احتفالات الأعراس

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين


من الطبيعي أن تبعث مناسبة الزواج مشاعر الفرح والسرور في نفس الزوجين وأفراد عائليتهما، وأوساط المحبين لهما والمحيطين بهما، ولا بد وأن تكون هناك وسائل وأساليب للتعبير عن تلك المشاعر والأحاسيس الجيّاشة، من هنا تعارفت المجتمعات على تقاليد وأعراف للاحتفاء بمناسبة الزواج، تتيح الفرصة لإظهار مشاعر الفرح والبهجة.

وقد شجع الإسلام على الاحتفاء بمناسبة الزواج كما وردفي بعض الأحاديث، ومن خلال سيرة الرسول، ونكتفي بمثال واحد، هو ما تناقلته بعض كتب السير والتاريخ عن وقائع الاحتفال بزفاف السيدة فاطمة الزهراء إلى زوجها الإمام علي بن أبي طالب، ذلك الاحتفال البهيج الذي كان تحت رعاية رسول الله. وقد أورد الدكتور الشيخ محمد عبده يماني صورة مختصرة عن ذلك الاحتفال في كتابه (إنها فاطمة الزهراء) ننقلها عنه:

(جاء الموعد المتفق عليه للزفاف، وقد احتفل بنو عبد المطلب بهذا الزواج، فقد جاء حمزة(رضي الله عنه) - عم النبي وعم علي كرم الله وجهه - بشارفين - جملين - فنحرهما وأطعم الناس.

وكانت وليمة في ذلك الزمان من أفضل الولائم على الإطلاق، فإنها وليمة أول المسلمين من الفتيان، وبنت المصطفى.

ولما انتهى الناس وفرغوا من الطعام أتى الرسول ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة: اركبي، وأمر سلمان أن يقود بها ومشى الرسول خلفها، ومعه حمزة وبنو هاشم، مشهرين سيوفهم، وأمر بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة (رضي الله عنها) وأن يفرحن ويرتجزن ويكبرن، ويحمدن ولا يقلن إلا ما يرضي الله.

فأنشأت أم سلمة ترتجز وتقول:

سرن بعون الله جاراتي واشكرنه في كل حالات

واذكرن ما أنعم رب العلا من كشف مكروه وآفات

فقد هدانا بعد كفر وقد أنعشنا رب السماوات

سرن مع خير نساء الورى تفدى بعمات وخالات

يا بنت من فضله ذو العلا بالوحي منه و الرسالات
[1] 

وأورد ابن شهراشوب المازندراني (توفي 588) في مناقب آل أبي طالب مقاطع أخرى من الرجز لغير أم سلمة ثم قال: وكانت النسوة يرجعن أول بيت من كل رجز، ثم يكبرن.[2] 

الغناء في الأعراس:


اختلف فقهاء مذاهب أهل السنة في حكم الغناء، فذهب جمهور فقهائهم إلى أن استماع الغناء يكون محرماً إذا صاحبه منكر، وإذا خشي أن يؤدي إلى المنكر، وإذا كان يؤدي إلى ترك واجب من الواجبات. أما إذا تجرد من ذلك، وكان بقصد الترويح عن النفس فهو محل خلاف، أجازه بعضهم ومنعه آخرون.

فالحنفية وبعض الحنابلة اعتبروه حراماً واستدلوا بقوله تعالى ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[3]  قال ابن عباس وابن مسعود: لهو الحديث هو الغناء. وبحديث أبي أمامة (ر) أن النبي: «نهى عن بيع المغنيات، وعن شرائهن، وعن كسبهن، وعن أكل أثمانهن».

وذهب الشافعية والمالكية وبعض الحنابلة إلى أنه مكروه.

وذهب بعض الحنابلة كأبي بكر الخلاّل وأبي بكر عبد العزيز، وكذلك الغزالي من الشافعية إلى إباحته.[4] 

أما فقهاء الشيعة فقد أجمعوا على تحريمه، للأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت في تفسير قوله تعالى: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ[5]  أنه الغناء، وكذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أنه الغناء، وما ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ[6]  أنه الغناء، وما ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [7]  أنه ترك استماع الغناء. وأحاديث عديدة في هذا السياق.[8] 

هذا بالنسبة لحكم الغناء بشكل عام، وأما الغناء في الأعراس، فقد أجازه جمهور فقهاء أهل السنة قال السيد سابق في فقه السنة:

(ومما أباحه الإسلام وحبب فيه، الغناء عند الزواج، ترويحاً للنفوس،وتنشيطاً لها باللهو البريء. ويجب أن يخلو من المجون، والخلاعة، والميوعة، وفحش القول وهُجره.

«فعن عامر بن سعد (ر) قال: دخلت على قرظة بن كعب، وأبي مسعود الأنصاري في عرس، وإذا جوار يغنين، فقلت: أنتما صاحبا رسول الله، ومن أهل بدر - يفعل هذا عندكم!! فقالا: (إن شئت فاسمع معنا، وإن شئت فأذهب، قد رخّص لنا في اللهو عند العرس). » رواه النسائي والحاكم وصححه.

«وزَفّت السيدة عائشة (رضي الله عنها) الفارعة بنت أسعد، وسارت معها في زفافها إلى بيت زوجها - نبيط بن جابر الأنصاري - فقال النبي: (يا عائشة ما كان معكم لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو). رواه البخاري وأحمد وغيرهما.»

«وفي بعض روايات هذا الحديث أنه قال: (فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدّف، وتغني ؟). قالت عائشة: تقول ماذا يا رسول الله ؟ قال: تقول:

أتيناكم أتيناكم فحيونا نُحَيِّيكُمْ

ولولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم

ولولا الحنطةالسمراء ما سمنت عذاريكم»
[9] 

أما فقهاء الشيعة فالمشهور بينهم شهرة واسعة، استثناء الغناء بالنسبة للنساء فقط في حفلات الأعراس من التحريم، بشرط أن لا يصاحبه شيء من المحرمات، كاستماع الرجال الأجانب، أو اشتمال الغناء على الباطل، أو استخدام آلات اللهو وأساليبه فيه. لكن قسماً من فقهاء الشيعة يرفضون هذا الاستثناء، ويعتبرون الغناء في الأعراس مشمولاً بالحرمة.

من القائلين بالجواز:


كما تقدم فإن جواز الغناء في الأعراس هو رأي المشهور من فقهاء الشيعة، قال الشيخ الأنصاري في المكاسب: (غناء المغنية في الأعراس إذا لم يكتنف بها محرم آخر: من التكلم بالأباطيل، واللعب بآلات الملاهي المحرمة، ودخول الرجال على النساء. والمشهور استثناؤه - أي من التحريم - للخبرين عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله - الصادق - عن كسب المغنيات ؟ فقال: التي يدخل عليها الرجال حرام، والتي تدعى إلى الأعراس لا بأس به. وعن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: أجر المغنية التي تزف العرايس ليس به بأس. ونحوهما ثالث عنه أيضاً، وإباحة الأجر لازمة لإباحة الفعل).[10] 

وذهب صاحب الجواهر إلى الجواز أيضاً وكذلك الشيخ يوسف البحراني في الحدائق.

وممن يرى جواز الغناء في الأعراس من الفقهاء المعاصرين السيد محمد الشيرازي، والذي يرى أيضاً أن الغناء في الأعراس جائز حتى إذا كان الغناء في شريط أو صندوق صوت مالم يقترن بحرام آخر، وكذلك جواز التصفيق في الأعراس، بل مطلقاً، وجواز رقص النساء للنساء في الأعراس، وأن إباحة الغناء في الأعراس لا تختص بليلة الزفاف، وإنما تشمل الأيام والليالي التي تحف بها.[11] 

وممن يرى ذلك السيد الخوئي، والسيد السبزواري، والسيد الروحاني، والشيخ محمد أمين زين الدين، والسيد الخامنئي والذي يرى أنه: (لا بأس في التغني للنساء في خصوص مجالس زفاف العروس، ولا مانع من استخدامهن آلات العزف في حال التغني في خصوص تلك المجالس على النحو المتعارف فيها. ولا يبعد جواز استعمال الآلات الموسيقية لعزف الموسيقى اللهوية المطربة فيما إذا كان مصحوباً بالتغني في مجالس زفاف العروس).[12] 

لكن فقهاء آخرين ومنهم السيد السيستاني يستشكل في استثناء غناء النساء في الأعراس من الحرمة، ويرى أن الأحوط لزوماً تركه حتى في ليلة الزفاف.

مراعاة الحجاب والعفة:


في غمرة أفراح احتفالات الزواج، عادة ما يحصل شيء من التهاون والتساهل في الالتزام بالحدود الشرعية، فالنساء المشاركات من أهالي العروسين ومحيطهما، عادة ما يكنَّ في أبهى حلل الزينة والجمال، كما أن الرجال والشباب المشاركين غالباً ما يهتمون بأناقتهم ومظاهرهم في حفلات الزواج. وهنا لا بد من رعاية الحجاب من قبل النساء، وعدم إظهار أي نوع من أنواع الإثارة واستعراض المفاتن، وكذلك بالنسبة للرجال عليهم غض البصر، والابتعاد عن أجواء الإثارة، وينبغي اجتناب الاختلاط، والحذر من بعض التجمعات الشبابية غير المنضبطة التي تستغل مثل هذه المناسبات، وقد نشأت أخيراً بعض العادات المخالفة لأجواء الحشمة والعفاف، مثل أن تزّف العروس إلى صالة الاحتفال ويدخل معها بعض إخوتها وأقربائها وسط النساء المشاركات، بمبرر إظهار معزة العروس عند أهلها، لكن ذلك ليس صحيحاً من الناحية الشرعية، إلا أن يتقيدن كل النساء الحاضرات بحجابهن وحشمتهن، وهو أمر صعب في الاجتماعات النسائية لمثل هذه المناسبات.

ومن الظواهر المخالفة للشرع استخدام مكبرات الصوت في حفلات النساء بحيث تصل أصواتهن إلى الخارج، ويسمع غناءهن وأناشيدهن الرجال الأجانب، ولا مانع من استخدام مكبرات الصوت ولكن في حدود المكان الخاص بالنساء.

وهناك ظاهرة تصوير الحفلات النسائية فوتوغرافياً أو بالفيديو، ولا مانع من ذلك ولكن الإشكال في تسرّب الصور والأشرطة، ورؤيتها من قبل الرجال الأجانب.

إن عدم مراعاة الأحكام الشرعية على هذا الصعيد ليس فقط موجباً للإثم وارتكاب الحرام، وإنما قد يكون سبباً لمشاكل اجتماعية وأخلاقية.

إرهاق العروسين:


المفروض تهيئة الأجواء المناسبة لتوفير أكبر قدر من الراحة والارتياح النفسي والجسمي للعروسين،حتى يلتقيا ليلة زفافهما بكامل نشاطهما النفسي والجسمي، لكن الملاحظ إثقال كاهلهما بالعديد من المراسيم والعادات، والتي تستغرق منهما وخاصة من العروس الفتاة وقتاً طويلاً، وجهداً كبيراً، حيث تقضي ساعات انتظار في صالون التجميل، تصل في بعض الأحيان من ثلاث إلى خمس ساعات، ثم تصرف وقتاً آخر في استوديوهات التصوير، من ساعة إلى ساعتين، ثم تمكث عدة ساعات ضمن برنامج الاحتفال، وهكذا تزف إلى زوجها بعد حوالي ست ساعات، في أقل التقادير، وقد تبلغ عشر ساعات، وتبذل فيها الكثير من الجهد النفسي، والعناء الجسمي، الذي تستلزمه حالة الانتظار ومقابلة الناس المهنئين، والترحيب بهم.

وهكذا الحال بالنسبة للزوج لكن بنسبة أقل، إن إرهاق العروسين بمثل هذه العادات المكلفة، له نتائج سلبية في كثير من الأحيان. وقد لاحظت الجهات الطبية أن البعض منهم يصاب بأزمة ربوية، أو ارتكاريا، أو زكام، أو لون من ألوان الحساسية، أو حالة من الإعياء والتعب الشديد.

الزواج الجماعي:


قبل عقد من الزمن ظهرت في مجتمعنا عادة طيبة، وسنة حسنة، هي انبثاق لجنة أهلية في كل منطقة، تتصدى لتنسيق حفل موحد للمتزوجين في تلك المنطقة، تحت عنوان مهرجان الزواج الجماعي.

وتتحدد ليلة معينة، وتقوم لجنة المهرجان بنشر الإعلانات وتوزيع الدعوات، وتهيئ مكاناً واسعاً، وتُعد وليمة الإطعام، ويجتمع العرسان كلهم ضمن حفل موحد، يحيط بهم أهاليهم، وجميع أبناء بلدتهم، ويكون هناك برنامج مفيد للاحتفال، تلقى فيه الكلمات والأناشيد، وبعض العروض المسرحية، ثم يزف العرسان، وتعيش البلدة كلها فرحاً وبهجة ونشاطاً عاماً.

وتؤدي هذه الظاهرة الرائعة أغراضاً عديدة، حيث تنخفض فيها الكلفة المادية، فيدفع كل عروس بين ستة إلى ثمانية آلاف ريال، بينما ترتفع الكلفة لو تزوج بمفرده إلى عشرين ألف ريال على الأقل.

كما أنها توفر الجهد على المتزوج وأهله، فيحضرون الحفل كضيوف، لا يتحملون أي مسئولية عملية، لوجود لجان عاملة ضمن المهرجان، فمثلاً مهرجان الزواج الجماعي في صفوى، يعمل ضمن لجانه المختلفة 850 شخصاً متطوعون من أبناء المجتمع.

كذلك فإنه يشكل مظهراً رائعاً لتعاون المجتمع وتماسكه، وإطاراً مفيداً لتنظيم الطاقات والجهود.

فينبغي تشجيع ظاهرة مهرجانات الزواج الجماعي، وعدم الإلتفات إلى الأفكار السلبية، التي تعتبره خاصاً بذوي الدخل المحدود، وأنه لا يليق بالمتمكنين مالياً أن يتزوجوا ضمن المهرجان، أو أن المتزوج وأهله لا يشعرون بخصوصيتهم حينما يتم الزواج بشكل جماعي. إنها أفكار سلبية تحرم المجتمع من فوائد عظيمة كبيرة، وتكرّس الحالة الطبقية، والأعراف المتكلّفة.
[1]  يماني: الدكتور محمد عبده/ إنها فاطمة الزهراء ص161- دار المنار للنشر والتوزيع – الطبعة الأولى 1996م- بيروت.

[2]  ابن شهراشوب المازندراني: محمد بن علي/ مناقب آل أبي طالب ج3 ص404- الطبعة الثانية 1991م- دار الأضواء- بيروت.

[3]  سورة لقمان/ آية 6. -.

[4]  الموسوعة الفقهية- الكويت ج4 ص90-91.

[5]  سورة الحج/ آية 30.

[6]  سورة الفرقان/ آية 72.

[7]  سورة الفرقان/ آية 72.

[8]  الأنصاري: الشيخ مرتضى/ المكاسب- تحقيق السيد محمد كلانتر ج3 ص159- الطبعة الأولى 1990م- مؤسسة النور- بيروت.

[9]  السيد سابق/ فقه السنة ج2 ص 231-232- دار الكتاب العربي -الطبعة الثالثة 1977م- بيروت.

[10]  الأنصاري: الشيخ مرتضى/ المكاسب- تحقيق السيد محمد كلانتر ج3 ص299- الطبعة الأولى 1990م- مؤسسة النور- بيروت.

[11]  الشيرازي: السيد محمد/ الفقه- المكاسب المحرمة ج1 ص251- الطبعة الأولى 1996م –بيروت.

[12]  الخامنئي: السيد علي/ أجوبة الاستفتاءات/ الجزء الثاني- المعاملات/ مسألة 49-50.