(الوحدة والخصوصيات المذهبية) في الليلة الثامنة للشيخ الصفار
في الليلة الثامنة من محاضرات عاشوراء الحسين بدأ سماحة الشيخ حسن الصفار محاضرته (الوحدة والخصوصيات المذهبية) بتلاوة الآية المباركة ﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد﴾ وقد دارت المحاضرة حول ثلاث نقاط رئيسية:
النقطة الأولى: الاختلاف في القضية الدينية
النقطة الثانية: احترام الخصوصية المذهبية
النقطة الثالثة: الوحدة الممكنة
بدأ سماحة الشيخ هذه النقطة بالإشارة إلى أن بعض الناس ينظرون إلى الاختلاف الديني أو المذهبي بسذاجة وسطحية، وأن كل معتقد أو معتنق أو توجه يعتقد بأنه هو الأصح،ويستغرب عدم إقبال الآخرين على ما يعتقده أو يؤمن به. وفي هذا المنحى بين الشيخ الصفار بأن القضية الدينية لها تركيبات معقدة وتداخلات كثيرة وأنه ليس من السهولة أن يغير الإنسان مسلكه أو توجهه لأن الناس غالباً يتوارثون توجهاتهم الدينية والعقائدية من البيئة التي يعيشون فيها وعبر الأجيال المتلاحقة كما هو الحال مع اللغة، يولد الإنسان معها وتستمر جيلاً بعد جيل.
وأضاف بأن الانتماء الديني ينمو مع الإنسان، ولكن بعد أن يكبر وينفتح على الآفاق ويخرج إلى مجالات أوسع يواجه مثل هذه التيارات المختلفة فيجب عليه حسن التصرف في كيفية التعامل مع الآخر أو المخالف.وذكر بأن التوجه الديني هو جزء من ذات الإنسان فيتعصب له ويدافع عنه كدفاعه عن أرضه ومصالحه ومبادئه.
وذكر أيضا نقطة أن بعض التوجهات الدينية تحكمها مصالح سواءاً كانت سياسية أو اقتصادية وغيرها. وهذه الحالة عادةً ما تكون على مستوى النخب المجتمعية حسب تعبير سماحته وقد تكون هذه المصالح مرتبطة بزعامات معينة لا تريد أن تفقد نفوذها أو لأنها لا تريد أن تعيش منبوذة في وسط مجتمعها في حالة تخليها عن التوجه السائد في البيئة المحيطة بها.
ومن هذا المنطلق أوضح بأن الله سبحانه وتعالى أرسل أنبيائه عليهم السلام بالرسالات السماوية وقواهم بالحجج والبراهين ولكن هذا لا يعني أن الناس كلها ستقبل عليهم تترك أديانها السابقة بسهولة، وهذا ما يتجلى في الآية الشريفة ﴿فذكر أنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر﴾، فالاختلافات في القضايا الدينية بالغة التعقيد وصعبة الحسم، وأنه لاحسم لهذه المسألة في الدنيا وأنه سبحانه يفصل بين الناس يوم القيامة فيها حسب ما ذكرته الآية التي تليت في بدء الحديث.
فالقضية ليست قضية منطق أو دليل ولكنها قضية أن الناس جبلوا على ما وجدوا أنفسهم عليه، قال تعالى ﴿أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء﴾ كمال شدد سماحته على ترك حالة الانتقائية في الأحاديث وأنه يجب عدم إغفال أحاديث أهل البيت التي تحث على الاعتدال والتسامح، ومنها ما قاله الإمام الصادق : (لا تخاصموا الناس لدينكم فإن المخاصمة ممرضة للقلب) وفي ختام هذا المحور ناشد سماحته المجتمعات بأن لا تحمل نفسها فوق طاقتها في مسألة الاختلاف والدعوة إلى المذهب لأن هذه المسألة مستمرة ومعقدة في تداخلاتها.
بين سماحته بأن لكل مذهب خصوصياته التي تميزه عن غيره في المجال العقائدي والفقهي والتاريخي وفي الشعائر والمظاهر، كما يوجد هناك في الطرف المقابل مشتركات يجب العمل على تعزيزها واستخدامها كوسيلة للتقارب والوحدة. وبين سماحته أنه رغم الحشد الإعلامي في فترة من الفترات والتكفير الممارس إلا ان الناس ثبتت على عقيدتها وازداد إيمانها بمبادئها وثوابتها.
وأوضح سماحته بأن الخصوصيات المذهبية جاءت عن قناعات، بالرجوع إلى مرجعيات ومباني عقائدية وهي غير قابلة للمساومة أو التنازل، وبين بأن الناس يعتبرون هذه الخصوصيات معبرة عن هويتهم وتركها يعني التنازل عن هذه الهوية.ومن هذا المنطلق يتجلى دور الجمهور وتأثيره في ما يرتبط بهذه المسألة.
في هذا المجال ضرب مثالاً بتعامل الإسلام السمح مع هذه الخصوصيات وحفظها بذكره لعهد النبي الأكرم في المدينة مع اليهود وعهده مع نصارى نجران في تبيان حقوقهم الدينية والعبادية. وفي الإطار ذاته وضح أنه لا يمكن سلب الخصوصيات الثقافية والدينية لأنها حق مشروع للجميع.
بعد ذلك تناول سماحة الشيخ الصفار مسألة الاختلاف داخل المذهب الواحد وأن هناك خصوصيات عامة متفق عليها، ولكن يوجد خلاف في بعض المسائل الفقهية وباب النقاش فيها مفتوح وذكر منها مسألة الشعائر الحسينية ووجوب إحترام كل طرف للطرف الآخر وأن لكل طرف مرجعه في تلك الفتوى، وحذر سماحته من تفشي "الإرهاب الفكري" وعدم فتح الحوار والتعصب لرأي دون الاستماع لرأي الطرف الآخر فالاختلاف في الرأي لا يعني إلغاء الطرف الآخر أو تهميشه بل يجب أن يكون الحوار الحضاري الهادئ وسيلة مثلى للنقاش.
وضرب سماحته مثلاً بذلك من التاريخ الشيعي ما حصل بين الشيخ الصدوق وتلميذه الشيخ المفيد (رحمهم الله) حول بعض المسائل، ولكن المنطق والاحترام كان سيد الموقف في تلك الحالة.
في هذا الجانب أكد سماحة الشيخ الصفار على ضرورة الخروج من حالة اليأس التي تولدت بسبب كثرة المشاكل والتشنجات وحالة عدم التفاؤل في إيجاد وحدة سنية - شيعية، والمضي قدماً في مسألة الوحدة الممكنة وقد لخصها سماحته في ثلاثة عناوين فرعية وهي:
الالتفاف حول الثوابت المشتركة: وتعني التركيز على المشتركات والتي منها الإيمان بالله وبالرسول الأكرم والكتاب والسنة والقبلة وغيرها.
الوحدة السياسية: وذكر فيها أنه يجب التوحد ضد أعداء الإسلام وضد التحديات التي نواجهها كمواطنين يجمعنا بلد واحد.
الوحدة الاجتماعية: والتي حث فيها على التواصل مع الطرف الآخر والانفتاح عليه وعدم القطيعة، وضرب مثلاً بالإمام الصادق حينما كان يتواصل مع أئمة المذاهب الأخرى.
وفي نهاية المجلس ذكر فضيلته بأن الإمام الحسين صاحب مشروع ورسالة للجميع و|أنه لم يتعامل مع الناس على أساس فئوي، ولكنه كان منفتحاً مع الجميع،وختم بذكر قصة القاسم بن الحسن (سلام الله عليه) وجهاده جهاد الأبطال في كربلاء وذكر مقولته في حق عمه الحسين حين سأله عن طعم الموت وقال: (والله في سبيلك يا عم أحلى من العسل).