الشيخ الصفار يرفض تجاوز ثقافة العيب ويدعو لتحريرها من التّزمت

قال سماحة الشيخ حسن الصفار: إنه لا يصح تجاهل كلمة (عيب)، واسقاطها من القاموس التربوي والاجتماعي، فذلك يعني قبول الانفلات الأخلاقي، وضياع الآداب الاجتماعية، وفقدان الموروث الإنساني الإيجابي من تاريخنا وثقافتنا.
وتابع: إن الوظيفة المطلوبة من ثقافة العيب في المجتمعات الإنسانية، هي تعزيز الهوية الاجتماعية، واحترام الذوق العام، وضبط الممارسات والسلوك في إطار القيم والأخلاق.
جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة 14 صفر 1447هـ الموافق 8 أغسطس 2025م، في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: ثقافة العيب بين التزمت والانفلات.
وأوضح سماحته أن المجتمع الإنساني لا يكاد يخلو من وجود عادات وأعراف يلتزم بها أفراده في الحياة العامة. ويعتبرون اختراقها ومخالفتها وصمة وخللًا في شخصية من يقوم بذلك، ويعبر عنه بـ (العيب).
وتابع: العيب في المصطلح الاجتماعي هو التصرف غير الملائم، الذي ينظر إليه المجتمع أنه سلوك سيء، أو غير لائق.
وأشار إلى أن العيب عنوان مستقل إلى جانب عنوان الحرام، وقد تتداخل بعض مصاديقهما، لكن مفهوم كل منهما يختلف عن الآخر. فالحرام حكم شرعي، مخالفته توجب سخط الله تعالى، أما العيب فهو حكم اجتماعي، يفقد الإنسان بسببه احترام الآخرين ويناله ازدراؤهم.
وتابع: قد ينطبق العنوانان على بعض الممارسات والتصرفات، فتكون حرامًا شرعًا، وعيبًا اجتماعيًا، كالسرقة والخيانة مثلًا.
وأضاف: قد يكون الشيء عيبًا لكنه ليس حرامًا، كما لو طرد الإنسان ضيفه، أو خرج الرجل للناس دون ارتداء ملابس، إلا ما يستر عورته.
وأبان أن العيب صناعة مجتمعية، تختلف مصاديقه في المجتمعات والعصور، لاختلاف الثقافات والعادات، فما يكون عيبًا في زمن أو في مجتمع، قد لا يكون كذلك في زمن ومجتمع آخر.
ولفت إلى وجود من يطالب بتجاوز ثقافة العيب في ظل هيمنة الثقافة الغربية وضمن التحولات الثقافية التي تعصف بالمجتمعات الإنسانية المعاصرة.
وذكر أنهم يبررون هذا التجاوز بأن ثقافة العيب تصطدم مع الحرية الفردية، فلماذا يجد الإنسان نفسه ملزمًا بقيود يفرضها عليه العرف الاجتماعي، وهي متوارثة من زمن سابق؟ فليفعل الإنسان ما يحلو له، وليمارس ما يرغب فيه، وليس عليه أن يبالي ويهتم برأي الآخرين، ونظرتهم إليه، فله حقَّ التمرد على الأعراف والتقاليد، وليس من حق الآخرين أن يصادروا حريته، بل عليهم أن يحترموا شخصيات الأفراد وخياراتهم.
وأشار إلى أن الثقافة الغربية تقدس الحريات الفردية، ولو كانت على حساب البعد الاجتماعي في الحياة الإنسانية، كتفكيك البناء الأسري العائلي، وإضعاف التماسك الاجتماعي.
وتابع: فليس مهمًا في الثقافة الغربية أن تكون للإنسان أسرة وحياة عائلية، أو أن يورط نفسه بالإنجاب ورعاية الأبناء، وهو ليس معنيًا بحياة والديه.
وأضاف: أما صلة الرحم فعملة قديمة لا ينبغي أن ينشغل بها الإنسان عن مراكمة مكاسبه المادية، وخدمة مصالحه ورغباته، فضلًا عن حسن الجوار، أو حماية التضامن والتكافل الاجتماعي.
وقال إنه في مقابل هذه الدعوة بتجاوز ثقافة العيب نجد حالة تزمّت في بعض مجتمعاتنا، بالإصرار على بعض الأعراف والعادات التي قد لا تكون مفيدة، ولا مناسبة لتطورات الحياة الاجتماعية، وإعلان الحرب على من لا يتمسك بها، وبعضها قد يكون مخالفًا لهدي الدين وتوجيهاته.
وطالب سماحته الأسرة أن تقوم بالدور الأساس في التربية على الالتزام بالذوق العام، والآداب الاجتماعية، عبر تفعيل ثقافة العيب في نفوس وسلوك الأبناء بالأساليب التربوية المناسبة.
وتابع: ثم يأتي دور المدرسة، ووسائل الإعلام والتوعية الاجتماعية. لتبيين خلفيات هذه الثقافة وآثارها الإيجابية على الفرد والمجتمع، حتى يلتزم الأفراد بها عن وعي واقتناع، وليس مجرد أوامر أو قيود مفروضة.
ومضى يقول: لا يصح التشدد في الالتزام ببعض العادات والتقاليد، مالم يكن هناك مخالفة للأحكام الشرعية. فلا بد من الفرز والتصفية كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
وتابع: إن من الأهمية بمكان تنشئة الأبناء، وتوعية الجيل الشاب، من الفتيان والفتيات، على رعاية الذوق العام، والتزام الآداب والأخلاق الفاضلة، في السلوك والفردي والاجتماعي، لحمايتهم من الانجراف مع تيار الفردانية المتطرفة، التي تبشر بها ثقافة الغرب المادية.
وأضاف: لابد أن نؤكد أن إهمال الوالدين عيب، وأن عدم الاهتمام بالأقرباء والارحام والجيران عيب، وأن عدم احترام الكبير عيب، وأن عدم الاحتشام في العلاقات بين الجنسين عيب، وأن البخل عيب، وأن تجريح مشاعر الآخرين عيب، وهكذا سائر الموارد والمصاديق المشابهة.
وبيّن أن عدم مبالاة الإنسان بسمعته واحترامه في محيطه الاجتماعي، يعني فقدان الحياء، والانزلاق نحو الانفلات من القيم الإنسانية، والأخلاق الفاضلة.
وتابع: إننا حين نقول للطفل الصغير عن بعض التصرفات (عيب)، يجب ان نقولها بشفقة ومحبة لتنشئته على مراعاة ضوابط السلوك الإنساني، وليهتم بذلك في مرحلة مراهقته وشبابه.
وأضاف: وحين نقول للكبير إذا ارتكب إساءة، (عيب عليك) فيجب أن يكون ذلك بلباقة وإبداء حرص على قيمته ومكانته لدفعه لمراجعة سلوكه الخطأ، وأن نتيجته فقدان الاحترام في المجتمع.
وحذّر أن تكون كلمة (عيب) عنوانًا لحالة بوليسية قمعية متزمتة، فذلك يؤدي إلى النفور والتمرد على الأخلاق والقيم.