الخطوة الأولى نحو التغيير

مكتب الشيخ حسن الصفار
وسط حضورٍ مميز ألقى سماحة الشيخ حسن موسى الصفار ظهر يوم الجمعة الموافق 23 ربيع الآخر 1425هـ (11 يونيو 2004م) كلمةً عقب الصلاة تحدث فيها عن الخطوة الأولى نحو التغيير والتطوير، مؤكداً أن التغيير لا يتم إلا عبر معرفة الإنسان أو المجتمع للواقع المعاش وما به من عللٍ وأخطاء ثم التصميم والعزم على تغيير هذه الواقع وبالتالي يتحقق التطوير، مهتدياً بقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ (الرعد، 11).

وفيما يلي تقريرٌ عن ما جاء في الخطاب:

الخطوة الأولى لكي يتجاوز الإنسان ما به من عللٍ وأمراض أن يعرف تلك العلل والأمراض، وأن يعرف أسبابها ثم يتوفر له العزم على العلاج، أما إذا لم يكن عارفاً بمرضه أو كان متستراً عليه وغير مهتمٍ بمعالجته فإن ذلك المرض سيبقى ويتطور حتى يقضي على حياته.

وهكذا بالنسبة للأمم والمجتمعات فإن الخطوة الأولى لتجاوز الوضع السيء هو أن تعرف حقيقة أوضاعها، وهذا ما تؤكده آيات القرآن الحكيم، يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ (الرعد، 11).

فقبل أن تبدأ مرحلة التغيير للمجتمعات، يَمثل للعيان هذا التساؤل: هل يعرف هؤلاء الناس حقيقة الأوضاع التي يعيشونها، ويدركون أبعاد الواقع الذي يعيشونه؟

المجتمعات المتقدمة عادةً ما تهتم بفحص أوضاعها: السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك عن طريق وسائل الإعلام الحرة والمؤتمرات والبرلمانات وبمختلف الطرق الأخرى، وبالتالي تكتشف العلل والأخطاء فتطوقها وتحاصرها.

وكنموذجٍ واضحٍ على ذلك ما حصل في سجن أبو غريب حيث قام الجنود الأمريكيون بجارائم التعذيب البشعة بحق المعتقلين العراقيين، وكما يقول المحللون إنه لا يُمكن أن تحصل مثل هذه الأمور بشكلٍ فرديٍّ واعتباطي وإنما نتيجة أوامرٍ عليا.

ولكن من الذي اكتشف هذا الأمر وفضحه وقاومه؟ هل أن الجامعة العربية قامت بذلك؟ هل أن منظمة المؤتمر الإسلامي كشفت ذلك؟ هل أن الجهات العراقية الشعبية هي التي فضحت وقاومت ما حصل؟

يجب الاعتراف أن من كشف وفضح الأمر هم بعضٌ من الأمريكيين، وأن الحملة بدأت ضد ما حصل من تعذيب في داخل أمريكا. وهذا لا ينفي إدانتنا وشجبنا لما حصل، ولكن هناك حالةٌ سليمةٌ عندهم، فحينما تحصل مثل هذه الجرائم هناك إمكانية لكشفها ومقاومتها ومواجهتها، وهذا دليلٌ على أن الوضع الذي يعيشونه وضعٌ سليم وإلا لما أمكن اكتشاف هذه الجرائم بسرعة، ونشرها بالصور الفوتوغرافية والفيديو أيضاً. ومع ما نتج عن هذه الفضيحة من مشكلةٍ كبيرة للرئاسة الأمريكية لم يُنكّل بالجندي الذي كشف حقيقة ما حصل، وإنما وجّه له وزير الدفاع الأمريكي شكراً على ما قام به لأنه كان سبباً في وضع حدٍّ لهذه المشكلة.

وماذا عن واقع المجتمعات العربية والإسلامية؟ ألا يحصل في سجون العرب والمسلمين شبيهٌ بما في سجن أبو غريب؟ بلى, وفي بعض البلدان يحصل أضعاف ما حصل، ولكن من يكتشف ويتحدث عن ذلك. وكمثال على هذا الواقع، مع ما عمله الطاغية صدام بالشعب العراقي، لم يكن هناك حديثٌ عن المقابر الجماعية أو عن ما مارسه من تعذيبٍ ضد الشعب العراقي إلا بعد سقوطه.

فمشكلة المجتمعات العربية والإسلامية أنهم لا يعرفون ما بهم، والتغيير لا يتم إلا بعد تجاوز هذه الخطوة.

وأشار سماحته إلى التقريرين الصادرين من الصندوق الإنمائي للأمم المتحدة (2002 – 2003) تحت عنوان: تقرير التنمية العربية، مبينناً أن التقريرين موضوعيان، ويبينان واقع الحال في العالم العربي. ومع ذلك هناك جهاتٌ كثيرة انتقدت هذه التقارير واتهمتها بالتهويل والتضخيم، رغم أن الفريق القائم عليها أغلبهم من العلماء والمفكرين العرب، لكن المشكلة أن القوم لا يرغبون في معرفة ما بهم.

وأضاف إن المجتمعات العربية والإسلامية ليست فقط لا تُريد معرفة الأخطاء والعلل المحدقةِ بها، وإنما تقوم بأمورٍ سلبية تجاه الواقع الذي تعيشه، ومن ذلك:

أولاً- التستر والتكتم على الأخطاء. فهناك كثيرٌ من البلدان لا تنشر نقاط الضعف والخلل والتقصير خوفاً من أن تفتضح أمام العالم، متناسين أن تصحيح الأوضاع أهم من أي شيءٍ آخر.

ثانياً- سياسة التبرير. خاصةً أن الإنسان العربي يصعب عليه الاعتراف بالخطأ، وإنما يلجأ للتبرير والمكابرة، وهذه سمةٌ سيئة تمنع الإنسان من تلافي الأخطاء والأمراض.

ثالثاً- إلقاء المسؤولية على المجهول. فإذا ما كشف الخطأ والخلل تلجأ هذه المجتمعات للبحث عن جهةٍ تعلّق عليها أخطاءها وتحمّلها المسؤولية كاملةً.

وفي واقعنا الاجتماعي هناك جهة دائماً تُعلّق عليها مختلف الأخطاء وهي الجن والسحر. فيكون ذلك مانعاً للبحث عن الأسباب الأساسية وراء الأخطاء التي نعيشها. إضافةً إلى أن الاعتقاد بهذه الأمور يجعل الإنسان يعيش اضطراباً نفسياً. ولذا ينبغي تجاوز هذه الحالة السلبية.

والغريب في الأمر أن البعض يلجؤون في تبرير هذه الحالة إلى الآيات القرآنية التي تتحدث عن السحر الحسد، ولكن يجب أن نعرف هل أن القرآن يتحدث عن حقيقة تأثيرٍ للسحر والحسد أم توهّم تأثير؟

وخلاصة الحديث أن القوم المتخلفين لا يعرفون ما بهم، ولا يسعون من أجل معرفة الأسباب وراء تخلفهم، وهذا مانعٌ لهم من التغيير والتطوير، إذ أن التغيير يبدأ أولاً بهذه الخطوة وهي أن يعرف القوم ما بهم.

وأشار سماحة الشيخ في حديثه إلى جانب من البيانات التي أصدرتها قمة الثماني في جورجيا والتي تكشف عن الواقع المتردي الذي تعيشه الدول العربية والإسلامية وأن الإصلاحات لا تفرض من الخارج وإنما يجب أن تنبع من داخل هذه الدول، في حين أن هذه الدول ترفض أي تدخلٍ خارجي لإصلاح أوضاعها الداخلية، ومع ذلك تجدها تبحث عن مبررات غير عقلائية للإبقاء على الواقع المتردي، ومن تلك المبررات الاحتلال الإسرائيلي، بينما نحن نجد أن إسرائيل نفسها تعيش ديمقراطية، ويتمتع شعبها بكامل الحرية. وهذه الدول التي تبرر لواقعها المتردي بوجود إسرائيل بينها نجدها تستأسد على شعوبها وتقمعهم، وهذه الحالة من أفظع صور الاستبداد.

ثم تطرّق إلى صورٍ متعددةٍ من صور الواقع المتخلف الذي تعيشه البلاد العربية والإسلامية بدءً بالأعمال الإرهابية المتكررة بين حينٍ وآخر في مختلف دول العالم العربي والإسلامي في العراق والسعودية والمغرب وغيرهما، مؤكداً أن هذه الأعمال نابعةٌ من خللٍ ومشكلةٍ في الواقع المعاش وينبغي معالجتها من جذورها.

ومن صور التخلف المستوى التعليمي المتدني في هذه الدول، حيث في كل عام ومع حلول العطلة الصيفية تبدأ دوامة الحديث عن الجامعات وصعوبة حصول الطلاب والطالبات على مقاعد في الجامعة، فلماذا لا يكون هناك تعاونٌ أهلي وحكومي من أجل تغيير هذه الحالة؟

إضافةٍ لذلك قضية البطالة المنتشرة في العالم العربي والإسلامي، إذ كيف لنا أن نفهم أن هناك بلدٌ فيه ما لا يقل عن ستة ملايين عامل أجنبي يُعاني أبناءه من البطالة؟

وهذه المشاكل وغيرها ليست وليدة اليوم وإنما هي حصيلة سنوات عديدة، فلا ينبغي السكوت عليها وإنما يجب معالجتها بسرعة، إذ أن التغافل عنها لا يحل المشكلة وإنما يزيدها تعقيداً وخطورةً.

ثم إن علاج المشكلة لا يقع على عاتق الحكومات فقط مع ما تتحمله الحكومات من مسؤوليةٍ كبرى في هذا الجانب، وإنما ينبغي أن تكون هناك ظاهرةَ تغييرٍ شاملةً بدءً بالواقع الاجتماعي المعاش.

وتطرق سماحة الشيخ في ختام حديثه إلى مسألة العطلة الصيفية وضرورة تفعيلها حيث أن الشباب وهم يمرون بهذه المرحلة الحساسة من عمرهم، إضافةً إلى أن مرحلة الشباب هي مرحلة القوة والنشاط، ينبغي أن تُستغل هذه العطلة لتهيئتهم لمختلف الأمور والقضايا الدينية والثقافية والاجتماعية حتى لا تضيع هذه العطلة سدىً، ومن هنا ينبغي أن تعجَّ البلاد بالبرامج والدورات والأنشطة المختلفة سواءً عبر الجهات الحكومية والاجتماعية.

كما ينبغي أن لا يتجاهل المجتمع الفتيات، حيث أن فرصهنَّ الخارجية أقل من الشباب، فحتى لا تضيع أوقاتهن بين الفراغ والفضائيات ينبغي التفكير الجاد في برامج تشغل أوقاتهن وتفجر طاقاتهن وكفاءاتهن.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.


وبإمكانك الاستماع للكلمة عبر الوصلة التالية:

http://www.saffar.org/media/ent_friday/1425/14250423.asf