الصداق

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين


لكي يشعر الرجل بأهمية عقد الزواج، والمسؤلية التي يتحملها بموجبه تجاه المرأة، ولكي يبرهن على صدق رغبته في الاقتران بها، فرض الله تعالى عليه أن يقدم لها عطية تسمى صداقاً، اشتقاقاً من الصدق. وفي ذلك تعزيز لمكانة المرأة، وأنها في موقعية تستحق البذل والعطاء, من قبل الرجل لكسب رضاها وموافقتها.

ويقال صَداق وصِداق بفتح الصاد وكسرها. ويطلق عليه ايضاً: مهر قال تعالى:﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (سورة النساء ايه4).

واعتبر القرآن الكريم الصداق او المهر نحلة للمرأة، فهو ليس ثمناً ولا عوضاً، وانما هو نحلة – بكسر النون – وهي العطية بلا قصد عوض. انها هدية أوجب الله تعالى على الزوج تقديمها لزوجته.

وربما ذهب بعض العلماء إلى اعتبار المهر ثمناً وعوضاً عن استمتاع الرجل بالمرأة، والحقيقة أن الاستمتاع متقابل بينهما حيث يستمتع كل منهما بالآخر، ولو كان المهر عوضاً عن الاستمتاع فلماذا تستحق المرأة نصف المهر لو طلقها قبل الدخول، وحيث لم يحصل في مقابله شيء، ثم إن الآية الكريمة تعتبره نحلة،والنحلة تطلق على ماينحله الانسان ويعطيه بدون مقابلة عوض.

المهر ليس ركنا في العقد:


ذكر المهر ليس شرطاً في صحة العقد الدائم، فلو عقد عليها ولم يذكر مهراً اصلاً،صح العقد، بل لو صرحت بعدم المهر بأن قالت: (زوجتك نفسي بلا مهر) فقال: (قبلت) صح [1] . وصحة العقد مع التصريح بعدم المهر متفق عليه بين مذاهب السنه والشيعة عدا المذهب المالكي حيث (لا يصح النكاح عندهم عند اشتراط نفي المهر، حيث انهم يعتبرون المهر ركناً من أركان النكاح،: ومعنى كونه ركناً أنه لا يصح اشتراط اسقاطه)[2]  .

وقد اشار القرآن الكريم إلى صحة العقد دون ذكر مهر او تعيينه بقوله تعالى: ﴿ لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ (سورة البقرة اية 236). فإيقاع الطلاق لايكون الابعد عقد صحيح، والآية تشير إلى طلاق المرأة التي لم يدخل بها ولم يعيّن لها مهر، فإنها تستحق هدية بحسب قدرة الزوج، وتسمى الهدية (( متعة)) حسب تعبير الآية الكريمة ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ.

واذا وقع العقد بلامهر جاز ان يتراضيا بعد العقد على شيء، ويتعين ذلك مهراً كما لو ذكر في العقد.

ولو لم يتفقا على تعيين مهر في العقد وفيما بعده، لم تستحق المرأة قبل الدخول شيئاً، الا اذا طلقها قبل الدخول فعليه أن يعطيها شيئاً حسب حالته وقدرته، ولو مات أحدهما قبل الدخول فليس لها شيئ. أما لو دخل بها استحقت مهر أمثالها.

وحتى لو نوى الرجل حين العقد أن لايدفع لها مهرها المعيّن في العقد، فإن تلك النية لا تؤثر على صحة العقد، بل هو عقد صحيح، وعليه أن يدفع المهر. وصرّح الشافعية والحنابلة بأنه يستحب تسمية المهر للنكاح، لأنه لم يخل نكاحاً عنه، ولأنه أدفع للخصومة [3] 

الصداق حق للمرأة:


في مجتمعات سابقة كان يفرض على الخاطب تقديم مبلغ كبير من المال لأهل الفتاة، ويتفاوت ذلك المبلغ حسب جمالها وكمالها ومكانة عشيرتها، وحتى كان يقال لمن ولدت له بنت في بعض القبائل العربية: (( هنيئاً لك النافجة)) أي المعظمة لمالك، حيث ستجلب لك مهراً عظيماً تزداد به ثروتك.

وكأن المهر عندهم ثمناً للمرأة، أو تعويضاً للأسرة على ما بذلته في الإنفاق عليها وتنشئتها.

وفي بعض الأحيان كان يتم تزويج البنت في مقابل بنت أخرى، بأن يزوج كل منهما بنته للآخر، أو لأحد من عائلته، دون مهر للبنت، ويسمى نكاح(( الشغار)) وقد منعه الإسلام فإذا جعل مهر إمرأة نكاح امرأة أخرى، ومهر الأخرى نكاح المرأة الأولى بطل النكاحان.

أما في الشريعة الاسلاميه فالصداق حق للمرأة، ليس لأبيها ولا لأهلها منه شيء، فهي صاحبة القرار في تحديده ان كانت بالغة رشيدا وهي المتصرفة فيه، إن شاءت تنازلت عنه، أو وهبته، أو أنفقته فيما تشاء.

ولا يصح ان يشترط الاب لنفسه شيئاً من المال في عقد ابنته، ولو جعل في العقد مقداراً من المال للأب لم يلزمه، الا اذا كان شرطاً من البنت نفسها.

اما تعيين مبلغ من المال لإرضاء الاب أو أحد اقربائها حتى لايمانع الزواج مع رضاها بالتزويج، فذلك حرام اخذه.

مقدار المهر:


كل مايمكن ان يملكه المسلم يصح ان يجعله مهراً سواء كان مبلغاً من المال، او شيئاً من الاشياء، كقطعة ارض او كمية من الموادّ الغذائية، وكذلك يصح أن يكون المهر منفعة من المنافع لعين مملوكة من عقار او حيوان، بأن يكون الصداق استخدام هذه الدار او الارض او الدابة لفترة معينة.

كما يصح أن يكون المهر عطاءً معنوياً كتعليم سورة من القرآن، او برنامج كمبيوتر، اولغة من اللغات. هذا في رأي المذهب الجعفري. وكذلك ذهب المالكية في المشهور والشافعية والحنابلة إلى أنه يجوز ان تكون المنفعة صداقاً، جرياً على اصلهم من أن كل مايجوز اخذ العوض عنه يصح تسميته صداقاً.وأجاز الشافعية واحمد في أحد القولين جعل تعليم القرآن مهراً. وذهب مالك واحمد في القول الثاني إلى أنه لايجوز جعل تعليم القرآن اوشي منه مهرا، لأن الفروج لا تُستباح الا بالاموال، ولأن تعليم القرآن لايجوز ان يقع إلاّقربة لفاعله فلم يصح أن يكون صداقاً كالصوم والصلاة[4] .

وقال الحنفية ايضاً بعدم صحة تسمية تعليم القرآن او الاحكام او إحجاج المرأة وغيرها من الطاعات مهراً، لأنها ليست بمال.

ولا تقدير للمهر في الحد الادنى منه، فيصح ماتراضى عليه الزوجان، وإن قل على أن يكون ذاقيمة، اما لا قيمة له كحبة من الحنطة مثلاً، فلا يعتبر مهراً وهو رأي الشيعة والشافعية والحنابلة.

لكن الحنفية يرون أن اقل المهر عشرة دراهم فضة او ما قيمته عشرة دراهم، واستدلو بقوله تعالى ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ فلابد وان يكون المهر مالاً، وبما روى عن جابر عنه أنه قال: (( لامهر دون عشرة دراهم)).

والمالكية يرون أن اقل المهر ربع دينار ذهباً او ثلاثة دراهم فضة خالصة.(5) نعم وردت احاديث في مصادر الشيعة عن أئمة اهل البيت (عليهما السلام) حول كراهية تقليل المهر عن عشرة دراهم، كما ورد عن علي قال: «إني لأكره ان يكون المهر اقل من عشرة دراهم»[6] .

كما لاحدّ لأكثر المهر فيمكن ان يكون مليون ريال او أكثر.وورد ان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب خطب مرة فقال: الا لاتغالوا في صدقات النساء،فإنه لو كانت مكرمة في الدنيا او تقوى عند الله، لكان اولاكم بها رسول الله ، ما اصدق قط امرأة من نسائه ولابناته فوق اثنتى عشرة اوقية. فقامت اليه امرأة فقالت: يا عمر، يعطينا الله وتحرمنا؟ اليس الله سبحانه وتعالى يقول ﴿ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا؟ فقال عمر: أصابت إمرأة وأخطأ عمر. وفي رواية: فأطرق عمر ثم قال: كل الناس افقه منك ياعمر! وفي أخرى: امرأة اصابت ورجل أخطأ. وترك الانكار [7] 

نعم يستحب تقليل المهر، وان يكون في حدود مهر السنّة كما اصدق رسول الله زوجاته وبناته وهو ((500)) درهماً والدرهم 4/2 غراماً من الفضه، واذا كانت قيمة الكيلو الواحد من الفضة حوالي 650 إلى 700 ريال فإن مهر السنة يكون في حدود 900 ريال تقريباًً.

روت عائشة عن رسول الله أنه قال: « من يمن المرأة تسهيل امرها وقلة صداقها» وروى ابن عباس عنه أنه قال: « خيرهن ايسرهن صداقاً» وعنه :« إن اعظم النكاح ايسره مؤونة».

ولابد من تعيين المهر حتى لا يكون فيه ابهام او اختلاف.

ويجوز أن يذكر المهر في العقد غير معين ويفوّض تقديره وتحديده إلى احد الزوجين، فتقول الزوجة مثلاً: ((زوجتك نفسي على ما تحكم به من المهر او على ما احكم به من المهر)) فاذا قال ((قبلت)) جاز له ان يحكم بما يشاء ان كان هو المفوّض، أما اذا كان التفويض لها، فيرى أغلب الفقهاء أن لاتتجاوز مهر السنّة 500 درهماً .

ويجوز ان يكون الصداق كله معجلاً، او مؤجلاً، او بعضه معجلاً والباقي مؤجلاً، على ما يتراضيان عليه. وفي التأجيل ينبغي تعيين الاجل.


[1]  السيستاني: السيد علي الحسيني / منهاج الصالحين/ المعاملات – القسم الثاني/ مسألة 292
[2]  الموسوعة الفقهيه- الكويت/ج 39 ص152
[3]  المصدر السابق ص152
[4]  الموسوعة الفقهية ج39 ص156-159
[5]  الموسوعة الفقهية ج 39 ص161-162
[6]  الحر العاملي: محمد بن الحسن / وسائل الشيعة – حديث رقم 27023
[7]  الزحيلي: الدكتور وهبة/ التفسير المنير ج4 ص306 الطبعة الاولى 1991م