حوار حول كتاب: الاستقرار السياسي والاجتماعي ضرورته وضماناته

مكتب الشيخ حسن الصفار

أجراه الأستاذ/ حسن آل حمادة، وأذاعته قناة الأنوار ضمن برنامج (برنامج وما يسطرون) بتاريخ 24/4/1427هـ موافق 23/5/2006م.

أعزائي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نلتقي اليوم مع المفكر الإسلامي الشيخ حسن الصفار لنحاوره حول كتابه الصادر حديثا (الاستقرار السياسي والاجتماعي ضرورته وضماناته)

• مرحبا بكم سماحة الشيخ.. حدثنا عن الغاية والهدف من تأليف هذا الكتاب ونشره؟

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين..

هذا الكتاب ناتج من التأمل في معاناة تعيشها مجتمعاتنا العربية والإسلامية على مختلف الصعد، هذه المعاناة هي الاضطراب في العلاقات بين مختلف القوى في هذه المجتمعات؛ فمن الطبيعي أننا كمجتمعات بشرية -في داخل كل مجتمع- هناك قوى وشرائح متعددة، قد تتعدد فكرياً.. قد تتعدد سياسياً.. قد تتعدد عرقياً، أو ما أشبه من بواعث التعدد. كما أننا مجتمعات يجاور بعضها البعض ولنا دول أيضاً كلها تنتمي لهذه المنظومة العربية والإسلامية، نحن نرى أن هذه العلاقات بين هذه الأطراف المتنوعة -داخل المجتمع الواحد.. داخل الأمة الواحدة.. داخل المنطقة الواحدة.. داخل العالم الواحد، وهو العالم الإسلامي- لم تصل بعد إلى المستوى المقبول، لا زالت العلاقات مضطربة لا زال هناك حال من التوتر والتشنج. وكما رصدت في هذا الكتاب.. على مستوى العلاقات بين الدول في العالم الإسلامي والعالم العربي، لا تزال العلاقات غير طبيعية.. حروب شهدناها بين دولة وأخرى في العالم العربي والإسلامي، وغير الحروب هناك فتور، هناك توجس من هذه الدولة تجاه تلك الدولة غالباً، هناك ضعف القدرة على التعاون وعلى إنجاح أي خطة مشتركة، وقد رأينا القمة الأخيرة العربية التي حصلت في الخرطوم كيف كانت نسبة الغياب فيها وكيف كان ضعف القرارات والتوصيات التي خرجت بها، وكيف كان الموقف من القضايا المصيرية الخطيرة داخل هذه القمة.. وعلى مستوى العالم الإسلامي أيضاً نعيش نفس الحالة ونفس المعادلة.

 لعل المؤتمر الأخير الذي حصل في قمة مكة الاستثنائية -الذي دعا له خادم الحرمين الملك عبد الله- بالفعل كان استثنائياً من حيث الإعداد لهذا المؤتمر بوجود مجموعة من العلماء والمفكرين التقوا قبل المؤتمر ووضعوا برنامجاً أو أجندة مقترحة للرؤساء والزعماء -يمثلون كل المذاهب والتوجهات- وتناقشوا حول قضايا الأمة الإسلامية ثم عرضوا مقترحاتهم وتوصياتهم ورفعوها إلى الزعماء.. حضور الزعماء في تلك القمة أيضاً كان حضوراً جيداً، والقرارات والتوصيات التي حصلت أيضاً كانت جيدة لكن هذا نصف الطريق، النصف الآخر وجود جدية ومتابعة لهذه القرارات، هذه الجدية لن تكون متوفرة إلا إذا كانت العلاقات سليمة وصحيحة.

• سماحة الشيخ إذاً لماذا رحت تؤكد في الكتاب على أن الاستقرار السياسي والاجتماعي من أهم الحاجات وأبرز التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في هذا العصر؟

بالطبع لأن هناك أمرين أساسيين، الأمر الأول: أن طاقاتنا انشغلت ببعضها البعض وبقيتْ مشاريع التنمية والطموحات بالتقدم مجمدة معطلة، وحصل هناك انشغال بالنزاعات الداخلية.. لو أخذنا المثال الآن في العراق، الشعب العراقي استراح من من صدام! ونظام الطاغوت، ماذا حدث بعد أن استراح الشعب من هذا النظام؟ لدى الناس احتياجات وطموحات.. لديهم تطلعات، الشعب العراقي يحتاج إلى عمل كثير في هذه المرحلة، لكن ماذا يحدث؟ نحن الآن نجد كيف تمر السنة والسنتان ونحن في السنة الثالثة ولا تزال فئات في الشعب العراقي لم تصل إلى مستوى من الاتفاق حتى تبدأ مسيرة التنمية والبناء، وحسب ما نسمع لا زال الشعب العراقي يعاني الكثير من الاحتياجات على صعيد الخدمات، والأهم على صعيد الأمن الذي ينفلت بسبب عدم وجود توافق.. هذه الحالة هي التي تجعلنا نعتقد بأن غياب الاستقرار السياسي والاجتماعي هو الذي يشل أي توجه للتنمية وأي توجه للبناء، كل قوة مشغولة بالقوة الأخرى أكثر من انشغالها ببناء الذات وبناء البلد.. الأمر الثاني: أن هذا النزاع والتنازع هو الذي يمكن الأعداء من النفوذ في بلاد المسلمين.

• قلت وقال آخرون: لو اندلعت حرب أهلية أو طائفية في العراق ستشعل المنطقة وستشعل العالم.. كيف؟

بالتأكيد -لا سمح الله- لو حصلت فتنة طائفية أو حرب أهلية في العراق فإن المنطقة ستشتعل، لحد الآن الحمد لله لم تحصل وإن كانت هناك محاولات وسعي لإيقاد نار الفتنة، لكن القيادات الواعية في العراق، ونضج الشعب العراقي لا زال إلى الآن يحبط هذه الفتنة، لكن لو حصل الاحتراب الأهلي لا سمح الله، بالتأكيد فإن الآثار تنعكس على كل المنطقة، نحن الآن نعيش آثار ما يحصل في العراق، كنا نعيش في المملكة العربية السعودية وفي منطقة الخليج مستوى جيدًا من التقارب، ومن الحوار بين أتباع كل المذاهب، الأوضاع في العراق الآن ألقت بظلالها، أصبح الشيعي يتخندق في حالته المذهبية، وينتصر لجماعته الشيعة في العراق، وأصبح السني أيضاً يعتبر نفسه امتدادا لموقف السنة في العراق؛ فأصبحنا نلمس الآن في بعض الكتابات.. في بعض التصريحات.. في بعض الخطب، تأثير الوضع العراقي على العلاقات التي كانت في طور النمو والتقدم بين أتباع مختلف المذاهب في المملكة العربية السعودية، وفي منطقة الخليج، بالتأكيد ما يحصل في العراق ينعكس على المنطقة كلها وعلى العالم الإسلامي كله.

• جميل، رصدت الخلل في الكتاب، واضطراب العلاقات الداخلية للأمة في أبعاد ثلاثة: هي العلاقة بين الدول الإسلامية، العلاقة بين حكومات الدول الإسلامية وشعوبها، العلاقة بين فئات الأمة مع بعضها؛ فحبذا لو حدثتنا عن البعد الثالث: العلاقة بين فئات الأمة مع بعضها؟ خصوصاً وأنت تحدثت عما يجري في العراق.

هناك مذاهب تكونت في هذه الأمة، وهناك اتجاهات سياسية موجودة في واقعها، في الحقبة السابقة كان هناك توجه عند بعض الأطراف بإلغاء هذا الطرف أو ذاك، لقد تبين للجميع أنه لا يمكن لأحد أن يلغي أحدا، ولا يمكن لأحد أن يقصي أحدا، خاصةً مع التطورات التي يشهدها العالم، وتشهدها المنطقة، فلا بد وأن يكون هناك اعتراف واحترام متبادل، وأن يكون هناك إطار للمصالح المشتركة يجمع الجميع.. في الأيام الأخيرة عندنا في المملكة العربية السعودية طرح بعض كبار العلماء مسألة الحوار بين أتباع المذاهب، الشيخ عبد الله بن منيع (عضو هيئة كبار العلماء في المملكة) صرح لجريدة الشرق الأوسط، أنه يرحب بالحوار مع سائر المذاهب الإسلامية، وتحدث عن الشيعة، وكان الحديث عن الشيعة، بعد ذلك ثنّى على كلامه الشيخ صالح السدلان (وهو أيضاً شخصية علمية بارزة في المدرسة السلفية) والشيخ عبد المحسن العبيكان (وهو المستشار القضائي في وزار ة العدل وعضو مجلس الشورى) وآخرون.. تحدثوا ضمن هذا السياق.. وكان لدي حديث تعقيباً على هذه الدعوات.. أرحب بهذه الدعوات الطيبة، واعتبرها خطوة متقدمة ولكن ينبغي أن نحدد أهداف هذا الحوار، هل نريد أن نتحاور من أجل أن يقنع كل طرف الآخر برأيه ومذهبه؟ إذاً ندخل في نفق مظلم لا نخرج منه كما عاشت الأمة في المرحلة السابقة جدلًا عقيمًا لن ينفع ولن يجدي...

• إذن ما هو الهدف من الحوار؟
  
أنا أعتقد أن الحوار ينبغي أن يستهدف ثلاثة أمور: الأمر الأول التعارف المباشر؛ لأننا بابتعادنا عن بعضنا البعض أصبح كل طرف يرسم صورة قد لا تكون دقيقة عن الطرف الآخر، حينما نلتقي ونتحاور يتعرف كل طرف على الآخر معرفة صحيحة مباشرة، ويعرف خلفية آرائه ومواقفه.. لماذا يرى هذا الرأي؟ هل عنده دليل أم لا؟

الأمر الثاني الذي نريد أن نصل إليه: الاحترام المتبادل ومنع الإساءة، بأن لا يسيء أي طرف للطرف الآخر.. تحدد مجالات الإساءة التي يراها كل طرف، ويكون هناك اتفاق على تجاوزها.

الأمر الثالث: خدمة المصالح المشتركة لنا في وطننا، ولكل شعب إسلامي في وطنه، كيف نخدم المصالح المشتركة على الصعيد الوطني؟، ثم لنا باعتبارنا ننتمي لهذه الأمة الإسلامية.. كيف نخدم ديننا؟ كيف نخدم أمتنا؟

هذه هي الأهداف الثلاثة التي يجب أن تكون غايات الحوار، أما إذا تحاورنا بهدف التبشير، وأن يقنع هذا الطرف، الطرف الآخر بخطأ رأيه العقدي، أو رأيه الفقهي، فلن نصل إلى نتيجة.. هذا لا يعني أن تتوقف الأطراف عن طرح آرائها، وطرح قناعاتها، والدعوة إلى ما تراه، كل إنسان يعبر عن قناعاته ويدعو إلى قناعاته، فهذا حق مشروع، لكن لا ينبغي أن تكون هذه القناعات مجالًا للتشنج، والتوتر بين الأطراف المختلفة داخل الأمة.

• تحدثت سماحة الشيخ في الكتاب عن التراث الروحي والحضاري التي تتميز به منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى تفجر ثروات النفط الهائلة فيها ولكن، مع كل ذلك لا تزال المنطقة مصنفة ضمن أكثر المناطق تخلفاً في جميع حقول التنمية الإنسانية والاقتصادية والسؤال: إلى متى ستبقى منطقة الشرق الأوسط تعيش في هذا البؤس؟

أنا أعتقد أن هذه الحالة مستمرة، ومرشحة أيضاً للتعمق أكثر! ونحن إذا أخذنا بعين الاعتبار التقدم الذي يحصل في العالم، وارتفاع مستوى الحاجات في شعوبنا وبلداننا؛ فسنجد أنفسنا في كل سنة متأخرين عن السنة التي قبلها.. الحل يبدأ من تلمس الطريق نحو الاستقرار السياسي والاجتماعي، بأن يكون هناك حكم صالح في كل مناطقنا، حكم منتخب من الشعب، وأن تكون هناك مشاركة شعبية، وأن تتفق كل القوى على برامج وطنية موحدة في المجال الوطني، حتى نتجه إلى البناء والإعمار، وإلا فالوضع كما في العراق الآن مثلاً أو في لبنان أو السودان، بل في أكثر من بلد عربي وإسلامي، النزاع والصراع يفرض نفسه.

السودان عاش صراعاً بين الشمال والجنوب، الآن يعيش أيضاً المشكلة في دارفور وهي تؤثر على الوضع السياسي والتنموي، وتؤثر على علاقة البلد بالعالم، إلى متى نبقى نعيش هذا الوضع؟ إلى أن نتلمس الطريق، ونتفق على أن نتعاون! الحمد لله الشعب العراقي مثلاً قطع خطوات طيبة؛ اتفقوا بالتالي، صاغوا دستوراً نتيجة استفتاء شعبي، واتفقوا عليه، بالأكثرية.. انتخبوا لهم برلمانًا يمثل كل شرائح الشعب وفئاته، وحتى الأطراف التي قاطعت الاستفتاء السابق شاركت في هذا الاستفتاء، ولكن لا تزال أمامهم عوائق بسبب العلاقة المضطربة بين الأطراف المختلفة، وضعف الثقة يبنهم، وقد تكون للأيادي الأجنبية دور كبير في تأزم الوضع في العراق، نحن نأمل ونتطلع إلى أن تتفق قوى الشعب العراقي على تجاوز هذه المرحلة، وأن تشكل حكومة وحدة وطنية، وأن تنخرط كل القوى والأطراف في العراق في البناء.. يحتاج العراق إلى عمل كثير.. يحتاج إلى تجاوز عقود من التخلف والحرمان التي عاشها الشعب العراقي وهذا لا يتم إلا بالعلاقة الطبيعية بين كل القوى والأطراف.

• سماحة الشيخ حسن.. فيما يخص العلاقة بين الفئات والطوائف، أشرتم إلى أن التنوع: أصيل وعريق داخل المجتمعات الإسلامية، وقلتم أن الحضارة الإسلامية قدمت نماذج رائعة في التسامح والقبول بالآخر.. مع كل هذا الكلام الجميل أتساءل: هل نحن بحاجة لأن يتنازل كل طرف منا عن بعض خصوصياته من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي؟

لا أعتقد أن المطلوب من أحد أن يتنازل عن شيء من قناعاته الدينية؛ لأنه ليس صحيحاً أن نطلب من أحد ذلك؛ فالدين هي علاقة بين الإنسان وربه، وحينما يدين الإنسان بدين، أو برأي ديني؛ فلا يصح أن يطلب منه التنازل عنه، والقرآن قرر الحرية الدينية، الله تعالى يقول: ﴿لا إكراه في الدين وحينما أجبر إنسانا على أن يتنازل عن دينه، ككل، أو عن جزء منه، فهذا نوع من ممارسة الإكراه في الدين، وهذا لا يمكن أن يطلب من أحد.. من جانب آخر: الدين يرتبط بمجموع من يعتنقه، والمذهب يرتبط بمجموع من ينتمي إليه، فليست هناك جهة تستطيع أن تفرطّ في شيء من قضايا الدين، أو قضايا المذهب، لأن الأمة، أو الجمهور التابع للمذهب لن يقبل بذلك، ولن يرضى بالتفريط في شيء من قناعاته، ومن متبنياته، فإذن هذا ليس مطلوب أبداً.. المطلوب بشكل محدد التنازل عن أي إساءة من طرف لآخر، ألا تسيء لي وألا أسيئ إليك، ما عدا ذلك فكل طرف تكون له حريته الكاملة في قناعاته ومتبنياته، ولو أردنا أن نأخذ مثالاً في العلاقة بين المسلم وغير المسلم في المجتمع الإسلامي (أهل الذمة) الذين يعيشون في بلاد المسلمين.. الإسلام يعطيهم الحرية للتعبد بدينهم وممارسة أمورهم الدينية وفق دينهم؛ كيهود، أو كنصارى، أو كمجوس، ولهم حريتهم في عباداتهم، وفي أحكامهم (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم)، لكننا لن نقبل ولا يمكن أن نقبل أن مسيحياً أو يهودياً يعيش في المجتمع الإسلامي يوجه الإساءة إلى الحالة الإسلامية، أو إلى الدين ورموزه، هو في قناعاته لا يعتقد بصدق نبوة نبينا صلى الله عليه وآله، ولا يرى ذلك، هو حر في قناعته، لكن أن يأتي ويعلن هذا الكلام بشكل يسيء إلى نبينا، وإلى ديننا؛ فنحن لا نقبل منه، نطلب منه ألا يسيء، لكن لا نطلب منه أن يتنازل عن شيء من قناعاته؛ فليس مطلوبًا من أحد أن يتنازل عن شيء من خصوصياته؛ إنما المطلوب فقط تجاوز حالة الإساءة من أي طرف لآخر.. تبقى هنا مسألة في بعض الأحيان يحصل هناك رأي عند أتباع هذا المذهب أو ذاك المذهب بأن الإساءة للآخر جزء من المذهب، كأن يقول أحدهم: "أنا مذهبي يأمرني بأن أسيء للآخر"، أنا شخصياً أتوقف عند هذا الأمر، ولا أعتقد أن هناك مذهبًا يأمر الإنسان بأن يسيء للآخر.. المذاهب التي تكون في إطار الإسلام عليها أن تكون ملتزمة بآدابه وقيمه، وقد رأينا كيف أن الإسلام ربى أتباعه، يقول تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(125) سورة النحل، رأينا كيف يقرر الإسلام وكيف يأمر بحسن العلاقة، والتخاطب مع الآخرين:﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(46) سورة العنكبوت.. هل يعقل أن الدين الذي يأمرني ألا أتحدث مع اليهود والنصارى في الشأن الديني إلا بأحسن أسلوب نفس هذا الدين يأمرني بأن أسيء إلى أبناء المذاهب الأخرى من المسلمين؟ هذا لا يعقل أبداً!! وهذا يخالف ما ورد أيضاً عن أئمة أهل البيت الذين كانوا ينهون أتباعهم وينهون شيعتهم عن الخصومة "لا تخاصموا الناس في دينكم، "إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، كما قال أمير المؤمنين .. أنا أتوقف في أي إدعاء سواء كان عند هذا المذهب أو ذاك، بأن المذهب يأمر بالإساءة، أنا أعتقد أن هذه إضافة أو سوء فهم يعبر عن حالة من التعصب يجب معالجتها عند أي طرف من الأطراف.

• دعنا ننتقل لمحور: "المشاركة الشعبية ضمانة الاستقرار"، فإذا كانت التوجيهات الإسلامية كما أشرتم تشجع على الشورى حتى في الجانب الشخصي.. فلماذا نجد أن المسلمين اعتادوا على التفرد بالرأي، والاستبداد بالقرار فيما يرتبط بالشأن العام؟

أنا أعتقد أن هناك سببين أحدهما نبع من الآخر، السبب الأول هو الاستبداد السياسي.. فمن وقت مبكر ابتليت الأمة بالاستبداد السياسي، كما حصل في الدولة الأموية، فمعاوية بن أبي سفيان سيطر على المسلمين بالقوة والقهر، طبعاً اضطر الإمام الحسن لمصالحته، وتسليم الحكم له؛ لأن معاوية كان يملك جيشاً جراراً، ولأن الظروف اقتضت هذا الأمر، فبالقوة سيطر على المسلمين، ثم عهد بالحكم إلى ولده يزيد، وسارت الأمة في مرحلة الملك العضوض التي أخبر عنها رسول الله فيما ترويه مصادر الحديث عند السنة والشيعة.. هذه المرحلة أسست، وكرست حالة الاستبداد السياسي في الأمة، طبعاً لابد للمستبد السياسي أن ينتج ثقافة تحمي هذا الاستبداد، وإلا كيف لحاكم أن يمارس الاستبداد في أمة يرتضع أبناؤها فكر الشورى، والخضوع لله وحده، وعدم الخضوع لما يخالف الدين؟ لا يمكن لهذا الحاكم أن يستمر حكمه في هذه الأمة، فلا بد إذن أن ينتج ثقافة تحمي الاستبداد وتكرسه، وهنا جاء العامل الآخر وهو السبب الثاني: الثقافة التي تشجع الاستبداد؛ فعندنا تاريخ سياسي استبدادي في الأمة، نتجت عنه ثقافة استبدادية تشجع على هذه الحالة.

• ماذا عمن يرفع اللواء عالياً لمحاربة الهيمنة، والاستبداد والدكتاتورية التي تمارس من قبل الأنظمة المتسلطة، وهو نفسه يمارس هذا السلوك الاستبدادي في بيته، مع الزوجة أو الأولاد، وكذا مع الزملاء في العمل وإلى آخره؟

هذا يكشف عن ازدواجية الشخصية، هذه الازدواجية نابعة من عدم وضوح الرؤية أو عدم القناعة الكاملة، يعني يطرح موضوع الحرية والشورى في ساحة الصراع مع الطرف الآخر الذي يصارعه كالسلطة أو الدولة، من كان يمتلك بعمق وقناعة مبدأ الشورى ومبدأ حرية الرأي واحترام الرأي الآخر؛ فإنه يطبقه على كل الصعد، وفي سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو أهم دليل، وأهم قدوة، ما هي سيرة أمير المؤمنين تجاه من عارضه من الخوارج؟، لقد حفظ لهم حقوقهم، وقال: (لهم علينا ألا نمنعهم دخول المساجد، ألا نقطع عنهم العطاء، ألا نقاتلهم ما لم يثيروا فتنة..) والتزم بهذه المبادئ..
بعض الناس بالفعل هذا حالهم، ونحن لاحظنا في العالم العربي والإسلامي، ثوارًا وثورات تنطلق باسم حق الشعوب وحرية الرأي وما أشبه؛ فإذا وصلت إلى الحكم مارست القمع! هذا يكشف أن الشعار، لم يكن صادقا!! أمير المؤمنين كان يحمل مبدأ، وبالتالي التزم بهذا المبدأ في كل الظروف والأوضاع، نحن نعيش بالفعل هذه الإشكالية.. نجد كثيراً من الناس مثلاً داخل الحالة المذهبية، نحن كشيعة في بعض الأحيان نتحدث عن الإرهاب الفكري المتوجه إلينا من المتعصبين من المذاهب الأخرى، لماذا يقصونا؟ لماذا يلغونا؟ لماذا لا يجعلوننا نتمتع بحريتنا المذهبية؟ لكن في داخلنا نحن الشيعة، في بعض الأحيان تجد أن طرفاً يلغي طرفًا، وطرفاً يقصي آخر، هذا يدل على أن فكرة الحرية، واحترام الرأي الآخر، والشورى ليست متجذرة في نفوسنا، وثقافتنا لا تربي عليها، قد نستخدمها كشعار في بعض الحالات، أما لو كنا مقتنعين بها، ومتربين عليها، لما كنا نقبل لأنفسنا أن نمارس الإرهاب تجاه بعضنا البعض.

• سماحة الشيخ قلت أن الرسول الأكرم يكرر في مواقف كثيرة مقولته الشهيرة "أشيروا عليّ"، ولكننا على الطرف الآخر نستحضر مقولة الحاكم المستبد الذي يكرر مقولة "من أمرني بتقوى الله ضربت عنقه"، فنحن أمام نهجين وطريقتين، فهل يكفي أن نبشر بثورة ثقافية لجهة الوعي بالحقوق وقبول التعددية واحترام الرأي الآخر؟

رسول الله كما تعلمون يمثل مقام القيادة الدينية، والقيادة السياسية، ويجب أن تكون سيرته معلماً، وقدوة وأسوة على الصعيدين، كما أن الحاكم السياسي يجب أن يتمثل سيرة رسول الله في طلب الشورى، وطلب رأي الناس/رأي الشعب، كذلك أيضاً العالم الديني أو القيادة الدينية، يجب أن تتمثل سيرة رسول الله .. على هذا الصعيد عندنا في تاريخنا كيف كان الحاكم يصادر رأي الناس؟ ويقول: من أمرني بتقوى الله ضربت عنقه، هذا حالة من الاستبداد، هذه حالة النقوص والارتداد عن الشورى التي أمر بها الإسلام، التي مارسها رسول الله ، كما أننا نطالب بالشورى على صعيد الوضع السياسي، بأن يستفيد الحاكم من رأي الناس، ويأخذ به ضمن الآليات المطروحة على الصعيد السياسي. على صعيد الحالة الدينية أيضا، علماء الدين في مختلف المجتمعات ينبغي أن يأخذوا برأي الناس، خاصة خبرات ذوي الرأي في المجتمع؛ فمثلاً فيما يرتبط بالحقوق الشرعية، العالم الديني تصله الحقوق الشرعية باعتباره فقيهاً، أو وكيلا عن الفقيه المرجع، والسؤال: كيف يتصرف في الحقوق الشرعية؟ ينبغي أن يكون هناك من يساعده في وضع البرامج والخطط، ينبغي أن يأخذ رأي الناس لرسم الأولويات لمعرفة موارد الحاجة لتنمية هذه الحقوق، وهذه الإمكانيات الدينية الراجعة لمصلحة المجتمع.

• جميل سماحة الشيخ أنت ذكرت في الكتاب مثالاً جميلاً أن الإمام الكاظم كان يستشير حتى الخدم والعبيد.

نعم حتى الخدم، إمام معصوم مع ذلك يستشير حتى أقل الناس وأبسط الناس.

• قلت أن القرآن الكريم يوجه أمراً صريحاً بوجوب التعاون ﴿وتعاونوا على البر والتقوى والرسول الأكرم يقول: "يد الله مع الجماعة، مع ذلك نعجز كمسلمين عن التعاون فيما بيننا على كافة المستويات.. لماذا؟
 
أعتقد أن هناك سببين:

السبب الأول: عدم وجود آليات للتعاون، ولذلك يطرح التعاون كشعار، أما ما هو البرنامج؟ ما هو مشروع التعاون؟، تنقصنا البرامج في الآليات.

السبب الثاني: التوجس النفسي، وانعدام الثقة، بعض الأطراف تخاف أن تتعامل مع الطرف الآخر، تخشى أن تعاونها يذيبها في الطرف الآخر، أن يبتلعها الطرف الآخر إذا هي تعاونت معه.

• أليس غريباً أن يخاف البعض من التعاون بهذه الصورة؟

هذه المشكلة التي نعيشها، هناك خوف من التعاون بين بعضنا البعض، وهذه هي الهواجس النفسية، والنقص المعرفي، وعدم وجود آليات، وبرامج ومشاريع هي التي تعوق التعاون بين الفئات والأطراف الإسلامية كما يبدو لي.

• الفصل الأخير من الكتاب خصص حول خطاب التطرف، وأثره على الاستقرار والأمن وهو بحث مهم، أوضحت فيه أن الأمة دفعت ثمناً باهظاً لخطاب التطرف، والتشدد على الصعيدين الداخلي والخارجي، فمن هي الجهة المسئولة عن إنتاج مثل هذا الخطاب؟ وهل من سبيل للتبشير بخطاب الاعتدال والوسطية؟ وعلى من تقع مسئولية التبشير؟

الخطاب المتطرف يصدر من دوائر دينية تعاني حالة من التعصب والتشدد في آرائها وأفكارها، هذه الدوائر هي التي تنتج هذا الخطاب، هل هذه الدوائر مستقلة في توجهاتها؟ أم هناك تأثيرات سياسية داخلية وخارجية عليها؟

لا شك أن بعض الحكومات، وبعض الدول استفادت من هذه التوجهات المتشددة والمتشنجة، ودعمتها، وأعطتها الفرصة لكي تنتج هذا الخطاب، هذا داخلياً، وخارجياً أيضا نحن نشك، ولدينا أكثر من مؤشر يشير إلى أن الأطراف الخارجية اخترقت هذه الحالات الدينية المتشددة، ووجهتها وكرست لديها حالة التشدد، ولا اعتقد أن أحداً يجهل علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالجهاد في أفغانستان، احتضنت الجهاد واحتضنت المجاهدين ضمن صراعها مع المعسكر الشرقي، هذا الاحتضان أعطاها فرصة لكي تخترق هذه الفئات وهذه الأطراف، وكذلك انفتحت على مجاميع مختلفة عبر مختلف القنوات، أوجد هناك اختراقًا في هذا الحالات، بدأت الأطراف الأخرى توجهها، وأنا لا استبعد فيما يحصل في العراق الآن، الفئات التي تمارس الإرهاب والعنف غير بعيد أن تكون هناك أطراف خارجية، بل هناك مؤشرات تدل على وجود هذا الأمر، هي تخترق هذه الحالات وتوجهها من أجل أن تمارس الضغط على هذه الفئة ضد تلك الفئة، نحن نجد كيف أن الأمريكيين في العراق فترة من الفترات يبدون وكأنهم مدافعين عن الشيعة تجاه السنة الآن تغيرت النغمة يبدون وكأنهم يدافعون عن السنة تجاه الشيعة، وفي الواقع هم لا يدافعون لا عن السنة، ولا عن الشيعة؛ إنما يدافعون عن مصالحهم، ويسلكون مختلف الطرق والسبل لإبقاء الساحة محتاجة إلى وجودهم العسكري في العراق.

• إذاً من المسئول عن التبشير بخطاب الاعتدال والوسطية كممارسة لا كقول ونظرية فقط؟

يفترض في الفئات الواعية في الأمة أن تتحمل هذه المسئولية، وأن تعطي نموذجاً لممارسة الاعتدال، وللتبشير بخطاب الاعتدال، وأن تنشر ثقافة التسامح والاعتدال، نحن لو بحثنا ورصدنا الكتابات والخطابات التي تصدر لرأينا المساحة التي تدعو إلى التسامح في هذه الكتابات والخطابات محدودة، في المقابل هناك حالة من التطرف. وهنا أشير إلى نقطة مهمة: قد لا يكون التطرف مباشرا، بمعنى أن يقال لهذا الطرف أقتل الطرف الآخر، أسئ إلى الطرف الآخر، في بعض الأحيان التعبئة الذاتية تمارس بشكل سلبي بحيث يخرج جمهور كل طرف وهو معبأ ضد الطرف الآخر علينا أن نتوقف عن التعبئة والتعبئة المضادة، علينا أن نوجه الإنسان المسلم بأن كل المسلمين أخوة له، يهتم بالجميع "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين" بشكل عام وليس بأمور الشيعة فقط أو أمور السنة فقط.

• لماذا تبدو أصوات بعض الأطراف والاتجاهات الدينية والفكرية والسياسية خافته أمام أصوات المتطرفين من جماعاتهم، هل من مصلحة هذه الأطراف الحفاظ على هذا الواقع السيئ؟ ما القصة؟

أعتقد أن الأكثرية الصامتة في مجتمعاتنا تتحمل مسئولية كبيرة، أنا أجد أن هناك كثيرين من الواعين والمثقفين لكن وعيهم وثقافتهم تبرز في حدود النقد، وفي حدود بعض الجلسات، لا يمارسون دوراً على الساحة، لا يرفعون أصواتهم، لا يدعمون مواقف المصلحين والمعتدلين، ولذلك يبدو صوت التشنج والتطرف هو الأرفع والأعلى، ليس لأن ساحتهم أوسع، ولكن، لأن ساحة الاعتدال لا تزال الأكثرية فيها صامتة لا تبدي حراكاً، ولا تشارك بفاعلية، ولا تدعم مواقف الاعتدال والإصلاح.

• سماحة الشيخ.. دعني أختم بهذه الكلمة التي ختمت بها الكتاب، قلت: إن الأنبياء والمرسلين أحرص منا على تبليغ رسالة الله، وإقامة دينه، وهم من أرفق الناس وأبعدهم عن الشدة والعنف، ويجب أن يكونوا قدوة لنا وأسوة.
 
في ختام الحلقة نتوجه بالشكر الجزيل لسماحة الشيخ حسن الصفار على حضوره الطيب معنا، كما أشكركم مشاهدي الكرام على حسن متابعتكم، ونلتقي معكم مجدداً مع ضيف آخر وكتاب جديد، ودمتم في أمان الله.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ابو فاطمة
[ USA ]: 25 / 7 / 2008م - 10:05 م
يا حبذا لو تترجم كتب سماحة الشيخ للغة الانجليزية
هذه الكتب سيستفيد منها العالم وسيعرف العالم ان امتنا لاتزال حية بفكرها ومفكريها
مع الاسف الغربيون يرون انا نعيش في قرون ما قبل التاريخ