سماحة الشيخ يُشارك في أربعين الأستاذ الأديب جمال آل إبراهيم

أقيم في مدينة صفوى حفلٌ تأبيني للأديب الناشط الاجتماعي الأستاذ جمال آل إبراهيم -رحمه الله- مساء يوم الأحد الماضي 13 ريبع الأول 1425هـ الموافق 2 مايو 2004م بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاته..

وكانت لسماحة الشيخ حسن الصفار كلمة في هذه الناسبة حيث أعرب في بداية حديثه عن صعوبة الموقف الذي يقفه مؤبناً الفقيد السعيد، حيث أن العلاقة بينهما علاقةٌ وثيقة وقديمة. وأضاف: أحببته في الله وبشخصيته الهادئة الوقورة، فهو من خيرة الإخوان، وهو مِن مَن تُنعقد عليهم الآمال في خدمة الدين والمجتمع، ولذلك كان خبر وفاته صدمةً مؤلمةً، ومؤثرةً في نفسي كما هي في نفوس العارفين به، ولا نملك في هذا الموقف إلا أن نُعلن عن تسليمنا لله تعالى، وأن نقول: ﴿إنا لله وإنا إليه راجعون.

وتحدث سماحته عن نقطةٍ مهمةٍ مستلهماً إياها من التفاعل الكبير الذي أبداه المجتمع مع رحيل الفقيد الأستاذ جمال، وهي: محبة الإنسان للطاقات من أبناء مجتمعه. وقال في حديثه:

نحن نجد أن المجتعات المتقدمة تمنح أبناءها الكفوئين الكثير من التقدير والتشجيع والاحترام، وقد تحول هذا التقدير في تلك المجتمعات إلى برامج وأطر، وهناك مدارس خاصة للنابغين والموهوبين، وجوائز للمبدعين، والفرص متاحة للكفاءات أن تظهر، حيث الإعلام يُشيد بها والمجتمع يُقدّرها.

أما في المجتمعات المتأخرة، فإن هذه الحالة محدودة. فهناك كفاءات علمية وفكرية وتمارس دوراً بارزاً في المجتمع، وفي المقابل يتعامل المجتمع معها بشيءٍ من التجاهل، وفي أدنى المستويات لا يكون لهذه الكفاءات تشجيعٌ أو احترامٌ من قبل المجتمع. وإذا مات الكفء بدأ الناس يُظهرون أحاسيسهم وعواطفهم نحوه.

ولكن في أسوأ الحالات قد يكون هناك تشويه لشخصية الكفاءة وعرقلة لمسيرته في المجتمع، إما لاختلافٍ في المنهج أو الرأي أو الأسلوب؛ وهذا الاختلاف لا يبرر الطريقة السلبية في التعامل مع الشخصيات الكفوءة التي تبذل ما بوسعها في خدمة المجتمع.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يتأخر إظهار مشاعر الحب والتقدير للشخص الكفء إلى ما بعد وفاته؟ فينبغي أن تُدرس هذه الحالة، كما ينبغي أن يُوضع لها حد.

وأضاف سماحته: من حق أي إنسان أن يتمتع بالاحترام من أبناء مجتمعه، وأن يعيش دفئ العلاقة معهم، وهذا ينعكس على إنتاجه وعطائه. ولكن مع الأسف يشعر الكثير من أبناء المجتمع بالحياء والخجل في إبداء مشاعر الود والاحترام.

أما في المجتمعات الأخرى أصبحت عندهم بعض الأعراف التي تجعل الإنسان يشعر بدفئ المحبة مع المحيط من حوله، مثلاً الاحتفاء سنوياً بعيد الميلاد. بينما في مجتمعاتنا هناك مَن ينظر إليها على أنها بدعة وتشبه بالكفار، وأنا شخصياً لا أرى ذلك إذ أن مثل هذا الاحتفاء يعطي الإنسان شعوراً بالدفء والمحبة والعاطفة بينه وبين مَن هم حوله.

وفي تلك المجتمعات أيضاً، يُحتفى بالأشخاص الذين تزيد رتبتهم الوظيفية، أو ينتقلون من جهة إلى أخرى، وهذا من الأمور التي تزيد من مشاعر الحب والود.

وأيضاً فهم يحتفون بذوي الإنجازات العلمية والأدبية والثقافية.

بينما مجتمعاتنا تفتقر لمثل هذه الأمور على بساطتها، ولكن لها أثراً بالغاً في نفس الإنسان.

مع أن مجتمعاتنا تزخر بالكفاءات في مجال الخدمة الاجتماعية، كالذين يعملون في الجمعيات الخيرية، وصناديق الزواج الخيري، ومهرجانات الزواج الجماعي، ولجان كافل اليتيم، وإدارة الأندية الرياضية، ولجان أصدقاء القرآن، وفي غيرها من اللجان الخيرية والاجتماعية التي يحتضنها المجتمع. فلماذا لا يُكرّم المجتمع هذه الكفاءات، أو يُشعرهم بأهمية وعظمة الجهود التي يبذلونها؟ ولو تعوّد المجتمع على هذه الحالة لكان ذلك دافعاً كبيراً للتشجيع ومضاعفة الجهد، وتشجيعاً للآخرين للانضمام لنفس الطريق والمنهج. يقول الإمام جعفر الصادق : «إن مَن عظّم دينه، عظّم إخوانه. ومَن استخفَّ بدينه، استخفّ بإخوانه».

ذلك لأن الدين هوية المجتمع، وتعظيم أي طاقة أو كفاءة في المجتمع هو في المحصلة تعزيزٌ لهوية المجتمع ومكانته؛ ورفعٌ لمعنويات المجتمع ككل، ودليلٌ واضحٌ على التقيد بتعاليم الدين. وفي المقابل مَن يستخف بإخوانه إنما يكشف عن استخفافه بدينه وبهوية المجتمع.

هذا الحديث وغيره من النصوص الدينية يجب أن يدفعنا لاحترام وتقدير بعضنا البعض، وخاصةً للكفاءات والقدرات والفاعليات الموجودة في مجتمعاتنا، لأن هذا ما يأمرنا به الدين والعقل، وتقوم به المجتمعات المتقدمة.

وفي أربعين هذا الفقيد السعيد نتذكر مواقفه الطيبة وخصاله الكريمة، فنتحسس الأسف لأن احتفاءنا به كان متأخراً، إذ كان من الواجب علينا الاحتفاء به في حياته. فينبغي علينا أن لا نكرر هذه الحالة، حتى لا نشعر بالأسف مع الآخرين من أبناء مجتمعنا.

وبعد نهاية الحفل تم توزيع «سي دي» عن حياة الفقيد المليئة بالأعمال الخيرية ودعم المشاريع الأجتماعية، وبصماته الواضحة في كل الفعاليات الدينية، وكذا أخلاقه التي يشهد لها الجميع ويشيد بها الجميع.

برنامج الحفل كان كالتالي :


• تلاوة ايات من الذكر الحكيم .
• عرض فلم عن حياة الفقيد مع مؤثر صوتي بصوت الأستاذ عمار ال قريش.
كلمة سماحة الشيخ حسن الصفار .
• كلمة الاستاذ علي احمد ال موسى.
• كلمة اللجنة الثقافية بنادي الصفا للاستاذ كميل ال ابراهيم .
• قصيدة للشاعر الأستاذ عبد الله الاقزم .
• كلمة أبن المرحوم حسين جمال.
• كلمة ديوانية الثلاثاء للاستاذ محمد العباس.
• مجلس حسيني .

السيرة الذاتية للأستاذ جمال آل إبراهيم


ولد جمال حسين آل إبراهيم في مدينة صفوى عام 1378 هـ ، وقد نشأ في أحضان والده الحاج حسين بن صالح آل إبراهيم والذي كان من شخصيات البلاد البارزة ووجهائها المحترمين، وكان لهذه التربية الصالحة خير حافز للفقيد على البذل والعطاء في خدمة الدين والمجتمع.

بدأ دراسة المرحلة الابتدائية بمدرسة علي بن أبي طالب الابتدائية بصفوى عام 1386 هـ ، والمرحلة المتوسطة بمدرسة صفوى المتوسطة النموذجية ، والمرحلة الثانوية بمدرسة صفوى الثانوية . وتخرج من الأخيرة عام 1398 هـ ، وُبعث من قبل وزارة التعليم العالي بعد تخرجه من المرحلة الثانوية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتخرج من جامعة جنوب كاليفورنيا بتخصص إدارة أعمال، وعاد إلى بلاده ليعين موظفاً في البنك السعودي البريطاني عام 1402 هـ ، ثم انتقل للعمل بشركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو السعودية) في العام نفسه.

له العديد من الكتابات المسرحية ومن أبرزها: ( أمة في رجل، أبو ناصر، برقية عاجلة، جري الوحوش، حجارة من سجيل، في الجو غيم، الضمير، أولاد المرحوم، عيال الديرة، الوصية، ساعة الصفر، أبناء تحت الصفر، فقير في طريق الشوك، حرب وسلام، مأساة طالب، شباب بعد الستين، الضياع، وغيرها من المسرحيات الاجتماعية الهادفة). وإضافةً لذلك كان له دور اجتماعي متميز.

توفي –رحمه الله- في يوم الأربعاء 3 صفر 1425 هـ والموافق 24/3/2004 م إثر تعرضه لأزمة قلبية مفاجئة.