التعاون سبيل النهوض

مكتب الشيخ حسن الصفار
ضعف إرادة التعاون عند المجتمعات العربية والإسلامية كان موضوع كلمة الجمعة لسماحة الشيخ حسن الصفار التي ألقاها يوم الجمعة الموافق 12 صفر 1425هـ (2 إبريل 2004م)، وفيما يلي نصها:

الخطاب القرآني الموجه للأمة الإسلامية يتسم بالتنوع فتارةً يركز الخطاب على الفرد ويخصه بالخطاب، وتارةً ينطلق في خطابه ليصل إلى المجتمع المسلم، فنرى آياتٍ قرآنية تخاطب كل فردٍ من الناس بأعمال البر، وبتقوى الله سبحانه وتعالى، وتؤكد على الإنسان المسلم من الناحية الشرعية أن يتجه إلى البر، وتطالبه بتقوى الله سبحانه وتعالى. وتارةً نجد آياتٌ أخرى تُضيف قيمةً أخرى إلى قيمة أعمال الخير، وهي قيمة التعاون، ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، (المائدة، 2). فهذه الآية الكريمة لا توجه أمراً إلى الأفراد بأن يعملوا أعمال البر والتقوى، وإنما تطلب منهم بأن يتعاونوا مع بعضهم البعض على البرد والتقوى. الآية تريد أن تؤسس وتؤكد على أهمية العمل الجمعي التعاوني.

كثيرون هم الناس الذين ينجحون بإقامة أعمالٍ فردية، ولكن نهضة الأمم لا تبنى بالأعمال الفردية، وتقدم المجتمعات لا يتحقق عن طريق الأعمال الفردية، وإنما لابد وأن يسلك المجتمع طريق التعاون والعمل الجمعي، خاصةً وأن بعض أعمال البر لا يستطيع الأفراد بمفردهم أن يحققوها.

المجتمعات التي تمتلك روح وإرادة التعاون تحقق هذه الأعمال الكبيرة، أما المجتمعات التي تنعدم أو تضعف فيها هذه الروح، فإن غاية ما يمكن أن يتحقق فيها هي أعمالٌ صالحةٌ صغيرة.

فالآية الكريمة تريد أن تؤسس هذا المبدأ في الأمة، ذلك لأن القرآن يريد أن يخلق أمة ناهضة، ومجتمعاً متحضراً، ولذلك لابد وأن يُرسي أسس النهوض والتحضر، وأهم أساس هو العمل الجمعي التعاوني: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.

واقع المجتمعات المتقدمة


نحن نجد أن المجتمعات المتقدمة تسير وفق هذا المبدأ، فعلى مستوى الدول هناك تعاونٌ ملحوظ، وأحياناً تتعاون أيضاً على الإثم والعدوان، فأساس التعاون موجود. ومن ذلك تكوين الأحلاف بين الدول: الأطلسي، الناتو، وهناك الاتحاد الأوروبي ومنظمة الدول الصناعية.

وفي داخل المجتمعات نجد أن العلماء يتعاونون فيما بينهم، وكذلك الفنانون والتجار، فلا تجد مجالاً من المجالات في تلك المجتمعات إلا وفيه أطر للعمل الجمعي والتعاون المشترك.

واقع الأمة الإسلامية والعربية


مع أن ديننا الإسلامي يأمرنا بالتعاون: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وكذلك عبادات الإسلام تربي فينا هذه الروح، ومن نماذج ذلك: صلاة الجماعة، والحج. ولكن المؤسف حقاً، مع أن المسلمين يقومون بهذه العبادات، ومع هذه الأوامر القرآنية التي تدعوا إلى التعاون، إلا أنها لم تترك الأثر المطلوب في حياة المسلمين، فهم أبعد الأمم عن التعاون، فلا تكاد تجد أمةً مفككةً كما تجد عليه واقع المسلمين بشكلٍ عام، والعرب بشكلٍ خاص.

تأجيل مؤتمر القمة العربي


وما حصل أخيراً من تأجيل مؤتمر القمة العربي دليلٌ واضحٌ على ذلك، مع أن الشعوب ما عادت تعقد آمالاً على هذه المؤتمرات، وعلى هذه القمم، ولكنه مظهراً يُبرز لنا وللعام المستوى الذي وصلنا إليه.

رؤساء دول يفترض فيهم أن يكونوا على مستوى متقدم من النضج والوعي، وهو يمرون بمرحلةٍ خطيرةٍ أكبر من أن توصف، ويتقرر عقد قمة، ويجتمع وزراء الخارجية العرب، ويلتقون في عدة جلسات، فتكون النتيجة المؤسفة والمؤلمة هي تأجيل المؤتمر لأن الوزراء ما استطاعوا أن يتفقوا على جدول أعمال، ولأن الدولة المضيفة قررت التأجيل.

الشعوب ليست آسفة على تأجيل القمة، ولكن المؤسف هو هذا الوضع الذي وصلنا إليه.

مشاركة العالم العربي في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب


منذ حولي (56) سنة يُقام معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، بمشاركة مختلف دول العالم، إذ يُعتبر أكبر تظاهرة ثقافية في العالم.

منذ عام 1976م تقرر أن تُرشح في كل عام دولة لتشغل مكانة خاصة تحت مسمى ضيف شرف للمعرض، وتُعطى مساحة أكبر، وفرصة أكبر للتعريف بثقافتها، وإنتاجها الفكري. وقبل ثلاث سنوات تقرر أن يكون العالم العربي هو ضيف شرف في معرض 2004، الذي سيقام في بداية شهر أكتوبر، والذي يُصادف شهر شعبان المقبل، ووجهت دعوة رسمية للجامعة العربية حتى يكون هناك استعداد مسبق للمشاركة في المعرض، وحصل هناك نقاش طويل بين هذه الجهة وتلك حول مسألة الاشتراك في المعرض، حتى وصل الأمر أن يطلب أمين عام الجامعة العربية من وزراء الخارجية العرب إدراج قضية اشتراك العالم العربي في المعرض في جدول أعمال مؤتمر القمة العربية، وحصل خلاف حول هذا الأمر أيضاً.

والآن بقي من الوقت القليل، فما هو مدى استعداد العرب للإستفادة من هذه الفرصة الثقافية العالمية؟

الأمة العربية والإسلامية أمامها فرصة كبيرة لتبين للعالم أجمع شيئاً من ثقافتها وتراثها، خاصة وأن الأمة تواجه حملة شعواء لتشويه الثقافة العربية والدين الإسلامي. ولكننا ومع الأسف نصطدم بالواقع السيء المعاش إذ مع هذه الفرصة الكبيرة إلا أننا نجد هناك خلافاً كبيراً بين جامعة الدول العربية ووزرات الإعلام والثقافة في الدول العربية، وهناك أيضاً سوء تفاهم بين اتحاد الناشرين العرب وبين الجامعة العربية، وداخل اتحاد الناشرين العرب، بين الناشرين أنفسهم، هناك خلاف وصراع.

ومن جانبٍ آخر، المعرض خصص مساحة (9000) متر مربع لمشاركة العالم العربي، وهناك رسوم اشتراك قيمتها (3) ملايين دولار، وإلى الآن لم يدفع سوى (700) ألف دولار فقط، من قبل بعض الدول والبعض الآخر لم يُساهموا، ومطلوبٌ أيضاً ترجمة (100) كتاب إلى اللغة الألمانية من التراث العربي، وبعد التي واللتيا وعبر المبادرات الفردية أُنجز إلى الآن (20) كتاباً فقط، ويُفترض أن يُشارك مجموعة من المثقفين العرب في المعرض لإقامة مقابلات وحوارات تعريفية، إلى الآن هناك نقاش طويل حول تكلفة سفرهم. ولو أن الأمر مناط لدولة عربية واحدة لم يكن هناك أي إشكال، ولكن المطلوب هو تعاون (22) دولة عربية في الموضوع، وهنا تكمن المشكلة. هذا هو واقع الأمة التي يأمرها قرآنها: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.

واقع مجتمعنا الذي نعيش فيه


مجتمعنا –مع الأسف- يعيش حالةً مصغرة للواقع الكبير الذي تعيشه الأمة العربية. يزخر مجتمعنا بمجموعة كبيرة من العلماء والخطباء والتجار، والمساجد والحسينيات والجمعيات الخيرية، فهل استطاع هؤلاء أن يتعانوا فيما بينهم؟ الواقع الذي نعيشه شاهدٌ على ضعف هذا الاتجاه.

عوامل تقوية إرادة التعاون


لماذا يستطيع الآخرون أن يتعاونوا ونفشل نحن في التعاون؟

وفي بعض الأحيان يكون الأمر أكثر حرجاً، حيث يُبتعث أحدٌ من غير العرب والمسلمين حتى يقوم بعملية تنسيق التعاون فيما بين العرب أنفسهم.

قبل أسابيع بعثت الكنيسة الانغليكانية البريطانية ممثلاً إلى العراق (اندرو وايت)، وافتتح مركزاً في العراق: المركز العراقي للحوار والسلام والمصالحة، وبذل جهوداً للمصالحة بين علماء السنة والشيعة في بغداد.

هناك ثلاثة عوامل مساعدة على التعاون، تمتلكها المجتمعات المتقدمة، وتفتقدها مجتمعاتنا العربية والإسلامية:

العامل الأول: الطموح للتقدم.

وهو من إفرازات الحالة الحضارية، فتجد أن الأمم التي تمتلك النهضة يكون عندها طموحٌ للتقدم، وعلى العكس من ذلك الأمم المتخلفة.

وتجد هذا الأمر في تلك المجتمعات واضحاً وجلياً، فبين فترةٍ وأخرى تسمع عن اندماج لشركتين عملاقتين في مجالٍ معين، كل ذلك بسبب طموح كلتا الشركتين في التقدم أكثر، وليس هناك سبيلٌ أفضل من التعاون والعمل الجمعي. وعلى مستوى الدول أيضاً ترى أن أمريكا مع قوتها، ولكنها تبحث عن حلفاء ليُضيفوا إلى قوتها قوةً أخرى تساعدها على الهيمنة على العالم. وهكذا في مختلف المجالات والمستويات، تجد نماذج التعاون في تلك المجتمعات واضحة.

أما في مجتمعاتنا وبسبب قلة الوهج الحضاري، فإن طموح التقدم تراه ضعيفاً جداً، كلٌ مكتفٍ بما عنده. لذلك لا يشعر بدافع للتعاون مع الآخرين.

العامل الثاني: نضج الوعي الحياتي.

في كثيرٍ من الأحيان، وبسبب عدم نضج الوعي الحياتي، يتصور البعض ان التعاون مع الآخرين يُضعفه، والبعض الآخر يخاف أن يتعاون مع ألآخرين، لأن الآخرين أقوى منه فيخاف أن يذوب فيهم. فيجد في الابتعاد الحل المناسب له. وهذه المخاوف تجدها على مستوى الدول والمذاهب والمؤسسات والأشخاص.

وهذا ضعفٌ في الوعي، لأن التعاون في حقيقته يزيد الإنسان قوةً وقدرةً، ويُضيف له رصيداً جديداً، وهذا ما تدركه المجتمعات المتحضرة، ولذلك يتعاونون مع بعضهم البعض.

العامل الثالث: العقلانية والعلمية في العلاقات والتعامل

في تلك المجتمعات تُدار العلاقات بشكلٍ عقلائي علمي، وفي مجتمعاتنا تُدار بشكلٍ عاطفي انفعالي. فتجد الحديث غالباً عن الماضي وعن الخلافات وعن التشنجات، وكأن البعض يبحث عن منفذ لعدم التعاون.


مواجهة حالة ضعف إرادة التعاون


إذا استمرت هذه الحالة في أمتنا ومجتمعاتنا فإنها ستوصلنا إلى المزيد من حضيض الانحدار والتخلف، فلابد من مواجهة هذه الحالة، بأمرين:

الأول: نشر الثقافة التي تدفع إلى التعاون.

الثاني: تقديم النماذج العملية للتعاون.


إذ ينبغي على كل واحدٍ منا أن يبدأ عملياً بنفسه في شق طريق التعاون، وترك حالة انتقاد الآخرين في عدم تعاونهم.

بدءً بالأسرة فيما بين أفراد الأسرة، وبين العوائل، ومروراً بزملاء العمل، ووصولاً إلى فئات المجتمع المختلفة، فإن القرآن يوجه لنا خطاباً وأمراً واضحاً: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.