الشيخ الصفار يُؤكد أن الأصوات المتطرفة لن تنتهي وينبغي مواجهتها بوعي

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي مكي علي

أكد سماحة الشيخ حسن الصفار أن الأصوات المتطرفة لن تنتهي، لأن جذورها عميقة، فهي نابعة إما من ثقافة سلبية وفهم خاطئ، أو لوجود مصالح ومآرب شخصية، أو لأنها تتغذى من جهات خارجية أو داخلية تهدف لتمزيق صفوف المجتمع. محذّراً من مواجهتها بأسلوبٍ متطرفٍ لأن ذلك يدعم توجهها ولا يخدم الوحدة الوطنية، داعياً إلى نهج سلوكٍ عقلائيٍّ في مواجهة هذا التطرف تبرز ملامحه في عدة أمور: وجود تشريعات وأنظمة تُجرّم المنهج المتطرف بكل أنواعه ووسائله، التصدي لتوعية الناس بأخطار هذه التوجهات وفضحها، نشر ثقافة الوحدة والتسامح والتقريب والألفة وهذا أقوى ردّ لمواجهة دعاة التطرف في المجتمع، وأخيراً تشجيع التواصل والتداخل بين أبناء الوطن، بعيداً عن سياسة الفرز والتمييز الطائفي.

وفي سياقٍ آخر أوضح أن الشعائر العبادية تهدف إلى توثيق الصلة بالله تعالى لتتأكد القيم والمبادئ الإيمانية في نفس الإنسان، فتنعكس على سلوكه. فالعبادات لها وظائف نفسية وسلوكية. وآيات القرآن والروايات تُشير إلى هذا الجانب كثيراً. مشيراً أن هناك من يؤدي العبادات رياءً أو كعادة تعوّد عليها أو لإسكات الضمير، مؤكداً أن أبرز مقياسين لكشف مدى تحقيق هذه العبادات لوظائفها الفعليه يكمن في الورع عن محارم الله، وأداء الحقوق لأهلها. مؤكداً أن الإنسان أعلم بنفسه وعليه محاسبتها لتسير وفق المنهج الإلهي السليم.

افتتاحية

الحمد لله الذي لا يشغله شأنٌ عن شأن، ولا يُغيره زمان، ولا يحويه مكان، ولا يصفه لسان، ولا يعزب عنه عدد قطر الماء، ولا نجوم السماء، ولا سوافي الريح في الهواء.

وأشهد أن لا إله إلا الله غير معدولٍ به، ولا مشكوكٍ فيه، ولا مكفورٍ دينه، ولا محجورٍ تكوينه، شهادة من صدقت نيته، وصفت دِخلته، وخلص يقينه، وثقلت موازينه.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المجتبى من خلائقه، والمختار لشرح حقائقه، والمختص بعقائل كراماته، والمصطفى لكرائم رسالاته.

اللهم صلّ عليه وعلى آله المصطفين الأخيار، وأصحابه المخلصين الأبرار.

أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله فإننها خير ما تواصى به العباد، وإنها سبيل الخير وطريق النجاة، جعلنا الله وإياكم ممن يتقيه في السر والإعلان، ويتجنب مزالق الإنحراف ووساوس الشيطان.

الخطبة الأولى

أشار الشيخ الصفار في بداية خطبة الجمعة 9 جمادى الثانية 1429هـ (13 يوليو 2008م) إلى وجود تنوع طبيعي بين بني البشر، فمنهم من ينطلق مع الفطرة السليمة ويسترشد بنور عقله ووعيه ليسلك طريق الخير والمعروف، ومنهم من يستجيب لنوازع الهوى والشهوة فيسقط في وحل الشر والمنكر. ومن الطبيعي أيضاً أن ينجذب كل أتباع توجه إلى بعضهم بعضا، فتجد أن أتباع الشر والمنكر يتكتّلون ويتعاونون من أجل نشر فسادهم وانحرافاتهم. وفي المقابل ينبغي أن يكون هناك تعاونٌ وتكتّل مماثل لأتباع الخير والمعروف استجابةً لنداء الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة، 2).

مضيفاً: إن المعروف عنوانٌ شامل، وهو كل ما قبله الناس الأسوياء، في حين أن المنكر ما يرفضه الناس الأسوياء. مؤكداً أن وجود المنكر حالة طبيعية بسبب دواعي الشهوة، ولذا لزم أهل المعروف الوقوف أمام دعاوى الشر والمنكر، وهذا ما تدعوا إليه آيات القرآن الحكيم، يقول تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (آل عمران، 104).

وأكد الشيخ الصفار أن من أبرز تجليات المعروف في الشأن الوطني الدعوة للوحدة والتقارب والسلم الاجتماعي ورعاية التماسك بين أبناء الوطن، بينما إثارة الفتنة والتحريض على الكراهية وإشاعة روح البغضاء بين المواطنين لتمزيق صفوف المجتمع هي من أبرز عناوين المنكر.

معتبراً أن التنوع الذي تحتضنه البلاد ينبغي أن لا يكون سبباً لغياب المعروف بين أبناء الوطن، ومستشهداً بالموقف الرسالي الذي قام به رسول الله بعد هجرته للمدينة، حيث كان التنوع من ابرز تجليات تلك المرحلة، إذ تحتضن المدينة  المسلمين واليهود، ولذلك عمد رسول الله لوضع ميثاق يجمع هذا التنوع، وقد عُرف هذا الميثاق تاريخياً بـ: ((صحيفة المدينة)).

وأكد أن من بين أبناء الوطن أناساً متطرفين يحملون أفكاراً وتوجهاتٍ شاذة، ويُثيرون الفتنة ويزرعون الكراهية في نفوس أبناء الوطن بين بعضهم البعض، مضيفاً: إن هذه الجراثيم والميكروبات لا يخلو منها مجتمعٌ من المجتمعات، ولا طائفة من الطوائف، ولا مذهب من المذاهب، بل هي حالة مرضية يُبتلى بها الجميع.

مستعرضاً أهم الأسباب وراء هذه التوجهات المتطرفة، وإن اختلف حجمها من مجتمع لآخر أو طائفةٍ لأخرى، إلا أنها تعود إلى ذات المنشأ في كل الأحوال. ومن تلك الأسباب الي ذكرها الشيخ الصفّار:

أولاً- الجانب الثقافي، ويكمن في الجهل بالآخر، والفهم الخاطئ للدين، ورسالة الإسلام، فيُبنى الموقف عن الطرف الآخر بناءً على فهم خاطئ أو ثقافة سلبية. ويمارسون دور الوصاية على آراء وأفكار الآخرين..

ثانياً- الدافع المصلحي، فتعمد بعض الجهات إلى تبني موقفٍ معينٍ لهدف مصلحي، كأن يكون وراء ذلك كسب ود جمهور معين أو الوصول إلى منصب متميز، أو زعامة اجتماعية، وما إلى ذلك.

ثالثاً- التغرير والتحريك الخارجي، بأن تكن هناك جهات خارجية معادية للأمة، أو جهات من داخل الأمة يطيب لها إثارة الفتنة في الأمة، فتدفع بهؤلاء المتطرفين وتُغرر بهم ليدعموا طريق التفرقة والفتنة.

وفي سياق استعراض الدور المطلوب تجاه هذه الفئات المتطرفة حذّر الشيخ الصفّار من خطورة مواجهة التطرف بتطرفٍ مثله، لأن ذلك يدعم التوجه المتطرف ولا يخدم طريق المعروف الوطني والذي تتجلى فيه صور الوحدة الوطنية، والتلاحم والتماسك بين أبناء الوطن.

ودعا إلى نهج سلوكٍ عقلائيٍّ في مواجهة هذا التطرف، مؤكداً على مجموعة من المحاور الرئيسية التي تخدم هذا التوجه الإيجابي، وهي:

أولاً- وجود تشريعات وأنظمة تُجرّم إثارة الفتنة والتحريض على الكراهية، بكل أنواعه ووسائله. وليس طبيعياً أن تصدر جماعة متطرفة بياناً تُسيء فيه إلى شريحة وطائفة بأكملها، وتسير الأمور وكأن شيئاً لم يكن، فعدم تجريم هذا السلوك من خلال تشريعاتٍ وأنظمةٍ رسمية يُتيح الفرصة لتكرار ذلك، مما يعني الوقوع في مأزق وطني لا تُحمد عقباه.

ثانياً- التصدي لتوعية الناس بأخطار هذه التوجهات وفضحها، حيث يتحمل الدعاة والعلماء والواعون من أبناء الوطن والمثقفون مسؤولية الأخذ بزمام المبادرة. فكما أننا نغضب لإساءة غربية موجهةٍ للإسلام، فعلينا أن نغضب كذلك للاسائة إلى جزء من المجتمع والأمة، بأن نُكثّف وسائل الوعي في مختلف الأوساط الاجتماعية.

ثالثاً- نشر ثقافة الوحدة والتسامح والتقريب والألفة، وهذا أقوى ردّ نواجه به دعاة التطرف في المجتمع.

رابعاً- تشجيع التواصل والتداخل بين أبناء الوطن، بعيداً عن سياسة الفرز والتمييز الطائفي، بأن يشعر المواطن بأنه وسط مجتمعه ووطنه في أي بقعةٍ من بقاع الوطن، فيأمن على نفسه، ويُمارس شعائره العبادية بكل حرية.
وقال الشيخ الصفّار في ختام خطبته: إننا في الوقت الذي نفخر فيه بالوحدة التي تحققت في بلادنا، نتطلع إلى أن يعيش المواطنون بمختلف توجهاتهم هذه الوحدة عملياً، مؤكداً أن أصوات التطرف لا تنتهي طالما أنها تسقى من جذورٍ عميقة، لكننا بحذرنا وحرصنا على وحدة وطننا وتلاحم أبنائه بالتزام لغة السلم والتقارب والوحدة التي دعانا إليها القرآن الحكيم، فإننا وبإذن الله تعالى سنُحقق النجاح في مواجهتنا للأصوات المتطرفة البغيضة. يقول تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (آل عمران، 104).

الخطبة الثانية

أكد الشيخ الصفار في الخطبة الثانية أن وظيفة الشعائر والعبادات في حياة المتدين هي توثيق صلته بالله، لتتأكد القيم والمبادئ الإيمانية في نفسه، فتنعكس على سلوكه. فمن حققت لديه الشعائر العبادية هذه الوظيفة فهو صادق مخلص في أدائها، ومن لم تحقق لديه هذه الوظيفة فليدرس الخلل أين يكون. إما في خلوص النية، أو الوعي بفلسفة العبادة وأغراضها، أو في الالتفات إلى معانيها وأبعادها.

مشيراً أن آيات القرآن الكريم تؤكد أن العبادات لها وظائف أخرى سوى الممارسة العملية الفعلية لها، فحول الصلاة يقول تعالى:﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ (العنكبوت، 45)، وحول الصيام يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة، 183)، وحول نسك الهدي في الحج يقول تعالى: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ (الحج، 37).

مضيفاً: إن الأحاديث والروايات الواردة عن النبي وأهل البيت تؤكد ذات المعنى حول هذه العبادات والشعائر، وتُعطي للإنسان التفاتاً عميقاً في أدائه للعبادات بأن يكون نصب عينيه أن الهدف أسمى من أن تمارس هذه العبادات كممارسة جوفاء خالية من أي انعكاسٍ على السلوك الخارجي، يقول رسول الله : ((لا صلاة لمن لم يُطع الصلاة، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر))، وعنه : ((لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة)).

وأضاف الشيخ الصفار: إن العبادات التي تفقد وظيفتها إنما يقوم بها صاحبها لأغراضٍ سواى تلك التي أرادها الله تعالى، مشيراً إلى بعض تلك الحالات:

1- البعض يؤدي العبادات رياءً، فيتوصل من خلال ذلك إلى مآرب ومكاسب معينة، أو ليحصل بها على ثقة الناس.

2- البعض يؤدي العبادات كعادة، يقول الإمام الصادق : ((لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة)).

3- البعض يؤدي العبادات لإسكات الضمير، فيعيش حالة الازدواجية في الشخصية بين محافظٍ على العبادات، ومرتكب للمحرمات في ذات الوقت، فتكون العبادة عنده وسيلة من وسائل إسكات الضمير.

وأكد الشيخ الصفار أن المقياس الأبرز في بيان صدق الإنسان في أدائه للشعائر العبادية يتأكد في أمرين:

الأول: الورع عن محارم الله، وتتأكد هذه الحالة عندما تُتاح للإنسان فرصة الحرام، عندها يكون اجتنابه للمحرمات دليلٌ على نجاحه في عبادته لله تعالى، وإلا فعليه أن يُعيد حساباته من جديد. مشيراً أن موسم الصيف باعتباره موسم سفر، فإن كثيراً من الناس يفشل في الامتحان، حيث يعتبرون السفر فرصة لممارسة ما قد يصعب عليهم ممارسته وسط المجتمع، وهذا هو الامتحان الحقيقي لكشف تحقيق العبادات لوظائفها التي أرادها الله تعالى أو لا.

الثاني: أداء الحقوق، والحقوق بمعناها الشامل، مادياً ومعنوياً، والأقربون أولى بالمعروف. فلينظر الإنسان إلى معاملته لأهله والناس، فتلك المعاملة مقياس لصدق توجهه لله تعالى.

واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالتأكيد على ضرورة محاسبة النفس، فكل واحدٍ يعرف نفسه، يقول تعالى: ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (القيامة، 14)، وليختبر سلوكه وتصرفاته، فإن كانت ضمن المنهج الذي أراده الله تعالى، وإلا فعليه أن يُعيد النظر في أمر نفسه، ويُحاسبها ليُحقق في ذاته رضا الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ابوفاطمة
13 / 6 / 2008م - 3:53 م
هناك تطرف وهناك ردات فعل والفرق كبير وبين