الشيخ الصفار يؤكد أهمية وجود فقهاء من المجتمع

مكتب الشيخ حسن الصفار
* من جالس آية الله الهاجري من العلماء يُدرك عمق مستواه العلمي والفقهي.

* وجود فقيهٍ من المجتمع يُساعد على رفع المستوى العلمي والديني، ويُمكّن من تشخيص الظروف والأوضاع بمستوى أفضل.

* من وصل من العلماء في أي مجتمعٍ من المجتمعات إلى مستوى الفقاهة والاجتهاد فعليه أن يُعمل هذه القدرة في معالجة المتغيرات والظروف والمشاكل المحلية.


أكد سماحة الشيخ حسن موسى الصفار على أهمية وجود فقهاءٍ من المجتمع لأن ذلك يُساعد على رفع المستوى العلمي والديني في ذلك المجتمع، وللاحترام الكبير الذي يحظى به الفقيه، ولأن فيقه المجتمع يكون أقدر على تشخيص الظروف والأوضاع. جاء تأكيد سماحته في الكلمة التي ألقاها بمناسبة رحيل العالم الجليل آية الله الشيخ محمد الهاجري (رحمة الله تعالى عليه) والتي تناولت جانباً من صفاته الكريمة، كما جاء فيها بعض اللقطات من ذكريات الشيخ الصفار مع آية الله الهاجري، والتي تبرز فيها مستواه العلمي والفقهي إلى جانب تواضعه وأخلاقه. كان ذلك ظهر الجمعة الموافق 24 رجب 1425هـ.

بدأ الشيخ الصفار كلمته بتقديم العزاء بفقد العالم الجليل آية الله الهاجري مؤكداً أنه من أبرز الفقهاء في المنطقة، وأشار إلى معنى الفقيه في قبال العالم، وقال: الفقيه من بلغ رتبة الاجتهاد والقدرة على استنباط الحكم الشرعي، بينما العالم من له حظٌ من العلوم الدينية. وأكد أن منطقتا القطيف والأحساء تزخر بالكثير من العلماء، ولكنهما تفتقران إلى وجود الفقهاء، بعكس ما كانت عليه المنطقتان في الماضي حيث كان فيهما الكثير ممن بلغوا درجة الفقاهة، ففي القطيف كان فيها من الفقهاء –على سبيل المثال وليس الحصر: الشيخ عبد الله المعتوق، الشيخ علي أبو عبد الكريم، الشيخ علي الخنيزي، السيد ماجد العوامي، الشيخ محمد بن الشيخ علي آل عبد الجبار (ت 1250هـ)، وفي الأحساء: الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي، الشيخ حسين أبو خمسين، الشيخ موسى أبو خمسين، الشيخ حبيب قرين، السيد ناصر السلمان. وإلى جانبهم مجتهدين لم يتصدوا للمرجعية والتقليد.

وأشار الشيخ الصفار إلى بعض سمات آية الله الهاجري وأهمها أنه إذا حضر في مجلسٍ وفيه جمعٌ من العلماء بار بطرح مسألةٍ فقهيةٍ للنقاش ليتعرف على آراء العلماء فيها ويطرح رأيه إلى جانب الآراء الأخرى، وقد أشار إلى هذه الصفة العلامة الشيخ فرج العمران –رحمة الله عليه- في كتابه الأزهار الأرجية عند ذكره لبعض مجالس الهاجري.

وأكد الشيخ الصفار أن من جالس آية الله الهاجري من العلماء يُدرك عمق مستواه العلمي والفقهي. مؤكداً أنه إلى جانب ذلك كان على درجة عالية جداً من التواضع والأخلاق، حيث كان يتعامل مع كل الطبقات ببساطة وبتواضع، وهذا مصداقٌ للدعاء الشريف: «ولا ترفعني في الناس درجةً إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تُحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلةً باطنةً عند نفسي بقدرها.» دعاء مكارم الأخلاق، الصحيفة السجادية.

وتحدث الشيخ الصفار عن بعض اللقطات من ذكرياته مع الشيخ الهاجري، والتي تبرز فيها مستواه العلمي والفقهي إلى جانب تواضعه وأخلاقه.

وأجاب الشيخ الصفار على تساؤلٍ كثيراً ما يطرحه أبناء المحيط من أهل السنة: لماذا الشيعة في المملكة والخليج لا تكون مرجعيتهم محلية وإنما يرتبطون بمراجع خارج المنطقة؟ بقوله: في الأساس من الناحية الشرعية الدينية ليس هناك أثرٌ وقيمة لهذه الاعتبارات المادية، لأن المرجع والفقيه إنما يقلد بناءً على ضوابط شرعية، بغض النظر عن موطنه وجنسيته. وهذا ليس خاصاً بالشيعة، إخواننا أهل السنة –أيضاً- حينما يبرز فيهم علماء وتكون لهم سمعتهم فإن الشعوب والمجتمعات الإسلامية السنية من مختلف البلدان أيضاً ترتبط بهم وتأخذ الفتاوى عنهم. ولا يصح أبداً تسييس هذه القضية الشرعية.

وعقّب ذلك بسؤالٍ مهم: هل هناك حاجة لكي يكون في كل بلدٍ فقهاء، أم يكفينا وجود الفقهاء في الحوزات العلمية؟ ليُجيب عليه بقوله: الاعتراف بأن وجود الفقيه في أي مجتمع وفي أي بلد مسألة لها أهمية، والمتأمل في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (التوبة، 122)، يُدرك ذلك، كما أن القرآن الكريم حينما يتحدث عن الأنبياء يؤكد على انتساب النبي إلى قومه ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ (الجمعة، 2)، ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ (هود، 25)، ﴿وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ (النمل، 54)، كل ذلك يؤكد على إنتماء النبي لقومه.

وأضاف الشيخ الصفار: وجود الفقيه من نفس المجتمع له ميزاتٌ عديدة، منها:

أولاً- يُساعد على رفع المستوى العلمي والديني في ذلك المجتمع.

ثانياً- للفقيه تأثيرٌ كبيرٌ على المجتمع، فالمتدينون يحترمون كل عالم ويستفيدون منه، لكنهم حينما يجدون أنفسهم أمام عالمٍ فقيه مجتهد فإن احترامهم وانقيادهم له يكون بمستوىً أكبر.

ثالثاً- أن الفقيه حينما يعيش في بيئةٍ معينة يكون أقدر على تشخيص الظروف والأوضاع، فمسألة استنباط الحكم الشرعي ليس آلة يقوم بها الفقيه كما يقوم بها الحاسب الآلي، وإنما للحالة النفسية والعلمية للفقيه ورؤيته تأثيرٌ في تشخيص الموضوعات.

وأشار إلى بحثٍ جديدٍ في عنوانه وهو: تأثير الزمان والمكان على الفتوى، وذكر نماذج من العلماء الذي بحثوا هذا الموضوع كالإمام البخميني، والشهيد الشيخ مرتضى مطهري، والشهيد السيد محمد باقر الصدر، والعلامة المحقق الشيخ جعفر السبحاني. مؤكداً أن للبيئة وللظروف الزمانية والمكانية تأثيرٌ كبيرٌ على تشخيص الموضوعات الخارجية، تطبيق المواضيع على عناوينها.

وأكد الشيخ الصفار في نهاية الكلمة على أمرين:

الأول: من وصل من العلماء في أي مجتمعٍ من المجتمعات إلى مستوى الفقاهة والاجتهاد فعليه أن يُعمل هذه القدرة في معالجة المتغيرات والظروف والمشاكل المحلية. ذلك لأن بحث المسائل الفقهية من باب الطهارة إلى الديات سبق طرحها من قبل الفقهاء، في حين أن الظروف والمتغيرات السياسية والمذهبية المعاشة وغيرها من القضايا بحاجة إلى آراء فقهية تعيش ظروفها المحلية.

الثاني: الفقيه لا يُطي رأياً حول مسألة فقهية إلى بعد دراسة ظروفها، وإلا فإنه يُعطي حكماً عاماً. وعليه إذا كانت هناك مشكلة سياسية أو اجتماعية تقتضي استفتاء المرجع فيها فإنه من الصعب على المرجع أن يُفتي إذا لم يكن ملماً بجميع الظروف المحيطة بالمشكلة.