تقديم لكتاب «على خطى الزهراء»

الكتاب: على خطى الزهراء
المؤلفة: بتول مرزوق الشريمي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين

لا شك أن للمعرفة والثقافة دوراً رئيساً في تقدم المجتمع، فكلما اتسعت رقعة المعرفة، وتصاعدت حركة الثقافة كان المجتمع أسرع خطى على طريق التقدم والرقي.

ومن أهم مقاييس تقويم المستوى المعرفي والثقافي في أي مجتمع، دور المرأة ودرجة مشاركتها في الحركة العلمية، فلا يمكن أن يتقدم مجتمع يغطّ نصفه في سبات الجهل العميق، ولا يرتقي مجتمع تنعدم فيه الفاعلية الثقافية للمرأة.

والمرأة هي الحضن الذي يمرّ من خلاله كل أبناء المجتمع ويتربون فيه، فإذا كانت جاهلة متخلفة فسينعكس أثر ذلك على تربيتها للجيل، وحين تكون مثقفة واعية يمكن التطلع بثقة أكبر إلى تأهيل المتخرجين من أحضان تربيتها.

ويمكننا القول بجزم وتأكيد أنه لا يكفي أن تكون المرأة مثقفة واعية، بل لا بد من مشاركتها في إنتاج المعرفة وصنع الثقافة، فالعلم والمعرفة ليس حكراً على الذكور من أبناء البشر، ولا تقل قدرات المرأة الذهنية عن قدرات شقيقها الرجل.

لكن بيئة التخلف وأجواء الهيمنة الذكورية هي التي تجعل مسيرة الثقافة والمعرفة في المجتمع عرجاء، تعتمد على رجل الذكر وحده، وتشلّ دور المرأة.

إن الخطاب الإلهي في الرسالات السماوية موجه لأبناء البشر ذكوراً وإناثاً، كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ وقوله تعالى:﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ ومعنى ذلك أن على المرأة أن تستقبل هذا الخطاب الإلهي، وان تتفهمه وتتدبره، وأن تستجيب له، تماماً كالرجل.

جاء في صحيح مسلم عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنها سمعت النبي يقول على المنبر: (يا أيها الناس! وكانت الجارية تمشطها، فقالت للجارية: استأخري عني- أي أمهليني حتى أسمع- فقالت الجارية: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فأجابتها أم سلمة: إني من الناس).

لذا ورد في الحديث المشهور عن رسول الله أنه قال: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم) وورد في إحدى صيغ رواياته إضافة (مسلمة) مع أن كل مسلم موضوعه الشخص فيشمل الذكر والأنثى على حد تعبير السندي في شرحه لسنن ابن ماجة.

وفي تاريخنا الإسلامي كان للمرأة دور معرفي لا ينكر، فكانت كالرجل طريقاً لسنة رسول الله ، ومصدراً لمعرفة أحكام التشريع، حيث اجمع علماء المسلمين على الأخذ بروايات النساء، حينما تتوفر فيها شروط القبول والصحة، قال الشوكاني: (لم ينقل عن أحد من العلماء بأنه رد خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سنة تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة، وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة).

وقد أثبت الإمام الخوئي (رحمه الله) في موسوعته ( معجم رجال الحديث) في باب (النساء) أسماء 134 راوية روين الأحاديث عن رسول الله وعن الأئمة من آله .

وجاء في كتاب (عناية النساء بالحديث النبوي) لمؤلفه مشهور بن حسن آل سلمان 354 من تراجم النساء اللاتي كان لهن دور في مجال الحديث.

لكن عصور التخلف التي توالت على الأمة كان من آثارها تهميش دور المرأة العلمي والثقافي وبالتالي دورها السياسي والاجتماعي.

ومن مقتضيات صحوة الأمة في هذا العصر إحياء دور المرأة في المجتمع بدءاً من دورها المعرفي والثقافي، وخاصة على صعيد المعرفة الدينية بأن تأخذ موقعيتها في الحوزات والمعاهد العلمية، وأن تشارك في الإنتاج الثقافي والحركة العلمية.

وقد سررت كثيراً باطلاعي على هذا البحث الجميل الذي أعدته الأخت الفاضلة بتول مرزوق رجاء الشريمي أم عمار حفظها الله، حول سيرة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ، وترسم خطاها الرسالية.

ولفت نظري سعة اطلاع الأخت الفاضلة، ورجوعها إلى عدد كبير متنوع من المصادر، من بينها موسوعات ومجلات، مما يدل على علاقة وصداقة وثيقة لها بالمطالعة والكتاب.

إن سعة الاطلاع وتنوع مصادر المعرفة تفتح أفق الإنسان وتثري آراءه وأفكاره.

وقد بذلت المؤلفة جهداً مشكوراً في تقديم صور التأسي والاقتداء من سيرة سيدة النساء، على صعيد بناء الشخصية، والتقدم في طريق المجد والكمال.

جزى الله المؤلفة الكريمة خير الجزاء، ووفقها للمزيد من الإنتاج والعطاء في خدمة الدين والمجتمع، وحقق الله لها ما تأمله في تحفيز أبناء وبنات المجتمع للسير على خطى الزهراء البتول، فإن ذلك هو طريق التقدم في الدنيا والنجاة في الآخرة.

ولا يفوتني أن أشير إلى أن هذا البحث قد كشف لي جانباً من شخصية زوج المؤلفة وهو الأخ الفاضل الشيخ فهد أبو العصاري حفظه الله، والذي عرفته داعية مخلصاً، ومثقفاً منفتحاً، مسكوناً بهمّ خدمة الدين والمجتمع، حيث يظهر هذا الكتاب نعمة جليلة من نعم الله تعالى على أخينا الكريم الشيخ فهد، إذ تقف إلى جانبه زوجة واعية صالحة، تشاركه اهتمامه بخدمة الدين وإصلاح المجتمع.

أرجو أن تكون هذه العائلة الكريمة قدوة صالحة في تحقيق السعادة والنجاح، وحسن التربية والرعاية، ونشر الوعي والفضيلة، مصداقاً للدعاء القرآني: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً.

والحمد لله رب العالمين

حسن الصفار                 
15 ذو الحجة 1428هـ           
25/12/2007م