الشيخ سعد نموذج أخلاقي
تستحق أخلاق فقيدنا الغالي الشيخ سعد أبو السعود (1385 ـ 1428)، ونحن نعيش الذكرى السنوية لرحيله المؤلم، أن تكون عنوانًا لشخصيته، رغم وجود عناوين أخرى في شخصيته الكريمة رحمه اللّه.
ذلك أن أخلاق الإنسان في تعامله مع الناس في حياته هي التي تشكل الانطباع الأساس عنه في نفوس الآخرين، فمهما امتلك الإنسان في شخصيته من نقاط قوة ومقومات كالحسب والنسب، أو العلم والمعرفة، أو المنصب والجاه، أو المال والثروة، فإن جذب القلوب لن يتحقق بأي من تلك المواصفات كما يتحقق بأخلاق المعاشرة والتعامل.
لقد كان رسول اللّه حائزًا على أرفع درجات الفضائل والمكارم، وفي طليعتها اختيار اللّه تعالى له بالنبوة والرسالة، وائتمانه على آخر كلمة ومقطع من الوحي الإلهي، لكن الصفة الأبرز والوسام الأرفع الذي منحه اللّه تعالى له هو عنوان الأخلاق في شخصيته العظيمة ، حيث يقول تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، مع علم اللّه تعالى بأنه على وحي عظيم، وعلى علم عظيم، وعلى جمال عظيم، وعلى نسب عظيم، وعلى عبادة عظيمة، وشجاعة عظيمة... إلى آخر الفضائل التي يقف على سنامها الأعلى.
وفي مورد آخر، يؤكد القرآن الكريم بلغة واضحة حاسمة، أن كل نقاط القوة والعظمة في شخصية رسول اللّه ، لم تكن كفيلة بجذب الناس إليه وكسبهم إلى جانب رسالته لو كانت أخلاقه فظة سيئة، يقول تعالى: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾.
كما أننا نجد في النصوص الدينية ما يؤكد على أولوية الأخلاق، وتقديمها على سائر الملكات والصفات.
إن رسول اللّه يعرّف الإسلام بأنه حسن الخلق، حيث ورد عنه أنه قال: «الإسلام حسن الخلق». ويلخص وظيفة بعثته ورسالته بما روي عنه : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
كما ورد في أحاديث وروايات كثيرة أن أهم ما يرفع مقام الإنسان في الآخرة هو حسن خلقه، كالحديث المروي عنه أنه قال: «ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيام أفضل من حسن الخلق».
وعن الإمام الصادق أنه قال: «ما يقدم المؤمن على اللّه عز وجل بعمل بعد الفرائض أحب إلى اللّه تعالى من أن يسع الناس بخلقه».
من هذا المنطلق يطيب لي عنونة شخصية الفقيد الغالي بهذا العنوان، لقد كان رحمه اللّه حسن الأخلاق في تعامله ومعاشرته مع الآخرين، لم يكن يثقل نفسه ولا يلوث قلبه بالأحقاد والأضغان، ولم يكن يسمح للسانه بأن يخوض في أعراض الآخرين أو ينال منهم، ولم يكن يرضى بمغادرة البشاشة لمحيّاه أمام الآخرين.
كان يحتفظ بآرائه وقناعاته ويدافع عنها، وربما خالف هذا وذاك في هذا الرأي أو ذلك الموقف، دون أن يعني ذلك الخصومة أو القطيعة مع الطرف الآخر.
إنه نموذج وقدوة على هذا الصعيد يحتاج إليه وسطنا الديني الذي تشوبه حالات من التشنج على أساس الاختلاف في الرأي أو تضارب المصلحة، وتفصل بين أطرافه حواجز من الحساسيات التي لا داعي لها.
والأدهى والأمر أن يُعطى لحالات الخصام والعداوة وانتهاك حقوق الآخرين المخالفين في الرأي صبغة دينية، وكأننا نتقرب إلى اللّه تعالى بمعاداة بعضنا بعضًا.
لقد حذر الإمام الصادق من حدوث مثل هذه الحالة بين أتباعه من المؤمنين قائلًا: «ما أنتم والبراءة يبرأ بعضكم من بعض؟ إن المؤمنين بعضهم أفضل من بعض، وبعضهم أكثر صلاة من بعض، وبعضهم أنفذ بصيرة من بعض، وهي الدرجات».
رحمك اللّه يا شيخ سعد، كنت تعي توجيهات أئمتك، وكنت كريمًا في أخلاقك، وستكون سعيدًا بها في الآخرة إن شاء اللّه.
بحق إنك نموذج أخلاقي.
حسن موسى الصفار
الخميس 3 جمادى الأولى 1429
8 مايو 2008م