تقديم كتاب «عقدة الحقارة»

مكتب الشيخ حسن الصفار

الكتاب:عقدة الحقارة
المؤلف: رضي آل مطر
دار النشر: دار البيان العربي، الطبعة الأولى 1413هـ

الحمد للَّه رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.

الحالة العامة التي يعيشها المجتمع هي نتيجة ومحصلة لحالات أفراد المجتمع، فحينما يستقيم سلوك الأفراد يكون الوضع العام للمجتمع سليماً، وحينما يصاب أفراد المجتمع بالانحرافات والأمراض، فإن الحالة العامة للمجتمع ستكون سيئة وفاسدة، فمن مجموع الأفراد يتكون المجتمع، ومن حالاتهم يتشكل واقعه العام.

وإذ ما رأينا واقع المجتمع غير سليم، فلا بد وأن ندرس واقع أفراد المجتمع لندرك مكمن الخطأ وسر الانحراف.

وأغلب مجتمعاتنا الإسلامية اليوم تعيش واقعاً لا يتطابق مع تعاليم ديننا الحنيف، ولا يرتضيه العقل، حيث التخلف الشامل، والأزمات الخانقة، والأمراض المتفشية، والخضوع للظلم والإذلال، والنزاعات والصراعات.

ومن أجل إصلاح هذا الواقع السيئ، لا بد من التوجه إلى دراسة الجذور والأسباب العميقة، ومكمنها نفسيات أفراد المجتمع، فواقع كل فرد انعكاس لحالته النفسية، كما أن واقع المجتمع انعكاس لحالات الأفراد.

فإذا ما رأينا أغلب أفراد مجتمعنا يعيشون اللامبالاة والهروب من تحمل المسؤولية والانهزام أمام التحديات، فلا بد وأن نعرف أن الأمراض تعشعش في نفوسهم. ومن دون معالجة تلك الأمراض النفسية الروحية لا يمكن إصلاح واقع الأفراد الذي هو السبيل إلى صلاح واقع المجتمع.

لذلك يقول ربنا الحكيم العارف بخبايا وأسرار خلقه: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ[1] .

وانطلاقاً من هذه الحقيقة الصادقة الثابتة فإن على من يفكر في إصلاح المجتمع أن يهتم بمعالجة الأمراض النفسية الروحية لأفراد المجتمع.

وهذا هو منهج الأنبياء والرسل والأئمة عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام حيث كرسوا جهودهم لإصلاح النفوس وتزكيتها ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[2] .

والغافلون عن هذه الحقيقة قد يتساءلون عن دور الأنبياء والأئمة وأنهم ماذا قدموا للناس غير النصائح والمواعظ؟.

أجل. فإن أهم ما يحتاجه الناس هي تلك النصائح المواعظ، والتي تسلط الأضواء على دخائل نفس الإنسان، وأحاسيس قلبه، فتكشف له مواقع المرض، وحالات السقم، وترشده إلى العلاج الصحيح.

والموجهون الآن للمجتمع من علماء وخطباء وكتاب عليهم أن يواصلوا مسيرة الأنبياء والأئمة في السعي إلى تزكية نفوس أبناء المجتمع وتطهيرها من الأمراض الأنانية والانهزامية والانحراف.

لقد كان مجتمعنا في الماضي يعاني من انتشار الأمراض الجسمية، وكانت نسبة الوفيات مرتفعة، والعاهات منتشرة، لعدم توفر المؤسسات الصحية من مستشفيات ومستوصفات، ولعدم وجود خطط للوقاية من الأمراض قبل حدوثها، وللعلاج منها بعد الإصابة بها، فكانت حتى الأمراض البسيطة الخفيفة تقضي على حياة الكثيرين.

لكن التقدم النسبي في المجال الصحي قلل معدل الوفيات، ووضع حداً للعاهات والأمراض.

وذات المعادلة وبشكل أقوى تفرض نفسها على الصعيد الروحي النفسي، حيث لا بد من خطط للوقاية من الأمراض النفسية الروحية، ولا بد من برامج للعلاج من الإصابة بها. وبدون ذلك ستكون خسائرنا كبيرة وفادحة أين منها خسائر الأمراض الجسمية؟

 فأمراض النفوس خطرها أشد من أمراض الأجسام.

والمؤسسات الدينية ثقافية واجتماعية هي بمثابة المستشفيات والمستوصفات لأمراض النفوس والأرواح.

والعلماء والخطباء الواعون هم الأطباء المتوجهون لمعالجة تلك الأمراض، وكل تقدم في المجتمع على مستوى المؤسسات الدينية والعلماء والخطباء يعني ضمانة أكثر واهتماماً أكبر بإصلاح واقع المجتمع وتغييره إلى الأفضل.

لقد سرني وأسعدني جداً الإطلاع على هذا الكتاب الجميل، والذي بذل فيه مؤلفه جهداً مشكوراً لدراسة ومعالجة مرض نفسي روحي خطير يعاني منه الكثيرون من أبناء مجتمعنا.

ذلك هو مرض (عقدة الحقارة) الذي يجعل الفرد خانعاً ذليلاً مستسلماً للتخلف والظلم، والذي يمنع الإنسان من تفجير طاقاته ومواهبه، ويقتل ثقته بنفسه، ويحرمه من القيام بأي دور فعال لخدمة مجتمعه.

وفي ذات الوقت فإن مرض (عقدة الحقارة) يدفع الإنسان نحو السلوك الشائن والتصرف المنحرف الخاطئ.

وكم نرى في مجتمعنا عناصر وأشخاصاً يكبتون مواهبهم وقدراتهم لضعف ثقتهم بأنفسهم، وكم نلاحظ حالات الذل والخنوع والهزيمة أمام معتدين ضعفاء جبناء لا قوة لهم إلا استسلام ضحاياهم وسيطرة الشعور بالعجز والضعف على نفوسهم.

بالطبع فإن عوامل عديدة أسهمت في خلق هذا المرض وتفشيه في نفوس أبناء المجتمع. فما هي تلك العوامل؟ وكيف نواجهها؟.

هذا ما تحاول صفحات هذا الكتاب القيم الإجابة عليه.

وإني إذ أهنئ المؤلف الكريم على كتابه الجميل لأدعوه وهو الشاب الواعي المخلص والخطيب الرسالي الهادف أن يواصل جهوده في بحث هذه المواضيع من خلال الكتابة والخطابة فعبر جهوده وجهود أمثاله من الواعين المخلصين نأمل لمجتمعنا الإصلاح والتغيير.

أرجو أن يقتدي سائر الخطباء والعلماء وطلاب العلوم الدينية أثر هذا الشاب الفاضل فيثرون الساحة بخطاباتهم وكتاباتهم الهادفة التي تسلط الأضواء على جذور التخلف والفساد وترشد إلى سبل الوقاية والعلاج.

شكر اللَّه سعي المؤلف وتقبل عمله ووفقه للمزيد من خدمة الدين والمجتمع وكثر في المؤمنين أمثاله.

حسن موسى الصفار
15/6/1413هـ   

[1]  سورة الرعد، آية 11.
[2]  سورة الجمعة، آية 2.