سماحة الشيخ الصفّار ينتقد بعض مظاهر السذاجة الاجتماعية ويدعو إلى تنمية الفطنة والنباهة

مكتب الشيخ حسن الصفار حسين الشيخ

تحت عنوان «شخصية الإنسان بين الفطنة والسذاجة» ختم سماحة الشيخ حسن الصفّار موسمه الثقافي العاشورائي في الليلة الثالثة عشرة من المحرّم للعام 1430ﻫ، فتحدث عن نعمة العقل التي وهبها الله للإنسان ليستضيء بها فيما تواجهه به الحياة من مصاعب ومواقف يحتاج فيها إلى استعمال عقله، مشدّدًا على أهمية وعي الإنسان بما حوله والانتباه إلى مجريات الحياة بدقّة وتركيز، وإلى المحافظة على حقوقه من الضياع بشتى الوسائل، داعيًا إلى تنمية روح الفطنة والنباهة في المجتمع، من خلال نشر الوعي الحقوقي لدى كافة أفراد المجتمع، ونشر الخبرات وإذاعتها، كما أشار إلى دور التربية الأسرية في هذا الجانب، مثمّنًا دور قوة الشخصية في حفظ الإنسان لحقوقه وعدم وقوعه في المزالق، وإلى استثارة العقل في جميع مناشط الحياة اليومية.

وكان سماحته قد قسم المحاضرة إلى محورين رئيسين، هما:

المحور الأول: الفطنة إدراك وانتباه

حيث مهّد إلى هذا المحور بالإشارة إلى أن الإنسان حينما يكون في طريق مظلم، لا بدّ أنه يحتاج إلى ما يستضيء به لينير به طريقه، وليبتعد به عما قد تصيبه من عوائق في الطريق أو مزالق قد ينزلق فيها، وكلما كان النور أكثر إضاءة، كان ذلك في عون الإنسان أكثر، مشبّهًا الإنسان في مسيرته الحياتية بالظلام الذي يعيش الإنسان فيه طوال حياته، فالحياة دائمًا ما تفاجئه بالجديد وغير المتوقّع، كما أنه قد يتعرّض فيها إلى العديد من العثرات والعقبات والمزالق التي يحتاج فيها إلى ما ينير له دربه ومسيره ويقيه من المخاطر، حيث أشار إلى أن الله سبحانه قد رزق الإنسان وأمدّه بنعمة العقل التي يستطيع بواسطتها أن يستنير ويسترشد في مسيرته الحياتية، وكلما كان الإنسان أكثر استرشادًا بالعقل، كانت حاله أقرب إلى الفطنة والذكاء، وكلما ابتعد عن استعمال عقله، وأصبح أكثر ميلاً إلى السير بعواطفه وانفعالاته، كان أقرب إلى السذاجة والغباء.

وقد عدّد سماحته ثلاثة مظاهر للنباهة والفطنة لدى الإنسان إيضاحًا للفكرة وتجلية لها، وهي:

(1) وعي الإنسان ومعرفته بما حوله

فلكما كان الإنسان واعيًا مدركًا تمام الإدراك بما حوله، كان أكثر فطنة، وهي الحال التي تستدعي من الإنسان أن يكون على بيّنة ومعرفة جيّدة بما حوله، وفي شتّى المجالات، وبخاصّة مجالات اختصاصه، فذلك يعطيه خبرة بالحياة وبمجال تخصّصه بشكل أكبر وأوسع، وبالعكس من ذلك عندما يكون الإنسان يعيش حالة الجهل بما يدور من حوله، فتمرّ عليه الأحداث دون أن يستفيد منها أو تزيده خبرة حياتية وعلمية جديدة.

(2) الانتباه والتركيز

ذلك أن مشكلة أكثر الناس أنهم لا يركّزون في حياتهم اليومية، فيمرّون على ما يدور حولهم من أحداث دون تركيز وانتباه جيّد ودقيق، وهي الحال التي يعبّر عنها القرآن الكريم بِـ (الغفلة)، فالإنسان كما يحتاج إلى المعلومة الصحيحة والوعي الجيّد بمجريات الحياة، يحتاج كذلك إلى أن يكون ذا انتباه وتركيز جيّد، لتزيد هذه الأحداث من خبرته بالحياة وما يدور فيها، ممثّلاً بالأنموذج الياباني فيما يخصّ الحال الصحّية هناك، حيث يشتكي الأطبّاء اليابانيون من مرضاهم بسبب ما يتعرّضون له من كثرة الأسئلة من قبل المرضى حول العلاج وطريقة الاستشفاء، مستشهدًا لهذه النقطة بما يروى عن أمير المؤمنين من قوله: «الغفلة أضرّ الأعداء».

(3) حماية الإنسان لحقوقه

إذ دعا سماحته في هذه النقطة الحضور إلى ثقافة المحافظة على الحقوق وعدم التساهل في ذلك، إذ تعدّ هذه الصفة من أبرز صفات النبيه والفطن، ذلك أن الساذج هو من تضيع حقوقه، مستشهدًا بحديث النبي : «المغبون لا محمود ولا مأجور»، وببعض المواقف للإمامين الحسين والصادق اللذين كانا يماكسان ويساومان في تعاملاتهما التجارية، محافظةً منهما على حقوقهما.

المحور الثاني: تنمية الفطنة في المجتمع

أشار سماحة الشيخ حسن الصفّار في محور المحاضرة الثاني إلى أن هناك تفاوتاً بين المجتمعات الإنسانية، إذ يغلب على بعضها الفطنة، بينما يغلب على بعضها الآخر حالة السذاجة والانجرار وراء العواطف والانفعالات الآنية، مرجعًا ذلك إلى التربية الاجتماعية، ففي الأولى يتربّى أفرادها على حالة الفطنة والوعي الاجتماعي الجيّد، فيما لا توجد مثل هذه التربية في المجتمعات الأخرى، حيث تعمّ الغفلة عن هذا الجانب في المسائل التربوية، مستعرضًا نقاطًا خمسًا لتنمية حالة الفطنة اجتماعيًا، وهي:

(1) رفع مستوى الوعي الحقوقي في المجتمع

إذ كلما كان الناس أكثر وعيًا ومعرفة لحقوقهم كانوا أبعد من أن يستغفلوا وتسلب حقوقهم منهم، ففي المجتمعات المتحضرة يعرف كل إنسان ـ ومن شتى الشرائح والمستويات ـ بحقوقه وواجباته، وهي الحال التي نفتقدها في مجتمعاتنا، مثمّنًا ما قامت به وزارة التربية والتعليم في المملكة حينما أصدرت وثيقة حقوق الطالب، لتعريف الطالب بحقوقه في المدرسة، ليكون على علمٍ بما له من حقوق لئلا تسلب منه، داعيًا إلى نشر هذه الثقافة، وممثلاً بحالة الزواج، التي يقدم فيها كل من الزوجين، لا يدرك كل منهما ما له وما عليه من حقوق وواجبات، مستنكرًا حال التجهيل التي يعيشها مجتمعنا اليوم، والحقوق الزوجية مما يعبر عنه القرآن الكريم بأنها من «حدود الله»، ومن غير المناسب حجب هذه الحدود والجهالة بها في المجتمعات الإسلامية.

(2) بذل التجارب والخبرات للناس

حيث أشار سماحته إلى أن هناك الكثير من التجارب الحياتية في مجتمعاتنا يمكن نشرها لنشر الوعي والفطنة بين أفراد المجتمع، وذلك لتنمية هذه التجارب ولإيجاد كثير من المخارج في بعض المنزلقات التي قد يقع الإنسان أو يتعرّض إليها، ممثِّلاً بما تتعرّض له بعض الفتيات من استغلال للعاطفة والانفعال الآني في كثير من المواقف، بحيث تحتاج إلى المخارج والحلول الحكيمة، حتى لا تقع فريسة الابتزاز.

(3) التربية الأسرية

فذكر أهمية الدور الأسري في تربية الأبناء على الفطنة والنباهة، وبالخصوص فيما يتعلّق بمسائل التحرّش الجنسي التي كثيرًا ما يتعرّض لها الأطفال في المدارس وبعض الأماكن العامّة، إذ أكّد ضرورة انفتاح الوالدين على أبنائهما في مثل هذه الأمور، فذلك السبيل الأمثل لعدم وقوع الأبناء في مثل هذه المزالق الخطيرة والفاسدة.

(4) قوّة الشخصية

ذلك أن الإنسان كلما كان يمتلك شخصية قوية فمن الصعب ابتزازه أو استغفاله، فيكون أقرب لحال الفطنة والنباهة، بحيث يصعب على الآخرين استغلال عاطفته وانفعالاته.

(5) استثارة العقول

وقد شدّد على هذه النقطة، وبخاصّة كظاهرة اجتماعية، فمثّل لكثير من العادات والسلوكيات الاجتماعية التي لا تنمّ عن استثارة للعقول، وإنما هي محض استغلال للعاطفة الجماعية، وبالخصوص في جانبها الديني، حيث تستغل العاطفة الدينية في بعض الممارسات الساذجة، ممثِّلاً لحالات التسوّل التي تعجّ بها المجتمعات الخليجية، وهي من المظاهر التي تنتشر بسبب حالة التعاطف الساذج، وكذلك لانتشار حالات الشعوذة والسحر والدجل، حيث يستغل البعض هذه الحالة لنشر الأكاذيب وافتعال الأباطيل، وذلك ما هو إلا مهنة يمتهنها هؤلاء يكسبون من ورائها الأموال الطائلة، وما ذلك إلا باستغفال عقول المجتمع الذي تنطلي عليه مثل هذه الأكاذيب.

وكذلك هناك من يستغل العاطفة الدينية لترويج الاساطير والخرافات عبر الجوالات ونشر مطبوعات يطلب تكثيرها ثلاثة عشر مرة وإلا وقع البلاء، وما اشبه من هذه الامور.

داعيًا المجتمع إلى التحلّي بعنصر الفطنة ووزن الأمور بميزان العقل الراجح، إذ إن الكثير من المجتمعات ضيعت ما أتيح لها من الفرص بسبب التقدير الخطأ للمواقف، ولعل المجتمع الكوفي هو من هذه المجتمعات حيث فرّط في فرصة تاريخية، عندما يكون الإمام الحسين هو إمامهم وأميرهم، مستحضرًا ما يعيشه الفلسطينيون هذه الأيام، ليكونوا في الوعي والحكمة لاختيار موقف الصمود على المقاومة ووحدة الشعب، داعيًا الله أن ينصرهم ويثبّت أقدامهم في وجه كل ما يدبّر لهم وعليهم من قبل قوى الاستكبار العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل العنصرية.