القراءة مفتاح تقدم الأجيال
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..
أهلا وسهلا بكم..
لقد أسعدتمونا جميعا بحضوركم أخوة وأخوات في هذه الأمسية المباركة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين..
ورد عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب انه قال: إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته.
السنوات التأسيسية في عمر الإنسان، أي مرحلة الطفولة، هي السنوات التي تصوغ شخصيته، وتؤسس لتوجهاته وسلوكه، فمن كان يهمه أمر الجيل الصاعد، فعليه أن يبدي الاهتمام بهذا الجيل في المرحلة التأسيسية، في مرحلة الطفولة.
فكما أن البيت يشاد على قواعد، وبمقدار ما تكون القواعد صلبة قوية، يكون البناء متماسكاً قوياً، كذلك فإن قواعد شخصية الإنسان وسلوكه، تتمثل فيما يتربى عليه في مرحلة الطفولة، فإذا كانت هذه القواعد قوية راسخة ثابتة، فإن البناء الذي يتأسس على تلك القواعد سيكون مستقيماً ثابتاً.
إن من أهم الأشياء التي ينبغي أن نهتم بها في تربية الناشئة، أن نعطيهم مفاتيح التقدم في هذه الحياة، كيف يبنون حياتهم؟ وكيف يتقدمون؟
فمن الواضح جداً أن المعرفة والثقافة هي سبيل الإنسان للتقدم والتفوق في هذه الحياة.
من الأخطاء التي ترتكبها بعض المجتمعات أن يُتعامل مع التعليم باعتباره ضرورة، وبالتالي يقبل عليه الإنسان مضطراً.
يقال له: لن تستطيع أن تعمل، لن تستطيع أن تواصل مشوار حياتك في هذا العصر إلا عبر التعليم، فيتعامل مع التعليم باعتباره مضطراً إليه، وفي كثير من الأحيان لا يكون لهذا العلم الذي يتلقاه الإنسان في المدرسة عشق ومحبة، وإنما هو واجب مفروض عليه.
ولعل هذا من الأسباب التي تجعل الأبناء في كثير من الأحيان يتمردون، ويودون لو أنهم أعفوا عن الذهاب إلى المدرسة.
إننا نرى اليوم بعض أبناءنا يتفننون في صنع المبررات للهروب من الدراسة، وخاصة في المجتمعات التي تعطي المبررات لهذا التصرف، ككثرة المناسبات الدينية والاجتماعية.
لقد نشأ جيل ملم حتى بالمناسبات التي ما كان يحتفى بها سابقاً في المجتمع، أصبح أبناؤنا أكثر معرفة منا بتواريخها، لا لشيء إلا لأنها تبرر لهم عدم الذهاب للمدرسة، هذا يكشف لنا أن التعليم في بعض الأحيان لا ينبثق من رغبة ومحبة في نفس الطالب، وهذا أمر سيء، كيف لنا أن نأمل في أن يصبح أبناؤنا نوابغ؟ أو أن يصبحوا متفوقين؟ إذا كان إقبالهم على الدراسة والعلم، إقبال الكاره المضطر.
ولعل هذا من أسباب أن مدارسنا وجامعاتنا تخرج موظفين، ولا تخرج علماء، أو مخترعين ومكتشفين.
المجتمعات الأخرى تنظر إلى الدراسة، وإلى الجامعة، على أنها تعلم الإنسان كيف يحرك ذهنه، وتزرع في نفسه عشقاً للعلم والمعرفة، لذا نجده يقبل على العلم رغبة فيه، ويتجه للدراسة عشقاً لها.
أيها الأخوة: النصوص الدينية التي تتحدث عن طلب العلم، وثواب طلب العلم، وأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، وأن الأرض والسماء والحيتان يستغفرون لطالب العلم، طبعاً البعض يتصور أن الحديث فقط عن طلب العلم الديني، ولكن لغة هذه النصوص لغة مطلقة.
القرآن الكريم والنصوص تشيد بالعلم كعلم، وتشجع على دراسة العلم باعتباره يكشف سنن الطبيعة، ويعرف الإنسان بعظمة الخالق، ويمكن الإنسان من إعمار الكون.
هذه النصوص تريد أن تجعل الإنسان مقبلاً على العلم كهدف، وليس كوسيلة لتحصيل الوظيفة، أو لتحصيل الموقع، لذلك فإن الشعوب المتحضرة تعمل، وتخطط لزرع الشوق والرغبة في نفوس أبنائها للعلم والمعرفة، وتحتل مسألة قراءة الكتاب موقع الصدارة في برامج هذه الشعوب والمجتمعات.
إنهم يخططون ويصرفون جهوداً كبيرة من أجل تربية الأطفال على مطالعة الكتب، بالطبع قراءة الكتب باعتبارها شيئا اختيارياً، خارج الإطار الدراسي، تعني زرع حب المعرفة والثقافة والأدب في نفوس الأبناء.
نحن في حاجة ماسة إلى أن نهتم بهذا الأمر، ينبغي للأسرة أن تصرف جهداً في هذا المجال، وكما تحدث الخبراء فإن من العوامل المساعدة حضور الكتاب في البيت.
يجب أن تكون هناك مكتبة في كل بيت، طبعاً تصميم ديكور البيوت الآن أصبح يوضع فيها مكتبة، وهذا التصميم جاءنا من المجتمعات الأخرى، لأنهم هناك بالفعل تكون المكتبة في صدارة البيت، ويهتمون بالكتب أكثر مما يهتمون بالأشياء المادية الأخرى.إن جود الكتاب في المنزل أمر مشجع ومساعد.
هناك مسألة مهمة، وهي أن الطفل يميل إلى التقليد، إلى محاكاة أبيه وأمه وأسرته، إذا أردنا أن يقبل أبناؤنا على قراءة الكتب، فعلينا أن نقرأ الكتب أمامهم، أن يرى الطفل أباه وهو يقرأ الكتاب، أن يرى أمه وهي تقرأ الكتاب، وكذلك إخوته الكبار وأخواته، هذا ما يدفعه لتقليدهم، وللتأسي بهم.
من جانب آخر فإن الطفل لديه علامات استفهام كثيرة، وتساؤلات: ما هذا؟ وما ذاك؟
لدى الطفل أسئلة كثيرة، وعنده فضول، وخاصة عندما يتفتق ذهنه، علينا أن نحيله إلى الكتب.
حينما يسألنا الطفل عن أي ظاهرة كونية، أو حينما نثير السؤال في ذهنه، لماذا ينزل المطر يا بني؟ من أين يأتي المطر يا بني؟
دعه هو يتفاعل مع هذا السؤال، ثم ائت له بكتاب مبسط يشرح له هذه الظاهرة، هذا هو ما يدرب الطفل أن يبحث عن إجابة لتساؤلاته في الكتب.
من جانب ثالث يشير الخبراء إلى أن الطفل لديه غريزة التملك والاحتياز، يريد أن تكون له أشياءه، ليس فقط في مجال الألعاب، بل في مختلف المجالات، علينا أن نستثمر هذه الحالة بأن نشعره بأن اقتناء الكتاب له قيمة، وبالتالي نذهب معه إلى المكتبة، يرى من يشتري الكتب، ويختار أنواع الكتب، نحن نأخذ أبناءنا إلى الأسواق، ونرى الأطفال يطلبون من آبائهم بأن يشتروا لهم هذه اللعبة أو ذاك الطعام أو هذه الحلويات.
حينما نأخذ الأبناء إلى المكتبة، ويرون القصص، ويرون صور الكتب المشوقة، ويرون الآخرين يشترون، فإن هذا يخلق شهية في نفس الطفل للكتاب، ولو من أجل الاقتناء، هذا بحد ذاته يؤسس لنوع من العلاقة بينه وبين الكتاب.
لقد أثلج صدورنا انبثاق هذه المبادرة في مجتمعنا القطيفي، بأن يكون هناك مهرجان، ومعرض من أجل تشجيع الأطفال على القراءة، ومن أجل تعزيز قيمة الكتاب في حياة الطفل، إنها مبادرة رائعة، جميلة، لابد لنا أن نتوجه بالشكر لمن قام بهذه المبادرة، ولمن رعاها، ولمن شجعها، وتعاون معها.
فإن زيارة 3000 طفل لهذا المهرجان مؤشر طيب، نأمل أن يستمر هذا البرنامج، وأن ينعقد سنوياً على الأقل، وأن نحشد قدراتنا وجهودنا من أجل إنجاحه، بأن نأخذ أبناءنا وأطفالنا لزيارة المهرجان، لأن رقم 3000 لأول مرة رقم جيد، لكنه مع أخذ الكثافة السكانية في مجتمعنا بعين الاعتبار، فإنه لا يزال رقماً محدودا، علينا أن نخطط من الآن من أجل مهرجان اكبر، وأوسع في السنة المقبلة إن شاء الله.
وما هذا التكريم في هذا المساء للإخوة القائمين على هذا المهرجان، إلا من أجل تحفيز الهمم، والحث والتحريض على الاهتمام بالمهرجان القادم، بشكل أفضل وأوسع إن شاء الله.
أكرر شكري للإخوة والأخوات الذين شاركوا في هذا البرنامج، وما يقدم لهم من تكريم رمزي هو جزء من حقهم علينا، وهم يستحقون أكثر من ذلك.
أسأل الله تعالى لهم التوفيق والخير، وأرجو أن تتعدد مثل هذه المبادرات وتتكثف في مجتمعنا، فتاريخ مجتمعنا الحضاري، وتراثه الثقافي، يؤهله لكي يكون مجتمعاً تكثر فيه مثل هذه المبادرات الرائعة.
الشكر لكم جميعاً على حضوركم، ومشاركتكم في الاحتفاء بهذه النخبة الطيبة التي قامت بهذه المبادرة الرائعة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين.