كلمة سماحة الشيخ في ميلاد الرسول الأعظم (ص) بصفوى

أقيم في مدينة صفوى حفلٌ كبيرٌ بمسجد الإمام الحسين مساء يوم الخميس 16 ربيع الأول 1425هـ (5 مايو 2004م)، بمناسبة ذكرى ميلاد الرسول الأعظم وحفيده الإمام جعفر الصادق . وكانت لسماحة الشيخ حسن الصفار كلمةٌ بهذه المناسبة السعيدة.

وقال سماحته في بداية الكلمة: كانت البشرية تعيش تحت وطأة القوة والقسوة، وخاصةً في أرجاء ذلك المجتمع العربي في الجزيرة العربية. كانت القوة هي سيدة الموقف، وكانت القسوة هي لغة التعامل، وكانت الشدة هي نمط العلاقات بين الناس. السيف هو الحكم وهو الحاكم، ولذلك كانت رحى الحروب دائرةً مستمرةً بين تلك القبائل المتناثرة التي لم يكن يمنعها التقارب في النسب عن التقاتل والاحتراب. وكانت العلاقات بين الناس تقوم على أساس القوة، فالقوي هو المحترم، حتى أن عادة الوأد التي كانت منتشرة عند بعض العرب إنما كان سببها أن الولد مصدرٌ للقوة في الحرب، بينما البنت تُعتبر نقطة ضعف. العطف والعاطفة كانت عيباً عند الناس آنذاك، ويدل على ذلك النصوص التاريخية الواردة عن ذلك المجتمع الجاهلي. وذكر سماحة الشيخ بعض النماذج التاريخية التي تبين هذه الحقيقة.

وأضاف سماحته: في ذلك المجتمع الذي تسوده القسوة والشدة بُعث رسول الله رحمةً للعالمين، فالله تعالى يقول: ﴿وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين، والرسول الأعظم يقول: «إنما أنا رحمةٌ مهداة». وبرسول الله دخلت البشرية عهداً جديداً، وأصبحت للإنسان قيمة، وأصبح للعاطفةٍ مكانٌ، وأصبح للوجدان والضمير تأثيرٌ على حياة الإنسان.

وركّز سماحة الشيخ حديثه حول قيمة الرحمة في الإسلام، مستشهداً في بداية ذلك بمقولةٍ للشيخ محمد جواد مغنية، حيث قال: لو طُلب مني أن ألخّص الإسلام في كلمة، لقلت أنه دين الرحمة.
ثم قال سماحته: إن تشريعات الإسلام وتعاليمه تدعوا إلى الرحمة، ونظامه العام في الحياة نظام رحمة على مختلف الأصعدة وفي مختلف الجوانب والمجالات. وكانت سيرة رسول الله تجسيداً لقيمة الرحمة.

الرحمة لغة: الرأفة والعطف.

ورسول الله كان يفيض شفقةً، وكانت الرحمة والشفقة تتقاطر وتفيض من مختلف جوانب حياته وشخصيته. وذكر سماحته بعض النماذج التاريخية التي تبرز فيها قيمة الرحمة في شخصية رسول الله .

ثم وجه سماحته خطابه للحضور الكريم، وقال: أيها الأخوة الأعزاء، إن رسول الله بسيرته وتعاليمه أراد أن يخلق مجتمعاً متراحماً كما يصفهم القرآن الكريم: ﴿رحماء بينهم، وفي آيةٍ أخرى يقول تعالى: ﴿وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.

وأضاف سماحته: المجتمع الإسلامي هو أول نموذجٍ يُقدم للبشرية على أساس منهج الرحمة، والتعامل الرقيق فيما بين أفراد المجتمع. ولكن المؤسف جداً أن المجتمع العربي سريعاً ما عاد إلى عادات الجاهلية الأولى، وخصوصاً في العهد الأموي والعباسي. إذ أصبح العنف هو سيد الموقف في ذلك العهد، وأصبحت القسوة هي اللغة المتداولة. واستمرت الأمة العربية والإسلامية تعيش حالة العنف والعنف المضاد حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه هذا اليوم. هذه الأمة التي يجب أن تكون الرحمة عنوانها الأول، ومنهج سلوكها، وطريقة ممارسة أبنائها، داخل العائلة والمجتمع، وعلى الصعيد السياسي، وفي مختلف الميادين، ولكن أصبحت الحياة في هذه الأمة من أقسى ألوان وأشكال الحياة على مستوى الكرة الأرضية.

فمع الأسف أن الكثير من الحكومات العربية والإسلامية تتعامل مع شعوبها بلغة العنف والقسوة، وكرد فعل لذلك أصبحت بعض الجماعات تُمارس العنف والقسوة داخل مجتمعاتها وعلى مستوى العالم.

وقال سماحته: ولست هنا في مورد تحميل طرفٍ معين للمسؤولية، ولا أريد بكلامي أن أقول أن هذا الفئات التي تُمارس العنف هي ردُّ فعل لعنف الأنظمة، فليس هذا دائماً وأبداً، فهناك أكثر من سبب للعنف. ولكني أريد أن أقول: أصبح العنف هو اللغة السائدة في مجتمعات هذه الأمة، وأصبح العالم أيضاً يتعامل معها بنفس اللغة.

وفي فلسطين أصبحت المجازر شأناً يومياً روتينياً، فعندما تستمع إلى نشرة الأخبار اليومية، تسمع عن القتلى والجرحى في صفوف الفلسطينيين يتساقطون الواحد منهم تلو الآخر وعلى مدار الساعة.

وما يفعله الأمريكيون في العراق، وما حصل في أفغانستان خير شاهدٍ على المستوى المتردي الذي آل إليه وضع الأمة.

ونحن في الوقت الذي نُدين فيه هذه الأعمال من قبل الأعداء، يجب أن نعترف أننا قد فتحنا لهم الطريق، وعلّمناهم ذلك بما مارسناه من عنفٍ مع بعضنا البعض. فالأمة التي لا تحترم نفسها، لا تنتظر من العالم أن يحترمها.

إن نظاماً كالنظام الزائل في العراق الذي تعامل مع شعبه بأبشع الصور حيث كافأ شعبه بالمقابر الجماعية، بالسجون، بالمعتقلات، بالتشريد، وبالتهجير. وأنظمة أخرى مارست ذات الفعل مع شعوبها، أوصلت الأمة إلى هذا المستوى، حيث فقد الناس الشعور بالأمن في مختلف أوطانهم، وأصبحوا مهددين بأن تُصادر حياتهم، ومن قبل أفرادٍ من أبناء المجتمع.

ثم إن التفجيرات التي حصلت في الرياض، والحوادث التي حصلت في ينبع، وما حصل في المغرب، وبالي في أندنوسيا والمخطط الذي كُشف عنه مؤخراً في تركيا، والتفجيرات التي حصلت في تركيا، وما كُشف عنه في الأردن. أ صحيحٌ أن أناساً من أبناء الأمة يقومون بهذا العمل؟ أ صحيحٌ أن أناساً ينتسبون إلى الإسلام، وباسم الإسلام، يقومون بهذا العمل؟ إنه لأمرٌ مشينٌ مخجل.

أصبح الإرهاب صفةً للإسلام والمسلمين، فهناك كتبٌ تصدر، وتصريحات يومية، وكلامٌ كثيرٌ يدور في الغرب يصفون الإسلام بأنه دين الإرهاب، وأن بين الرحمة والإسلام تناقض، ولذلك أصبح المسلم في كل مكان يثير الشك والقلق.

صحيحٌ أن هناك إعلاماً يُضخّم الأمور، وهناك دوائر تُعبئ ضد المسلمين، ولكن الأصح أن هناك تياراً وسلوكاً عنفياً يسود في أوساط الأمة الإسلامية.

وهذا ما توقعه أئمة أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وأشارت السيدة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها إلى ذلك، حيث قالت: «ابتداراً زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا»، وكما قال الإمام الحسين يوم عاشوراء، وكما قالت العقيلة زينب (عليها السلام) في خطبتها، وكما قال أمير المؤمنين في أكثر من خطبة. فأئمة أهل البيت (عليهم السلام) توقعوا لهذه الأمة التي عادت للعصبيات القبلية الجاهلية، وعادت لزعامة بني أمية وأمثالهم، أن تنتهي لهذه النتيجة.

ولا علاج ولا حل لهذه الأمة إلا بأن تعود لنهج رسول الله ، نهج الرحمة والشفقة والرأفة، الذي طبّقه رسول الله بسيرته، وطبّقه أهل بيته (عليهم السلام)، وطبّقه الهداة والقادة الراشدون من بعده.

وعلينا أيها الأحبة، أن يُطالب كلّ واحدٍ منا نفسه بأن يتأسى برسول الله في مختلف جوانب الحياة العائلية والاجتماعية، لأن المسألة لا ترتبط بالحكومات، ولا بالمؤسسات والجهات الكبيرة فقط.

وأضاف سماحته: مشكلتنا أننا نقسو على بعضنا البض، فالحكومات تقسوا على الشعوب، والحركات تقسوا على الحكومات، والفئات الدينية تقسوا على بعضها البعض، والناس يقسون على بعضهم البعض. فلماذا نعيش القسوة والشدة مع بعضنا البعض؟

إننا مطالبون بالعودة إلى ينابيع الرحمة محمدٍ وأهل بيته (عليهم السلام).

واختتم سماحة الشيخ كلمته بقوله: إن أفضل بركةٍ نأخذها من هذه المناسبة المباركة العطرة، وأفضل هديةٍ يهديها لنا رسول الله أن نُكرّس خلق الرحمة في نفوسنا، وأن نُمارس الرحمة مع مَن حولنا، فإن ذلك يُسعدنا في حياتنا، ويؤهلنا لنيل رحمة الله سبحانه وتعالى، وكما ورد في الحديث: «ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مِن في السماء».
 

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.