسان في التصرف فيه، كأكله أو الاستفادة من شيءٍ في جسمه، انطلاقًا من أنّ وجود الحيوان مسخّر للإنسان، فإذا استلزمت مصلحة حياة الإنسان التصرف في الحيوان، كان ذلك مشروعًا.

وكذلك حين يكون الحيوان مصدر خطر وضرر، فإنه يجوز للإنسان التخلص منه.

أما في غير هذه الصورة فلا يصح إزهاق روح الحيوان عبثًا واعتباطًا.

جاء في الرواية عن عبدالله بن عباس أنّ النبي قال: «لا تَتَّخِذُوا شيئًا فيه الرُّوحُ غَرَضًا»[5] .

أي لا تجعلوا شيئًا من الكائنات الحيّة، هدفًا لإصابتها بالنبال والسهام، من أجل اللعب والتسلية.

وعنه : «لَعَنَ اللهُ مَنِ اِتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا»[6] .

وورد عَنِ الإِمَامِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ الكاظم عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ قَالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ نَصَبُوا دَجَاجَةً حَيَّةً، وَهُمْ يَرْمُونَهَا بِالنَّبْلِ، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ لَعَنَهُمُ اللهُ»[7] .

وقد حرّم كثير من الفقهاء صيد اللهو، بأن يصطاد الإنسان لا للأكل ولا للتجارة، وإنّما ليتلهى بالصيد، وبعضهم رآه مكروهًا.

في المقابل يهتم الإسلام بإنقاذ روح الحيوان من الهلاك، ويجعل لذلك أجرًا بالغًا.

جاء في صحيح البخاري عن رسول الله أنه قال: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ وَخَرَجَ، فَإِذَا بِكَلْبٍ يَلْهَثُ وَيَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَنِي. فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ بِالْمَاءِ فَأَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَطَلَعَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ ذَلِكَ وَغَفَرَ لَهُ».  فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لأَجْرًا؟! فَقَالَ : «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ»[8] .

ويجب على الإنسان أن يوفّر مقوّمات استمرار الحياة للحيوان الذي يكون في حيازته، حيث تجب نفقته عليه، أو يطلقه في فضاء الطبيعة. فلا يجوز حبس الحيوان، وتركه من دون طعام وشراب حتى يموت.

وإذا احتاجت البهيمة للسقي ومعه ما يحتاج إليه لطهارته سقاها وتيمم[9] .

ورد عن رسول الله أنه قال: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ»[10] .

الرفق بالحيوان

ثانيًا: أن يتعامل الإنسان مع الحيوان برحمة ورفق حين يستخدمه.

ورد عن رسول الله : «لِلدَّابَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا خِصَالٌ: يَبْدَأُ بِعَلْفِهَا إِذَا نَزَلَ، وَيَعْرِضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ إِذَا مَرَّ بِهِ، وَلَا يَضْرِبُ وَجْهَهَا فَإِنَّهَا تُسَبِّحُ بِحَمْدِ رَبِّهَا، وَلَا يَقِفُ عَلَى ظَهْرِهَا إِلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يُحَمِّلُهَا فَوْقَ طَاقَتِهَا، وَلَا يُكَلِّفُهَا مِنَ الْمَشْيِ إِلَّا مَا تُطِيقُ»[11] .

وعن شريح بن هاني قال: رَكِبَتْ عائِشَةُ بَعِيرًا، فَكانَتْ فيه صُعُوبَةٌ، فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ، فقالَ لها رَسولُ اللهِ «عَلَيْكِ بالرِّفْقِ، إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شَيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَيءٍ إلَّا شانَهُ»[12] .

ومعنى (فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ) أي تبعثه للسير ثم توقفه فجأة، مما يسبب للبعير أذًى ومشقّةً.

وروي أَنَّ النَّبِيَّ أَبْصَرَ نَاقَةً مَعْقُولَةً وَعَلَيْهَا جَهَازُهَا فَقَالَ : «أَيْنَ صَاحِبُهَا مُرُوهُ فَلْيَسْتَعِدَّ غَدًا لِلْخُصُومَةِ»[13] .

أي إنه سيحاسب يوم القيامة، لأنه وضع الحمل على الناقة قبل السير بمدة، ما يسبب لها إرهاقًا.

وورد انه قال لسوادة بن الربيع: «إِذَا رَجَعْتَ إِلَى بَنِيكَ فَمُرْهُمْ، فَلْيُحْسِنُوا غِذَاءَ رِبَاعِهِمْ، وَمُرْهُمْ فَلْيُقَلِّمُوا أَظَافِرَهُمْ، وَلا يَغْبِطُوا بِهَا ضُرُوعَ مَوَاشِيهِمْ إِذَا حَلَبُوا»[14] .

والرباع ما ولد من الإبل في الربيع، وقيل ما ولد في أول النتاج، وأراد بإحسان غذائها، ألّا يُستقصى حلب أمهاتها إبقاءً على نصيب الولد من الحليب، ومعنى «وَلا يَغْبِطُوا بِهَا ضُرُوعَ مَوَاشِيهِمْ»، أي لا يؤذوا ويخدشوا الضرع بأظافرهم الطويلة.

للحيوان مشاعر وأحاسيس

ثالثًا: أن يراعي مشاعر الحيوان وأحاسيسه، ضمن المستوى المتعارف.

فالحيوان كائن يتمتع بمستوًى من الأحاسيس والمشاعر، تتفاوت بين صنف وآخر، فهناك ما يرضيه وما يغضبه، وما يفرحه وما يحزنه، وما يؤذيه وما يريحه، وهذا ما يدركه من يتعامل معه، فعلى الإنسان أن يراعي مشاعر الحيوان وأحاسيسه، ولا يتعامل معه كما يتعامل مع الجمادات.

ونجد في النصوص الدينية توجيهًا إلى بعض الممارسات المرتبطة بمشاعر الحيوان، فمثلًا تشير بعض الروايات إلى كراهة أن يأكل الإنسان وقربه حيوان ينظر إليه، دون أن يقدّم له شيئًا من الطعام، جاء في رواية عن رسول الله : «مَنْ أَكَلَ وَذُو عَيْنَيْنِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَلَمْ يُوَاسِهِ، اُبْتُلِيَ بِدَاءٍ لاَ دَوَاءَ لَهُ»[15] .

وهذا ينطبق على جميع الحيوانات، وقد يكون ذلك الداء داءً روحيًّا نفسيًّا، وهو القسوة التي تصيب قلب الإنسان.

وروى نَجِيحٍ قَالَ: رَأَيْتُ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَأْكُلُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَلْبٌ كُلَّمَا أَكَلَ لُقْمَةً طَرَحَ لِلْكَلْبِ مِثْلَهَا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، أَلَا أَرْجُمُ هَذَا اَلْكَلْبَ عَنْ طَعَامِكَ؟ قَالَ : «دَعْهُ إِنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ ذُو رُوحٍ يَنْظُرُ فِي وَجْهِي وَأَنَا آكُلُ ثُمَّ لاَ أُطْعِمُهُ»[16] .

وروي عن عبدالله بن مسعود أنه قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اَللهِ فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمْرَةً مَعَهَا فَرْخَيْنِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمْرَةُ تَفْرِشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا»[17] .

و «الْحُمْرَةُ»: طائر صغير كالعصفور، و«تَفْرِشُ»: أي ترفرف بجناحيها.

وعن ابن عباس: أنَّ رَجُلًا أضجَعَ شاةً يُريدُ أن يَذبَحَها، وهو يُحِدُّ شَفرَتَه، فقال له النَّبيُّ : «أتُريدُ أن تُميتَها مَوتَتَينِ؟! هلا حَدَدْتَ شَفْرَتَك قبل أن تُضجِعَها»[18] .

وجاء عن الإمام جعفر الصادق أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علي قَالَ: «لَا تَذْبَحِ الشَّاةَ عِنْدَ الشَّاةِ وَلَا الْجَزُورَ عِنْدَ الْجَزُورِ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ»[19] .

وقد اعتمدت المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي قانونًا ينصّ على عقوبات بحقّ مَنْ يسيء إلى الحيوان، ويعاقب كلّ من يخالف أحكام نظام الرفق بالحيوان، بغرامة لا تتجاوز 50 ألف ريال، ومضاعفتها في كلّ مرة إلى أن تصل نحو 200 ألف ريال، في حال ارتكاب المخالفة للمرة الرابعة، خلال عام من المخالفة السابقة، ويلغى الترخيص بشكل نهائي، والتشهير بصاحبها في صحيفتين محليتين.

وجاء في أحكام النظام أنه يجب على من يريد الاحتفاظ بالحيوانات الالتزام بتوفير المنشآت المناسبة، والظروف المعيشية الضرورية لإيوائها.

ويلزم النظام ملاك الحيوانات أو القائمين على رعايتها باتخاذ جميع الاحتياطات التي تضمن عدم الإضرار أو إلحاق الأذى أو التسبب في ألم أو معاناة الحيوانات[20] .

العناية بالحيوان

رابعًا: العناية بالحيوان:

لا يمتلك الحيوان قدرة عقلية، ولا أدوات فعلية تمكّنه من تحسين ظروف حياته، بل يعيش ضمن ظروف الطبيعة التي تحتضنه، ووفق الغريزة التي منحها الله له.

وعلى الإنسان أن يلتفت لضعف هذا الكائن المسخّر لخدمته، وأن يبذل شيئًا من الجهد والاهتمام للعناية به وتحسين ظروف حياته، وفي ذلك مصلحة للإنسان، حيث تتعزّز في نفسه القيم والمشاعر الإيجابية، وتكون استفادته من الحيوان أفضل مستوًى واستدامة، كما أنّ ذلك موجب لرحمة الله تعالى ورضاه.

عن سهل ابن الحنظلية قال: مَرَّ رَسُولُ اللهِ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ، فَقَالَ : «اتَّقُوا اللهِ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا وَكُلُوهَا صَالِحَةً»[21] .

وقوله «قد لَحِق ظهرُه ببطنه» أي: من الجوع، ومعنى الحديث: خافوا الله في هذه البهائم التي لا تتكلم فتسأل ما بها من الجوع والعطش والتَّعب والمَشَقَّة[22] .

وعن سعيد بن المسيب قال: (رَأَيْتُ عَلِيًّا بَنَى لِلضَّوَالِّ مِرْبَدًا فَكَانَ يَعْلِفُهَا عَلَفًا لاَ يُسْمِنُهَا وَلاَ يُهْزِلُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَمَنْ أَقَامَ عَلَيْهَا بَيِّنَةً أَخَذَهُ وَإِلَّا أَقَرَّهَا عَلَى حَالِهَا)[23] .

والضوال هي الحيوانات التائهة أو السائبة، والمربد: حضيرة لإقامة الحيوانات.

وروي أنه: رُئِيَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللهِ عَنْهُ يَسْقِي حِمَارًا بِالرَّبَذَةِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ النَّاسِ: أَ مَا لَكَ يَا أَبَا ذَرٍّ مَنْ يَكْفِيكَ سَقْيَ الْحِمَارِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ تَسْأَلُ اللهَ كُلَّ صَبَاحٍ- اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مَلِيكًا صَالِحًا يُشْبِعُنِي مِنَ الْعَلَفِ وَيُرْوِينِي مِنَ الْمَاءِ وَلَا يُكَلِّفُنِي فَوْقَ طَاقَتِي فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْقِيَهُ بِنَفْسِي[24] .

قال العلّامة المجلسي معلّقًا: والسؤال يحتمل أن يكون بلسان الحال كناية، عن احتياجها إلى ذلك واضطرارها، فلا بُدّ من رعايتها[25] .

وجاء عن الإمام جعفر الصادق قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ :‌ نَظِّفُوا مَرَابِضَهَا وَامْسَحُوا رُغَامَهَا»[26] .

المرابض: مكان إقامتها، والرغام أيّ التراب والأوساخ التي تلحق بأجسامها، وفي بعض الروايات وامسحوا رعامها بالعين، وهو المخاط الذي يسيل من أنفها.

وورد عنه : «مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يُنَقِّي لِفَرَسِهِ شَعِيرًا، ثُمَّ يُعَلِّقُهُ[27]  عَلَيْهِ إِلَّا كَتَبَ الله لَهُ بِكُلِّ حَبَّةٍ حَسَنَةً»[28] .

مبادرة نحن صوتهم

وهنا أودّ الإشادة بالمبادرة التطوعية الجميلة التي أطلقتها مجموعة من الفتيات في محافظة القطيف، تحت عنوان (نحن صوتهم)[29]  التي تهدف إلى تقديم الرعاية والعلاج للحيوانات التي تحتاج إلى تدخل بشري، في خطوة تسعى إلى ترسيخ ثقافة الرفق بالحيوان وإنقاذ الأرواح الضعيفة في الشوارع.

حيث يتولى الفريق رعاية الحيوانات التي تتعرض لحوادث السير أو التي تعاني من أمراض تتطلب تدخلًا علاجيًا متخصّصًا. ويتمثل دورهنّ في أخذ هذه الحيوانات إلى عيادات بيطرية لتلقي العلاج اللازم على نفقتهن.

تتبع المبادرة آلية مدروسة بعد تعافي الحيوانات، فالحالات المؤهلة للعودة إلى بيئتها الطبيعية يتم إطلاقها في أماكن آمنة ومختارة بعناية، مثل الحدائق التي يوفر فيها الفريق الطعام بشكل دوري، لضمان عدم عودتها إلى نفس الظروف الخطرة التي كانت فيها.

أما الحالات الخاصة، مثل الحيوانات التي تعاني من إعاقة دائمة تمنعها من الاعتماد على نفسها، فيتم إيواؤها بشكل دائم في منازل عضوات الفريق.

إنّ كلّ واحدة منهن خصّصت مساحة في بيتها لرعاية هذه الحيوانات، إدراكًا منهن لاستحالة بقائها على قيد الحياة في الشارع.

ولا يقتصر دور الفريق على الإنقاذ المباشر، بل يمتدّ ليشمل توعية المجتمع وتشجيعه على المشاركة في إنقاذ الحيوانات.

وفي هذا الإطار، يقوم الفريق بتوجيه أفراد المجتمع الذين يعثرون على حيوانات بحاجة للمساعدة إلى شبكة من العيادات البيطرية الشريكة في الخبر والدمام والقطيف وسيهات، التي تقدّم خصومات خاصة دعمًا للمبادرة، مما يسهّل على الناس المساهمة في العلاج بتكلفة أقلّ.

وتسعى المبادرة من خلال هذه الجهود المتكاملة، التي تشمل القطط والكلاب والطيور وغيرها من الحيوانات، إلى تعزيز ثقافة الإنقاذ المجتمعي، وتحويل العمل الفردي إلى تيّار مجتمعي منظم يضمن توفير بيئة أكثر أمنًا ورحمة للحيوانات الضعيفة.

آمل أن تتطور هذه المبادرة وتتحول إلى جمعية رسمية للرفق بالحيوان في محافظة القطيف، أسوة بالجمعيات والمؤسسات المعنية بهذا الشأن في سائر مناطق المملكة.

 

خطبة الجمعة 11 ربيع الآخر 1447هـ الموافق 3 أكتوبر 2025م.

[1]  البروفيسور حيدر أحمد اللواتي، زوايا غير مألوفة.. مواضيع علمية وثقافية من زوايا غير مألوفة‎، الكويت، مركز العلوم الطبيعية، ط1، 2023م، ص62.
[2]  الموسوعة العربية العالمية، الرياض، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، ط2، 1999م، ج9، ص637.
[3]  الموسوعة العربية العالمية، ج9، ص640.
[4]  الموسوعة العربية العالمية، ج9، ص640.
[5]  صحيح مسلم، باب النهي عن صبر البهائم، ح1957.
[6]  الشيخ المجلسي، بحار الأنوار، ج61، ص282.
[7]  بحار الأنوار، ج61، ص268.
[8]  صحيح البخاري، باب رحمة الناس والبهائم، ح6009.
[9]  بحار الأنوار، ج61، ص218.
[10]  صحيح البخاري، باب فضل سقي الماء، ح2365.
[11]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص286، ح2465.
[12]  صحيح مسلم، باب فضل الرفق، ح2594.
[13]  من لا يحضره الفقيه، ج2، ص292، ح2490.
[14]  الإمام أحمد بن حنبل، المسند، حديث سوادة بن الربيع، رقم: 16057.
[15]  ورّام بن أبي فراس، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج1، ص47.
[16]  بحار الأنوار، ج43، ص352.
[17]  الألباني، صحيح أبي داوود، ح5268.
[18]  المستدرك على الصحيحين، ج4، ص231، ح7563.
[19]  الشيخ الكليني، الكافي، ج6، ص230، ح7.
[20]  العربية. نت: التشهير والغرامات المالية عقوبة منتهكي "حقوق الحيوان".
[21]  سنن أبي داود، باب ما يؤمر به من القيام على الدوابِّ والبهائم، ح2548.
[22]  أبو عبدالرحمن محمد شمس الحقّ العظيم آبادي، عون المعبود، شرح سنن أبي داود، ، القاهرة، الدار العالمية، ط1، 2020م، ج5، ص74.
[23]  بحار الانوار، ج41، 117.
[24]  الكافي، ج6، ص537، ح2.
[25]  بحار الأنوار، ج61، ص205.
[26]  الكافي، ج6، ص544، ح3.
[27]  ثم يعلقه: من التعليق، أي: يربطه على فمه.
[28]  سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح2269.
[29]  صحيفة جهات الإخبارية (jehat.net): بعيادات مخفضة وإيواء للمعاقين.. فريق نسائي يرعى حيوانات الشوارع بالقطيف، 28/9 /2025م.