السيد السيستاني والتعايش المذهبي بقلم الشيخ الصفار

من المقالات الجميل التي أعجبتني مؤخراً مقال بعنوان «التعايش المذهبي ورؤية السيد السيستاني» لسماحة الشيخ حسن الصفار، والجمال في الموضوع على ما أعتقد يعود إلى عوامل ثلاثة:

أول هذه العوامل هي التعايش: هذا الموضوع المهم والذي نحن بحاجة له اليوم أكثر من أي يوم آخر لما تمر به الأمة الإسلامية بل العالم كله من ما قد يعبر عنه – أي العالم – بأنه على كف عفريت، فالدماء تسيل من جسد الأمة في كل جانب، ودعوى الطائفية هذا الدثار الذي يغطي به أصحاب المصالح السياسية أهدافهم يكاد يخنق الأمة، فنحن اليوم أمام فتنة طائفية تأكل الأخضر واليابس، لو تلفتنا قليلا حولنا لوجدنا أن أمتنا تهب عليها اليوم عاصفة فتنة طائفية هوجاء، تهدد بتمزيق مجتمعات الأمة، وتقويض أمنها واستقرارها، وإشغالها عن مواجهة تحديات الهيمنة الأجنبية، والتخلف الحضاري، وإذا لم يتفق المسلمون على التعايش، فمهما تعمقت الخلافات، فليس لهم الا الفتنة التي تخرج بين قرني شيطان.

ثانياً السيد السيستاني: صمام الأمان، والباعث للاستقرار في العراق مما يعني أنه باعث للاستقرار في الأمة، وله قصب سبق في هذا المجال، ومواقفه الكريمة في وئد الفتن وحفظ وحدة الأمة مما لا جدال فيه،  فلو انفجرت العراق سينفجر الوضع في كل مكان، كما يجب أن نعلم أن «هذه الرؤية العميقة التي يقدمها السيد السيستاني للتعايش بين أبناء المذاهب الإسلامية، ليست فكرة أثارتها في ذهنه التطورات السياسية، بل تنطلق من جذور دينية راسخة، فهو خريج مدرسة حملت همّ الوحدة والتقريب بين المسلمين منذ عقود من الزمن، هي مدرسة أستاذه السيد حسين البروجردي (توفي 1380هـ) والذي كان المرجع الأعلى في الحوزة العلمية في قم، وهو الذي رعى تأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة في ستينيات القرن الميلادي المنصرم، وله آراؤه المعروفة على صعيد الانفتاح والتقريب». كما أن ممارساته العملية منذ سقوط الصنم في بغداد كانت الدليل العملي على قناعاته 'حفظه الله' بالتعايش، فلقد ألجم أي نزعة للانتقام وأخذ الثأر في صفوف أتباعه، واصدر أكثر من فتوى تحرّم أي نوع من أنواع الانتقام حتى نشر الوثائق التي تفضح أزلام النظام السابق وعملاءه.

فقد أجاب على سؤال حول من تأكد دوره المباشر في قتل الأبرياء من أزلام النظام السابق هل تجوز المبادرة إلى القصاص منه؟ أجاب سماحته: «القصاص إنما هو حق لأولياء المقتول بعد ثبوت الجريمة في المحكمة الشرعية، ولا تجوز المبادرة إليه لغير الولي، ولا قبل الحكم به من قبل القاضي الشرعي».

ورداً على سؤال حول كون الشخص عضواً في حزب البعث السابق أو متعاوناً مع أجهزة النظام الأمنية هل يكفي ذلك لمعاقبته؟ أجاب سماحته: «لا يكفي وأمر مثله موكل إلى المحاكم الشرعية، فلابد من الانتظار إلى حين تشكيلها».

ثالثاً الشيخ الصفار وهو العنصر الثالث في المعادلة ومن منا لا يعرف هذا الخطيب البارع والكاتب المرموق، وهو خير من يتكلم عن التعايش، وأفضل من نظر له، وكتاباته (التنوع والتعايش) و(نحن والآخر) و(كيف نقرأ الآخر) وغيرها ابرز الأدلة على ما أقول، والمقال دليل على أنه – الصفار – أفضل من تكلم في هذا الموضوع.

كما يجب أن نلاحظ أن هذا المقال جاء في فترة وجهت لشخص السيد السيستاني كثير من السهام، عبر القنوات الفضائية وعبر الصحف، وهذا يدل أيضا على أهمية الموضوع، وذكاء الكاتب، فالكلام المناسب في الوقت المناسب.

ولقد سألت نفسي عن هذا الإعجاب وهل هو مفرد أم أن من الناس من يشاركني هذا الشعور؟ فقررت أن أبحث في الإنترنت، فوضعت العنوان ووجدت أن الاحتفاء جاء من كثيرين غيري، سأذكر على سبيل المثال:

منتدى الأحساء الثقافي، مؤسسة الأضواء للثقافة والإعلام (العراق)، شبكة فجر الثقافية، البرلمان الشيعي الهولندي، الموقع الإعلامي للتقريب، مؤسسة الأضواء للثقافة والأعلام، عالم إبادة الشيعة، شبكة العراق الثقافية، شبكة الزوراء الإعلامية، الأرشيف العراقي في الدنمارك، منتديات البتول (البحرين)، شبكة أنصار الحسين، منتديات ياحسين، شبكة راصد الإخبارية، منتدى الرامس الثقافي، منتدى تاروت الثقافي، ملتقى الزينبي، شبكة الزوراء، منتديات الفرات.

كما أن صحيفة (كيهان العربي) الصادرة من طهران في عددها رقم 6738 بتاريخ 18 ربيع الأول 1428هـ الموافق 7 نيسان 2007م، نشرت المقال كاملا، وجمعية أهل البيت  بالبحرين طبعت الكلمة بشكل جميل ووزعتها في البحرين وفي الكويت (مؤتمر الوقف الشيعي) ولعله في أماكن أخرى أيضا كالعراق.

أقول في الختام: فكر السيد السيستاني حفظه الله يحتاج إلى قراءة، ونحتاج اليوم إلى تعريف الناس بعلمائنا الذين هم قدواتنا، والأمة بكاملها كما أنها تحتاج للتعرف على أهل البيت  كذلك هي بحاجة أن تتعرف على هذه القامات الشامخة، والتي نفخر بها جميعا.