سماحة الشيخ الصفّار في ليلة عاشوراء يتحدث عن خلود القضية الحسينية ويدعو إلى مواجهة الخلافات والتمييز الطائفي

مكتب الشيخ حسن الصفار

بعدما استفتح سماحة الشيخ حسن الصفّار حديثه في ليلة عاشوراء من هذا العام 1430ﻫ بالآية الكريمة: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ[1] ، ذكر سماحته أن أعزّ ما عند الإنسان في هذه الحياة نفسه وروحه التي بين جنبيه، ولذلك يحافظ الإنسان ـ وبخاصّة المؤمن ـ على حياته، ويبعد عنها أي أذًى، مؤكّدًا أن المؤمن ـ بالإضافة إلى ما تدعوه إليه فطرته من المحافظة على نفسه ـ يردعه الوازع الديني والالتزام الشرعي من إلقاء نفسه في التهلكة أو الإقدام على القضاء على حياته، مشيرًا إلى أن ما تشهده بعض الساحات الإسلامية من الاستهتار بالحياة واللامبالاة تجاه حفظ الروح الإنسانية، ما هي إلا انحراف عن قيم ومبادئ الدين وعدم إدراك صحيح وواعٍ لروح الدين.

مستدرِكًا بأن حياة الإنسان في حال تعارضت مع الأهداف القيمية والمبادئ السامية تنتج معادلة أخرى، بحيث يضحّي الإنسان بنفسه من أجل هذه القيم والمبادئ، وهي المبادرة التي يطلق عليها القرآن تعبير: «في سبيل الله»، ومن يضحّي بحياته وروحه في سبيل هذه القيم يطلق عليه بأنه «شهيد»، المأخوذ من الشهادة أي الحضور، فالإنسان الذي تذهب نفسه فداء لدينه ومعتقداته وقيمه لا يغيب عن الحياة، بقدر ما يكون شاهدًا وحاضرًا في قلوب المؤمنين بقضيته، وشاهدًا على ساحته التي إليها انتمى وإلى عصره الذي عاشه، مستعرضًا العديد من النصوص في فضل الشهيد ومكانته في الدين الإسلامي، مذكّرًا بالآية المفتتح بها الحديث، وهي النص القرآني الذي يعتبر حياة الإنسان الحقيقية تبدأ ما بعد لحظة استشهاده، وأنه الآن يكسب الحياة الحقيقية.

ثم اشار سماحته إلى أن درجات الشهادة تتفاوت بتفاوت الهدف والقيمة والمواقف التي يقفها الشهيد، ليكون الإمام الحسين في قمّة درجات الشهادة، وذلك للموقف الحاسم الذي وقفه ضدّ الانحراف الذي بدأت بوادره بحكم معاوية بن أبي سفيان، وامتدّت مع توليته ابنه يزيد، فكان موقفه الحازم والحاسم وراء إحباط ما كان يُخطّط لمحو معالم الدين ومرتكزاته الأساس من وراء تحكّم أمثال يزيد بن معاوية. مسلطًا الضوء على أسباب خلود حادثة عاشوراء في التاريخ، وذلك في نقاط، رتّبها كالتالي:

1. العناية الإلهية الخاصة، حيث أشار إلى أن هناك عناية إلهية خاصّة بقضية الإمام الحسين ، وذلك استنادًا إلى ما روي من اهتمام كبير من رسول الله بهذه القضية، التي لم يرد من النصوص النبوية اهتمام بحادثة مستقبلية بعد وفاة الرسول كما ورد فيها، وما ذلك إلا للأهمية الربّانية بها، إذ الرسول لا يندفع في مثل هذه الأمور من وحي العاطفة والتفاعل الأبوي، لأنه الرسول الموحى إليه من الله سبحانه، معدّدًا العديد من الأحاديث النبوية في التركيز على هذه القضية التاريخية، مرجعاً لها إلى مصادرها المعتمدة عند أهل السنة كالمستدرك على الصحيحين وسلسلة الاحاديث الصحيحة للالباني، ليستدلّ بهذه الأحاديث النبوية على اهتمام نبيّنا محمد اهتمامًا خاصًّا، وهو الاهتمام الذي أكدته العديد من الأحاديث التي صدرت عن أئمتنا من أهل البيت في إحياء قضية عاشوراء.

2. شخصية الإمام الحسين ، إذ عدّ الشيخ الصفّار شخصية الإمام الحسين بين المسلمين شخصية غير عادية، مستدلاًّ بالعديد من المرويّات عن صحابة رسول الله في تبجيلهم لأهل البيت ، وللإمام الحسين خاصّة، لذلك لا يُستبعَد أن تنال هذه الحادثة هذا الاهتمام الكبير من المسلمين، وذلك للمكانة الجليلة التي كان يحتلّها شهيد كربلاء .

3. أهداف الحركة الحسينية، إذ بيّن أن الوقائع التاريخية تشير إلى أن الخلافة بعد الإمام علي انقلبت إلى ملك عضوض، وأن معاوية بن أبي سفيان أخذ بممارسة العديد من الظواهر المخالفة للقيم الدينية، وكان تسميته لابنه يزيد بن معاوية وليًّا للعهد بمثابة استكمال لهذه المسيرة، وهو الأمر الذي أشارت إليه العديد من الدراسات، ذكر منها سماحته الدراسة المختصرة والمهمّة للشيخ أبو الأعلى المودودي المطبوعة في مصر من قبل دار المختار الإسلامي تحت عنوان: «لماذا استشهد الإمام الحسين؟»، حيث أشار الشيخ المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان إلى كثير من المظاهر التي احدثها بنو أمية خلافاً للمبادئ الإسلامية كالتسلط القهري على الأمة، وتوريث الحكم، والغاء رأي الأمة، والتلاعب ببيت المال، ومصادرة الحريات، وذلك هو ما دفع الإمام الحسين للثورة والرفض، حسب رؤية الشيخ المودودي.

فالإمام الحسين أبان في العديد من النصوص التي وردت عنه أنه لم يخرج طلبًا للحرب والقتال، وإنما خرج طلبًا لإصلاح حال الأمة الإسلامية، آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر.

وفي هذه النقطة سلّط سماحته الضوء على نقطة مهمّة، حيث يشير إلى أن الإمام لم يرِد أن تحسم المسألة في النزال والقتال من البدء، بل حاول أن يخطب فيهم ويستبعد خيار القتال معهم، لولا أن القوم خيروه بين الاستسلام ومبايعة يزيد أو مناجزته القتال، ولم يكن من شأن الأحرار أن يقبلوا بخيار الذلة، فرفع شعاره الذي امتدّ طوال التاريخ حتّى يومنا هذا: «هيهات منّا الذلّة»، فكانت شهادته التي مهّدت لحركات التحرّر في تاريخنا الإسلامي، وألهمت العديد من حركات التحرّر في العالم.

4. الوحشية من قبل جيش يزيد، إذ أشار الشيخ الصفّار إلى أن المعركة لم تنتهِ بانتصار فريق على آخر، وإنما بالغ المقاتلون من جيش يزيد في حالة التشفّي والإمعان في الوحشية، ما يجعل كل إنسان ذي ضمير حيّ أن يتعاطف مع حركة الإمام الحسين ويستذكر قضيّته وما وقع عليه من ظلامة عظمية.

حيث استحضر سماحة الشيخ الصفّار في هذه النقطة ما يتعرّض له الفلسطينيون اليوم من مجازر بشعة جرّاء العدوان الصهيوني الغاشم والتواطؤ الدولي والإقليمي ضدّ أبناء غزّة المحاصرين، الذين لا يملكون من قوّة يدافعون بها عن أنفسهم إلا أقلّ القليل، داعيًا الله أن ينصرهم ويثبّت أقدامهم، مستنكرًا التخاذل العربيّ المذلّ تجاه ما يحصل لإخواننا من أهل غزّة، وبخاصّة ما تعرضه شاشات التلفزة من المناظر البشعة لأطفال ونساء غزّة، حيث تذهب العديد من الأسر بأكملها، جرّاء هذا العدوان الهمجي والمجنون، وهو الأمر الذي يستدعي من الإخوة الفلسطينيين المزيد من مظاهر الوحدة والتراصّ فيما بينهم ورفض أي شكل من أشكال الانقسام الداخلي.

وفي الوقت نفسه دعا سماحته إلى نبذ التفرقة والفتنة الواقعة اليوم بين صفوف المسلمين، وذلك من خلال رفض جميع أشكال التصنيف والتمييز على الأساس المذهبي والطائفي داخل البلدان الإسلامية، وكذلك وقف جميع أشكال التعبئة الطائفية التي تشهدها الساحة الإسلامية، معتبرًا أن سبب تمكّن الأمريكي من احتلال العراق هو ما كانت تشهده الساحة العراقية آنذاك من ديكتاتورية وتسلط قومي طائفي وخاصة على الشيعة والاكراد، مثمّنًا الدور الذي تقوم به القيادات الشيعية في إيران والعراق ولبنان، وكذلك ما تقوم به بعض القيادات السنّة في درء هذه الفتنة، مستشهداً ببيانات المرجع السيد السيستاني، في التأكيد على الاحترام المتبادل بين جناحي الأمة، من السنة والشيعة، وكذلك خطابات قائد الثورة الإسلامية السيد الخامنئي، وخطابات امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، والمرجع السيد فضل الله، داعيًا إلى تفعيل مظاهر الوحدة، وذلك في مظهرين، هما:

1. إلغاء التمييز بين الناس على أساس مذهبي، والمعاملة على أساس المساواة وحقوق المواطنة المشتركة، والعمل على إيجاد بيئة تعتمد على تكافؤ الفرص للجميع، وإلى احترام الشعائر الدينية والمذهبية للجميع.

2. نبذ جميع أشكال التعبئة الطائفية من الفريقين السنّة والشيعة، ووجوب طرح كل طرف عقائده بلغة غير متعصّبة ومستفزّة للطرف الآخر.

مذكّرًا بأهمية استذكار الأهداف الحسينية التي نهض من أجلها الإمام الحسين ، ومركّزًا على واجب النهي عن المنكرات التي تعيش مجتمعاتنا بعض مظاهرها.

وختم الحديث بذكر مشاهد من بطولات الإمام الحسين واصحابه، وما تحملوه من المآسي الفظيعة يوم عاشوراء.

[1]  سورة آل عمران، الآية: 169.