انتخابات المجالس البلدية خطوة على الطريق

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين



تعد المشاركة الشعبية في صناعة القرار من أهم عوامل الاستقرار في المجتمعات المتقدمة، ذلك لأن الناس تدرك أنها جزء أساس في تشكيل الأوضاع السياسية، وصياغة القرارات العامة، ضمن أروقة صناعة القرار في تلك المجتمعات الديمقراطية، فالشعب يقرر و الحكومة باعتبارها السلطة التنفيذية تعكس تلك القرارات على أرض الواقع، تلك هي حقيقة الأمر ببساطة، و ذلك هو سر الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي في تلك المجتمعات.

فمتى ما شعر الناس أن لهم كلمة الفصل في اتخاذ القرارات، فسيكونون أول المندفعين نحو تطبيقها، ومتى ما حدث العكس و استبد آخرون بالرأي، فسوف لا يشعر الناس بطبيعة الحال بذات الحماس والاندفاع وستختلف تلقائياً درجة الاستجابة لديهم، هذا من ناحية، و من ناحية أخرى فإن القرار الذي تشترك فيه العقول لا شك ولا ريب يكون أكثر نضجاً، وأقرب إلى الصواب من الرأي الذي يتخذه فرد واحد، أو أفراد معدودون، أضف لذلك أن القرار إذا كان قراراً شعبياً فسيصنف كل من يقف في طريقه كمن يعمل ضد مصلحة الجمهور، فلابد حينها من أن يقف هذا الجمهور في وجهه، والعكس صحيح، إذ سيتنصل الجميع من مسؤولية مخالفة أي كان لأي قرار لا يد ولا دخل لهم في اتخاذه وتقريره.

وقد تابع العالم مؤخراً الخلاف والانقسام الذي نشب حول نتائج الانتخابات العامة في أوكرانيا، والذي هدد بأزمة كادت تعصف بالبلاد وتلقي بها في أتون حرب أهلية، بيد أن احتكام الشعب إلى مرجعية مقبولة ساعد بشكل كبير في تحجيم حدة الانقسام، وتضييق شقة الخلاف، ووأد نوايا الانفصال التي برزت لدى بعض فئات الشعب، و كل ذلك لم يكن ليحصل لولا أن اتخذت الشرعية والقانون طريقها في سبيل إيجاد حلول مقبولة لجميع أطراف الأزمة.

الإسلام والمشاركة الشعبية


وقد شرع الإسلام أمر المشاركة الشعبية وفسح الطريق واسعاً أمامها، وقد جاء ذلك نصاً في الكتاب الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إذ قال عز من قائل ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ َ فالشؤون العامة والهموم المشتركة هي من مواضع الشورى بين الناس، فهم يتشاورون ومن ثم يقررون ، و بالتأكيد حينما تقول الآية ﴿شُورَى بَيْنَهُمْ فمعنى ذلك أن هذه الشورى هي مصدر القرار، و إلا فلا معنى حينها للشورى بينهم إذا كانت القرارات بيد جهة أخرى، فلا بد إذاً من أن تكون الشورى هي مصدر القرار .

وقد أمر الله تعالى نبيه الأعظم محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عصمته واتصاله بالوحي ومكانته ورجاحة عقله وعظمة فكره واكتمال كل الصفات في شخصه الكريم، أن يستشير الناس إذ قال عز و جل ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرَِ[1] ، ذلك لتكون بعده نهجاً و سيرة تُقتدى، وقد ورد في السيرة النبوية أنه ما من أحد أكثر مشاورة من رسول الله فقد كان يستشير الناس في كل شيء ، حتى في موضوع بسيط كصنع منبر يخطب عليه في المسجد، لم يقرر ذلك إلا بعد عرضه على الناس وأخذ رأيهم. جاء في طبقات ابن سعد: كان رسول الله ، يوم الجمعة يخطب إلى جذع في المسجد قائماً، فقال: إن القيام قد شقّ عليّ، فقال له تميم الداري: ألا أعمل لك منبراً كما رأيت يصنع بالشام؟ فشاور رسول الله المسلمين في ذلك، فرأوا أن يتخذه[2] .

بل حدث أكثر من ذلك حين كان للرسول رأي وللناس رأي آخر مغاير، فيتنازل الرسول عن رأيه إلى رأي الناس، كما حصل في غزوة أحد، فقد كان رأي الرسول وبعض أصحابه البقاء في المدينة كما حصل في غزوات أخرى، لكن بعض الأصحاب قالوا: اْخرج بنا إلى عدونا! وقال رجالٌ من أهل السنّ وأهل النية، فيهم حمزة بن عبدالمطلب، وسعد بن عبادة، والنعمان بن مالك بن ثعلبة، وغيرهم من الأوس والخرج: إنّا نخشى يا رسول الله أن يظن عدّونا أنا كرهنا الخروج إليهم جُبناً عن لقائهم، فيكون هذا جرأة منهم علينا؛ ومالت مجموعة كثيرة تساند هذا الرأي، وبعد المشورة والمناقشات أتضح أن الأغلبية ترى الخروج إلى العدو وهو خلاف رأيه ، فاستجاب الرسول لرأيهم.[3] 

وبالرغم من الانتكاسة التي حصلت للمسلمين في واقعة أحد، إلا أن الله تعالى أمر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالالتزام بمبدأ الشورى مع أصحابه، كي لا تكون تلك الانتكاسة سبباً للعزوف عن الشورى، يقول تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ[4] .

وحقاً ما قاله أبوهريرة فيما روي عنه: «ما رأيت رجلاً أحداً أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله »[5] .

ومثله ما رواه عروة عن أم المؤمنين عائشة قالت:«ما رأيت أكثر استشارة للرجال من رسول الله »[6] .

إذاً فمسألة الشورى هي مبدأ، والديمقراطية الموجودة الآن في بعض المجتمعات هي صيغة وطريقة لتنفيذ هذا المبدأ.

كيف نستشير الناس؟


كان المجتمع الإسلامي في بواكير الدعوة الإسلامية محدوداً، وبما يسمح بتواجد المسلمين في المسجد مجتمعين، وبما يتيح الفرصة ليقوم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بطرح ما يشاء من قضايا أمام الجميع فيشاركونه الرأي والمشورة، لكن حينما اتسعت رقعة المجتمع وتعددت شؤونه وكثرت قضاياه، أضحى عندها مشروعاً السؤال كيف نستشير الناس كلهم؟ وكيف نأخذ رأيهم؟ ففي بلاد يقطنها أكثر من 250 مليون نسمة كالولايات المتحدة الأمريكية، أو ألف مليون مواطن و أكثر كما في الهند أو جمهورية الصين الشعبية، أنى لنا استشارة هؤلاء جميعاً، وهكذا في سائر البلدان، فلابد إذاً من سبيل، ومن خلال سلسلة تجارب المجتمع البشري توصل الناس إلى طريقة التمثيل الانتخابي، بمعنى أن يتمثل الناس في عدد معين من النواب يختارونهم وفق نظام انتخابي محدد، يكون بعدها هذا الممثل المنتخب معبراً عن إرادة الناخبين، فيجتمع هؤلاء الممثلون أو النواب باعتبارهم معبرين عن رأي من وكلهم عبر الانتخابات، فالممثل هنا أو النائب المنتخب هو في الحقيقة وكيل عن الناس يوصل رأيهم وصوتهم، من هنا تكون صيغة الانتخابات في النظام التمثيلي الانتخابي وسيلة وصيغة لتحصيل رأي الناس.

والإسلام الذي أمر بالشورى أمر بها كجوهر وكمبدأ، لكنه ترك أمر كيفية تحقيق هذا المبدأ لأهل كل عصر و كل جيل، ليحددوا هم الطريقة المناسبة، وحسبما يبدو الآن أن أفضل صيغة وصلت إليها البشرية فيما يتعلق بالشورى وفق الاصطلاح الشرعي هي صيغة النظام التمثيلي الانتخابي، أي من خلال إقامة الانتخابات العامة، لتكون بالتالي هي الصيغة التي يمكن عبرها أخذ رأي الناس، فالمجتمعات المتحضرة سائرة على هذا المنوال في مختلف أمورها السياسية و الخدمية، حيث تتخذ القرارات عبر الديمقراطية، ولنقل عبر مبدأ الشورى باختلاف التفاصيل من بلد إلى آخر.

وحيث تتطلع الآن مجتمعاتنا العربية والإسلامية للنهوض و التغيير، فقد أدركت أن لا سبيل لها إلا انتهاج طريق الديمقراطية، وانه ما لم يكن هناك نظام انتخابي تتخذ من خلاله القرارات وفق رأي أغلبية الناس فستبقى مجتمعاتنا تعيش التخلف والانقسامات والصراعات والاضطرابات، وستتكرس حينها المشاكل القائمة بصورة أكبر ، فهاهنا يكمن الحل و هذا هو الطريق، لكن ذلك بحاجة إلى تدريب وإلى ثقافة انتخابية ووعي وإلمام بالنظم الانتخابية والتنافس الديمقراطي ليدركه الناس ويتعودوا عليه.

من هذا المنطلق تأتي نظرتنا الإيجابية لانتخابات المجالس البلدية، التي بدأ الآن الاستعداد لها في بلدنا المملكة العربية السعودية، والتي تكمن أهميتها في كونها خطوة على الطريق الصحيح في مجال معالجة الشؤون العامة للناس، وفق رأيهم واختيارهم، فالشئون البلدية و الصحية والبيئية والعمرانية لابد و أن يكون للناس فيها رأي، أما أن يأتي موظف هنا أو جهة معينة هناك لتقرر للناس كل أمورهم فليس هذا هو الطريق السليم، بل أن الطريق الصحيح هو أن يكون للناس رأيهم ، فكيف إذاً السبيل لذلك؟ الجواب باختصار وكما أسلفنا عبر التمثيل الانتخابي، فالممثلون المنتخبون من قبل الشعب في كل منطقة، هم الناس المُناط بهم مهمة الاجتماع وتداول الرأي وتقرير ما فيه مصلحة الناخبين، ولا نخفي هنا تطلعنا إلى أن يكون جميع أعضاء المجالس البلدية منتخبين وفق اقتراع عام، لكن ارتأت القيادة السياسية في البلد انتهاج أسلوب التدرج في العملية الانتخابية، لتبدأ بانتخابات نصفية للمجالس البلدية، و ليكون بذلك نصف أعضاء المجلس البلدي منتخبين والنصف الآخر معينون، ومعلوم أن وجهة النظر الأخرى والتي تقف بصفها أغلب النخب السياسية والمثقفة هي أنه كان من الأفضل أن يكون كل المجلس البلدي منتخباً وهو ما نأمل أن يتحقق في القريب إن شاء الله.

من جهتنا نعتقد أنه يجب أن نستفيد من العملية الانتخابية حتى مع محدوديتها في سبيل تكريس و تثبيت هذا المبدأ، نعني مبدأ مساهمة الناس في إدارة شؤونهم عبر المشاركة الانتخابية الفاعلة لاختيار ممثليهم، و أن يتطلعوا في ذات الوقت للأمام عبر المطالبة بالخطوات الإصلاحية الأخرى الأبعد مدى، فلا يصح الاكتفاء بهذا الحد، وبالخصوص في ظل التصريحات الرسمية القائلة بتطوير وتوسيع المشاركة في المستقبل، لذلك على عاتقنا جميعا تقع مسؤولية السعي نحو توسيع المشاركة الشعبية.

مواقف متنوعة


من الواضح أن قسماً من الناس يقفون موقفاً سلبياً تجاه مسألة المشاركة الانتخابية، ربما نتيجة لاعتقادهم بأن هذه عملية ناقصة و لا ترقى للتطلعات، و أن ما يريده الناس أكبر من ذلك، ونحن لا ننكر ذلك ولكنا نرى أن علينا أن نستثمر هذه الفرصة، وأن نتفاعل معها، ونطالب من ثم بالخطوات الأخرى، وهذا أفضل بكثير من الموقف السلبي الذي يبدو منطلقاً من مبدأ إما كل شيء أو لا شيء، وهو ما يجر إلى تفويت الفرص المتاحة، وبهذا الصدد تحضرني رواية جميلة عن الإمام جعفر الصادق حين قال: «من انتظر بمعاجلة الفرصة مؤاجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصته»[7] .

فمتى ما أتيحت لنا الفرصة فلنقتنصها ولنستفد منها أقصى استفادة، أما اتخاذ موقف التقصي بمعنى الرغبة في استكمال الشيء أكثر فأكثر، فليس معلوماً حينها ما إذا كان سيحصل على مراده، فمن الحكمة إذاً العمل وفق مبدأ الأخذ والمطالبة، أن نأخذ ما هو متاح وأن نطالب بالمزيد، من خلال تسخير ما نحصل عليه والاستفادة منه في الحصول على موقعية أفضل في المستقبل.

ولذلك نقول مع احترامنا لأصحاب الموقف السلبي من الانتخابات نتيجة قناعتهم بأنها خطوة ليست بمستوى التطلع والطموح، نرى أنه من الناحية العملية ينبغي الاستفادة من هذه الفرصة إلى أقصى مدى، خاصة وأن لها أبعاداً أخرى و تأثيرات مستقبلية، دون أن نغفل ضرورة الالتزام بالمطالبة بالمزيد من الفرص و المزيد من التقدم على هذا الطريق.

هناك قسم آخر من الناس ممن لديهم موقف نفسي يتمثل في حالة اللامبالاة، فهم غالباً لا يتفاعلون مع القضايا العامة، وقد تكون سلبيتهم تلك نابعة من سبب أو آخر، من هنا نقول ينبغي للإنسان أن يعود نفسه دائماً على التفاعل الايجابي، هنا ينبغي الاستفادة من ما هو متاح والتطلع إلى الخطوات المستقبلية، ورأينا أن من المصلحة العامة أن يتفاعل الناس مع هذه الخطوة وأن يكون هناك تجاوب مع انتخابات المجالس البلدية.

تشجيع الجمهور على المشاركة


علينا تشجيع الناس والدعوة إلى المشاركة وألا نسمح بإشاعة أجواء سلبية حول الموضوع الانتخابي، لأن ما يحدث أحياناً أن الكلام السلبي هو الذي يأخذ طريقه في الانتشار.

هنا لابد من الإشارة إلى أننا لابد وأن نتحلى بالايجابية بصورة أكبر في التعامل مع ما يهمنا ويؤثر علينا ضمن الشأن العام، وعلينا من ثم أن ندعو للمشاركة وأن ننشر الأجواء الايجابية، وعندما نشير إلى الأجواء الايجابية فلا نعني أننا نؤمن بأن هذا هو غاية المراد وأن هذا أقصى ما نبحث عنه، بل لأنا نعتبر كل ذلك خطوة على الطريق الصحيح.

وكما نعلم فقد بدأت عملية تسجيل الناخبين في المنطقة الشرقية يوم الثلاثاء الثاني من ذي القعدة 1425هـ فماذا تعني عملية تسجيل الناخبين؟

هنا لابد من توضيح بسيط وهو أن على الناخب كي يكون مؤهلاً للمشاركة في العملية الانتخابية تصويتاً وترشيحاً أن يبادر لتسجيل اسمه ضمن ما يسمى بالقيد الانتخابي وبعدها يستطيع الحصول على بطاقة ناخب، أي أنك بهذا تكون مستكملا للشروط النظامية التي تؤهلك للمشاركة في الانتخابات، وليس ثمة من شروط سوى أن يكون الناخب في سن الواحد وعشرين من عمره وأن يكون ذكراً، وإن كنا نطمح إلى أن يكون الاقتراع عاماً وشاملاً كل المواطنين ذكوراً وإناثا، لكن هذا ما حدث الآن ضمن الحالة الجزئية للعملية الانتخابية، وأن لا يكون من العسكريين العاملين.

فكما هو معلوم المطلوب أذاً أن يصطحب الواحد منا البطاقة المدنية، إضافة لإثبات السكن، ومن ثم التوجه لأحد المراكز الانتخابية المنتشرة والمعلن عنها إعلامياً، لتسجيل الاسم واستلام بطاقة الانتخاب، هذه العملية مهمة حتى يعرف حجم القاعدة الانتخابية، وعدد الأصوات الموجودة في كل منطقة من المناطق، وفي رأيي حتى أولئك غير المتحمسين للمشاركة الانتخابية من الحكمة أن يبادروا لتسجيل أسمائهم في القيد الانتخابي فهم بالنهاية لن يجبروا على المشاركة و الإدلاء بأصواتهم ؟ أقول هذا حتى يحفظ لهم حق المشاركة فلربما تغير رأيهم وارتأوا المشاركة في مستقبل الأيام.

ماذا نريد نحن من المجلس البلدي ؟


علينا أن نتعرف على هدفنا من انتخاب المجلس البلدي، من خلال مناقشة وبلورة النواقص والحاجات التي تهم البلد، وتخدم المجتمع في كافة المجالات البيئية والعمرانية وكل ما هو ضمن الاختصاصات البلدية ، هذه الأمور ينبغي أن تتوضح في أذهان الناس من المنتخبين والمرشحين، فهي مسألة مهمة والواجب أن تشكل من أجلها البرامج الانتخابية عبر الاجتماعات والندوات والمناقشات بالاستفادة من المتخصصين والعارفين .

وضمن ذات السياق من المهم هنا التذكير بضرورة تفعيل الأنشطة الاجتماعية المختلفة، من قبيل الجلسات المفتوحة، والندوات العامة، والحوارات واللقاءات المباشرة مع الجمهور، إضافة إلى ضرورة إجراء رصد للنواقص التي تعاني منها المنطقة، وهذه واحدة من أكبر فوائد العملية الانتخابية حين تتفتح أعين الناس فتبدأ في المراقبة و البحث في هموم وتطلعات وحاجات البلد، للمطالبة المنظمة بالتحسين والتطوير لمختلف الخدمات العامة.

المرشحون


وفيما يتعلق بالمرشحين فينبغي لكل مواطن يجد في نفسه القدرة والكفاءة، وكانت لديه فرصة أن يترشح ويخدم المنطقة، عليه أن لا يبخل بذلك، فالمسألة ليست سعياً خلف منصب أو شهرة، بل هي خدمة عامة للمجتمع، فإذا كانت لدي القدرة على أن أخدم مجتمعي عن هذا الطريق فعلي ألا أبخل ولا أتردد، هذا هو ما يجب أن يكون منطلق كل واحد منا.

من ننتخب؟


مع تعدد المرشحين يطفو للسطح هنا السؤال التالي، من ننتخب؟

الجواب أن على الناس أن ينتخبوا من يرون أنه يخدمهم، ويعكس رغباتهم، ويدافع عن مصالحهم وحقوقهم وقضاياهم ضمن إطار المجلس البلدي، ولا يصح بأي حال أن تصبح الانتخابات بالمحسوبيات، فتقاس عملية التصويت لهذا المرشح أو ذاك وفق الأسس والمقاييس القبيلية أو المذهبية أو المناطقية، فذلك كله مما لا يصح وهو خطأ فادح، إذ ينبغي أن يصوت الناخب لمن يطمئن إلى كفاءته و قدراته على ممارسة المسؤولية وخدمة البلد.

فمسألة المذهب على سبيل المثال ليست قضية ذاتية، فمن الممكن أن يكون مرشحك للانتخابات من غير مذهبك متى ما امتاز بالجدارة والكفاءة والقدرة على خدمة المجتمع، هنا في محافظة القطيف لدينا أخوة من أهل السنة موجودون في عنك ودارين وأم الساهك والنابية، هؤلاء جزء من منطقتنا، والانتخابات ينبغي أن تكون الفرصة المناسبة للاندماج بين مختلف أبناء و نواحي منطقتنا، فلا نريد أن يكون هناك تصنيف أو تقسيم فيما بيننا، وكذلك الحال في محافظة الأحساء، إنهم جزء من هذه المنطقة كما نحن جزء منها، فينبغي أن تكون الانتخابات وسيلة للتداخل والتنسيق والتعاطي، بحيث لا تصبح الانتخابات وسيلة للفرز المذهبي بأي حال فهذا ليس أمراً مناسباً، وذلك لا يتأتي إلا عبر التعارف والحوار والتعاون والتنسيق بين أبناء المنطقة كلهم، في القطيف والأحساء والدمام والخبر، فكل هذه المناطق بها مواطنون من مذاهب مختلفة ينبغي أن يجعلوا العملية الانتخابية فرصة للاندماج والتعاون، وليس مجالاً للفرز والمفاصلة، ينبغي أن نفكر في تجاوز هذا الأمر بالطريقة المناسبة التي تفيد الجميع وتخدم البلد.

كما أن من الخطأ في ذات السياق أن تسيطر على الناخب الحسابات الفئوية أو المرجعية، فالمسألة الانتخابية برمتها ليست إلا خدمة للوطن وتطويراً للخدمات البلدية وخدمة لقضايا الناس، هنا ينبغي للناس انتخاب الشخص المناسب ليكون في الموقع المناسب، بمعنى أن نمارس الحياة الانتخابية بمعزل عن بعض الحساسيات التاريخية التي تقلصت بحمد الله ولم يعد ذات معنى الكلام عن شمال وجنوب و نحن أبناء منطقة واحدة فالمعيار هو الكفاءة، فلا ينبغي أن تكون الانتخابات مجالاً لتنمية الحساسيات الجاهلية وهذا مظهر من مظاهرها وإنما ينبغي أن نختار الأنسب.

فيما يتعلق بالمرشحين أحببنا الإشارة هنا إلى نقطة قد تكون الآن سابقة لأوانها لكن نذكرها من باب أعطاء فكرة سريعة، وهي ضرورة أن تسود المنافسة الشريفة فيما بين المرشحين، و أن تتحلى إدارة الحملات الانتخابية بالتنافس الايجابي الخلاق، فليس من الصحيح إشاعة أجواء الإساءة والطعن والتسقيط من فريق تجاه فريق آخر، فالمطلوب أن يعمد كلٌ إلى طرح برنامجه الانتخابي وكفاءته و على الناس أن تختار.

أملنا إن شاء الله أن تكون هذه المناسبة فرصة طيبة من أجل تنظيم علاقاتنا الداخلية ، لأن العملية الانتخابية تحتاج إلى قدر كبير من التعاون بين المرشحين والناخبين وفرق العمل المساندة والمؤيدين، بمعنى أن العملية برمتها حالة جمعية، فكيف تنظم هذه الحالة بين الناس؟ كيف نتلافى السلبيات ونعمل على ترشيدها؟ فمن الطبيعي أن تكون هناك بعض السلبيات والأخطاء فكيف نتلافاها ونتجاوزها؟ ذلك ما يجب علينا جميعا المساهمة فيه والتعاون عليه.

من فوائد الانتخابات


تكمن أهم فوائد عملية الانتخابات البلدية في أننا سنتمكن نحن المواطنين من خلالها على التمرين والتجربة في المساهمة في صناعة القرار، فكل شؤون حياتنا كانت مقررة لنا سلفاً، و للتو أتيحت لنا الفرصة نحن أبناء هذا الجيل فعلينا أن نستفيد منها و نحسن استثمارها.

أكرر الدعوة إلى تسجيل الأسماء في مراكز تسجيل قيد الناخبين والتي بدأت عملياً، وأطمح وأتطلع إلى أن يصبح مجتمعنا نموذجاً على هذا الصعيد، نأمل أن نرى أن محافظة القطيف أدارت العملية الانتخابية بشكل نموذجي، ليس زهواً ولا تفاخراً على الآخرين، وإنما هو تنافس إيجابي، فكل منطقة تسعى للتنافس على موقع الأفضلية بين المناطق الأخرى، نحن نريد لمنطقتنا أن تكون نموذجية، ونريد لمجتمعنا أن يكون نموذجاً في تفاعله و تعاطيه و تعامله مع هذا الأمر، كما نأمل أن تكون الانتخابات البلدية فاتحة خير إن شاء الله، تعقبها انتخابات أخرى في مختلف المجالات كمجلس الشورى، بل نتمنى إن شاء الله أن تنظم جميع أمورنا الاجتماعية بالانتخاب بدءاً من ولي المسجد والحسينية وولي الوقف، إلى أن تتطور الأمور بحيث يكون هنالك شورى في مختلف الأبعاد الاجتماعية كما يقول القرآن ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ

هذا ما نأمل أن يصل إليه مجتمعنا في المستقبل إن شاء الله كما تحقق في المجتمعات الأخرى نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للخير والصلاح.
[1] سورة آل عمران آية 159.

[2] ابن سعد: الطبقات الكبرى ج1 ص250، دار بيروت 1960م.

[3] باشميل: محمد أحمد، موسوعة الغزوات الكبرى، ج2 ص66، الطبعة الثانية 1985م، المكتبة السلفية ومطبعتها، القاهرة.

[4] سورة آل عمران آية 159.

[5] ابن حبان: محمد، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، ج11 ص217، الطبعة الثانية 1993م، مؤسسة الرسالة، بيروت.

[6] البغوي: الحسين بن مسعود، تفسير البغوي (معالم التنزيل) ج2 ص124، الطبعة الثالثة 1995م، دار طيبة، الرياض .

[7] المجلسي: محمد باقر، بحار الأنوار، ج75 ص268، الطبعة الثانية 1983م، دار إحياء التراث العربي، بيروت