العلاقات الزوجية

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين.



الجانب العاطفي الغريزي يُعد حجراً أساساً، وركناً رئيساً، في العلاقات الزوجية، لأنه حاجة ملحة في نفس كل من الزوجين، والارتباط الزوجي، هو الفضاء الوحيد المفتوح لإشباع هذه الحاجة، و تفعيل هذا الجانب يؤكد الانشداد الخاص بين الزوجين ويعمقه.

من هنا لاحظ الباحثون أن الفتور العاطفي، والبرود الجنسي، لأي سبب كان، جسمياً أو نفسياً، هو من أهم عوامل الفشل في الحياة الزوجية.

والإسلام الذي يبدي حرصاً و اهتماماً بإنجاح مشروع البناء الأسري، كما روي عن النبي أنه قال: «ما بني في الإسلام بناء أحب إلى الله عز وجل من التزويج»[1] ، وعنه: «أشيدوا النكاح! أشيدوا النكاح»[2] .

هذا الإسلام لا بد وأن يولي الجانب العاطفي، والعلاقة الجنسية بين الزوجين، الاهتمام المناسب، وذلك ما نلحظه من كثرة النصوص والتعاليم الدينية المتعلقة بهذا الشأن. وبمراجعة فاحصة لكتب الحديث والروايات، ولكتب الفقه، نجد مادةً واسعة ثرية، حول الثقافة الجنسية.

إلا أن الملاحظ أن الثقافة الإسلامية المعاصرة عادةً ما تتجنب معالجة هذا الموضوع وطرحه، لما يسود الأجواء الاجتماعية من تحفّظ واستعابة لمناقشة قضايا الجنس، حيث يُعد ذلك منافياً للوقار والاحتشام. بالطبع لو كان ذلك صحيحاً لما تحدث رسول الله والأئمة الطاهرون عن قضايا الجنس، بهذا الاستيعاب والشمول، ولما كتب العلماء هذه الأبواب المفصلة عن أحكام الجماع وآدابه، وعلى هؤلاء أن يقرأوا وصايا رسول الله المطولة عن العلاقات الزوجية الخاصة، التي وجهها لعلي بن أبي طالب مع ملاحظة أنه صهره وزوج ابنته، وقد أوردها الشيخ الصدوق في كتابيه (علل الشرائع) و (الأمالي) في عدة صفحات.

ولعله للرد على أمثال هذه الهواجس نجد بعض الأحاديث المروية عن رسول الله في هذا المجال، تبدأ بعبارة «لا يستحي الله من الحق»[3] .

في المقابل نرى ابتذالاً فاضحاً في الحضارة المادية الغربية، للترويج للإثارة الجنسية، وتكثيف التحريض الهابط للشهوات والغرائز، والذي أصبح سمة غالبة على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وبين حالة الكبت والتعتيم في مجتمعاتنا، وحالة الابتذال الفاحش السائد عالمياً، يصبح أبناؤنا فريسة سهلة لتيارات الإغراء والإغواء، أو عرضة للفشل في حياتهم العاطفية الجنسية.

والمنهج السليم هو توفير ثقافة تربوية إرشادية لهذا الجانب المهم من حياة الإنسان، من وحي تعاليم الدين، وبالاستفادة من البحوث العلمية، والتجارب النافعة، بما يلبي تطلع الشباب إلى المعرفة، ويوجه سلوكهم نحو الأخلاق والقيم، ويقيهم من الانحرافات والمشاكل، ويعينهم على النجاح في بناء حياتهم الزوجية السعيدة.

تشجيع الرغبة الجنسية


ضمن الإطار الزوجي:

لاحظ بعض العلماء أن الشريعة الإسلامية تحث على الزهد في مختلف متع الحياة ولذاتها، وأن يعوّد الإنسان نفسه على الاكتفاء بالحد الأدنى منها، كالطعام والشراب والنوم واللباس والمال وما أشبه، فإنه حتى في إطار المباح والحلال من هذه الأشياء، ينبغي الإقلال والاقتصار، على ما يلبي حاجة تقوّم الجسم، واستمرار الحياة، لتوجيه اهتمامات الإنسان وإمكاناته نحو الباقيات الصالحات، بخدمة القيم السامية، ونفع عباد الله.

وهو أمر ظاهر في كثير من النصوص الدينية، ومن سيرة الأنبياء والأئمة الهداة ، والذين كانوا يكتفون بأقل الطعام، وأبسط مستويات المعيشة، وأقل قدر من النوم والراحة.

لكننا لا نجد مثل هذا التوجيه فيما يتعلق بالرغبة الجنسية ضمن إطارها الزوجي المشروع، بل على العكس من ذلك وردت أحاديث وروايات مفادها التشجيع على هذه الرغبة، كما أن سيرة الرسول وأئمة أهل البيت التي تزخر بصور ومواقف الزهد في سائر اللذات والمتع، تنطوي على كثير من صور ومشاهد الدفء العاطفي في العلاقات الزوجية المشروعة.

ولعل مبعث ذلك معرفة الشارع بخطورة كبت وقمع هذه الغريزة العارمة في نفس الإنسان، أو انطلاقها خارج الحدود، وأن من صالح الإنسان ومصلحته تشجيع هذه الرغبة العميقة ضمن إطارها الصحيح، مما يجنبه عقد الكبت والحرمان، ويغنيه عن التفكير في طريق الحرام.

كما أن تفعيل هذه الرغبة في الإطار الزوجي، يسهم في قوة العلاقة الزوجية، وتأكيد الارتباط والانشداد، مما يحفظ قوة المجتمع، ويصون أمنه الأخلاقي والاجتماعي.

ضمن هذا السياق يمكننا قراءة النصوص التالية:

«1. عن الإمام جعفر الصادق قال: جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى النبي فقالت: يا رسول الله، إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل، فخرج رسول الله مغضباً حتى جاء إلى عثمان، فوجده يصلي، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله. فقال له: يا عثمان لم يرسلني الله بالرهبانية، ولكن بعثني بالحنيفية السمحة، أصوم وأصلي وألمس أهلي، فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح.»[4] 

«2. في صحيح مسلم عن أبي ذر أن أناساً من أصحاب النبي قالوا للنبي: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالاجور، يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم. قال: (أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة. وفي بضع أحدكم صدقة) قالوا يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر).[5] ومثله ورد في مستدرك وسائل الشيعة.»[6] 

«3. سئل الإمام محمد الباقر: ما بال المؤمن قد يكون أنكح شيء؟ - يعني كثير النكاح – قال: لأنه يحفظ فرجه عن فروج لا تحل له، لكيلا تميل به شهوته هكذا وهكذا، فإذا ظفر بالحلال اكتفى به واستغنى عن غيره.»[7] 

«4. عن الإمام جعفر الصادق: في كل شيء إسراف إلا في النساء.»[8] 

إظهار الأناقة والجمال:


من أجل أن تتركز مشاعر الرغبة الغريزية، والميول الجنسية، ضمن الإطار الزوجي، فتتحقق العفة، ويتوثق الارتباط والانشداد، يوجه الإسلام كلاً من الطرفين للاهتمام بأناقته وجماله أمام الطرف الآخر، ليملأ عينه، وليستقطب أحاسيسه، فلا ينجذب لما وراء ذلك.

إن بعض الزوجات قد تغفل جانب الاهتمام بإظهار زينتها ومفاتنها أمام زوجها، انشغالاً منها بخدمة البيت وتربية الأولاد، أو لشعورها بعمق الحب بينهما بحيث لا داعي للأناقة والزينة، وغالباً ما تخصص ثياب الزينة وأساليب الأناقة، عند ذهابها لحفلة أو زيارة ، لكن هذا التفكير خاطئ، فالزوج تصادفه مختلف الأشكال والمناظر، وخاصة عبر وسائل الإعلام، التي تستغل أنوثة المرأة وتتاجر بها، فينبغي للزوجة أن تعمل للاستيلاء على مشاعر زوجها، وأن تملأ عينيه، وكذلك الأمر بالنسبة للزوج،عليه أن يهتم بأناقته وجماله، ومنظره ونظافته أمام زوجه، فهي إنسان تمتلك مشاعر وأحاسيس، وتصادفها مختلف الأشكال والمناظر، فيجب أن ترى في زوجها ما يملأ عينها ويجتذب أحاسيسها.

وقد وردت نصوص دينية تذكر الزوجين بهذا الجانب، من بينها النماذج التالية:

«1. عن رسول الله أنه قال: (ليتهيأ أحدكم لزوجته كما يحب أن تتهيأ له) قال جعفر الصادق: (يعني التنظف).»[9] 

«2. عن رسول الله أنه قال: (خير نسائكم التي إذا دخلت مع زوجها خلعت درع الحياء).»[10] 

«3. عن الإمام جعفر الصادق عن رسول الله أنه قال في حق الزوج على المرأة: (عليها أن تطيب بأطيب طيبها، وتلبس أحسن ثيابها، وتزين بأحسن زينتها، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية).»[11] 

«4. عن الحسن بن جهم قال: رأيت أبا الحسن اختضب، فقلت: جعلت فداك، اختضبت؟ فقال: نعم، إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن التهيئة. ثم قال: أيسرّك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قلت: لا. قال: فهو ذاك.»[12] 

«5. عن الإمام جعفر الصادق: (لا ينبغي للمرأة أن تعطّل نفسها، ولو أن تعلق في عنقها قلادة، ولا ينبغي أن تدع يدها من الخضاب، ولو أن تمسّها بالحنّاء مسّاً وإن كانت مسنّة).»[13] 

الإثارة والإشباع العاطفي:


أجواء العلاقات الزوجية يجب أن تكون مفعمة بالحب، وأن تلامس أعماق مشاعر الطرفين، حتى لا تصبح الممارسة الجنسية مجرد أداء جسمي لا يواكبه تفاعل نفسي عاطفي، وإذا كان أحد الطرفين يعيش حالة اندفاع ورغبة، فعليه أن يعطي الفرصة للطرف الآخر ليشاركه اندفاعه ورغبته.

ولأن الرجل غالباً ما يكون أكثر جاهزية، وأسرع تحقيقاً لرغبته، جاءت التوجيهات الدينية بأخذ وضع الزوجة العاطفي بعين الاعتبار، ومساعدتها عبر أساليب الإثارة لتكون أكثر استعداداً وتفاعلاً، وتمكينها من تحقيق كامل رغبتها واستمتاعها.

فهناك نصوص عديدة تتحدث عن أساليب الإثارة والعلاقة العاطفية التي ينبغي أن تكون بين الزوجين:

«1. أورد مسلم في صحيحه قول رسول الله لجابر بن عبد الله الأنصاري: (فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك).»[14] 

«2. وأورد أبو حامد الغزالي عنه: (لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول) قيل: ما الرسول يا رسول الله؟ قال: (القبلة والكلام).»[15] 

«3. وعنه: من الجفا مواقعة الرجل أهله قبل المداعبة.»[16] 

«4. وعن الإمام جعفر الصادق: (إذا أتى أحدكم أهله فليكن بينهما مداعبة فإنه أطيب للأمر).»[17] 

«5. وعن الإمام علي: (إذا أراد أحدكم أن يأتي زوجته فلا يعجلها فإن للنساء حوائج).»[18] 

«6. قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: ويستحب أن يلاعب امرأته قبل الجماع، لتنهض شهوتها، فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله. وقد روي عن عمر بن عبد العزيز، عن النبي أنه قال: (لا تواقعها إلاّ وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك، لكيلا تسبقها بالفراغ) قلت: وذلك إليّ؟ قال: (نعم إنك تقبلها، وتغمزها، وتلمسها، فإذا رأيت أنه قد جاءها مثل ما جاءك، واقعتها). فإن فرغ قبلها كره له النزع حتى تفرغ، لما روى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله: (إذا جامع الرجل أهله فليصدُقها، ثم إذا قضى حاجته، فلا يُعجلها حتى تقضي حاجتها).»[19] 

أحكام وآداب:


لكي لا ينسى الإنسان تميزه الإنساني، وارتباطه بربه وخالقه، وإيمانه بالقيم السامية، حتى في غمرة استمتاعه الجنسي، وفي أوج ممارسته الغريزية، لذلك تضع له الشريعة الإسلامية أحكاماً وآداباً في مجال العلاقات الزوجية الخاصة. نشير إلى بعضها:

يستحب عند الممارسة الجنسية ذكر الله تعالى والاستعاذة من الشيطان، جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: قال النبي: «أما لو أن أحدهم يقول حين يأتي أهله: باسم الله، اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم قُدِّر بينهما في ذلك، أو قُضي ولد، لم يضره شيطان أبداً.»[20] 

ومثله في وسائل الشيعة عن الإمام علي: «إذا جامع أحدكم فليقل بسم الله وبالله، اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني. قال: فإن قضى الله بينهما ولداً لا يضره الشيطان بشيء أبداً.»[21]  ويكره استقبال القبلة واستدبارها حال الجماع.

وينبغي أن لا تكون الممارسة الجنسية بمرأى أو مسمع من أحد حتى الطفل الصغير، ولو كان غير مدرك وغير مميز.

جاء عن الإمام جعفر الصادق: «لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي فإن ذلك مما يورث الزنا.»[22] 

«وورد عن الإمام علي قال: (نهى رسول الله أن يجامع الرجل امرأته والصبي في المهد ينظر إليهما).»[23] 

ويجب على الزوجين تعلم غسل الجنابة، لتوقف أداء الصلاة عليه. ويكره النوم والأكل والشرب قبل الغسل إلا أن يتوضأ.
[2])) الهندي: علي المتقي/ كنز العمال- حديث رقم 44580.

[3])) المصدر السابق/ حديث رقم 44876.

[4])) الحر العاملي: محمد بن الحسن/ وسائل الشيعة- حديث رقم 25157.

[5])) القشيري البيسابوري: مسلم بن الحجاج/ صحيح مسلم – حديث رقم 1006.

[6])) النوري الطبرسي: ميرزا حسين/ مستدرك الوسائل – حديث رقم 16349.

[7])) المصدر السابق – حديث رقم 25540.

[8])) المصدر السابق – حديث رقم 25548.

[9])) الطبرسى النوري: ميرزا حسين/ مستدرك الوسائل – حديث رقم 16767.

[10])) المصدر السابق – حديث رقم 16378.

[11])) الحر العاملي: محمد بن الحسن/ وسائل الشيعة – حديث رقم 25301.

[12])) المصدر السابق – حديث رقم 25549.

[13] المجلسي: محمد باقر/ بحار الأنوار ج 100 ص288.

[14])) القشيري النيسابوري: مسلم بن الحجاج/ صحيح مسلم – حديث رقم 56/ باب استحباب نكاح البكر.

[15])) الغزالي: أبو حامد/ إحياء علوم الدين ج2 ص74. دار الهادي –بيروت 1992.

[16])) الحر العاملي: محمد بن الحسن/ وسائل الشيعة – حديث رقم 25187.

[17])) المصدر السابق – حديث رقم 25183.

[18])) المصدر السابق – حديث رقم 25184.

[19])) بن قدامة الحنبلي/ المغني ج10 ص 232.

[20])) البخاري: محمد بن اسماعيل/ صحيح البخاري – حديث رقم 5165.

[21])) الحر العاملي: محمد بن الحسن/ وسائل الشيعة – حديث رقم 25234

[22])) المصدر السابق – حديث رقم 25222.

[23])) النوري الطبرسي: ميرزا حسين/ مستدرك الوسائل – حديث رقم 16568.