الشيخ الصفار يُحذر من الأجواء التي تبعث على اليأس والقنوط

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي العجيان

حذّر سماحة الشيخ حسن الصفار من الأجواء التي تبعث على اليأس والقنوط، مؤكداً أن جيل الشباب يأتي بالدرجة الأولى حيث ينبغي تحصين هذا الجيل من هذه الثقافة، وأن يدفع المجتمع بالشباب لتفجير طاقاتهم وعدم الانكفاء أمام المشاكل، وأن يفتحوا أمامهم مختلف الطرق والوسائل لتحقيق النجاح، مبيناً أن هذه مسؤولية الجميع، حيث ينبغي أن يتحرك الكل في بعث روح الأمل والتفاؤل. داعياً إلى نشر الثقافة التي تدعو الناس إلى تفجير طاقاتهم وكفاءاتهم فكل مشكلة لها حل، ومفتاح الحل السعي والتفكير.

وفي سياقٍ آخر أكد على أهمية مقابلة الآخرين بطلاقة الوجه وحُسن البشر، وأن ذلك مما تدعو له النصوص الدينية وتؤكد عليه، وأنه سبيل لكسب قلوب الناس دون بذل الجهد الكبير، مستعرضاً نصوصاً عديدة تحث على أهمية هذه الخصلة وأنها من الدلائل على كرم نفس الإنسان وسعة أخلاقه.

الافتتاحية

الحمد لله الذي يُقيل عثرة النادمين، ويقبل التوبة من المنيبين، ويُضاعف الحسنات للطائعين، ويحفظ أجر العاملين. نحمده تعالى استتماماً لنعمه، واعتصاماً بعروته، ولواذاً بقدرته، واستنزالاً لرحمته.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحسن الخالقين وأحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين.

ونشهد أن محمداً عبده ورسول بعثه لكافة الخلق بالخير والرحمة، وجعله مناراً للحق والعدل، وأضاء به سبيل الرشد.

صلى الله عليه وعلى آله مصابيح الدجى، وكهف الورى وأعلام الهدى والعروة الوثقى.

أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله فإنها الطريق إلى نيل مرضاته، والبعد عن عذابه وعقابه. جعلنا الله وإياكم من أهل رضاه، والفائزين برضوانه يوم نلقاه.

الخطبة الأولى

أكد الشيخ الصفار في بداية خطبة الجمعة 4 صفر 1430هـ (30 يناير 2009م) أن الإنسان إنما يستقبل الناس بوجهه، والناس بطبيعة الحال لا يرون قلب الإنسان باعتباره من الجوارح غير البارزة، وإنما يتعرفون على الإنسان من خلال قسمات وتعابير وجهه التي يستقبلهم بها.

ملفتاً النظر إلى أن النصوص الدينية تؤكد على ضرورة أن يتحلى الإنسان بصفة البشر وطلاقة الوجه، لأن وجه الإنسان هو المرآة التي تعكس مشاعره وأحاسيسه الداخلية. وحتى لو نطق الإنسان بكلمات الود، وكانت تعابير وجهه مخالفة لما يقول فإن الناس لن يستقبلوا تلك الكلمات برحابة صدر.

مضيفاً: إن البعض قد لا يُعير لهذا الجانب أهمية كبيرة، ولا يستفيد من هذه الخصلة للنفوذ إلى قلوب الناس، بل إن بعضاً من الناس قد يُقابل الآخرين بوجهٍ عابس بائس، ليكشف لمن يُقابلهم عن وجود مشكلة نفسية يعيشها أو أنه لا يحمل مشاعر الود والمحبة للآخرين. مؤكداً أ، الواعي العاقل والمؤمن الذي يأخذ تعاليم الدين باهتمام يُدرك أهمية هذا الجانب فتراه يحرص على أن تكون مقابلته للناس بوجهٍ طلقٍ مبتسم، لكي يُعطي انطباعاً إيجابياً عن نفسه، ولكي يمتلك قلوب الآخرين باستفادته من هذه الخصلة المهمة.

وأشار إلى بعض المصطلحات التي أكدتها النصوص الدينية، ومنها: البشاشة، الطلاقة، حُسن البشر. مؤكداً أن الإنسان عندما يُقابل الناس بوجهٍ طَلِقٍ فإنه لا يبذل جهداً من جهةٍ بل إنه يبعث في نفسه الراحة. وقد ورد عن رسول الله أنه قال: «يا بني عبد المطلب إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فالقوهم بطلاقة الوجه وحُسن البشر».

واستعرض جملةً من النصوص الواردة عن أهل البيت مبيناً جانباً من مقاصد تلك النصوص، فقد ورد عن الإمام علي أنه قال: «البشر ابتداءً صنيعة بغير مؤنة» مشبهاً استقبال الآخرين بالبشر كمن صنع لهم معروفاً.

وفي كلمةٍ أخرى يعتبر الإمام علي البشاشة دليلاً على مستوى كرم الإنسان أو بخله، يقول : «بشرك يدل على كرم نفسك».

ويؤكد الإمام علي في كلمةٍ له أن الحالة الدائمة للمؤمن هي أن يكون مبتسماً عندما يلتقي الآخرين، حتى وإن كان يعيش حزناً وألماً، يقول : «إن بشر المؤمن في وجهه، وقوّته في دينه، وحزنه في قلبه».

وأكد الشيخ الصفار أن المحيط القريب من الإنسان أسرته وأقرباءه وجيرانه وأهل حارته ومجتمعه، هم أولى بأن يلقاهم بطلاقة الوجه، وبحُسن البشر، وعلى الإنسان أن يجعل ذلك عادةً له، فالخير عادة والشر عادة. مشيراً أن استقبال الناس بالبشر قد تُزيح عنهم آلاماً في نفوسهم، وأحزاناً في قلوبهم.

وأضاف: هناك من الأشخاص من يُمارس موقعه الوظيفي بدل أن يكون لخدمة الناس يتحول إلى مصدر تخويف وإدخال الرعب في نفوس الآخرين، أو أنه يُقابل الناس بوجه عبوس موحياً إليهم وكأنه يتفضل عليهم بخدمته لهم، مع أنه موظف ويتقاضى راتباً إزاء هذه الخدمة. داعياً هؤلاء لأن يتمعّنوا في حديث الرسول الأعظم حيث يقول: «إن الله يبغض المعبّس في وجه إخوانه».

وخلص بالقول إن مقابلة الناس بوجهٍ بشوش، لا تقتصر على البيئة القريبة، والمجتمع الكبير، ولا حتى الوطن، وإنما هي شاملة لجميع الناس في كل مكان وزمان، إضافةً إلى كل ذلك فهي من موجبات فضل الله وكرمه ورحمته وغفرانه وثوابه والجنة، يقول الإمام الصادق : «ثلاث من أتى الله بواحدةٍ منهنّ أوجب الله له الجنة: الإنفاق من إقتار، والبشر لجميع العالم، والإنصاف من نفسه».

الخطبة الثانية

أكد الشيخ الصفار أن الإنسان بطبيعته يتمنى أن تكون حياته قطعة من السرور والنجاح، وأن لا تواجهه العراقيل والمشاكل والصعوبات، ملفتاً النظر إلى أن هذه الأمنيات وهمية وزائفةً، فطبيعة الحياة منطوية على هذه الأحوال، وأن الراحة لا تكون إلا في الجنة، يقول الإمام الباقر : «اتقوا الله ولا تتمنوا ما لا يكون» قيل له: وكيف؟ قال : «إنكم تتمنون الراحة في الدنيا، وإنما خُلقت الراحة للجنة». إضافةً إلى أن حكمة الله تعالى شاءت أن يعيش الإنسان في دار الدنيا الإختبار ليستحق بذلك ثواب الله تعالى وجنته.

وأكد أن الصعوبات والتحديات لها وجهٌ آخر حيث أنها تصقل شخصية الإنسان وتُظهر الطاقات والكفاءات الكامنة في نفسه، وبمجرد تجاوز هذه العقبات يجد الإنسان نفسه أمام تساؤل خطير وهو: كيف تجاوزت هذه المِحن وقد كنت حينها أقترب من اليأس؟

ناصحاً الجميع إزاء المشاكل والعقبات أن يعتبروها بمثابةٍ تحدٍ يواجهونه وعليهم دخول هذا التحدي بوعي وإدراك، لا أن يكونوا كالذين يفقدون الأمل ويُصابون بالقنوط.

مؤكداً أن التفكير السليم عند المشاكل هو أن يقول الإنسان لنفسه بأن وقت الامتحان قد حان، وعليه هنا أن يتسلح بسلاح الوعي وأن لا يسمح لشعور اليأس أن يُسيطر على نفسه، لأن اليأس والقنوط من وساوس الشيطان أن يُهوّل المشكلة في نفس الإنسان حتى يجعلها وكأنها قد قامت القيامة، وأن لا مجال للحل.

وأشار إلى أن طبيعة الإنسان تميل إلى اليأس عند المشاكل يقول تعالى: ﴿لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسّه الشرّ فيؤوس قنوط.

مؤكداً أنه كما ينبغي للفرد أن يُجنب نفسه شعور اليأس والقنوط، فكذلك ينبغي للمجتع أن لا يسمح لثقافة اليأس والإحباط والقنوط أن تسود في أوساطه، وأن تسود الثقافة التي تدعو الناس إلى تفجير طاقاتهم وكفاءاتهم فكل مشكلة لها حل، ومفتاح الحل السعي والتفكير.

وأشار إلى أن القرآن الكريم يعتبر اليأس ضرباً من ضروب الكفر، يقول تعالى: ﴿إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ﴿ومن يقنط من رحمة الله إلا الضالون.

وأضاف: إن الذي يُصاب بالإحباط واليأس غير ملتفت لإيمانه بربه وغير ملتفت لطاقاته وكفاءاته، كما أن الذي يتورط في الإنتحار لا يملك إيماناً قوياً يحميه من ذلك، وكذلك الذين يعيشون العقد النفسية والضعف والهوان وفقد الثقة بالنفس لمجرد وقوع المشاكل بساحتهم هؤلاء لم ينفتحوا على أنفسهم ليكتشفوا طاقاتها، وإنما ركنوا للشيطان فأرداهم.

وحذّر الشيخ الصفار من أن تسود في المجتمع أجواء تبعث على اليأس والقنوط، داعياً الواعين للوقوف أمام هذه الحالة، مبيناً أن الناس الذين يخلقون أجواء اليأس تذمّهم النصوص الدينية وتتوعدهم بالعذاب، فعن الرسول الأعظم أنه قال: «يبعث الله المقنّطين يوم القيامة مغلّبةً وجوههم، فيقال هؤلاء المقنّطون من رحمة الله».

وأكد أن جيل الشباب يأتي بالدرجة الأولى، حيث ينبغي تحصين هذا الجيل من هذه الثقافة، وأن يدفع المجتمع بالشباب لتفجير طاقاتهم وعدم الانكفاء أمام المشاكل، وأن يفتحوا أمامهم مختلف الطرق والوسائل لتحقيق النجاح، مبيناً أن هذه مسؤولية الجميع، حيث ينبغي أن يتحرك الكل في بعث روح الأمل والتفاؤل، فقد ورد عن الإمام علي قوله: «تفأل بالخير تنجح»، وقال : «الأمل رفيق مؤنس».

وختم حديثه بالتأكيد على أن المشاكل قد تفتح طريق الخير والسعادة، وأن أولياء الله حين نزول البلاء يزداد تفاؤلهم، وهذا إمامنا سيد الشهداء وهو في أعظم فاجعة في تاريخ البشرية، وعند أحلك اللظات نجده يُناجي الله تعالى مستجيباً لقضائه وقدره، مسلّماً لأمره تعالى، يقول : «رضاً بقضاك، لا معبود سواك».

والحمد لله رب العالمين