تقديم لكتاب (عمرو الاطرف بن علي) لمؤلفه الأستاذ عبدالله بن علي الرستم الأحسائي

مكتب الشيخ حسن الصفار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

كان انتاج المعرفة الدينية في مجتمعاتنا حكرًا على علماء الدين، كشريحة تحترف القيام بوظائف الارشاد الديني وتتفرغ له، فهم يلقون الخطب، ويؤلفون الكتب، ويمارسون التعليم، ويبثون الأحكام الشرعية، وينشرون الثقافة والمعارف الدينية.

وذلك حين كانت الأميّة سائدة في هذه المجتمعات، وكان أفراد الناس مشغولين بتحصيل لقمة العيش عبر الفلاحة والأعمال الحرفية المختلفة، ولم تكن وسائل العلم والمعرفة متاحة للناس.

لكن مجتمعاتنا اليوم تعيش وضعاً مختلفاً، فقد انحسرت الأمّية والحمد لله، وانتشر التعليم، وارتقت مجاميع من أبناء المجتمع إلى مستويات التعليم العالي، كدرجة الماجستير والدكتوراة والبروفيسور، حيث كشفت احصائية حديثة أن نسبة الأمية من إجمالي السكان السعوديين في حدود 5.5% وهي قريبة من معدلاتها في الدول المتقدمة التي تدور في فلك 5% وطبقاً للإحصائية فإن عدد من يحملون درجات الماجستير والدكتوراة في المملكة يزيد على ربع مليون شخص (254.444) بنسبة تقدر بنحو 1.2% من اجمالي السكان، بينما يبلغ اجمالي من يحملون شهادات من مختلف المراحل فضلاً عمن يجيدون القراءة والكتابة ما نسبته 93.3% من اجمالي السكان.

كما توفرت وسائل تحصيل المعرفة وتدويرها بفضل التقدم التكنولوجي والتقني، حيث أفادت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في السعودية: أن عدد مستخدمي الانترنت في المملكة بنهاية النصف الأول من العام 2013م وصل إلى أكثر من 16 مليون مستخدم.

هذا التطور المعرفي الايجابي لا بد أن ينعكس على واقع انتاج المعرفة الدينية، بأن تتسع رقعة المؤثرين في ساحتها، فلا تكون حكراً على علماء الدين.

وعلينا أن نشجع هذا التوجه، لزيادة ومضاعفة الجهود في خدمة المعرفة الدينية، ونشر ثقافتها، وللاستفادة من الكفاءات والقدرات، وخاصة الاكاديمية في أوساط أبناء الأمة، لإثراء ساحة البحث والفكر الديني.

صحيح أن استنباط الحكم الشرعي، واصدار الفتاوى الفقهية، يحتاج إلى تأهيل خاص، ببلوغ رتبة الاجتهاد، وتحصيل درجة الفقاهة، لكن ذلك لا يشمل سائر مجالات المعرفة الدينية، كالتاريخ والأخلاق والتربية والاجتماع والثقافة العامة.

بل إن بعض الباحثين والأكاديميين المتخصصين في هذه المجالات، قد يكونون اقدر على معالجتها، وتقديم الانتاج المتميز فيها، من علماء الدين المقتصرين على التخصص الفقهي والأصولي.

ومن بشائر الخير في مجتمعنا بروز نخبة من الأدباء والمثقفين المهتمين بالمعارف الدينية، والمتصدين للشأن الاجتماعي العام، وهم إلى جانب علماء الدين المخلصين الواعين، يشكلون الطليعة التي تعقد عليها الآمال لقيادة المجتمع نحو الرقي والتقدم.

والأخ الفاضل الأستاذ عبدالله بن علي الرستم الأحسائي، هو أنموذج مشرق من تلك النخبة المثقفة الواعية، فقد توفّر على مستوى معرفي رفيع، من خلال المطالعة والقراءة الجادّة، واكتسب خبرة البحث والتتبع في التراث والتاريخ، عبر ممارسة الكتابة والنشر، حيث نشر عدداً من المقالات والأبحاث في مختلف المجلات المتخصصة في التاريخ والتراث، كمجلة العرب، ومجلة الواحة، ومجلة الساحل، وغيرها من المجلات والصحف اليومية.

كما سبق له أن أصدر كتاباً قيمّاً عن تاريخ الإمام علي السياسي، ويسعدني أن أقدم للقراء كتابه الجديد، عن شخصية أحد أبناء أمير المؤمنين علي وهو (عمرو الأطرف) والذي نقلت عنه مصادر الحديث السنية والشيعية عشرات الأحاديث والروايات، واختلفت الآراء حول تقويم شخصيته، لكن ترجمته لم تحظ باهتمام كاف من قبل الباحثين، لاستجلاء الغموض حول بعض جوانبها.

وقد بذل المؤلف الكريم جهداً كبيراً في تتبع سيرة هذه الشخصية، وجمع شتات أخبارها، من مختلف المصادر التي بلغت مئة مصدر ومصدر، كما جمع كل ما نقلته المصادر من مروياته، حيث بلغت مئة وعشرة أحاديث في مختلف أبواب المعرفة الدينية.

حيّا الله المؤلف الفاضل باحثاً وناشطاً في خدمة المعرفة والدين، وجزاه الله خير الجزاء على جهوده في إثراء حركة الثقافة والفكر، ووفقه للمزيد من الانتاج والعطاء من أجل تقدم المجتمع ورقيّه.

والحمد لله رب العالمين.

حسن بن موسى الصفار

6 صفر 1435هـ

10 ديسمبر2013م

الطبعة الأولى 2014م ـ مؤسسة التاريخ العربى بيروت لبنان.