دور الأسرة في المعركة ضدّ المخدّرات

 

يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. [سورة التحريم، الآية: 6]

يمثل انتشار المخدّرات تحدّيًا بالغ الخطورة أمام مختلف المجتمعات الإنسانية، وخاصة في البلدان النامية.

لأنّ الإدمان على المخدرات يفتك بصحة الإنسان الجسمية والنفسية والعقلية، ويستنزف الإمكانات المادية، وقد يدفع إلى ارتكاب مختلف الجرائم، مما يشكّل خطرًا على استقرار الأسرة وأمن المجتمع.

ورغم الإجراءات التي تتخذها الدول والحكومات للحدّ من تهريب وترويج المخدّرات، إلّا أنّ الجهات المستفيدة من نشرها وترويجها، تتفنّن في استخدام مختلف الطرق والوسائل الماكرة لتحقيق أغراضها.

إغراق مجتمعنا بالمخدِّرات

ومن الطبيعي أن تكون بلادنا مستهدفة من جهات ترويج المخدّرات، وذلك لأنّ في بلادنا ملاءمة وسيولة مالية، تجعلها سوقًا مغرية جاذبة لمافيات وعصابات تجارة المخدّرات.

ولأنّ بلادنا تمثّل أجلى وأعرق رمزية روحية دينية، باحتضانها الحرمين الشريفين، وكونها مهبط الوحي، ومهد انبثاق الإسلام، وقبلة المسلمين، لذلك تريد الجهات المعادية إضعاف روح الانتماء والالتزام الديني في نفوس وسلوك أبناء هذه البلاد، عن طريق نشر المفاسد الأخلاقية، ومن أسوئها إدمان المخدّرات.

ولأنّ بلادنا تعيش حالة نهوض، ومشاريع تنمية جادّة، يراد إفشالها وإرباكها بتحييد وتعطيل طاقات أبنائها وشبابها، بإيقاعهم في فخ الإدمان على المخدّرات، ومن ثمّ يصبحون خطرًا على أمن المجتمع والوطن.

إنّ أرقام الكميات الهائلة التي تحبط الجهات الأمنية محاولات تهريبها إلى البلد، تدلّ على أنّ هناك استهدافًا لإغراق مجتمعنا بالمخدّرات.

خطر محدق قائم

خلال الأيام القريبة الماضية أسفرت حملات للجهات الأمنية والحكومية في خمسة أيام، عن ضبط نحو 16.9 مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدّر والكبتاجون، في 17 منطقة ومحافظة، بواقع نحو 3.3 ملايين قرص مخدّر يوميًّا، فيما تم القبض على 71 من المتورطين في محاولات التهريب والترويج والحيازة[1] .

إنّ المهربين للمخدّرات يتفنّنون في وسائل إجرامهم، ويبتكرون أساليب شيطانية متجدّدة لا تخطر على بالٍ، لكنّ جهود القوى الأمنية لهم بالمرصاد.

إنه لم يعد الحديث عن خطر المخدّرات على أبنائنا حديثًا عن خطر قادم، بل هو خطر محدق قائم، لا يقتصر انتشاره على أوساط الشباب والرجال، بل غزا أوساط الفتيات والنساء، وشهدت مختلف مناطق المملكة وقوع جرائم مرعبة بسبب تناول المخدّرات، كالحادث الفظيع الذي وقع في مدينة صفوى في السنة الماضية[2] ، حيث أقدم شاب مصاب بآفة المخدّرات، على محاصرة أبيه وأمه وأخيه وأخته في غرفة مغلقة، وأضرم فيها النيران، ليقضيَ على حياتهم في آخر ساعة من نهار صيامهم[3] .

وقد كشفت وزارة الصحة أنّ في المملكة أكثر من 200.000 شخص مدمن[4] ، ونسبة قليلة منهم يسعون للعلاج، وقد تتسع مساحة المدمنين لا سمح الله، إن لم يبذل الجهد الكافي لمحاصرتها وتقليصها.

وهذا ما دفع قيادة الوطن لإعلان المواجهة الحاسمة، والحرب الشاملة على المخدّرات، حيث تصدّى سمو ولي العهد لرئاسة اللجنة الوطنية لمكافحة المخدّرات، وأصبحنا نسمع عن إنجازات أمنية يومية جبّارة على هذا الصعيد، وأصبح هناك تفعيل صارم لنظام العقوبات ضدّ المهربين والمروجين والمتعاطين.

إنّ نجاح هذه المعركة، والانتصار في الحرب على المخدّرات، يتطلّب تضافر الجهود الأهلية المجتمعية، إلى جانب جهود الأجهزة الحكومية، في قيادة المعركة.

الأسرة المتضرر الأول والأكبر

ونركز اليوم حديثنا عن دور الأسرة في المعركة ضدّ المخدّرات. فالأسرة لها دور أساس في توجيه مسار حياة أفرادها، كما أنّها المتضرر الأول والأكبر من وقوع أحد أفرادها في براثن المخدّرات، فإذا كان الزوج أو الزوجة أو أحد الأبناء والبنات متعاطيًا للمخدّرات، فقد يحوّل حياة الأسرة جميعها إلى جحيم، ويسلبهم الشعور بالسّعادة والأمان.

ويتجلّى دور الأسرة في بُعد الوقاية والحماية، وبعد العلاج والإنقاذ.

إنّ استقرار الأسرة، وتماسكها الداخلي، واحتضانها لأفرادها، يوفّر جوًّا من الحماية ووقاية أبنائها من متاهات الفساد والانحراف.

وغالبًا ما يكون ضحايا المخدّرات من أبناء الأسر المتفككة، أو المُهمِلة لأبنائها.

المراقبة والمبادرة بالتوعية

إنّ الملاحظة والمراقبة الحكيمة لسلوك الأبناء، وشبكة علاقاتهم، ومبادرتهم بالتوعية حول التحدّيات التي تواجههم في مراحل حياتهم المختلفة، عنصر مهم في الوقاية والتحصين.

إنّ المروجين يستغلّون أوقات الامتحانات لإغراء الطلاب والطالبات بتناول الحبوب المنشّطة كي تساعدهم على السّهر والمذاكرة، فتكون طريقًا للإدمان.

ويستدرجون بعض من يعمل في قيادة حافلات المسافرين ونقل البضائع، بنفس الإغراء، أي تناول الحبوب المنشّطة، ليستطيعوا مواصلة السياقة لمدة طويلة دون شعور بالنعاس، والحاجة إلى النوم، ثم ينضم هؤلاء إلى قائمة المدمنين والمروجين.

كما أنّ رفقاء السوء، وخاصة في الرحلات والسفرات، وأوقات الفراغ في أيام العطل، يمثل فرصة للمروجين، فلا بُدّ من انتباه الأسر والعوائل.

وتفيد بعض الدراسات أنّ الأبناء الذين يتلقون رسائل توعوية عن أضرار المخدّرات من والديهم، أقلّ عرضة لاستخدامها بنسبة 50%.

إنّ بعض الآباء قد ينشغل عن رعاية أبنائه بحضور المجالس الليلية والديوانيات، أو كثرة الأسفار، أو سائر الهوايات، بينما قد تختطف أبناءه الجهات الفاسدة، أو شبكات التواصل الاجتماعي، وحينئذٍ تتحول حياة الأسرة كلّها إلى جحيم.

أعراض تعاطي المخدّرات

وتتحدّث الدراسات والتقارير عن بروز بعض الدلائل والمؤشّرات على شخصية وسلوك من يبدأ بتعاطي المخدِّرات، فعلى الأسرة أن تلاحظ سلوك أبنائها.

ومن تلك المؤشّرات:

1/ ارتفاع وتيرة صرف المال عند الولد، بأن يطلب من أهله المزيد من المال. وقد تختفي بعض المبالغ والحاجيات من البيت، لقيام الولد المتعاطي بسرقتها لتمويل شرائه للمخدِّرات.

2/ حالات العزلة والانكفاء لحاجته لذلك أوقات التعاطي.

3/ التغيّرات المزاجية بسرعة الغضب، أو استخدام العنف، والإساءة للوالدين.

4/ دخول أصدقاء جدد على حياة الولد.

5/ كثرة الغياب عن المنزل.

6/ انخفاض الاهتمام الدراسي.

7/ عدم الاهتمام بالمظهر والاناقة.

وبعض المتورّطين في تعاطي المخدِّرات قد لا تبدو عليهم أعراض واضحة، كما لا يعني وجود عرض من هذه الأعراض أو حتى عدد منها حتمية ابتلاء الولد بالمخدِّرات، لكنّ ذلك يستوجب الاهتمام والمتابعة للتأكد من الأمر.

دور العلاج والإنقاذ

أما في مجال العلاج والإنقاذ، فإنّ على الأسرة أن تتعامل في البداية مع مَنْ تورّط مِنْ أبنائها في تعاطي المخدّرات، تعاملًا حكيمًا بشفقة، كما هو التعامل مع الفرد المريض، بالاجتهاد في إبعاده عن أسباب وقوعه وتورطه، وبتكثيف النصح والتوعية له، وبإقناعه بسلوك طريق العلاج.

فقد أنشأت الدولة مستشفيات للصحة النفسية وعلاج حالات الإدمان، مثل مستشفى إرادة (الأمل سابقًا)، حيث تستمرّ دورة العلاج مدة شهرين، تكلف 90.000 ريال لكلّ مريض بمعدل 1500 ريال لليوم الواحد.

إنّ بعض الأسر تحاول التستر على من تورّط من أبنائها، وتستعيب الذهاب به إلى العلاج، حتى لا ينكشف الأمر أمام الآخرين، لكنّ النتائج حينئذٍ ستكون وخيمة، وعلى المجتمع أن يعيد النظر في التعاطي مع موضوع انحراف بعض أبناء الأسرة، فلا يتسرّع في تحميل أسرته المسؤولية؛ لأننا نعيش عصرًا قد تتغلّب فيه عناصر التأثير الخارجي على تربية الأسرة.

كما أنّ حالة الشقاء قد تسيطر على نفوس بعض الأبناء، حتى مع صلاح أسرتهم، وعدم تقصيرها في تربيتهم.

لذلك يحدّثنا القرآن الكريم عن خيانة زوجتي نبيين، يقول تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا. [سورة التحريم، الآية: 10].

كما يحدثنا عن ضلال ابن نبي الله نوح ، يقول تعالى: ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ‎﴿٤٥﴾‏ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ. [سورة هود، الآيتان: 45-46].

ويحدثنا التاريخ عن انحراف بعض أبناء الأئمة الطاهرين، وبعض أبناء العلماء الصالحين.

يقول تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وقد وردت خمس مرات في القرآن الكريم، لتؤكّد على مسؤولية الفرد أولًا وبالذات عن أعماله ومواقفه؛ لأنّ الله منحه الإرادة والاختيار، ولا يتعدّى دور العوامل الأخرى كالتربية الأسرية مستوى التأهيل والإعداد، دون الفرض وسلب القدرة على الاختيار.

 

خطبة الجمعة 15 شوال 1444هـ الموافق 5 مايو 2023م

[1]  https://www.alwatan.com.sa/article/1124597
[2]  حدث الحريق يوم الخميس 20 رمضان 1443 هـ الموافق 21 أبريل 2020م، وكان من ضحاياه: الأب زهير علي سلمان الملا، وزوجته صديقة السيد حسين آل درويش، وابنهما محمد (29 سنة)، وابنتهما عقيلة (17سنة).
[3]  https://www.sobranews.com/sobra/169826
[4]  https://www.alwatan.com.sa/article/1124894