المنبر الحسيني تحاور سماحة الشيخ حسن الصفار

الشيخ حسن الصفار * مجلة المنبر الحسيني


الصفار: رجل عرف بالنشاط والحيوية والانفتاح، خطيب بارع، محاضر لامع، مؤلف مبدع، وباحث متتبع، كريم الطباع حميد الصفات، يحظى بشعبيةِ في الأوساط، وخصوصاً في المنطقة الشرقية، كما أنه شخصية فكرية ألف وأسس الكثير، حصل على شهادة الدكتوراة في التأليف من «الاتحاد العالمي للمؤلفين بالغة العربية» في دمشق، التقينا به وحاورناه.

مرحباً بكم سماحة الدكتور العلامة الشيخ حسن الصفار في مجلة المنبر الحسيني.

في البدء نرجو أن تقدموا لنا نبذة عن سيرتكم الذاتية.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين، بداية أتوجه لكم بخالص الشكر لقيامكم بهذه المبادرات الطيبة الهادفة إلى خدمة مسيرة المنبر الحسيني وتطويرها، كما أشكركم على إتاحة الفرصة لي للتخاطب مع قرائكم الكرام.

بالنسبة إلى سيرتي الذاتية فقد ولدت عام 1377هـ في مدينة القطيف، في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وتربيت في أحضان والدي الكريمين، وهما سليلا أسرتين علميتين عريقتين، فبذلا جهدهما في تربيتي على الخير والصلاح، جزاهما الله كل خير، ووفقني لأداء واجب برهما.

تعلمت القرآن الكريم ضمن الكتاتيب المتداولة آنذاك، ودرست في المدارس الحكومية مرحلتي الابتدائية والمتوسطة، ثم هاجرت إلى النجف الأشرف سنة 1391هـ، ثم انتقلت إلى قم المقدسة سنة 1393هـ، والتحقت بمدرسة الرسول الأعظم في الكويت سنة 1394هـ.

كنت أتردد على مسقط، وأبقى فيها عدة أشهر من سنة 1395هـ للقيام بالمهام الدينية، ثم عدت للاستقرار في وطني القطيف سنة 1397هـ، حيث التزمت بإقامة صلاة الجماعة في مسجد الفتح، وخدمة المنبر الحسيني في المناسبات الدينية، وممارسة النشاط الاجتماعي والثقافي ضمن الفرص المتاحة.

غادرت البلاد مطلع سنة 1400هـ، وأقمت في الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمتابعة النشاط العلمي، ولممارسة العمل السياسي والإعلامي، حيث شاركت في تأسيس حوزة القائم «عج» في طهران وإدارتها، وقمت بتأسيس عدة مراكز إسلامية، وإصدار العديد من المجلات والمطبوعات السياسية والثقافية، بمساعدة جمع من الإخوة المؤمنين العاملين.

انتقلت للإقامة بجوار السيدة زينب عليها السلام في دمشق سنة 1410هـ، لمتابعة المهام والوظائف المذكورة، وعدت بحمد الله إلى الوطن سنة 1415هـ، ولا أزال منشغلاً هناك بالمهام الدينية والاجتماعية، أسأل الله التوفيق وحسن العاقبة.

كيف بدأتم مشواركم مع المنبر الحسيني حتى بلغتم ما أنتم عليه الآن؟

بدأت مشوار الخطابة وخدمة المنبر الحسيني في وقت مبكر من عمري، بتشجيع من والدي حفظه الله، والذي كان يلقنني حفظ القصائد والمقاطع الشعرية من نظمه ونظم غيره، وكان يأخذني معه إلى المجالس الحسينية باستمرار، ولعلاقته بالعلماء والخطباء كان يقربني إليهم، ويأمرني بقراءة المقاطع التي حفظتها أمامهم، فأنال تشجيعهم واحترامهم، مما شوقني أكثر إلى السير في هذا الاتجاه.

فهيأت لي منبراً في صحن الدار، وكنت أقلد دور الخطيب وأحاول تكرار ما أحفظه من قراءات الخطباء الذين أستمع إليهم في المناسبات، ثم جمعت بعض الأولاد من أبناء الجيران ممن هم في سني، وأقنعتهم أن نعمل مجلساً خاصاً بالأطفال، حيث كنت أخطب فيهم، حتى أصبح بعض الآباء يأتون لتشجيعنا في ذلك المجلس.

وحينما ارتاح بعض الآباء لقراءتي، عقدوا لي مجالس ودعوني للخطابة في المجالس الكبيرة، وحصل اهتمام عام في القطيف بخطابتي آنذاك، نظراً لصغر سني حيث كنت في الحادية عشرة من عمري، ووصلت الأصداء للمناطق المجاورة، فدعيت للقراءة في الأحساء والبحرين والكويت.

ولأن التجربة بدأت بهذا الشكل، فقد حرمت من التتلمذ على يد أي خطيب، فلم أقرأ صانعاً «حسب الاصطلاح» مع خطيب آخر، بل كنت أقرأ كخطيب مستقل من أول يوم، لكني فيما بعد حاولت الاستفادة من توجيهات الخطباء، بالتردد على مجالسهم، وبقضاء أطول فترة من الوقت في مصاحبتهم، وأخص بالذكر هنا الخطيب الشيخ عبد الحميد المرهون، والخطيب الشيخ سعيد أبو المكارم، والخطيب الملا عبد المحسن النصر رحمه الله.

ما هي تجاربكم الشخصية في مجال المنبر الحسيني؟

من أهم تجاربي الشخصية في مجال المنبر الحسيني:

أولاً: الاعتماد على الجرأة وعدم التهيب، لأن الخطيب إذا فقد الجرأة وتهيب من حشود الحاضرين، أو من وجود شخصيات نوعية في مجلسه، فإنه سيصاب بالارتباك، وسيفقد القدرة على الإبداع.

لقد دعيت في بداية مشواري للخطابة في مجالس يحضرها علماء كبار، كالشيخ محمد أمين زين الدين رحمه الله، والشيخ محمد طاهر الخاقاني رحمه الله، وهما مرجعان كبيران كانا يزوران منطقتنا في بعض السنوات، كما دعيت للقراءة في الحسينية الجعفرية المشهورة في الكويت، وكان يحضرها في بعض الأيام السيد علي شبر رحمه الله، والمرجع الراحل السيد الشيرازي رحمه الله، والميرزا حسن الحائري رحمه الله، والسيد علي البكاء رحمه الله، وغيرهم من كبار العلماء وكبار الخطباء، وبحمد الله ما كنت أشعر بأي تهيب أو تردد أو ارتباك، بل كنت ألقي ما أعددته بكل ثقة واطمئنان.

وكانت تجتمع لاستماعي حشود كبيرة في القطيف والأحساء والكويت، وذلك نظراً لصغر سني كما أعتقد، لا لأهمية خطابتي، وما كان يتسرب إلى نفسي خوف أو اضطراب، وتلك نعمة وفضل من الله تعالى.

ثانياً: الاهتمام بالتثقيف الذاتي، فمع أهمية الدراسة العلمية للخطيب، إلا أن سعة المعرفة والاطلاع هي التي تمكنه من حسن العرض لأفكاره، وتقديم الخطاب المتميز، والتأثير في المستمعين.

لقد استفدت كثيراً من القراءة والمطالعة الدائمة للكتب والمجلات والجرائد، واقتطاف ما أراه مناسباً منها، واستحضارها في ذهني كمصادر أرجع إليها عند طرح أي موضوع.

ثالثاً: العلاقة والانفتاح مع ذوي الرأي والفكر، فالخطيب إذا كان مفكراً فإن تواصله مع المفكرين والعلماء والمهتمين بالشأن العام، يساعده على بلورة أفكاره وإنضاجها، وإذا كان متلقياً للفكر، فسيجد ما يحتاج إليه في الوسط العلمي والثقافي.

إن بعض الخطباء بعزلتهم أو قلة تواصلهم مع العلماء والمفكرين والقيادات الاجتماعية، يحرمون أنفسهم من فوائد عظيمة كثيرة أهمها عدم مواكبتهم للتطورات الفكرية والقضايا الاجتماعية.

رابعاً: إن تحمل المسؤولية تجاه الدين والمجتمع، إذا كان مطلوباً من كل إنسان مؤمن واعٍ، فإنه بالنسبة للخطيب أشد ضرورة وإلحاحاً، ففيما يرتبط بمساره الخطابي، يكون تحمل المسؤولية باعثاً للتركيز وتوجيه الخطاب، فيكون خطابه هادفاً، لأنه يتبنى خدمة قضية محددة، أما الخطابة التي تمارس كاحتراف، وكإرضاء لأذواق المستمعين، واستجابة لرغباتهم، دون استهداف محدد، هذه الخطابة غالباً ما تفتقد التركيز، وتغيب عنها الحيوية، فالخطيب الهادف يتكلم من أعماق قلبه، ومن وحي إيمانه وقناعاته، ويبذل جهده لإيصال رسالته إلى أعماق نفوس المستمعين، فتكون هناك حرارة وحيوية وفاعلية في خطابته.


كيف يمكن أن يتربى طالب العلم ليصبح خطيباً ناجحاً؟


لكي يتربى طالب العلم كخطيب ناجح يحتاج إلى ما يلي:

1. رغبة داخلية تدفعه باتجاه الخطابة.

2. اجتهاد دراسي يوفر له مقومات المعرفة.

3. اهتمام ثقافي بالمطالعة والإطلاع.

4. الممارسة الفعلية للخطابة، لأنها فن وليس مجرد علم.

5. الأجواء المشجعة بوجود جمهور متفاعل ومصاحبة خطباء ناجحين.


ما هي بنظركم المشاكل التي يواجهها الخطيب في علاقته مع المنبر، وما هي الحلول؟

أهم مشكلة يواجهها الخطيب مع المنبر هي التطور والتجديد، فاجترار المكررات، وإعادة طرح المواضيع مع تغيير في هندستها، يجعل الممارسة الخطابية روتيناً مملاً للخطيب نفسه، ويضعف القدرة على استقطاب الجمهور والتأثير فيه، وخاصة في هذا العصر مع التقدم الباهر في مجال المعلوماتية ووسائل الإعلام.

والحل: هو الاهتمام بالمتابعة من قبل الخطيب، ومواكبة تطورات الفكر والأحداث، وبذل الجهد في إعداد المواضيع الخطابية، وعدم الاستهانة بالجمهور.

إن في تراثنا ومعارفنا الإسلامية آفاقاً ومناطق كثيرة لا تزال مجهولة أمام الجمهور، فلماذا نكرر ونجتر بعض المواضيع المحدودة، ونترك هذه الكنوز الهائلة من المعارف دون اكتشاف واستثمار؟

ويدور في ذهني بعض الأحيان، أن الآيات القرآنية التي غالباً ما يتحدث حولها الخطباء، تكاد تكون محدودة، بينما يمكن الاستفادة من كل آية أو كلمة في القرآن، لاستشفاف أفق معرفي عظيم، لكن الأمر بحاجة إلى جد واجتهاد.

وكذلك الحال بالنسبة لنهج البلاغة، وأحاديث رسول الله وأهل بيته الكرام .

كما أن تاريخنا الإسلامي الماضي والمعاصر غير معروف عند مجتمعاتنا وأبنائنا، وما يتداوله الخطباء غالباً هو مشاهد ومواقف محدودة تعاد وتكرر.

وهناك قضايا كثيرة مطروحة على المستوى العالمي والإسلامي، وهناك قضايا محلية لكل مجتمع من المجتمعات، ينبغي لنا كخطباء أن نفكر فيها ونعالجها من خلال خطاباتنا.


كيف ينبغي أن تكون علاقة الخطيب مع الجماهير؟

يجب أن تبنى علاقة الخطيب مع الجمهور على أساس المحبة والاحترام، والسعي لخدمة الناس وحمل همومهم وآمالهم والعيش في أوساطهم، لأن التعالي والابتعاد عن الجمهور، يجعل الخطيب غير مدرك لأوضاع الناس وقضاياهم ومشاكلهم.

وفي المجتمع طاقات وكفاءات وتجارب وخبرات، ينبغي للخطيب أن يستفيد منها، لقد جربت شخصياً التواصل مع بعض الكفاءات، عند طرح المواضيع التي هي في مجال اهتمامهم، واستفدت كثيراً.

فمثلاً حينما أريد طرح موضوع له ارتباط بشأن صحي، كنت أتصل مع بعض الأطباء والعاملين في هذا الحقل وأستشيرهم، وعندما أريد التحدث حول قضية تربوية، أتصل مع بعض المختصين بهذا الحقل، وكذلك في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وأفادني هذا المنهج كثيراً.


لقد عرفتم بأنشطتكم الاجتماعية والثقافية، فما هي أهم هذه الأنشطة؟ هل تسمحون باستعراضها للقراء الأعزاء؟

التحديات الكبيرة التي تواجهها الأمة، تجعلنا نشعر بضآلة النشاطات التي نقوم بها في الساحة الإسلامية، كما أن الأدوار الكبيرة التي يقوم بها الآخرون، تمثل حجة كبيرة علينا أمام الله تعالى وأمام التاريخ، ومع هذا الشعور بالتقصير إلا أنني أحمد الله تعالى أن وفقني للقيام ببعض الأنشطة والمشاريع، والإسهام والمشاركة في قسم آخر.

على مستوى الحوزات العلمية، كان لي شرف المساهمة في تأسيس حوزة القائم العلمية في طهران، إلى جانب أستاذنا السيد المدرسي حفظه الله، وكذلك المشاركة في تأسيس حوزة الإمام الصادق ، في منطقة السيدة زينب عليها السلام، والإسهام في تأسيس الحوزة العلمية في القطيف.

وعلى الصعيد المراكز فقد توفقنا بهمة جمع من إخواننا الأعزاء في تأسيس مركز الشباب المسلم في أمريكا، والذي له فروع عديدة، ومركز ثقافي إعلامي في باريس، كانت تصدر منه مجلة «الشهيد» باللغة الفرنسية، ومركز إعلامي في لندن، إضافة إلى مركزنا الإعلامي الثقافي الذي كان في طهران.

وفي فترة سابقة يوم كنت في مسقط، أسسنا مكتبة الرسول الأعظم ، وكانت تصدر منه مجلة الوعي، وأنشأنا الصندوق الخيري الاجتماعي في مسقط.

ولدينا الآن العديد من الأنشطة والمشاريع الاجتماعية والثقافية في القطيف، نسأله تعالى القبول والتوفيق.


كيف يمكن تحصين الجاليات الإسلامية في المهجر من عوامل الانحراف؟

تحصين الجاليات الإسلامية في المهجر من الانحراف ممكن بتوفير الثقافة الواعية المواكبة لما يواجهونه من تحديات، إن الغالب على خطاباتنا الدينية تقليديتها واستغراقها في القضايا التاريخية والخلافات المذهبية، بينما تحتاج مجتمعاتنا المعاصرة، وخاصة من يعيشون في الغرب، إلى ثقافة تعينهم على فهم الأجواء التي يعيشونها، وتساعدهم على النجاح في حياتهم الصعبة هناك.

من ناحية أخرى تحتاج الجاليات الإسلامية في الغرب إلى مؤسسات اجتماعية تجمع شملهم، وتحفظ هويتهم، وتركز وجودهم، وتشجعهم على التفاعل الإيجابي مع المجتمعات التي تحتضنهم، فالعزلة المطلقة عن تلك المجتمعات خطأ كبير.

إن بإمكان الجاليات الإسلامية أن تستفيد من نقاط قوة تلك المجتمعات وإيجابياتها، وأن تستفيد من تجاربها المتقدمة على المستوى العلمي والاجتماعي والاقتصادي، وأن توظف وجودها للمشاركة السياسية، ولخدمة قضايا الإسلام والأمة.


كيف يمكن الارتقاء بالمنبر الحسيني ليصبح قادراً على مواجهة التحديات الثقافية؟

المنبر الحسيني جزء من المؤسسة والمنظومة الدينية في الأمة، ومستوى المنبر الحسيني يتأثر بواقع الحالة الدينية، فكلما تطور مستوى الحوزة العلمية، وتقدم مستوى الأداء المرجعي، وارتقى الطرح الفكري الإسلامي، انعكس كل ذلك على مستوى المنبر إيجابياً.

إن الارتقاء بالمنبر يتم بتطوير مضمون الخطاب، بأن يكون أكثر علمية ومواكبة للعصر، وأقرب إلى قضايا الساعة ومشاكل المجتمع، وأيضاً بتطور أساليب الطرح، ببلاغة لغة الحديث وسلاستها، وباستخدام لغة الأرقام والإحصائيات، وبتركيز الموضوع ومنهجيته، واستحضار الشواهد من الواقع المعاش، وليس من التاريخ الماضي فقط.

رأينا بعض الإصدارات لسماحتكم، نرجو أن تحدثونا عن هذه الإصدارات.

الكتابة والتأليف ميدان من ميادين الدعوة إلى الله تعالى، وكما يجاهد الإنسان المؤمن بلسانه، عليه أن يشهر سلاح القلم للدفاع عن المبادئ والقيم، ومن أجل نشرها وبثها في أوساط الأمة.

والكتابة والتأليف كفاءة وطاقة تتكامل شخصية المبلغ بالتوفر عليهما، وتفتحان أمامه آفاق الخدمة والعمل.

وبالنسبة لي، كان لتحريض الإمام الراحل السيد محمد الشيرازي رحمه الله، الدور الأساسي في إقبالي على مجال الكتابة والتأليف، كما يجب أن أذكر بالشكر والامتنان الأستاذ الشيخ صاحب الصادق، والذي ساعدني بالإشراف على أول كتاب طبعته تحت عنوان «ولكل أمة رسول».

وبسبب انشغالاتي الاجتماعية والخطابية، فإن كتاباتي قليلة محدودة، وغالباً ما تكون كتاباتي من وحي اهتماماتي العملية، ومنبثقة مما أعايشه من قضايا ومشاكل في الوسط الاجتماعي، فأتحدث في خطاباتي حولها، وتكون محور كتاباتي.

في ختام هذا الحوار نشكر سماحتكم جزيل الشكر، ونرجو من الله تعالى أن يحفظكم، وأن يجعلكم ذخراً في خدمة الإسلام والمسلمين، وخدمة قضايا أهل البيت .


____________________
* حوار أجرته مجلة المنبر الحسيني، مجلة فصلية تعني بالثقافة وشؤون المنبر الحسيني، العددان «10-11»، السنة الثالثة، محرم 1424هـ، آذار 2003م.