في حوار فكري موسّع
الشيخ الصفار: التعددية ليست خطرًا.. بل ضرورة معرفية وإنسانية

في حوار فكري حافل بالتأملات الفكرية، والنصوص الدينية والتجارب الشخصية، استضافت قناة حيرة سماحة الشيخ حسن الصفار، ضمن سلسلة حوارات فكرية ومعرفية أنتجتها القناة، حيث أدار الحوار: الأستاذ هادي محمد اللواتي من سلطنة عمان، في أجواء هادئة وشفّافة، حول مفاهيم الحوار والتسامح والنظر إلى الآخر الديني والمذهبي والفكري.
الحوار الذي أُجري في مكتب سماحته بالقطيف شرقي السعودية، بتاريخ 22 ذو الحجة 1445هـ الموافق 29 يونيو 2024م، وبُث بتاريخ 15 ذو الحجة 1446هـ الموافق 11 يونية 2025م، واستمر اللقاء أكثر من سبعين دقيقة، بدأ بمحور غير تقليدي، حين تجاوز المحاور الحديث عن السيرة الذاتية، ليغوص مباشرة في عمق التجربة الفكرية والاجتماعية التي خاضها الشيخ الصفار عبر عقود من نشاطه الديني والاجتماعي.
من المعاناة إلى الوعي
سماحة الشيخ استعرض بشفافية لحظة الوعي الأولى لديه، وكيف بدأت ملامحها في مرحلة الطفولة، من خلال التناقض الذي كان يعيشه بين ما يتعلمه في الكتب الدراسية من فكر ديني يُقصي الآخر، وما كان يشهده من سلوكيات متسامحة من معلمين مسيحيين، أو من آخرين مختلفين في المذهب والاتجاه الفكري.
هذا التناقض أيقظ لديه شعورًا بأن هناك خللًا في منظومة التفكير الديني المغلقة، ودفعه لاحقًا إلى إعادة النظر في المفاهيم السائدة حول "الآخر"، سواء كان الآخر غير المسلم، أو غير الشيعي، أو حتى المختلف داخل نفس المذهب.
قال سماحته: "بدأت أستنكر وجود هذه الأسوار: بين المسلمين وغيرهم، وبين الشيعة وغير الشيعة، بل داخل الطائفة نفسها... شعرت وكأننا نعيش داخل ظلمات بعضها فوق بعض".
القرآن.. منطلق لفهم الإنسان
وفي رده على سؤال المحاور حول الأسس القرآنية لفكرة التعددية والحوار، أكد الشيخ الصفار أن القرآن الكريم يعترف بتنوع البشر، ويكرّم الإنسان كإنسان:
حيث يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾، دون قيد دينٍ معين أو مذهبٍ محدد.
كما أشار إلى أن كثيرًا من الآيات التي تُستعمل لتبرير الإقصاء، جاءت في سياقات عدائية من الطرف الآخر، ولا يجوز تعميمها.
ودعا إلى اعتماد الآيات المحكمة والمنسجمة مع العقل كمرجعية أولى، وقال:
"القرآن حمال ذو وجوه، لذلك علينا أن نحتكم للعقل والضمير لفهم النص، لا أن نستخدم النص أداةً لتبرير المواقف المسبقة."
تراث أهل البيت: مدرسة التسامح الإنساني
من أبرز ما طُرح في الحوار، هو إبراز مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) كمصدر معرفي وروحي وأخلاقي للحوار والانفتاح.
وسرد الشيخ نماذج مؤثرة من سيرة الأئمة، منها موقف الإمام علي مع الخوارج، وتعامله مع من كان يناوئه ويشتمه، وموقف الإمام علي بن موسى الرضا
في مناظراته مع كبار أتباع الديانات والمذاهب المختلفة.
كما انتقد الخطاب الديني الذي يغيّب هذه الجوانب المشرقة من التراث، ويستعيض عنها بروايات تعبويّة جاءت في ظروف سياسية واجتماعية خاصة.
وقال في هذا السياق: "نحن نُغيب الروايات التي تحترم الإنسان، ونُكرّر الروايات التي كتبها المتعصّبون والمغرضون. وهذه مسؤولية الخطاب الديني اليوم أن يُعيد ترتيب أولوياته".
الغضب لله.. لا يُبرّر الشتم
في أحد المحاور التي حظيت بتفاعل كبير، ناقش الحوار متى يغضب الإنسان المؤمن، وكيف يُعبّر عن غضبه دون أن يقع في المحظور.
وأكد الشيخ الصفار أن الغضب لله لا يعني التفلت من الأخلاق، مستشهدًا بقول الإمام علي : "إذا غضب لم يُخرجه غضبه عن طاعة الله". وبيّن أن الرد على البدع والانحرافات يكون بإظهار العلم والحق، لا باللّعن ولا بالإسقاط ولا بالتكفير.
وفي هذا الإطار، حذر من "القتل المعنوي" الذي يُمارس أحيانًا باسم الدفاع عن العقيدة، حين تُستعمل ألفاظ التحقير والتخوين والاتهام في الدين تجاه مفكرين أو فقهاء لمجرد الاختلاف معهم في الرأي.
خطابنا الديني.. إلى أين؟
في ختام الحوار، طرح سماحة الشيخ الصفار رؤيته لواقع الخطاب الديني المعاصر، مؤكدًا أن الخطر لا يكمن في وجود التعدد، بل في عدم احترامه.
وأوضح أن معظم القضايا الدينية، كما يؤكد كبار العلماء، لا تصل إلى درجة القطع، وإنما هي مسائل ظنية اجتهادية، وبالتالي فإن فرض رأي معين بوصفه "الصحيح الوحيد" يُعد افتراءً على الدين والعقل معًا.
واستشهد بكلمات من الشهيد السيد محمد باقر الصدر، والمرجع الشيخ إسحاق الفياض، حول ضآلة نسبة المسائل الدينية التي تصل إلى القطع، مؤكدًا أن الاحترام المتبادل هو السبيل إلى الاستقرار والسلم الاجتماعي وإلى الرضا الإلهي.
واختتم بقوله: "حين نحترم الاختلاف، ونُحسن الظن، ونترفّع عن لغة التحقير، نكون أقرب إلى الله، وإلى رسوله ، وإلى أئمة الهدى
".
لمشاهدة الحلقة:
https://www.youtube.com/watch?v=LZG7aK77W5k