قراءة في كتاب (الشباب وتطلعات المستقبل) للشيخ حسن الصفار

ناصر الحلفي

كتاب (الشباب وتطلعات المستقبل) لسماحة الشيخ حسن الصفار, كتاب مهم  يناقش وضع شريحة من أهم شرائح المجتمع الإنساني, وهي شريحة الشباب, وما لهذه الشريحة من أهمية, ودور ريادي مهم في حركة التاريخ, والحياة, وتعتبر مفصل مهم من مفاصل الوجود الإنساني, واستطاع المؤلف سماحة الشيخ حسن الصفار, بالتفاتة موفقه, ونقلات هادئة,  أن يضع النقاط على الحروف, من خلال التشخيص الدقيق, والرائع من اجل إيجاد حركة طبيعية لهذا الشاب في الحياة, واستطاع أن يشخص الأسباب الأكيدة لتأخر شريحة الشباب وتقاطعها مع حركة الزمن, لان الشباب يواجهون في هذا العصر تحديات كبيره على صعيد تكوين شخصياتهم في ظل مجتمع قلق وحياة صعبة.

ومن أهم ما يعانيه شباب اليوم، الهجمة الإعلامية الشرسة على كل المعتقدات والعادات النبيلة، فإن وسائل الأعلام العملاقة كالفضائيات, والانترنيت وكبريات الصحف إذا تم استخدامها بشكل صحيح وعلمي، سوف يكون لها حتماً مردود ايجابي ينعكس على الأسرة, والمجتمع, أما إذا استخدمت هذه الوسائل بشكل غير صحيح فسوف تتحول إلى وسائل هدم, وخطر على شبابنا, واستطاع سماحة الشيخ الصفار في هذا الكتاب أن يشخص المنطقة الرخوة والضعيفة عند الشباب وهي أوقات الفراغ الغير مفهرسة، ومن خلال هذا الضعف يمكن أن يخترق هذا الشاب باتجاه معاكس للفطرة والدين والواقع، وكما أكد سماحة الشيخ أن الشعور بالفراغ يدفع لتقبل أي اهتمام، وعادة ما يصحب التوجهات الخاطئة إغواء وإغراء، وقلة النضج والخبرة عنده بعض الشباب والمراهقين يؤدي أن يكون انزلاقهم سهلاً، كما في استخدام شبكة الانترنيت بطريقة غير مدروسة ستعطي نتائج مؤسفة ومؤلمة.

من خلال التفاوت بين ما هو معرفي وما هو ترفيهي, وتأرجحت نتائجها بين ما هو سلبي وإيجابي, تبعاً للدور الذي يقوم به, وقدرته على التأثير والفعالية, وكيفية تعامل الشباب معه وقدرتهم على بلوغ حد التوازن ما بين المعرفي والترفيهي فيه, وانحيازهم لجانب دون آخر, وبالتالي فقدان بوصلة الفائدة المرجوة منه.‏

إن عدم التخطيط لاستثمار وقت الفراغ، وعدم الاهتمام بتوفير البرامج المناسبة, من قبل الفرد والمجتمع أفرزت لنا أكثر من ظاهر سلبيه, ومن ابرزها هذه العبثية وعدم الهدفية، وقراءة المستقبل برؤى ضبابية, والخلود إلى النوم الزائد خارج حدود المعتاد, ويأتي سماحة الشيخ ليضع يده على الجرح, ويقول غالباً ما يكون الفراغ أرضية للانحراف, ودافعاً للتوجهات السيئة, بحيث لا يشعر الإنسان بوجوده وقيمته إلا إذا كان له تفاعل مع قضايا الحياة من حوله، فإن لم يتوفر له ما يمنحه هذا الشعور ايجابياً، فسيعاني حالة فراغ نفسي تتولد منها هواجس وتصورات غير منضبطة, كما قد تتحرك لديه بعض النوازع والرغبات غير السليمة التي هي تحت السيطرة في الأوضاع العادية السوية، وهناك أشارات أكيده رسمها سماحة الشيخ بين السطور من خلال كتابه الموسوم (الشباب وتطلعات المستقبل) هو احترام الوقت وكيف التعامل معه، واستشهد سماحته بالآيات القرآنية التي يقسم الله من خلالها بالوقت, حيث قال تعالى ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (الضحى 2) ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (الشمس 4)، وهذه النصوص القرآنية تربى الإنسان على احترام الوقت, ومدرسة أهل البيت كانت السباقة من بين كل المدرس الفكرية الأخرى, في مراعاة الوقت والاهتمام به، لأن الوقت يشكل عنوان كبير للحياة, كما قال أمير المؤمنين علي : «إنما أنت عدد أيام فكل يوم يمضي عليك يمضي ببعضك» وقال الإمام الباقر : «مغبون من تساوى يوماه»، وهذه قراءة تأخذنا للتطلع لما هو أفضل في ساحة الإبداع والرقي، وهذه المهمة هي مهمة الشباب التي تشكل حضور واعي في ساحة التقدم, لأن حضور الشاب في أي ميدان من ميادين الحياة يعطي دافع نفسي وقبول أكيد لنجاح هذا العمل, لأن الشباب هو عنوان للحياة, والنشاط, والإتقان, والتفاني وكان الإسلام يربط بين الشاب والمجتمع, حتى قال رسول الله : «إذا دخل الشاب إلى المسجد كسر ظهر الشيطان»، وهذه حالات من حالات بناء الثقة بين الشاب والحياة، بين الشاب والمجتمع، وسماحة الشيخ لم يترك حالة الفراغ والملل تنخر في أبدان الشباب, ومن خلال مدرسة أهل البيت بل راح يضع لها الوصفات العلاجية تلو الوصفات، حيث قال الرسول : «روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت» وقال الأمام علي : «إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم»، والقرآن يوجهنا إلى التأمل في الطبيعة, والاستمتاع بجمالها, والتفكر في عظمة الخالق المبدع، كما وردت نصوص دينية كثيرة في التشجع على الأسفار والرحلات، ولقد أصبح واضحاً في المجتمعات الحديثة عندما أثير وقت الفراغ على مستوى العمل فزاد الاهتمام ضمن العمل بساعات الترفيه, وفترات الراحة، إن فترات الترفيه تشكل محطة استراحة تستقر من خلالها النفس الإنسانية حتى تكون الانطلاقة القادمة أقوى واصلب، لأنها تنبع من مصدر حيوي, ونشاط دافع للانجاز، وما أشار إليه حديث الأمام الكاظم : «اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر العيش وساعة، لمعاشرة الأخوان الثقات، وساعة لترويح عن النفس»، وكتحصيل حاصل إن ملئ الفراغ وتنظيم الوقت وترويح النفس، تعطينا فرص إضافية من النشاط والقوة والإبداع.

إن هذا الكتاب للشيخ الصفار, يستحق أكثر من وقفه, وهو جدير بالقراءة, لما يحمل بين طياته توجهات صادقة للشباب, وهذا  رابط كتاب (الشباب وتطلعات المستقبل).