الجماعات الشبابية والدور المطلوب

الشيخ الصفار يطالب الجهات الرسمية بإقرار مؤسسات المجتمع المدني لاستيعاب الجماعات الشبابية

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي العجيان

طالب سماحة الشيخ حسن الصفار الجهات الرسمية بإقرار مؤسسات المجتمع المدني لاستيعاب الجماعات الشبابية، والتي تُمثّل نسبة 60% من المجتمع، مؤكداً أن إغفال أو تجاهل هذا الموضوع يُتيح الفرصة لعصابات الإجرام بأن تشقّ طريقها في اوساط الشباب لما يعانونه من تجاهل وفراغ.

ووجّه خطابه إلى العلماء والمتدينين بأن يتحملوا مسؤوليتهم  تجاه الجيل الشباب بأن ينفتحوا عليهم، ويُزيلوا كل المعوّقات التي تقف حاجزاً دون شق الطريق لهؤلاء الشباب، منتقداً حالة الانغلاق التي تعيشها بعض الجماعات، وعدم قدرتها على جذب واستقطاب الشباب إلى ساحتها.

وأكد على أن وجود أصدقاء في حياة الإنسان أمرٌ طبيعي، ولها فوائد نفسية واجتماعية ومصلحية، ولذا ينبغي على الشاب والفتاة أن يختاروا لأنفسهم الثلّة الصالحة، وعلى الأسرة أن تلاحظ وترشد علاقات ابنائها.

المحور الأول: دور الأصدقاء في حياة الإنسان

أشار الشيخ الصفار في بداية محاضرته لليلة الحادية عشر من شهر المحرم 1430هـ (7 يناير 2009م) إلى أن طبيعة الإنسان تدفعه للارتباط بآخرين، مؤكداً أن هذا الارتباط يُمكن أن يكون ضمن أنواعٍ متعددة:

أولاً- الارتباط القسري، وهو ما تمليه طبيعة الحياة كعلاقة الإنسان بأسرته وعشيرته وجيرانه وزملائه في العمل.

ثانياً- الارتباط المصلحي، كأن يرتبط مع جماعة في إطار تجاري أو عملي.

ثالثاً- الارتباط الاجتماعي العاطفي، وهذا يُعبّر عنه باختيار الأصدقاء الذين تكون بينه وبينهم علاقة عاطفية وجدانية، يرتاح إليهم ويرتاحون إليه.

وأكد أن ثلة الأقران (الشلّة) لها فوائدها الكبيرة على شخصية الإنسان النفسية والاجتماعية والمصلحية، ومن أبرز فوائد ثلّة الأقران أنها:

- توجب راحة النفس وصفاءها، بينما العزلة والوحدة سلبية، وذلك لما تُحققه الصداقة من:

     o خفض مشاعر الوحدة ودعم المشاعر الإيجابية.

    o الإفصاح عن الذات، يقول الإمام علي : «الصديق أقرب الأقارب»، ويتحقق ذلك عندما لا يستطيع الإنسان الإفصاح بمكنونات ذاته حتى لوالديه إما لفارق السن أو لانشغالهما أو لعدم إتاحة الفرص نتيجة طبيعة التربية والأسلوب العائلي الذي نشأ فيه، كلّ ذلك يجعل الإنسان يتجه للحديث عما يدور في خلجاته إلى أقرب الناس إليه وهم بالتأكيد أصدقاؤه.

     o المساندة الاجتماعية، يقول الإمام علي : «من لا صديق له، لا ذُخر له».

     o المشاركة في الميول والاهتمامات.

- تُساعد الإنسان أمام المشاكل والتحديات.

- تُكسب الإنسان مهارة التعامل والعلاقة مع الآخرين.

مشيراً إلى تعدد الأدوار التي يُمارسها الإنسان مع أصدقائه، فقد يُمارس دور القيادي لهذه الثلّة (الشلّة)، وقد يكون مجرد مشارك معهم، وأقل مستوى هو أن يكون دوره في الانقياد والتأثر فقط.

المحور الثاني: اختيار ثلّة الأقران

أكد الشيخ الصفار على ضرورة أن يختار الإنسان الثلّة الصالحة ليُكوّن معهم صداقة وعلاقة، موجّهاً الشباب إلى البحث عن هذه الجماعات الصالحة والتداخل معهم، وذلك لتحقيق الهدف المرجو من وجود أصدقاء، وإلا فإن اختيار الإنسان لأصدقاء السوء سوف لن ينفع الإنسان أبداً بل ستكون تلك الصداقات وبالاً عليه في الدنيا والآخرة. مشيراً أن ثلّة الأقران قد تكون ثلّة صالحة، وقد تكون ثلّة فاسدة سيئة، وقد تكون ثلّة حيادية ليست سيئة إلى أنها لا تُقدّم للإنسان شيئاً سوى مضيعة الوقت فيما لا فائدة فيه.

مستشهداً بعددٍ من النصوص الدينية، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة، 119)، ويقول تعالى واصفاً حال الإنسان في يوم القيامة إذ يتبرأ من أصدقائه الذين زجّوا به في العذاب الأليم: ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً  * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً (الفرقان، 29)، وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (الزخرف، 38). وجاء عن النبي قوله: «أسعد النسا من خالط كرام الناس»، وقال : «من لم تنتفع بدينه ودنياه فلا خير لك في مجالسته». وقال : «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل». وعن الإمام علي أنه قال: «خير إخوانكم من سارع إلى الخير وجذبك إليه، وأمرك بالبر وأعانك عليه». وقال : «المعين على الطاعة خير الأصحاب».

وأضاف: إذا كان وجود الأصدقاء في حياة الإنسان قد يجرّه إلى بعض الممارسات السلبية فليس المطلوب هو إلغاؤها نهائياً، وإنما السعي الجاد لترشيدها، مؤكداً على عدة أمور:

أولاً- أن يختار الإنسان الثلّة الصالحة المناسبة.

ثانياً- أن يجتهد الإنسان ليكون له الدور الأفضل بين أصدقائه، فإن لم يكون له الدور القيادي، فلا يقبل بأقل من مستوى المشاركة الفاعلة.

ثالثاً- أن يستثمر الإنسان صداقاته على صعيد الذات والقيم.

وأشار الشيخ الصفار إلى جانب من المظاهر السلبية يتمثل في أن البعض يتجاوز به الأمر في علاقاته إلى الحد الذي يؤثر على أسرته، ومن ذلك حالة السهر التي يمارسها الكثيرين في الديوانيات دون اهتمام بمسؤولياتهم العائلية، ودون الاكتراث بما قد يُسببه ذلك من فراغ عاطفي لدى الزوجة والأولاد مما قد يُسبب مضاعفات لا تُحمد عقباها، وواقع المجتمع يكشف عن تلك المضاعفات بكل جلاء ووضوح.

المحور الثالث: جماعات الشباب والانفتاح عليها

انتقد الشيخ الصفار الجماعات الدينية لحالة الانغلاق التي يعيشونها وعدم قدرتهم على جذب مجاميع الشباب للأدوار الإيجابية التي يقومون بها، مؤكداً على حقيقة هامة وهي أن مجتمعنا مجتمعٌ شبابي وتُمثل نسبة الشباب فيه 60% فإذا انغلقت المجاميع الصالحة على نفسها فإن مصير بقية الشباب إلى المجاميع الفاسدة.

وأكد أن مظاهر الانحراف والفساد في المجتمع تُدار من قبل عصابات إجرام، تُنظّم حركة الانحراف في المجتمع، وقد أقرّ بذلك أناسٌ كانوا في طريق الانحراف ولكنّ الله تعالى هداهم للهدى والصلاح.

وأشار إلى مجموعة من الأدوار المهمة والضرورية في هذا الإطار:

أولاً- تشجيع وتشكيل الجماعات، مطالباً الجهات الرسمية بأن تقلل نسبة التعقيدات في موضوع تشكيل مؤسسات المجتمع المدني، ذلك لأن عدم السماح لهذه المؤسسات بأن تشق طريقها في المجتمع بسلاسة، يُتيح الفرصة لعصابات الإجرام بأن تتفشى في المجتمع أكثر لأنها لا تنتظر إذناً من أحد، ولا تُعير للجهات الرسمية ولا للمجتمع ولا لمصلحة الشباب أي اعتبار.

ثانياً- ترشيد الجماعات، مشيراً إلى وجود الكثير من الجماعات غير السيئة، والتي يُمكن توجيهها توجيهاً إيجابياً لأن يكون لها دور فاعل في المجتمع، مضيفاً: ليس المطلوب من الشباب أن يكون في كل أوقاته في عملٍ ونشاطٍ دؤوب، ومؤكداً على ضرورة أن يكون هناك مجالٌ للترفيه والترويح عن النفس، ومؤكداً على أن هذا أيضاً من المجالات التي يُمكن للشباب أخذ دور مفيد فيها ويُحقق مصلحة للمجتمع.

ثالثاً- الانفتاح على المجاميع الشبابية، وهذا هو المطلوب من الجماعات الصالحة بأن تشق طريق الانفتاح على الشباب وأن تستقطب أكبر عدد ممكن، وأشاد بالأدوار الرائدة التي حققها شباب المجتمع سواءً على مستوى المواكب العزائية، أو في مجال الخط والفن التشكيلي، وكذلك التمثيل، مؤكداً أن هذه الأدوار في مجتمع الشباب والفتيات مطلوبة وضرورية وهي تُحقق للشباب منافع عظيمة لو أن الجماعات الصالحة التفتوا إليها وأعطوها اهتماماً أكبر.

رابعاً- دور الأسرة، وهو يأتي بالدرجة الأولى حيث أن الأسرة مسؤولة عن صلاح أبنائها وبناتها، وهنا ينبغي للوالدين أن يبذلا قصارى جهدهما في تخريج أولادٍ صالحين يكون لهم نفع في المجتمع، لا أن يكونوا وبالاً عليه.

خامساً- دور العلماء، حيث أن للعالم موقعية كبيرة في المجتمع فعليه أن يسلك طريق الانفتاح على الشباب، وإن كانوا في نظره منحرفين، لأن إهمالهم يزيد في انحرافهم من جهةٍ، ويزيد من ضرر المجتمع من جهةٍ أخرى. وذكر شاهداً من تاريخ الأئمة حيث أن عدّة من أهل الكوفة كتبوا إلى الإمام الصادق فقالوا: إن المفضّل بن عمر يُجالس الشطّار وأصحاب الحمام، ينبغي أن تكتب إليه وتأمره ألا يُجالسهم. فكتب المفضّل إليه، ففكّه وقرأه، فإذا «بسم الله الرحمن الرحيم، اشتر كذا وكذا واشتر كذا وكذا) ولم يذكر فيه قليلاً ولا كثيراً مما قالوا فيه .. فلما قرأ الكتاب ودفعه إليهم .. ما تقولون؟ قالوا: هذا مالٌ عظيم، أمهلنا حتى ننظر ونجمع، ونحمل إليك .. فما أرادوا الانصراف قال المفضل: تغدوا عندي، فأجلسهم، ووجّه إلى أصحابه فجاؤوا، وقرأ عليهم كتاب أبي عبد الله فرجعوا من عنده، وجلس هؤلاء ليتغدوا فرجع الفتيان وحمل كلّ واحد مبلغاً .. قبل أن يفرغ هؤلاء من الغداء .. فقال المفضل: تأمروني أن أطرد هؤلاء من عندي! تظنون أ، الله محتاجٌ إلى صلاتكم وصومكم».

وأشار الشيخ الصفار إلى أن الله تعالى في القرآن الكريم يُصوّر لنا الموقف العظيم في يوم القيامة بأن الناس يدخلون الجنة أو النار جماعات، فكما كانوا في الدنيا جماعات وشلل، فكذلك يدخلون الجنة أو النار، يقول تعالى عن الكافرين: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (الزمر، 71)، ويقول تعالى عن المتقّين: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (الزمر، 73).

مؤكداً في ختام الخطبة على ضرورة أن ينظر الشاب والفتاة إلى الثلّة التي يختارونها، وما هو المصير النهائي الذي يرتجونه، ملفتاً النظر إلى أن كل إنسانٍ مسؤولٌ عن تصرفاته وأعماله، وأن عليه أن يتحمل ذلك ولا يلقي باللائمة على الآخرين ويُبرئ ساحته.