ظاهرة العنف الأسري في المجتمع

الشيخ حسن الصفار *
العائلة هي الدائرة الأقرب للإنسان والأكثر التصاقاً به، وحينما تكون علاقة الإنسان داخل عائلته علاقةً طيبة، ويكون هناك انسجامٌ بينه وبين عائلته، فإن ذلك يجعل الإنسان أكثر سعادة، وأكثر قدرة على الإنتاج والفاعلية، وأقرب إلى حسن المعاملة مع الآخرين. أما إذا كان على العكس من ذلك، فهذا يوجد له الكثير من الانزعاج والقلق النفسي، ويؤثر على إنتاجه، ويُرشحه أيضاً ليكون سيئاً في وضعه الاجتماعي العام. ولهذا جاءت النصوص والأحاديث تؤكد على الإنسان أن يكون حساً ومحسناً في علاقاته العائلية. فقد جاء عن رسول الله أنه قال: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي.» "جلال الدين السيوطي، الجامع الصغير، ج: 1، حديث رقم: 4100" فالرسول يجعل حسن العلاقة العائلية مقياساً للخيرية بين الناس. وقال الإمام الصادق : «من صدق لسانه زكا عمله، ومن حسنت نيته زاد الله عز وجل في رزقه، ومن حسن بره بأهله، زاد الله في عمره. »"الشيخ الكليني، من لا يحضره الفقيه، ج: 8، حديث رقم: 269". فقد تكون الزيادة في العمر أثراً غيبياً، وقد تكون أثراً طبيعياً لأن حسن البر للأهل يوجب الارتياح النفسي، وهذا له أثر كبير على صحة الإنسان، مما يجعل عمر الإنسان طويلاً. ولذلك ينبغي على الإنسان أن يكون حريصاً جداً على أن تكون علاقته داخل عائلته علاقةً طيبة وعلى أحسن ما يكون. يقول أمير المؤمنين علي : «لا يكن أهلك أشقى الناس بك.» ففي بعض الأحيان ترى علاقة البعض مع الآخرين حسنة، ولكنهم مع المحيط الأسري يتحولون إلى وحوش كاسرة، والسبب أنهم يرون أن علاقتهم مع الآخرين تحكمها مصالحهم معهم، ونظرتهم لهم، فهم مضطرون لتحسين علاقتهم معهم.

يزداد الحديث الآن، على المستوى الوطني والعربي والإنساني، حول قضايا العنف الأسري، فأصبحت هناك مؤسسات عالمية تتحدث عن هذا الموضوع، وتشكلت منظمات في مختلف الدول لحماية الإنسان من العنف الذي يتعرض له داخل أسرته.

وفي المملكة العربية السعودية بدأت هذه المسألة تُطرح كظاهرة في واقع المجتمع، وأصبحت الجرائد تتحدث عن حالات من العنف الأسري، وبدأت بعض المحاكم تُفصح عن بعض ما يصل إليها من قضايا ترتبط بهذا الأمر.

بالطبع حالات العنف الأسري، كالعنف ضد المرأة أو تعرض الأولاد لعنفٍ مبالغٍ فيه داخل أسرهم، ليست جديدة الحدوث فهناك حالات كثيرة كانت تحصل في المجتمع ولكن الجديد في الأمر هو إظهارها إعلامياً، وتسليط الأضواء عليها.

والسؤال: هل هناك حالاتٌ للعنف الأسري في منطقتنا؟ وهل تشكل ظاهرةً أم أنها حالاتٌ نادرة؟

يبدو لي من خلال متابعتي الاجتماعية وما يصلني من قضايا ترتبط بهذا الشأن أن هناك حالاتٍ كثيرةً من العنف الأسري، ولكننا إذا سلطنا الأضواء على ما يبرز منها، فإننا لا نستطيع أن نصنّفها في مستوى الظاهرة الاجتماعية، أما إذا تأملنا في واقع حياة المجتمع فإن ما يظهر من هذا الحالات ما هو إلا جزءٌ بسيط قد لا يُساوي 10% من واقع الحالة الموجودة.

هناك عنف أسري منزلي يُمارس ضد المرأة في بعض الأحيان، ويُمارس ضد الأولاد في أحيانٍ أخرى. والعنف الذي يُمارس ضد الأولاد قد يكون من قبل الوالدين، أو من طرفٍ ثالث كما لو كانت أم الأولاد متوفاة أو مطلقة وكان هؤلاء الأولاد تحت رعاية امرأة أخرى.

العنف الأسري أسوأ أنواع العدوان


واضح أن العنف الأسري سيءٌ وقبيح، لأن الأسرة هي ملاذ الإنسان وملجئه ومأمنه، وإذا كان الإنسان يواجه العدوان داخل أسرته فأين يبحث عن الأمن والملجأ؟

ضع أمامك صورةً لطفل يُصيبه أي اعتداء، فإنه يهرع لأمه أو أبيه، فإذا كانت الأم هي مصدر العدوان عليه، فإلى من يهرع هذا الطفل؟ فيصبح لديه شعورٌ وكأنه لا جهة تحميه، وبالطبع هو غير قادر على حماية نفسه، وهذه المشاعر حينما تتراكم في نفس الطفل تخلق لديه عقداً وأمراضاً نفسية، ويبدأ يُفكر في مختلف الأساليب والوسائل للدفاع عن ذاته. وتحصل عنده مشاعر ضد الناس، لعدم وجود من يحميه فيهم.

فالعنف الأسري هو أسوء نوعٍ من أنواع العدوان ممكن أن يتعرض له الإنسان، لأن الجهة المكلّفة بحمايته تُصبح هي مصدر العدوان عليه.

العنف الأسري يُهيئ الإنسان لممارسة العنف ضد الآخرين


من ناحيةٍ أخرى، الإنسان في الأسرة يتعلم أساليب الحياة، وأنماط العلاقات والتعامل، فإذا كان العنف هو أسلوب التعامل داخل الأسرة، فسيتربى الأولاد على هذا ألأسلوب في تعاملهم مع الآخرين.

والجدير بالذكر أن الدراسات الميدانية الاجتماعية على الأشخاص الذين مارسوا العنف تجاه زوجاتهم أو أولادهم، تؤكد أن النسبة الكبرى لهؤلاء قد تعرضوا للعنف في صغرهم، أو عايشوه في محيطهم العائلي وأوجد ذلك عندهم التوجه والاستعداد لممارسة العنف ضد الآخرين فيما بعد.

أسباب استخدام العنف ضمن الأسرة


أولاً- سوء الخلق.

فإذا كان الإنسان سيء الخلق، فإن أول ظهورٍ لهذا الخلق السيئ يكون ضمن الإطار الأسري، لأن الأسرة هي الدائرة الأقرب إليه والأكثر احتكاكاً به.

إذا شعر الإنسان أنه في موضع القوة وكان سيئ الأخلاق فإن ذلك يدفعه لممارسة العدوان على الآخرين، خصوصاً إذا علم أن الطرف الآخر لا سبيل له للانتقام. وهذا تماماً ما يقوم به الرجل الذي يُمارس العنف تجاه أسرته، ولذلك وردت عدة أحاديث تُحذر من ظلم الضعيف، كما ورد في وصية الإمام الحسين لابنه الإمام علي بن الحسين حي قال له: «أي بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله عز وجل.» "العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج: 75، ص: 118"

ثانياً- رد فعلٍ لضغط الظروف الحياتية.

يواجه الإنسان في حياته ضغوطاً متعددة: اقتصادية، واجتماعية، فحينما تتجمع هذه الضغوط في نفس الإنسان قد يفتّش عن متنفس لكبته الذي يعيشه، حينها يلجأ لظلم عائلته أو من هم دونه.

ثالثاً- الثقافة الخاطئة.

ومن مظاهرها شعور الإنسان بأن له الصلاحية الكاملة والمطلقة في التصرف تجاه عائلته، وكأنه لا حساب ولا عقاب، بعكس ما عليه الحال بالنسبة للتعامل مع الآخرين. ويُكرّس هذا الشعور الخاطئ، في كثير من الأحيان، عند الإنسان حالة الإساءة لعائلته. ولو تأمل الإنسان الجانب الشرعي لوجد أنه لا يمتلك هذه الصلاحية.

نعم، في الشرع مسألة التأديب، بأن يؤدب الأب أولاده، ولكن التأديب له حدوده وضوابطه فليس من حق الإنسان أن يفعل ما يشاء بأولاده تحت عنوان التأديب.

وبالنسبة للزوجة هناك حكمٌ خاص بالنسبة للناشز، يقول تعالى: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ (النساء، 34)، وهو ضمن حالات استثنائية ناقشها الفقهاء، وضمن ضوابط أيضاً، وليس مسألة مطلقة.

ويعتقد البعض أن تقصير المرأة في الطبخ أو الخدمة المنزلية، أو تجاه أولادها، يُجيز له استخدام العنف معها أو الإساءة لها على اعتبار أنها قصّرت في حقٍ من حقوقه، وهذا اعتقاد خاطئ. فعلى الإنسان أولاً أن يعرف ما هي حدود حقوقه، وأن لا يذهب بها عريضة تجاه زوجته. فالشرع المقدّس لم يوجب على المرأة حتى إرضاع أطفالها، بل ولها أن تطلب الأجرة من الأب على ذلك، فكيف يحق للأب مطالبة زوجته وتعنيفها فيما لم يجعله الشرع من واجباتها!

وهناك نصوص كثيرة في هذا الاتجاه، كما ورد عن رسول الله : «من لطم زوجته على وجهها، أمر الله مالك خازن النيران أن يلطمه سبعين لطمةً على وجهه في نار جهنم.» وقال : «من ضرب زوجته أقامه الله تعالى يوم القيامة فيفضحه على رؤوس الأشهاد.»

وتجاه الأولاد كذلك، إذ لا يصح للإنسان أن يُمارس العنف تجاههم، ومن ناحية التأديب فعلى الأب أن يعلم أن الطفل يحتاج إلى فترةٍ من العمر حتى يعي ماذا تعني المسؤولية. والنصوص تحدد هذا العمر بسبع سنين، فعن الإمام الصادق أنه قال: «دع ابنك يلعب سبع سنين، ويُؤدب سبع سنين، وألزمه نفسك سبع سنين، فإن أفلح وإلا فإنه ممن لا خير فيه »"من لا يحضره الفقيه، كتاب النكاح، باب: تأديب الولد وامتحانه، حديث رقم: 4745". وفي حديث آخر: «مروا صبيانكم بالصلاة في سبع سنين، واضربوهم عليها في عشر.» "الشيخ الأميني، الغدير، ج: 9، ص: 283". والضرب الذي تعنيه الروايات هو الضرب الخفيف الذي لا يوجد أثراً في الجسم، مما يستلزم عليه الدية.

فماذا يُقال عن بعض الأشخاص الذين يُمارسون العنف ضد أولادهم في هيجان الغضب، مما قد يُسبب تلفاً لعضوٍ من أعضاء الولد.

وهناك العديد من القصص التي يندى لها الجبين من فظاعتها، فمرةً دخل أدهم المطبخ ليرى بعض أواني المطبخ مكسرة، وإلى جانبها طفله وهو يلعب، فلم يتمالك الأب نفسه فعمد إلى لوحٍ فيه مسامير صادية، وضرب بها طفله ضرباً مبرحاً، وفي المستشفى قرر الطبيب بتر يد الطفل لما أصابها من التسمم، وبقي الأب نادماً طول حياته في وقت لا ينفع فيه الندم.