تقديم لكتاب «أفئدة بلا عواطف» لمريم محمد العيد

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.

كنت أعرف على المستوى النظري أهمية إشباع الجانب العاطفي من شخصية الإنسان، لكنني ومن خلال عملي الاجتماعي، أدركت عمق هذه الحاجة، ومدى خطورة النتائج التي تترتب على الإهمال العاطفي في الحياة العائلية، ولعلي لست مبالغاً حين أقول إن معظم المشاكل الأسرية، وحالات الانحراف السلوكي ناتجة عن فراغ عاطفي، وقصور أو تقصير في إشباع هذه الحاجة.

فقد تابعت معالجة بعض المشاكل العائلية لأفراد ينتمون إلى عوائل تتمتع بإمكانيات مادية كبيرة، تعيش في بيوت فارهة هي أشبه بالقصور، وتحت تصرف أبنائها أغلى السيارات، وعندهم الخدم والحشم، وتتوفر لهم فرص التعليم العالي، ولا ينقص أفراد تلك العائلة أي شيء على المستوى المادي.

لكنهم يفقدون الشعور بالسعادة والراحة في علاقاتهم الداخلية، حيث يعيش كل واحد منهم عالمه الذاتي الخاص، بعيداً عن أسرته، فالأب منشغل بإدارة ثروته، والأم مستغرقة في اهتماماتها الخاصة، والأولاد متروكون كل حسب محيط صداقاته وهوياته.

يجمعهم بيت واحد كأجسام، لكنهم بعيدون عن بعضهم في الأرواح والاهتمامات، تماماً كما يجمع الفندق بين نزلائه المختلفين الذين لا علاقة لأحد منهم بالآخر.

ثم لا يلبث هذا الجفاء والجفاف في أجواء هذه العوائل حتى يتحول إلى أرضية تعزز المشاكل والخلافات فيما بينهم، وقد تدفع بعضهم للانتقام من بعض.

وفي اتجاه آخر قد يدفع هذا الجوع الروحي العاطفي إلى الوقوع في مهاوي الرذيلة والفساد. فكم اطلعت على حالات مؤسفة لزوجات أو أزواج أو أولاد من ذكور وإناث، قد وقعوا في حبائل الشيطان فأدمنوا المخدرات، أو تورطوا في علاقات غير مشروعة وسلوك غير سويّ، بحثاً عن ما يفقدونه من حب وحنان، أو ردّ فعل لذلك الفراغ.

إن كلاً من الزوجين يحتاج إلى مشاعر الودّ ومظاهر الحب ودفء العلاقة مع الآخر، وكذلك يحتاج الأبناء إلى احتضان عاطفي وإلى أن يُغمروا بالمحبة والحنان من قبل الوالدين.

وحين لا يتوفر القدر الكافي من الحب والعطف في الإطار العائلي، تكون أبواب التأثير الخارجي المشبوه مشرعة مفتوحة.

وهذا ما تعاني منه مجتمعاتنا الحاضرة، التي تكثر فيها مشاكل الخلاف العائلي والانحراف السلوكي.

وهذا الكتاب القيّم بين أيدي القراء الأعزاء يُعنى بمعالجة هذه المشكلة الخطيرة، ويسلّط الأضواء على أسبابها وأعراضها ونتائجها، كما يقدّم البرامج والتوصيات من أجل الوقاية والعلاج.

إنه بحث تربوي اجتماعي، بلغة واضحة، وأسلوب شيّق، يستند في المفاهيم والمبادئ إلى نصوص الدين وتعاليمه، ويعتمد في التحليل والمعالجة نتائج البحوث العلمية في التربية والاجتماع، ويلامس الواقع الاجتماعي عبر الشواهد والأرقام.

وإني إذ أبارك لمؤلفته الفاضلة مريم بنت محمد العيد باكورة إنتاجها في الكتابة والتأليف، لا يسعني إلا أن أشيد بدورها الرسالي في نشر الثقافة والمعرفة ونشاطها الاجتماعي من خلال مركز الأسرة في القطيف، اسأل الله تعالى لها المزيد من التوفيق في خدمة الدين والمجتمع، وأن يكثّر الله أمثالها من الناشطات في العمل الثقافي الاجتماعي، لتأخذ المرأة دورها المطلوب في الإصلاح والتنمية.

والحمد لله ربّ العالمين.

حسن بن موسى الصفار    
10 جمادى الأولى 1430هـ 
5 مايو 2009م