نفقة الزوجة

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين.



إذا قبلت المرأة رجلاً زوجاً لها، وارتبطت حياتها بحياته، وتقيدت حريتها بحقوقه الزوجية، فإن الشارع قد ضمن لها مقابل هذا الارتباط والتقييد، تأمين كل مستلزمات حياتها، وأوجب ذلك على الزوج، وحمّله مسؤولية الإنفاق على الزوجة، مسلمة كانت أو غير مسلمة، ما دامت ملتزمة بحقوقه عليها.

إلا أن تسقط المرأة حقها في النفقة على الزوج وتتنازل عنه، أو يشترط الزوج في العقد أنه لا يتحمل النفقة، وتوافق هي على ذلك.

هذا في الزواج الدائم، أما الزواج المنقطع (المتعة)، بناء على مذهب أهل البيت في استمرار تشريعه وجوازه، فإنه لا يتوجب على الزوج فيه نفقة الزوجة، إلا إذا اشترطتها في العقد وقبل الزوج، فيجب عليه بموجب الشرط.

مقدار النفقة:


لا تقدير للنفقة شرعاً بل الضابط القيام بما تحتاج إليه الزوجة في معيشتها من سكن مناسب تتوفر فيه الأثاث والتجهيزات المتعارفة، وطعام كاف، وكسوة لائقة، وعلاج صحي عند المرض، وكل ما يرتبط بهذه الأمور، حسب ما هو متعارف في حياة أمثالها من الزوجات. ليس على أساس توفير الحد الأدنى من مستوى الكفاية فقط، بل مع مراعاة شأنها ووضعها الاجتماعي، وفي حدود إمكانات الزوج، يقول تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا[1] ، ويقول تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ[2] ، ويقول تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا[3] .

وإذا استلزمت حياتها وجود خادمة لها، أو كان ذلك مما يقتضيه وضعها الاجتماعي فعلى الزوج توفير ذلك لها.

أما عادات الترف والإسراف من كثرة الملابس الثمينة، والمبالغة في الكماليات فلا يجب شيء من ذلك على الزوج.

ولا يجب على الزوج شيء من الديون التي في ذمة الزوجة، سواء كانت ديوناً لله كالفدية والكفارة والنذر، أو ديوناً للناس كالغرامات و ما تستدينه وتقترضه. إلا إذا استدانت شيئاً لبعض ما يجب لها على الزوج، لاضطرارها الفوري، أو لغياب الزوج، أو لعدم إنفاقه عليها، فإن عليه أداء ذلك الدين.

كما لا يجب على الزوج نفقات سفرها للحج واجباً كان أو مستحباً.

التحديد الزمني للنفقة:


تستحق المرأة النفقة من حين عقد الزواج، ما دامت مستعدة للالتحاق بزوجها، وحتي في المدة الفاصلة بين العقد والزفاف، إلا أن يكون متعارفاً عدم التزام الزوج بالنفقة خلال هذه المدة، كما هو الحال فعلاً في مجتمعنا.

ويبقى هذا الحق ثابتاً للمرأة ما دامت العلقة الزوجية، مع التزامها بحقوق الزوج، فإن تمردت على حقوقه المشروعة، تصبح ناشزاً تسقط نفقتها حتى تعود إلى القيام بوظائفها الزوجية.

وتستمر نفقتها على زوجها حتى لو طلقها إلى حين انتهاء عدة الطلاق، إذا كان الطلاق رجعياً، أي يجوز للزوج الرجوع إليها خلال العدة، أما إذا كان الطلاق بائناً، لا يصح فيه للزوج الرجوع، فلا نفقة لها أثناء العدة، إلا إذا كانت حاملاً فتستحق كامل النفقة حتى تضع حملها.

وأوجب الحنفية النفقة لها حتى في عدة الطلاق البائن وإن لم تكن حاملاً.[4] 

بالطبع ينتهي حق النفقة عند وفاة الزوج، فلا نفقة لها أثناء عدة الوفاة حتى لو كانت حاملاً. وأوجب المالكية لمعتدة الوفاة السكنى مدة العدة إذا كان المسكن مملوكاً للزوج أو مستأجراً دفع أجرته قبل وفاته.[5] 

التصرف في النفقة:


إذا دفع إليها الزوج نفقتها مالاً أو عيناً، كانت ملكاً لها تتصرف فيها كما تشاء،فإذا صرفتها في غير حاجتها، لم يجب على الزوج تعويضها.

ولو ادخرت نفقتها التي دفعها إليها فلم تصرفها أو قسماً منها، لم يحق له استرجاع شيء من ذلك، بل هو في ملكها وتحت تصرفها.

أما الأشياء التي يوفرها الزوج في البيت لتستهلك منها الزوجة وتستخدمها حسب حاجتها، فإنها لا تمتلك شيئاً منها، ولا يصح لها التصرف فيها خارج حاجتها بإعطاء أحد مثلاً إلاّ بإذن الزوج.

توفير النفقة:


يجب على الزوج إذا لم يكن له مال، السعي والكسب لتوفير نفقة زوجته، وإذا لم يكن قادراً على الكسب، أو لم تتوفر له فرصة عمل، يأخذ من حقوق الفقراء من الأخماس والزكوات والكفارات ما يؤمن به نفقتها.

وإذا استطاع الاستدانة من غير حرج ومشقة، مع احتماله القدرة على وفاء الدين، وجب عليه الاستدانة لتوفير نفقتها. ولا يجب عليه أن يطلب الهبة من الناس أو يستجديهم بالسؤال من أجل نفقة الزوجة. ولكن يجوز له ذلك.

الامتناع عن الإنفاق:


إذا امتنع الزوج عن إعطائها شيئاً مما تحتاجه لحياتها، مع مطالبتها بذلك، جاز لها أن تأخذ من ماله ولو بدون علمه وإذنه لقضاء حاجتها. ورد عن عائشة أنه: « قالت هند أم معاوية لرسول الله : إن أبا سفيان رجل شحيح فهل عليّ جناح أن آخذ من ماله سراً؟ قال : خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف»[6] .

ويجوز للزوجة عند امتناع الزوج عن النفقة عليها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي ليجبره على الإنفاق أو الطلاق. يقول تعالى: ﴿فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ[7] .

وإذا لم يكن الزوج قادراً على الإنفاق عليها، ولم ترض بالصبر معه، وجب عليه طلاقها، فإن امتنع عن الطلاق رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي، ليجبره على الطلاق، فإن تعذر إجباره طلقها الحاكم.

أولوية نفقة الزوجة:


لا شيء أوجب على الرجل بعد تأمين نفقة حياته الشخصية، من نفقة زوجته، فهي أولى حتى من نفقة والديه وأولاده، ويتبين ذلك من المسائل التالية:

1-إنما يجب الإنفاق على الوالدين وعلى الأولاد، إذا كانوا محتاجين لا مال لهم، ولا قدرة على الكسب المناسب، ومع قدرتهم المالية أو العملية لا تجب على الإنسان نفقتهم. أما بالنسبة للزوجة فالنفقة حق لها على الزوج ولو كانت غنية ثرية.

2-لو كان للرجل مبلغ من المال يكفي للإنفاق إما على زوجته أو على أحد من والديه وأولاده، كانت الأولوية للإنفاق على الزوجة قبل الوالدين والأولاد.

3-إذا لم ينفق على والديه أو أولاده المحتاجين، لعدم إمكانه أو لامتناعه، فإنه لا يبقى حق نفقتهم ديناً في ذمته، أما نفقة الزوجة فتبقى في ذمته إذا لم يدفعها، ولا تسقط بمضي الزمن، بل تكون ديناً عليه، ولو مات تخرج من أصل تركته كسائر ديونه.

ويرى المالكية سقوط نفقة الزوجة عن الزوج بإعساره، فلا تلزمه ولا تكون ديناً عليه.[8] 

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.

[1]  سورة الطلاق- آية 7.

[2]  سورة الطلاق- آية 6.

[3]  سورة البقرة- آية 233.

[4]  الزحيلي: الدكتور وهبة/ الفقه الإسلامي وأدلته ج7 ص816.

[5]  المصدر السابق ص816.

[6]  البخاري: محمد بن اسماعيل/ صحيح البخاري- حديث رقم 2211.

[7]  سورة البقرة- آية 229.

[8]  الزحيلي: الدكتور وهبة/ الفقه الإسلامي وأدلته ج7 ص812.