الشيخ الصفار يُشيد بالدور الوحدوي للسيد البروجردي

مكتب الشيخ حسن الصفار
أشاد سماحة الشيخ حسن الصفار بالدور الكبير الذي قام به آية الله العظمى السيد حسين البروجردي لتحقيق حالة الوحدة وتأصيلها بين المسلمين، إذ يُعتبر من أوائل الفقهاء المتصدين لهذا القضية فكراً وعملاً، وأشار سماحته إلى بعض الأدوار التي قام السيد في هذا الجانب على المستوى العلمي والاجتماعي، مدعّماً حديثه ببعض القصص التي نقلها من ترجم لحياته. ودعا علماء الأمة المخلصين والواعين إلى إكمال هذه المسيرة خصوصاً مع ما تمر به الأمة من ظروفٍ حساسة تقتضي أن تُبذل الجهود من أجل وحدة الصف بين المسلمين وإلا فإن مستقبل الأمة لا يُبشر بخير.

جاء هذا في الكلمة التي ألقاء الشيخ الصفار ظهر الجمعة 13 شوال 1425هـ (26 نوفمبر 2004م) والذي يُصادف ذكرى رحيل السيد البروجردي –رحمة الله عليه.


بين الشيخ الصفار في بداية حديثه أن القرآن الحكيم فيه آياتٌ عديدة تأمر رسول الله بأن يتحدث للناس عن سيرة وذكريات الأنبياء السابقين، وكذلك المصلحين ذكوراً كانوا أم إناثا، يقول تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً * وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً (مريم، 54 – 57)، ويقول تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً (مريم، 16). ويُضيف الشيخ الصفار إن الآيات التي تتحدث عن ذكريات الأنبياء والصالحين لا تذكر قصص حياتهم العادية وإنما تتحدث عن القيم والمبادئ التي جسدوها في حياتهم، وفي ذلك دعوة صريحة للبشرية للتمسك بالمنهج الذي سار عليه أولئك.

وأشار أن إحياءنا لذكريات أهل البيت يأتي ضمن هذا المنطلق، مؤكداً أنه ينبغي أن يدعونا ذلك إلى إحياء ذكريات العلماء المجاهدين الذي ضحوا من أجل رفعة راية الإسلام.

وأضاف: إن هذا اليوم (يوم الجمعة الموافق: 13 شوال 1425هـ) يُصادف ذكرى رحيل آية الله العظمى السيد حسين البروجردي –رحمة الله عليه- وهو من العلماء المجددين ومن أبرز الفقهاء في القرن الرابع عشر الهجري. ولد –رحمه الله- سنة 1292هـ في الثالث عشر من شهر شوال، وتوفي سنة 1380هـ أو 1381هـ حسب اختلاف الذي ترجموا لحياته. ويتصل نسبه بالإمام الحسن بن علي فبينه وبين الإمام (30) واسطة.

وقد تميز هذا العالم الجليل بميزات عديدة، ولكن الشيخ الصفار ركز في حديثه علىسمةٍ مهمةٍ تُعتبر من أبرز سمات هذا العالم الكبير تلك السمة هي اهتمامه بالوحدة الإسلامية، حيث قام سماحته بخطواتٍ عملية على المستوى الداخلي (في المحيط الشيعي ذاته) وعلى المستوى الخارجي.

وأضاف الشيخ الصفار هناك من يعمل في محيط مجتمعه فقط، مؤكداً أن الواعين والمخلصين لا يقبلون أن يُحجموا أنفسهم بحدود مناطقهم، وإنما تجدهم ينطلقون إلى أفقٍ أوسع ويُفكرون بانفتاح أكبر.

وأشار الشيخ الصفار في حديثه أن الاهتمام بوحدة المسلمين أمرٌ مهمٌ جداً، وذلك لسببين:

الأول: السعي نحو الوحدة أمرٌ تعبدي يقوم به الإنسان تقرباً إلى الله تعالى، وآيات القرآن الحكيم تعج بالآيات التي تدعوا إلى هذا النهج القويم، يقول تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (الأنبياء، 92)، ويقول تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى (المائدة، 2)، ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (الأنفال، 46)، والأحاديث النبوية أيضاً واضحةً في هذا السياق.

الثاني: في الوحدة مصلحة الأمة والدين والفرد. فالأمة التي يتنازع أبناؤها ويعيشون حالة عدم الانسجام فيما بينهم تضعف قوتهم. وتتشوه سمعة دينهم على المستوى العالمي، وأيضاً فأن الجيل الجديد من الشباب تضعف ثقتهم بدينهم. إضافةً إلى ذلك فإن كل فرد يهمه أن تنسجم العلاقة بين المسلمين بمختلف مذاهبهم فهذا يقلل من التشنج الذي يعيشه المسلمون فيما بينهم، ويُقلل من حالة التمييز الطائفي.

وأشار الشيخ الصفار إلى الدور الذي قام به سماحة السيد حسين البروجردي على هذا الصعيد، وحسب ما نقله عنه مترجموه كالشيخ محمد واعظ زاد الخراساني، والسيد محسن الأمين في موسوعة أعيان الشيعة، والشيخ محمد هادي الأميني في كتابه معجم رجال الفكر والأدب في النجف، وغيرهم.

وأوجز الشيخ الصفار الدور الذي قام به السيد البروجردي على مستويين:

أولاً- المستوى العلمي.

فقد كان السيد حريصاً على أن يُعرّف الشيعة للسنة والسنة للشيعة موقناً أن أكثر الإشكاليات تحصل نتيجة الجهل. وكان من ابرز أعماله في هذا الجانب أن عمد إلى طرح آراء المذاهب السنية في بحوث الخارج التي كان يُقدمها، ليتعرف الوسط العلمي الشيعي على آراء المذاهب السنية والأدلة التي يستدلون بها. وكان للسيد البروجردي رأيٌ يجهر به دائماً، فقد كان يقول: من أجل أن يعرف الفقيه الشيعي رأي أهل البيت (عليهم السلام) فعليه أن يطلع على رأي المذاهب السنية، لأن آراء أهل البيت (عليهم السلام) كانت في الغالب بمثابة حواشي لآراء المذاهب السنية.

وهنا أكد الشيخ الصفار أن للفقه المقارن فوائد عديدة:

1- يبين مساحة الاتفاق بين المسلمين، ويحصر مساحة الاختلاف.

2- يوجه الخلاف ضمن الإطار العلمي.

وقام السيد البروجردي إضافة إلى هذا الدور المحلي قام بدورٍ إسلامي عام حيث كان يُشجع على إيصال الكتب الشيعية إلى المراكز العلمية السنية حتى يتعرف علماء السنة على الآراء الشيعية.

ثانياً- المستوى الاجتماعي.

ذكر الشيخ الصفار بعض النماذج والمواقف للسيد البروجردي تجاه بعض القضايا الخاصة بالمجتمع الشيعي والتي تعتبر قضايا جزئية في المذهب الإمامي، ولكنها قد توصل رسالة مشوّهة لبقية المسلمين، فكان السيد البروجردي –رحمه الله- يرفض مثل هذه الأمور.

وأضاف إن السيد البروجردي رعى دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في مصر، كما بعث أحد تلامذته داعيةً إلى ألمانيا وهو الشيخ المحققي، وبعث آخراً إلى واشنطن وهو الشيخ مهدي الحائري.


واختتم الشيخ الصفار كلمته بدعوة العلماء المخلصين إلى إكمال هذه المسيرة الوحدوية خصوصاً مع الظروف الحساسة التي تمر بها الأمة، مؤكداً أن الأمة إذا لم تستطع أن تتجاوز حالة النزاع والشقاق مع ما تمر به من ظروفٍ قاسية فلا خير في مستقبلها.