الشيخ الصفار يؤكد حاجة المجتمعات البشرية لثورة روحية أخلاقية

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي مكي علي

أكد سماحة الشيخ حسن موسى الصفار حاجة المجتمعات البشرية لثورة روحية تُزيل الغبار عن الفطرة السليمة، وتُحيي الروح الإنسانية، وتضع حداً للأجواء المادية الخطيرة، والتحريض الشهواني الملتهب. وأبدى استياءه من بعض مظاهر الواقع الذي تعيشه البشرية، حيث يعيش الإنسان أرذل صور الانحطاط، بل إنه خرج في تلك الحالات عن الإنسانية، محذراً من أن مجتمعنا ليس ببعيد عن مثل تلك المشاهد المروّعة والبعيدة عن مسمّى الإنسانية.

وفي السياق ذاته تحدث الشيخ الصفار عن فضل يوم الجمعة باعتباره يوماً مباركاً تتضاعف في الحسنات، مؤكداً على ضرورة أن يكون هذا اليوم بمثابة محطة يتزوّد منها الإنسان وقوده الروحي ليُواصل طريقه في الحياة بنقاء الروح، وصفاء النفس. مستعرضاً أهم البرامج الاجتماعية التي ينبغي ان يقوم بها المسلم ليوم الجمعة.

الخطبة الأولى

بدأ الشيخ الصفار خطبة الجمعة 26 ربيع الثاني 1429هـ (2 مايو 2008م) بالحديث عن فضل يوم الجمعة، ملفتاً الانتباه إلى حاجة الإنسان  للالتفات إلى نعم الله تعالى عليه، فهو يعيش في غمرة هذه النعم وبحبوحتها، إلا أنه قد يغفل عنها، بل قد يراها شيئاً ثابتاً حتمياً، ولا تزول، مؤكداً أن هذا فهمٌ خاطئ، فبقاء النعم لا يتم إلا من خلال شكرها والتعامل الإيجابي معها. كما أن النعم قابلة للزوال، وعندها يعرف الإنسان قيمتها، وقد قيل: الصحة تاجٌ على رؤوس الأصحاء، لا يراها إلا المرضى.

وأشار إلى أن النعم مادية ومعنوية، ومن النعم المعنوية نعمة الزمن المبارك، وهي نعمةٌ قد يغفل عنها الإنسان الحي، أما الأموات فيُدركون قيمة هذه النعمة ويتمنون أن لو كانوا أحياء ليستثمروا هذه اللحظات المباركة المقدّسة.

وتأتي أهمية يوم الجمعة من خلال الأحاديث والروايات المستفيضة في فضله، ففي موسوعة (جامع أحاديث الشيعة) ورد (614) نص حول فضل يوم الجمعة وصلاة الجمعة، ومن تلك الأحاديث، عنه : ((إن يوم الجمعة سيد الأيام، يُضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات، ويستجيب فيه الدعوات)).

وأشار إلى أن البرامج المطلوب استثمارها في هذا اليوم المبارك في إتجاهين: العبادي، من الصلاة والدعاة والمناجاة وتلاوة القرآن. والإتجاه الآخر: الاجتماعي، حيث ينبغي على الإنسان أن يجعل ليوم الجمعة برنامجاً اجتماعياً خاصاً نظراً لأن سائر الأيام الأخرى يكون الإنسان فيها منشغلاً بمجموع الانشغلات الحياتية والعملية.

وتطرق الشيخ الصفّار إلى أربعة من البرامج الاجتماعية التي ينبغي التركيز عليها في خصوص يوم الجمعة:

أولاً- صلاة الجمعة، حيث تُعد عبادة اجتماعية بامتياز، ولها فضل كبير أشارت إليه الأحاديث والروايات بشكلٍ مستفيض، وقد قال السيد الخوئي أن الأحاديث المعتبرة حول صلاة الجمعة تزيد على (200) حديث. ولفضلها خصص الله تعالى سورة كاملةً باسم (سورة الجمعة) وجاء فيها التأكيد على هذه الشعيرة العظيمة، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، واستطرد في ذكر بعض الروايات التي تؤكد أهمية صلاة الجمعة، وأهمية السبق إليها، فعنه أنه قال: ((إذا كان يوم الجمعة، كان على كل بابٍ من ابواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول)). وعن الإمام الباقر أنه قال: ((يدخل المؤمنون إلى الجنة على قدر سبقهم إلى الجمعة))، وعن الإمام الصادق أنه قال: ((وأنكم تتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى الجمعة)).

ثانياً- تعهد المحبوسين بالمشاركة في صلاة الجمعة، وذلك من أجل تعميق التواصل الاجتماعي لهم، وعدم إبعادهم عن الدائرة الاجتماعية، ليكون ذلك عوناً لهم على مواصلة حياتهم الاجتماعية بشكلٍ طبيعي بعد انقضاء فترة إقامتهم في السجن. وقد ورد عن الإمام الصادق قوله: إن علياً كان يخرج أهل السجون، من حُبس في دين أو تهمة إلى الجمعة، فيشهدونها ويضمنهم الأولياء حتى يردونهم)).

ثالثاً- الترفيه عن الأهل، فالعلاقة العائلية لها أهمية كبرى، وعلى الإنسان أن يجعل عائلته في المرتبة الأولى من مجمل اهتماماته ومسؤولياته، وتأتي الأحاديث الشريفة لتؤكد على هذه المسألة، فقد ورد عنه أنه قال: ((أطرفوا أهاليكم كل يوم جمعة، بشيءٍ من الفاكهة واللحم، حتى يفرحوا بالجمعة)).

رابعاً- إعانة الفقراء، فالصدقة تُعتبر من أبرز معالم التواصل والتكافل الاجتماعي، وقد أكد عليها الإسلام تأكيداً بالغاً، ويتضاعف هذا التأكيد عليها في يوم الجمعة، فعنه أنه قال: ((الليلة الغراء ليلة الجمعة، واليوم الأزهر يوم الجمعة، فيهما لله طلقاء وعتقاء، وهو يوم العيد لأمتي، أكثروا الصدقة فيها)). وعن أبي حمزة الثمالي أنه قال: صليت مع علي بن الحسين في المدينة الفجر في يوم الجمعة، فلما فرغ من صلاته وتسبيحه نهض إلى منزله وأنا معه فدعا مولاةً له تًسمّى سكينة، فقال لها: لا يعبر على بابي سائل إلا أطعمتموه فإن اليوم يوم جمعة. وعن الإمام الباقر أنه قال: إن ألأعمال تُضاعف يوم الجمعة فأكثروا فيه من الصلاة والصدقة.
وعن الإمام الصادق أنه قال: ((كان أبي أقلّ أهل بيته مالاً، وأعظمهم مؤونة وكان يتصدّق كل يوم جمعة بدينار. وكان يقول الصدقة يوم الجمعة تُضاعف لفضل يوم الجمعة على غيره من الأيام. وقال الإمام الصادق : ((الصدقة ليلة الجمعة ويومها بألف)).

واختتم الشيخ الصفار حديثه بالتأكيد على ضرورة الاهتمام بيوم الجمعة وأن يكون يوماً مميزاً عند الإنسان يستثمره فيما ينبغي أن يستثمره فيه، وأن لا يكون هذا اليوم المبارك يوماً زائداً عند الإنسان يقضيه في النوم، أو في ما لا يُجدي نفعاً.

الخطبة الثانية

وفي الخطبة الثانية أكد الشيخ الصفار على أن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، من حيث المظهر والمضمون، يقول تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ولقد منح الله تعالى الإنسان عقلاً وفطرةً تجعله في مقال التميز على سائر المخلوقات، إلا أن هذا التميز قد ينقلب في بعض صوره وأحواله في أسفل سافلين، يقول تعالى: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، ويكون ذلك عندما ينزلق الإنسان في مهاوي الرذيلة والانحراف، ولا يسلم من ذلك إلا الذين استثناهم الله تعالى بقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ.

وأبدى الشيخ الصفار استياءه من بعض مظاهر الواقع الذي تعيشه البشرية، حيث يعيش الإنسان أرذل صور الانحطاط، بل إنه خرج في تلك الحالات عن الإنسانية، مشيراً إلى أن الأخبار تُحدثنا كل يومٍ عن أفضع الجرائم التي تصدر من أناس محسوبين على البشرية، وهم بعيدون كل البعد عن الحالة البشرية.

وأكد أن الإنسان إذا سار في طريق الانحراف والاجرام فإنه بمرور الوقت يعتاد على الاستهانة بمثل أعمال الإجرام، حتى يصل به المطاف إلى أسفل سافلين. مشيراً إلى أن الملائكة قد تنبأوا بهذه الحالة من أول يومٍ أعلن اله تعالى فيها لهم عن خلقه للإنسان، ذلك أن الإنسان مكونٌ من مادةٍ وروح، فحين تتغلب المادة على الروح يسقط الإنسان في أسفل سافلين. يقول تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.

وذكر الشيخ الصفار مشاهد وصور من حالات الظلم والاجرام التي خرج مرتكبوها عن حالة الإنسانية، ومنها:

- نمساوي عمره (73) سنة، احتجز ابنته في قبو لمدة (24) سنة وكان يعتدي عليها جنسياً وأنجب منها سبعة ابناء. ومرة مرضت ابنته مما اضطره للذهاب بها للمستشفى، وهناك استلزم الأمر إجراء فحوصات لأمها، فانكشف الاحتجاز. وقد كان الأب قد بلّغ عن فقدان ابنته قبل أن يحتجزها، وكان لا يسمح لها ولا لأبنائها أن يرو الشمس طيلة هذه المدة.

- الطفلة بلقيس في عرعر، عمرها 7 سنوات، أدخلت المستشفى لأن زوجة أبيها ضربتها بخشبة، فأغمي عليها، وهي بحالة حرجة وفي غيبوبة. وكان من بين ممارسات زوجة ابيها أن تجبرها على أكل العظام، وتُعرّيها من ملابسها وتخرجها من البيت لترمي الزبالة.

- الطفلة شرعا في الرياض التي علّقها ابوها لست ساعات وانهال عليها ضرباً حتى فارقت الحياة.

وأكد الشيخ الصفار أن مجتمعنا لا يخلو من بعض المشاهد التي تتجاوز حالة الإنسانية، فكيف يروق لشاب أن يعتلي دراجته النارية ليمر مسرعاً أمام امراة ويجر من يدها حقيبتها حتى إذا سقطت على الأرض وانكشف عنها سترها، لم يُبالي، ومضى هارباً بالحقيبة.

ودعا الشيخ الصفار إلى إعلان ثورة روحية ضد هذه المشاهد اللاإنسانية، فكما أن المؤسسات الدولية تهب للحديث عن غلاء المعيشة والتضخم الاقتصادي، ولا تبقى مؤسسة دولية ولا محلية إلا وتهتم بهذا الأمر، فإن المشاهد المرعبة التي باتت تغزو مجتمعاتنا تحتاج إلى إعلان حالة من الطوارئ ضدها، ولن يتحقق ذلك إلا بالتوجهات الروحية فالاهتمامات المادية لا تُمثل إلا جزءً من مجمل الاحتياجات التي يحتاجها الإنسان.

وشدد على ضرورة التوجّه إلى الجوانب الروحية والأخلاقية عند الإنسان وتنميتها، وتعهّدها بالبرامج الروحية التي تُحيي القلوب، وتُزيل الغبار عن الفطرة الإنسانية، وتضع حداً للأجواء المادية الخطيرة، والتحريض الشهواني الملتهب.

مؤكداً على ضرورة إعادة أجواء دعاء كميل، وباقي الأنشطة الروحية التي يكون لها ألأثر الكبير في صقل روح الناس، وتربيتها التربية السليمة.

وأكد أن بعض الأخطار التي تعيشها المجتمعات البشرية اليوم ناتجة عن الخواء الروحي الذي يعيشه الناس، ولا علاج إلا بالرجوع إلى تلك الأجواء الإيمانية.

واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالتأكيد على حاجة المجتمعات إلى البرامج الروحية والأخلاقية، فاقتصار الاهتمام على القضايا التعليمية والاقتصادية والسياسية مع أهميتها، إلا أن البرامج الروحية لا تقل أهمية عنها، بل إن الأزمة الروحية والخواء الروحي يُعد منشأً لبعض تلك الأزمات، ولذا ينبغي تكريس الجهود من أجل إعادة الحياة لهذه البرامج في المجتمع من جديد.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
أبوحيدر علي
[ الخلد - القطيف ]: 5 / 5 / 2008م - 3:06 ص
ماأحوج منطقتنا الغالية إلى حالات التأهب والطوارئ للثورة الروحية ضد تلكم المشاهد اللاانسانية التي تنتشر في كل مكان !!

وهذا من اهم المشاريع التي ينبغي التوجه إليها من قبل جميع المؤسسات ورجالات الدين والشباب المثقف والواعي !! حتى لايموت القلب .. ولاتموت الروح !! وحتى لايسلط الله علينا شرارنا .. فيدعو خيارنا .. فلا يستجاب لهم .

وطوبى للعاملين عليها .

اشكر لسماحة الشيخ هذا الحديث الجميل ، وأدعو الله ان يوفقه وإيانا لما فيه الخير والصلاح .