التزاوج مع اختلاف الدين

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين



الزواج هو اعمق واوثق علاقة بين شخصين في هذه الحياة، بدءاً من الانفتاح على المستوى الجسمي في العلاقة الجنسية، الى الاندماج النفسي والروحي على صعيد المشاعر والعواطف، واخيراً من حيث الارتباط الحياتي المعيشي في الحقوق المتبادلة بين الزوجين.

لذلك استخدم القرآن الكريم ارقى وادق التعابير في الحديث عن هذه العلاقة، فهو يصفها بأنها السكن والملجأ الذي يأوي الانسان اليه ﴿خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا [1]  ويصورها اطاراً يضفى رونقاً وجمالاً على شخصية الانسان، ويستر نقاط ضعفه، ويحميه عن العوارض والمساوئ، تماماً كما هو دور الكسوة والثياب بالنسبة الى جسمه، يقول تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [2] .

ويعتبرها مصدراً ومنبعاً لعواطف الحب ومشاعر الود ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [3]  وهكذا يصل كل من الزوجين الى اعماق نفس ووجود الآخر، وبتعبير القرآن الكريم ﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ [4]  والافضاء الوصول، مشتق من الفضاء، لأن في الوصول قطع الفضاء بين المتواصلين، وافضى بمعنى اتصل وخلا وكشف، من الفضاء الذي هو المكان الواسع، يقال: افضى اليه بسره، حيث يكشف كل من الزوجين اسراره وهمومه وعواطفه للآخر.

ويؤكد القرآن الكريم على متانة الارتباط والعلاقة الزوجية واصفاً لها بأنها عهد وميثاق غليظ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [5]  ولم يرد مثل هذا التعبير في القرآن الا في وصف عقد الزوج.

(ان كلمة ((الميثاق الغليظ)) لم ترد في القرآن الا في عقد الزواج، مما يوحي بالاهمية الكبرى التي يوليها اللَّه سبحانه للعلاقة الزوجية بما لا يوليه لأية علاقة اخرى، لأن اية علاقة انسانية في الموارد الأخرى، تختص بجانب من جوانب الحياة الخاصة للطرفين، بينما تمثل علاقة الزواج اندماجاً روحياً وجسمياً في كل المدى الزمني الذي تلتصق حياتهما فيه ببعضها)[6] .

وما دامت العلاقة الزوجية على هذه الدرجة من الاهمية والخطورة، فينبغى ان يُلحظ في تأسيسها توفر أكبر قدر ممكن من مقومات الاندماج والانسجام، وان لا تشوبها عوامل تسبب التنافر والتناقض.

وحيث ان الانتماء الديني للانسان مؤثر في بناء شخصيته، وفي توجيه افكاره ومشاعره وسلوكه، لذلك لابد من رعاية مدى التوافق الديني بين الزوجين، من هنا تناول التشريع الاسلامي مسألة اختلاف الدين في قضية التزاوج، وهذا ما نستعرضه في النقاط التالية:

1- زواج المسلمة من غير المسلم:


اجمع فقهاء المسلمين على عدم جواز زواج المسلمة بغير المسلم أي كان دينه يقول تعالى: ﴿وَلاَ تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [7] . فالزوجة عادة ما تكون تحت هيمنة الزوج وتأثيره، ولا يصح ان يقع المسلم تحت سيطرة الكافر ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [8]  فقد يكون ذلك سبباً لصرفها عن دينها، أو لضعف التزامها بدينها. ولعل في قوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [9]  اشارة الى ذلك.

2- زواج المسلم من الكافرة:


ينقسم الكفار الى قسمين:

أ/ من لا يدينون بدين سماوي كالمشركين من عبدة الاصنام والاوثان، والبوذيين والهندوس والملاحدة المنكرين لوجود اللَّه تعالى وغيرهم.

ب/ من لهم دين سماوي وان كان أصابه التحريف والتغيير كاليهود والنصارى، حيث يؤمنون اجمالاً بوجود اللَّه تعالى، وبالآخرى وبالنبوة.

واتفق فقهاء الاسلام على عدم جواز زواج المسلم من الكافرة التي لا تدين بدين سماوي. يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [10] .

3- الزواج من الكتابية:


اما زواج المسلم من الكافرة الكتابية كاليهودية والنصرانية فجوازه متفق عليه عند فقهاء السنة لقوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [11] .

لكنه مكروه عند الحنفية والشافعية والمالكية في رأي، ويراه الحنابلة خلاف الاولى، وقال الحنفية بحرمة تزوج الكتابية اذا كانت حربية، أي تنتمي الى مجتمع ليس بينه وبين المسلمين عهد ذمة.

واختلف فقهاء الشيعة في مسألة زواج المسلم من الكتابية:

1/ فقال بعض فقهائهم الاقدمين بالحرمة وأنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج بغير المسلمة كتابية أو غيرها، ومن ابرز القائلين بهذا الرأي السيد المرتضى، واستدلوا بروايات عن ائمة اهل البيت (عليهم السلام) تفيد التحريم والمنع، اما الآية الكريمة ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ فأولوها بأن المراد: اللاتي اسلمن منهن في مقابل المحصنات من المؤمنات اللاتي كن في الاصل مؤمنات، وذلك ان قوماً كانوا يتحرجون من الزواج ممن اسلمت من اليهوديات والنصرانيات فبين سبحانه انه لا حرج في ذلك، فلهذا افردهن بالذكر[12] .

ويرى بعضهم أن الآية ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ منسوخة بقوله تعالى ﴿وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [13] . وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [14] .

2/ ويرى بعض فقهاء الشيعة جواز الزواج من الكتابية مطلقاً، انطلاقاً من الآية الكريمة ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ولوجود نصوص مستفيضة او متواترة دالة على جواز نكاح الكتابية، حسب تعبير صاحب الجواهر[15] .

واغلب فقهاء الشيعة المعاصرين يذهبون الى هذا الرأي وان الزواج من الكتابية جائز على كراهة. ومنهم السيد الشيرازي[16]  والشيخ التبريزي[17] .

3/ ويفصّل بعض فقهاء الشيعة بين الزواج الدائم بالكتابية والمنقطع، فيرى جواز المتعة من الكتابية فقط، اما الدائم فهو حرام، نظراً لورود نصوص تحصر الجواز بالمؤقت، وهو الرأي الاشهر عند متأخري فقهاء الشيعة، وبه قال السيد السيستاني على سبيل الاحتياط اللازم (الاظهر جواز التزوج بالنصرانية واليهودية متعة والاحوط لزوماً ترك نكاحها دواماً)[18] .

كراهة الزواج من الاجنبيات:


من اجل زواج ناجح وحياة عائلية سعيدة ينبغي احراز اكبر قدر ممكن من التوافق بين توجهات الزوجين، وخاصة في الجانب الديني المؤثر في شخصية الانسان، من هنا منع الاسلام التزاوج مع المشركين الذين لا يدينون بدين سماوي لأن التناقض والتنافي واضح في الافكار والمشاعر والتوجهات بين من يعتقد بآله خالق للكون، يرجع اليه الانسان في النهاية يوم القيامة ليحاسب ويجازى، وله شريعة ودين يجب الالتزام بها في الدنيا وبين من ينكر كل ذلك.

لذلك اجاز الاسلام الزواج من الكتابية - كما هو رأي اغلب فقهاء المسلمين - لأن هناك ارضية مشتركة، ولم يجز الزواج من غير الكتابية.

اما بالنسبة للمرأة المسلمة فلم يسمح الاسلام بزواجها من غير المسلم ولو كان كتابياً حتى لا تقع تحت تأثير هيمنته وسيطرته عليها كزوج.

ومع السماح للمسلم بأن يتزوج من الكتابية، الاّ أن النصوص الشرعية واقوال الفقهاء تحذره من احتمالات المخاطر والمكاره التي قد تنبثق من هذا الزواج.

حيث ان هناك تبايناً واضحاً بين معتقدات الاسلام وتعاليمه، وبين معتقدات اليهود والنصارى وسلوكياتهم، بالطبع فإنه ينبغي للزوج المسلم ان يسعى لهداية زوجته الكتابية الى الاسلام، واذا ما تحقق ذلك فله اجر وفضل كبير، وتصبح المشكلة محلولة، اما اذا عجز عن ذلك فقد ينعكس التباين الديني على حياتهما الزوجية والمعيشية فهي قد تمارس بعض السلوكيات الجائزة لها في دينها لكنها بالنسبة لزوج المسلم تعتبر منكرات ومحرمات.

والجانب الاهم والاخطر هو ما يتعلق بتربية الاولاد، حيث يحرص المسلم على تنشئة ابنائه وفق مبادئ الدين واحكامه وآدابه، فإذا كانت الام غير مسلمة، فانها الاكثر تأثيراً على الاولاد وخاصة في فترة طفولتهم لشدة التصاقهم بها، وقد يعيش الاولاد تجادباً بين توجهات الاب وتوجهات الام.

وميدانياً فإن الدراسات الاجتماعية في اكثر من مكان تشير الى فشل وتعثر الزواج بالاجنبيات غير المسلمات.

ورد في حديث عن الامام جعفر الصادق أنه قال: « وما احب للرجل المسلم ان يتزوج اليهودية ولا النصراينة مخافة ان يتهوّد ولده أو يتنصر »[19] .

وفي حديث آخر رواه معاوية بن وهب عن الامام الصادق : ((في الرجل المؤمن يتزوج اليهودية والنصرانية؟ فقال :« اذا اصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟» فقلت له: يكون له فيها الهوى، قال: «إن فعل فليمنعها من شرب الخمر واكل لحم الخنزير، واعلم أن عليه في دينه غضاضة »))[20] .



[1]  سورة الروم الآية21.
[2]  سورة البقرة187.
[3]  سورة الروم الآية21.
[4]  سورة النساء الآية21.
[5]  سورة النساء الآية21.
[6]  فضل اللَّه: السيد محمد حسين/ من وحي القرآن ج7 ص167 الطبعة الثانية1998م دار الملاك – بيروت.
[7]  سورة البقرة الآية221.
[8]  سورة النساء الآية141.
[9]  سورة البقرة الآية221.
[10]  سورة البقرة الآية221.
[11]  سورة المائدة الآية5.
[12]  الطبرسي: الفضل بن الحسن/ مجمع البيان ج3 ص280.
[13]  سورة البقرة الآية221.
[14]  سورة الممتحنة الآية10.
[15]  النجفي: الشيخ محمد حسن/ جواهر الكلام ج10 ص639 الطبعة الاولى1992م – بيروت.
[16]  الشيرازي: السيد محمد الحسيني/ المسائل الاسلامية م2730 الطبعة الثامنة والثلاثون2000م.
[17]  التبريزي: الشيخ جواد/ المسائل المنتخبة م984.
[18]  السيستاني: السيد علي الحسيني: منهاج الصالحين ج3 مسألة205.
[19]  الحر العاملي: محمد بن الحسن/ وسائل الشيعة ج20 ص534 حديث 26276.
[20]  المصدر السابق/ حديث رقم26279.