الإيمان الحقيقي يتجلى وعيًا وسلوكًا واطمئنانًا في شخصية المؤمن

ليس الإيمان مجرد هوية انتماء اجتماعي، أو مجموعة آراء ومعتقدات، أو طقوس وشعائر عبادية. بل هو صياغة مميزة لشخصية الإنسان تتجلى في تفكيره وأحاسيسه ومظاهر سلوكه فتشكل سماته «صبغة الله».

هذا ما يشير له الشيخ حسن الصفار في محاضرته: «تجليات الإيمان في شخصية الإنسان».

مؤكدًا بأن كثرة القيام والركوع ليست دليل إيمان حقيقي، إذا لم يكن للإنسان وعي وتفكر: «الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض»، يفكرون في سنن الكون والطبيعة حتى يدركوا عظمة الخالق ويسخروا ما منحهم إياه لإعمار الأرض. أمير المؤمنين يقول: ”لا عبادة كالتفكر في صنعة الله“. من ينشغل بالعبادة فحسب معطلًا فكره وعقله ففي إيمانه نقص وخلل، فكم تتحول العبادات إلى عادات.

حتى في قراءة القرآن يطلب الله من عباده التدبر والتأمل لا مجرد التلاوة والحفظ: «أفلا يتدبرون القرآن».

وكم يعاني المسلمون في التعامل مع نصوص السنة والروايات. فالفهم الحرفي للنصوص سبب لهم جمودًا قاتلًا وتخلفًا كبيرًا. في الحديث: ”اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل دراية لا عقل رواية“.

والتفكير يكون بعقل منفتح. بالاستماع للآراء المختلفة: «فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه». ولا تقف عند ما وصل إليه أسلافك دون أن تعرضه على عقلك وتتبين صوابه من خطئه. فيما يروى عن عيسى  : ”خذوا الحق من أهل الباطل ولا تأخذوا الباطل من أهل الحق. كونوا نقاد الكلام“.

بعض الفئات والزعامات المتدينة تريد إغلاق الصندوق على فكر أتباعها، لا تسمع لهذا العالم، ولا تقرأ لهذا المرجع، ولا تتداخل مع هذه الفئة!

ويتجلى الإيمان كذلك في مستوى المشاعر والأحاسيس النفسية. الإيمان يمنح المؤمن الطمأنينة والرضا فتكون أحاسيسه مستقيمة: «ألا بذكر الله تطمئن القلوب». الإطمئنان يساعد الإنسان على مواجهة تحديات الحياة، وتجاوز الأزمات.

فالإكتئاب الذي يعرف بمرض العصر جراء تعقد الحياة، لا يصاب به المؤمن، لثقته العميقة بالله تعالى، وانفتاحه عليه بالمناجاة والصلة فيستمد منه العون والقوة، فهو يعلم يقينًا أن كل شيء بيد الله ويسلم له.

من واجب الإنسان المحافظة على صحته، ولكن قد يقع المرض رغم الاحتياطات وهنا لا بد من الرضا بالقضاء والقدر. عالميًا هناك 12 مليون مصاب بطاعون العصر السرطان. ولكن هذا لا يعني نهاية الحياة، فكم من مريض تجاوزه بسبب تقبل المرض نفسيًا وعدم الاستسلام له.

والإيمان يتجلى كذلك في السلوك، في العمل لخدمة الدين والأمة. وفي سيد الشهداء الحسين بن علي أسوة وقدوة. الحسين لم يتمحور حول حياته الشخصية، بل تحمل المسؤولية تجاه ربه وأمته. كان بإمكانه أن ينشغل بالعبادة كبقية الصحابة حين تولى يزيد الحكم دون رضا الأمة، لكنه رفض ونهض وكان يدرك ثمن ذلك. خرج من مكة حتى لا تستباح حرمتها ويتعرض الأبرياء للقتل. وهبّ تلبية لمن طلب نصرته، وكان في مفاوضاته يتجنب الخيار المسلح، حتى فرض عليه، فبدأوه ولم يبدأ به، حتى ختم الله له بالشهادة مع خيرة من أهله وأصحابه.

***

أحسن الله لنا ولكم العزاء. وأعظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى شهادة أبي عبدالله الحسين 

كاتب وشاعر