الفتنة الطائفية رؤية وموقف

الشيخ حسن الصفار *
سماحة الشيخ الصفار يُحذر من الفتنة الطائفية، ويُقدّم رؤية واعية حولها



الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين



حذّر سماحة الشيخ حسن الصفار في كلمة الجمعة التي ألقاها ظهر الجمعة 10 صفر 1427 هـ من نذر الحرب الطائفية التي يخطط الأعداء لإيقادها في العراق لينتشر حريقها ويطال كل المنطقة، وأشار قبل ذلك إلى أن المجتمع قد يكون مهيأ لتقبل هذه الفتنة إذا مارس أفراده الاعتداء على بعضهم البعض بسبب الانتماء الديني والمذهبي والفكري ومورس هذا الاعتداء وشُرّع باسم والدين. ودعا سماحته في هذه الكلمة إلى تكريس مفهوم الوحدة بين أبناء الأمة للوقوف سويًّا في وجه ما يُرسم لها من مخططات.

وهذا نص الكلمة:


قال الله العظيم في محكم كتابه الكريم: ﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (سورة الأعراف الآية: 28).

تنشأ في المجتمعات بعض الظواهر والممارسات التي ينكرها العقل إن درسها وبحثها بموضوعية، فالمجتمعات السوية عادةً ما تتوقف أمام الظواهر والممارسات التي تحصل في أوساطها، فتخضعها للبحث والدراسة، وذلك من خلال مراكز البحوث والدراسات والاستبيانات التي تنتشر فيها، والتي ترصد أي ظاهرة من الظواهر الاجتماعية، وأي عادة من العادات، حيث يدرسون تأثيرها وظروف نشأتها، ثم يعطون الرأي حولها، فإذا كانت هذه الممارسة صالحة يتداعون لتشجيعها ونشرها، أما إذا كانت سيئة وضارّة فإنهم يفكرون في طرق تجاوز المجتمع لها.

وهذا ما نراه في مختلف المجتمعات المتحضرة من وجود مراكز للأبحاث والدراسات الميدانية لمختلف الظواهر، لكن بعض المجتمعات تستعصي العادات والتقاليد الاجتماعية فيها على البحث والدرس، فما دامت العادة فيها قائمة وموجودة فإن الناس يبقون مسترسلين معها، ويرفضون حتى مجرّد بحثها ودراستها، ويعتبرون أن أي تساؤل أو إثارة حولها كأنه نوع من الخدش في هويتهم أو التغيير في منهجهم، وغالبًا ما تكون هناك مقاومة لأي تغيير، وهذه سمة المجتمعات المتخلفة.

ويتعجّب الإنسان من التقارير التي تصدر في تلك المجتمعات وكيف أنهم يرصدون بالأرقام والتحقيق كل الجوانب التفصيلية في حياتهم. فيشيرون في بعض تقاريرهم إلى مستوى استهلاكهم للآيسكريم ـ مثلاً ـ وعلاقة انخفاض أو ارتفاع هذا المستوى بالأمور الأخرى المرتبطة به.

وهذه الدراسات والأرقام تستثير ذوي الرأي لاتخاذ الموقف تجاه أي حالة من حالات المجتمع. ولكن في المجتمعات غير المتقدّمة فإنه في الغالب لا يكون هناك اهتمام بدراسة الظواهر ولا بدراسة الحالات، وإنما يترك التقويم لأي حالة من الحالات للاجتهاد الفردي والمزاجي.

فحينما تريد أن تسأل عن جانب من جوانب هذه المجتمعات لا تجد هناك جهة مهتمة برصد ذلك الجانب، سواء الاقتصادي أو التعليمي أو الثقافي، فمختلف الجوانب لا يكون هناك رصد لها في الغالب ولا يكون هناك استعداد لمناقشتها أو معالجتها.

تبرير الممارسات السيئة


يتحدث القرآن الكريم عن بعض المجتمعات التي ترفض محاكمة ممارساتها على ضوء المنطق والعقل، وتلجأ إلى بعض التبريرات الخاطئة يقول تعالى: ﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. الفاحشة من الفحش، وهو الأمر القبيح المذموم الشديد في مذموميته وقبحه. ويشمل كل ما هو مذموم عقلاً وشرعًا، ولكن اصطلح إطلاقه على الجرائم الجنسية. ولكنه في الأصل اللغوي وفي الاستخدام القرآني لا ينحصر في هذا الأمر، وإنما يشمل كل التجاوزات المذمومة والقبيحة، وذلك واضحٌ في آيات القرآن الحكيم: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (سورة النحل الآية: 90)، ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ (سورة الأعراف الآية:33).

إذًا كل ما هو مذموم وقبيح هو في نطاق الفاحشة حسب التعبير القرآني.

ولذا فيكون معنى الآية أنهم إذا فعلوا شيئًا يذمه العقل بحيث لو ناقشناه من الناحية العقلية لما وجدناه وجيهًا، وكذلك لو ناقشناه من الناحية الشرعية لما وجدناه ثابتًا، ولكنهم يعللون أفعالهم بأحد أمرين تذكرهما الآية:

الأول: ﴿قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا: أي أمر ورثناه مما سار عليه السابقون، ولا مجال للتغيير والتجديد فيه.

ولو بسطنا الحديث في هذه النقطة لوجدنا أن مختلف العادات والتقاليد لو ناقشناها مع الناس من الناحية العقلية لكان الجواب أنهم يمارسونها من باب التوارث، حيث يعتبر السير على نهج الماضين هو المبرر والملزم للإنسان على الاستمرار في هذه الحالة.

الثاني: ﴿وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا، وهذا التعليل أسوأ من الأول، ففي كثير من الأحيان تبرر بعض الأعمال بالتبرير الديني، بحيث يقال بأن الدين هو الذي أمر بها، إن منطلق هذا النوع من التبريرات في غالبه يكون منطلقًا مصلحيًا، حيث تكون هناك جهات سياسية معينة تريد أن تستفيد من هذه الحالة فتعطيها صبغة دينية، وقد تكون هناك جهات دينية مصلحية تحاول تعزيز موقفها ومصالحها فتكرّس بعض الممارسات أو تسكت وتتغاضى عن بعضها الآخر، وتكون مثل هذه التبريرات وسيلتها في تمرير مثل هذه الأمور. وفي بعض الأحيان تكون هناك شبهة بحيث يعتقد البعض أن الدين هو مَنْ شرّع هذا الواقع.

والآية الكريمة تردّ على مثل هذه الادعاءات فتقول: ﴿قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، أي كيف تنسبون شيئًا مذمومًا إلى الله؟!، إن هذا محض ادّعاء نابع من الجهل.

الاعتداء باسم الدين


في كثير من الأحيان عندما تناقش بعض الأمور مع بعضهم، ولا يملك هذا البعض أي دليل فإنه لا يجد بدًّا من أن يقول لك بأن هذا أمر ديني، ليوصد باب النقاش العقلي ويفرّ من المواجهة؛ لأنه لا يملك منطقًا عقليًّا يسند رأيه. وهذا تبرير خطير يبيّن أن الدين خارج منطق العقل وخارج منطق الفطرة.

ونرى مثل هذه الحالة في أمور كثيرة، ومن أسوأها موضوع الظلم والعدوان، فحينما يكون هناك اعتداء باسم الدين، فهذا من أسوأ أنواع تحميل الدين مما ليس فيه.

فعندما نختلف مع الآخرين في الدين أو المذهب أو الرأي فهذا لا يبرر الاعتداء عليهم أو مصادرة بعض حقوقهم.

ومن المؤسف أن نجد بعضهم يعطي الصبغة الشرعية على ما يقوم به من تجريح وتسقيط للآخرين ويعتبره تكليفه الشرعي.

لقد اعترضت مرة على أحد الأشخاص وهو ينال من إحدى الشخصيات المرموقة ويوجه لها اتهامات باطلة، فقال مبرراً ذلك بأنه يعمل بواجبه وتكليفه الشرعي، فقلت في الرد على فكرته: في بعض الأحيان لا يُمكن لنا رؤية الحقيقة واضحة إلا عندما نضع مكبراً عليها، تماماً كالصورة الصغيرة التي لا يُمكن رؤية أبعادها إلا بعد تكبيرها. وضربت له مثالاً على ذلك فقلت: لو أن شخصاً تبنى رأياً ما، وخالفه آخر فهل يحق له أن يمدّ يده عليه لإيذائه؟ فردّ بأن هذا اعتداء، ولا يجوز الاعتداء على الآخرين، فذكّرته بأن تسقيط الآخرين هو نوع من الاعتداء المعنوي، ولا يوجد عندنا في الشرع ما يجيز الاعتداء على الآخرين سواء المادي منه أو المعنوي.

فإنه كما يحرم الاعتداء بالضرب على الآخرين يحرم الاعتداء على كرامتهم وسمعتهم كذلك.

الأسلوب الصحيح في مسألة الاختلاف في الرأي أن يدافع الإنسان عن رأيه ويبيّن الخلل في وجهات النظر الأخرى، أما أن يتجاوز ذلك بالاعتداء على كل مَنْ لا يوافقه في الرأي فهذا ينطبق عليه مفهوم الآية: ﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا، إذ أن الله لا يأمر أحدًا بالاعتداء على الآخرين من دون مبرر، إن الاعتداء مشرّع في الإسلام في حالة واحدة، يقول تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ (سورة البقرة الآية: 194).

الأعداء يوجهون المسلمين إلى حرب طائفية


في هذه الظروف تواجه أمتنا الإسلامية نُذُرَ الاحتراب الطائفي، حيث يريد الأعداء أن يصنعوا من ساحة العراق ساحةً لحرب أهلية طائفية، وهذه الحرب إذا نشبت لاسمح الله فإنها ستطال كل البقاع وكل البلدان الإسلامية، فالأعداء يرون الآن كيف أن الإسلام يشق طريقه وكيف أن المجتمعات الإسلامية تلتفّ حول دينها، ففي الانتخابات الفلسطينية وقبلها في الانتخابات المصرية، وفي كل مرة تحصل فرصة ليعلن الناس ولاءهم وانتماءهم، فإنهم يعلنون ذلك للجهات التي يرونها ممثلة لتوجههم الديني.

وفي الآونة الأخيرة حينما حصلت الإساءة إلى شخص رسول الله هبّ المسلمون في كل مكان ينتصرون لنبيهم.

إن الأعداء يريدون أن يدخلوا إلى الأمة الإسلامية من خلال هذه الفتنة، فإنهم من خلال الدين يريدون تفريق الأمة الإسلامية ويُنشِئون حالة من الاحتراب المذهبي الطائفي، حيث يحصل اعتداء على مراقد مقدسة في العراق، تعقبه اعتداءات مشبوهة على مساجد وجهات دينية، وهكذا تستمر هذه الدوامة، وكأنها معركة مقدسات، ومعركة دينية بين أتباع هذا المذهب وذلك المذهب. بينما هي في الواقع مسألة مصالح وتوجهات متطرّفة تسعى لتخريب أمن الأمة في كل مكان من أجل تمكين الأعداء من الأمة، والصهاينة هم المستفيد الأول والمستبشر بما يحصل وكذلك الاحتلال الأجنبي في العراق، فهذا يمكنه من البقاء أطول، ويبرر تواجده.

ومن هذا المنطلق نحن نحتاج ـ وخاصة في هذه المرحلة الخطيرة ـ إلى درجة عالية من الوعي، علينا أن ندرك أن لا مذهب يستفيد من هذه الفتنة ولا دين، وإذا كانت هناك فائدة فهي لأعداء الأمة، يقول الإمام علي : «(إن الله سُبحَانَهُ لَم يُعطِ أَحداً بِفُرقَةٍ خَيراً مِمَّن مَضَى، وَلاَ مِمَّن بَقِيَ)» (نهج البلاغة خطبة رقم 176)، فلا يمكن أن يكون الاحتراب سبب خير أو مكسب حقيقي لأي طرف من الأطراف، ولذلك على الواعين من الأمة أن يقوموا بدورهم المسئول، ففي بعض الحالات تكون العواطف هي المسيطرة، وكأن الإنسان من أجل أن ينتصر لطائفته ومذهبه يجب أن يؤيد هذا الطرف على حساب ذلك الطرف، وفي الواقع هذا ليس انتصارًا لأي مذهب وأي طائفة، لأن الحرب الآن ليست بين مذاهب وطوائف، وإنما هي بين قوى تريد أن تهيمن على المنطقة وتؤمّن مصالحها فيها، وذلك حسب ما صرّح به أكثر من مسئول أمريكي ومن بينهم وزيرة الخارجية الأمريكية التي كانت تبشّر بما أطلقت عليه «الفوضى الخلاّقة»، فتقول بأن المنطقة تحتاج إلى «فوضى خلاّقة» لأن هذه الفوضى هي التي تصنع وضعًا جديدًا في الشرق الأوسط يخدم مصالحهم.

إنهم يتحدّثون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان كغطاء للتغيير في هذه المنطقة بما يخدم مصالحهم ويتناسب مع توجهاتهم، فقبل أيام صدر تقريرهم السنوي حول وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، ووزعوا فيه الاتهامات على هذا البلد وذاك البلد، وتناسوا وأغفلوا الفضائح والفظائع التي شاهدها العالم على مرأى ومسمع في غوانتنامو وسجن أبي غريب وسجن البصرة، وما يحصل يوميًّا في فلسطين، إنهم يتناسون كل ذلك ويتحدثون عن حقوق الإنسان هنا وهناك.

إننا ـ كمسلمين ـ لا نرفض مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية، ولا ننكر حاجتنا إلى ذلك، ولكننا في نفس الوقت ندرك أنه ليست هناك مصداقية وحسن قصد بمقدار ما هناك رغبة في السيطرة على المنطقة، والحفاظ على قوّة التفوّق الصهيوني.

إنهم يغضون الطرف عن قوّة إسرائيل النووية، ويعقدون اتفاقًا استراتيجيًّا نوويًّا مع الهند، ويسكتون عن كل الأبحاث النووية للدول التي تدور في فلكهم، وإذا ما أرادت دولة مستقلة مثل إيران أن تواصل أبحاثها النووية السلمية تقوم قيامتهم في العالم. إنه الكيل بمكيالين، فأين هي المصداقية؟ كيف للشعوب أن تثق بمثل هذا الأسلوب في التعامل، ومثل هذا الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان؟!

ولهذا تحتاج الأمة إلى يقظة ووعي حتى لا تمرر هذه المخططات، وحتى لا نعطي الفرصة لنشوب هذه الفتن، فإنه لا دين ولا مذهب ولا عقل يسمح بالقتل على الهوية، إن الإسلام لا يقرّ استهداف الأبرياء والمدنيين والناس بسبب الانتماء المذهبي.

ولا شكّ أن من يقوم بمثل هذه الأعمال يكون قد جمّد ضميره وباع عقله للشيطان، وإلا فإن القيادات الدينية ـ بشكل لا لبس فيه ـ أكّدت على عدم جواز قتل الأبرياء، وقد عبّر عن ذلك السيد السيستاني وبقية المراجع في النجف الأشرف.

وسبق أن نقلت وسائل الإعلام عن المرجع السيستاني قوله: حتى لو أبيد نصف الشيعة في العراق فإنه يرفض الانجرار لحرب طائفية.

الموقف تجاه بوادر الفتنة الطائفية:


وهذا يمثل الموقف الديني الواعي، أما الممارسات خارج هذا السياق فهي مدانة عقلاً وشرعًا، ونحن من واجبنا في هذه المرحلة أمور:

الأمر الأول: أن ندعو الله ونضرع إليه بأن يقي إخوتنا في العراق، كل أبناء العراق بعربهم وكردهم، بشيعتهم وسنتهم، بمسلميهم وغير مسلميهم أن يقيهم شرور الفتنة، لأنها إذا وقعت ستقع على الجميع، يقول تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً (سورة الأنفال الآية: 25). وأن ندعو الله أن يفرّج عنهم ويتجاوزوا هذه المحنة.

الأمر الثاني: أن نبذل جهودنا على مستوى الكلمة الطيبة، وعلى مستوى النصح لكل الأطراف، بأن يتجاوزوا هذا المأزق الذي أوقعهم فيه الظلمة.

الأمر الثالث: السعي لمحاصرة هذا الحريق، فهناك من يحاول نشره في كل مكان، بحيث تعمم هذه المحنة، ويراد تصويرها وكأنها حرب بين الشيعة في مقابل السنة أو بالعكس، وبالتالي تنتشر أجواء متشنجة ومتوتّرة في كل البلدان والمناطق.

إننا مطالبون بأن نكون واضحين في مواقفنا، فالمسألة في العراق ليست مسألة صراع بين السنة والشيعة، وإنما هي صراع مصلحي ومؤامرات مشبوهة، لذلك لا ينبغي أن يؤثر على علاقة المسلمين مع بعضهم البعض في المناطق الأخرى، وأن لا يكون ما يحدث في العراق سببًا للتشنج في بلداننا.

ففي بعض الأوقات يُستفزّ الإنسان عندما يسمع كلامًا تحليليًّا سيئًا عن الوضع في العراق، ولكن ينبغي أن نحافظ على حكمتنا وهدوئنا ولا يستفزنا مثل هذا الكلام وأن لا نستفزّ الآخرين بموقف مضاد، لأنه ليس من مصلحة أحد أن ينتشر الحريق ـ لا سمح الله ـ، وواجبنا أن نخمده لا أن نساعد على انتشاره، وهذه مسؤولية العلماء والخطباء الذين يخطبون في كل أنحاء المملكة، وخاصة المواقع المهمة كالحرمين الشريفين وفي كل مواقع المملكة، عليهم أن يتقوا الله في الشعب العراقي وفي الأمة الإسلامية بشكل عام حتى لا تنتقل هذه التشنجات والتوترات من تلك الساحة إلى كل الساحات، فلابدّ أن يكون الطرح عامًّا وأن يطلب النصر لكل الشعب العراقي، أما إذا انجررنا وتحيّزنا بحيث يعبئ الخطيب الشيعي للدفاع عن الشيعة في العراق، والخطيب السني يتحدث وكأنه يدافع عن السنة في العراق، هذا يعني أننا مهّدنا لأن تنتقل المعركة إلى مناطقنا، بينما الذي ينبغي فعله هو أن يتحدث الجميع للدفاع عن كل الشعب العراقي، وأن يُدان أي خلل واعتداء من أي طرف كان، حيث يجب علينا جميعًا أن ندعو الشعب العراقي للوحدة، خاصة نحن في المملكة، فالمملكة تتحمل مسؤولية كبيرة، لموقعها الإسلامي والعربي، فيتوقّع منها أن يكون دورها دور توجيه الساحة العراقية نحو الوئام والوحدة، والتفكير في مصلحة كل العراقيين بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم.

وهذا ما نسمعه من القيادة في هذا البلد، ونأمل من الخطباء والدعاة والكتّاب وغيرهم أن يسيروا في هذا الاتجاه، في اتجاه الحديث عن الشأن العراقي باعتباره شأناً واحدًا يهمنا جميعًا، لا أن ينتصر كل منّا للطرف الذي يعتبر نفسه أنه امتداد له، لنجد أنفسنا بعد ذلك في ساحة تشنّج وتوتّر جديد.

نسأل الله سبحانه أن يفرّج عن المسلمين ويردّ كيد أعدائهم على نحورهم وأن يقطع أيادي الفتنة والإرهاب عن بلاد المسلمين.

والحمد لله رب العالمين