مستحبات ومكروهات العقد
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
هناك أمور يجب توفرها في عقد النكاح ليكون صحيحاً مثل رضا الطرفين، فلو أجري العقد دون رضاهما أو رضا أحدهما، ولم يحصل القبول به، فإنه لا يكون عقداً صحيحاً، ولا تترتب عليه الآثار الشرعية. وكذلك إجراء صيغة العقد اللفظية من الإيجاب والقبول، إلى سائر الأمور و الشروط كما أن هناك أموراً يخلّ حصولها بصحة العقد، فيجب تركها ليكون العقد صحيحاً، كتعليق العقد بشرط أو مجيء زمان، وكالترديد بين شخصين، أو فقدان الموالاة بين الإيجاب والقبول، وماشابه ذلك من منافيات صحة العقد. وقد سبق الحديث في الدروس الماضية عما يجب توفره وما يجب تجنبه لضمان صحة العقد.
المستحبات والمكروهات:
وردت نصوص وروايات بمراعاة بعض الأمور، بفعلها أو بتركها في العقد، لكن لا على سبيل الإلزام، فإذا لم تراع لاتتأثر صحة العقد، وإنما قد تفوت بعض المكاسب والفوائد، أو تحدث بعض الاضرار والخسائر، لذلك جاءت الروايات للتشجيع على مراعاة تلك الأمور من باب الاستحباب أو الكراهة.
والمستحب ما دعا الشارع إلى فعله ولم يلزم به، فإذا فعله المكلف كان له الأجر والثواب، وتحصيل الفوائد المتوقعة، وإذا لم يقم بذلك المستحب، لا إثم ولا عقوبة عليه من قبل الله تعالى،لكنه حرم نفسه من المكاسب المترتبة عليه.
والمكروه ما ردع الشارع عن فعله، مع ترخيصه في ذلك، فإذا لم يجتنب المكلف الأمر المكروه شرعاً، فإنه ليس عليه عقاب ولا إثم، لكنه قد تصيبه بعض الخسائر والأضرار المحتملة مادياً أو معنوياً.
ولأهمية الزواج في حياة الإنسان، ولاهتمام الشارع بإنجاحه، فقد لفت الشارع نظر من يريد الزواج إلى بعض الأمور التي ينبغي مراعاتها من أجل تحقيق أعلى درجة من النجاح، وتلافي أكبر قدر ممكن من احتمالات السوء والفشل.
الإشهاد:
في مذهب الشيعة لا يشترط وجود شاهدين على إجراء عقد الزواج، فلو جرى العقد بين إمرأة ورجل،أو بين وكيليهما، مستجمعاً لسائر الشرائط، فهو عقد صحيح.
لكنه يستحب حضور شاهدين، دفعاً لأي تهمة أو إدعاء،وإثباتاً للحقوق، قال الشيخ محمد حسن النجفي في الجواهر: ((ويستحب الإشهاد في الدائم، بل لعل تركه مكروه)) [1] ورد في حديث عن هشام بن سالم عن الإمام الصادق


الإعلان:
لكي يكون واضحاً بين الناس أن هناك أساساً شرعياً لهذه العلاقة القائمة بين رجل وامرأة عقدا زواجهما، ولإعطاء هذه العلاقة طابعاً احتفائياً يعزز مكانتها في النفوس، أمر الشارع بإعلان العقد على نحو الاستحباب. قال في الجواهر: ((الظاهر استحباب الإعلان بذلك الذي هو أبلغ من الإشهاد، للأمر به في النبوي فعنه


وهو رأي جميع المذاهب الإسلامية، حيث يرى الحنفية والشافعية والحنابلة كراهة العقد في السر، والاتفاق مع الشهود على الكتمان، ويرى المذهب المالكي: أن الاتفاق مع الشهود على كتمان الزواج وإخفائه يبطل الزواج ويوجب فسخه إلاإذا دخل بالمرأة[5] .
الخطبة عند العقد:
للتأكيد على حضور القيم والمبادئ الإيمانية في حياة الإنسان المسلم، وأن حركته وعلاقاته تتم تحت مظلة هذه القيم وفي إطارها، جاء استحباب إلقاء خُطبة – بضم الخاء – أمام العقد، بأن يتحدث العاقد ذاكراً لله تعالى، مورداً الشهادتين والصلاة على النبي وآله، موصياً بتقوى الله، داعياً للزوجين بالبركة، وذلك تأسّياً بما كان يفعله رسول الله

ويكفي منها حمد الله والصلاة على النبي وآله. جاء عن الإمام علي بن الحسين

وفي مصادر أهل السنة كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم وردت خطبة لرسول الله


الوقت المفضّل:
إيقاع العقد يعني التأسيس لحياة زوجية، وعلاقة مصيرية هامة، لذلك ينبغي اختيار أفضل الأوقات لوضع حجر الأساس لهذا البناء المقدس. تحدثت مصادر أهل السنة عن استحباب عقد النكاح يوم الجمعة، قال ابن قدامة الحنبلي: لأن جماعة من السلف استحبوا ذلك، ولأنه يوم شريف، ويوم عيد، وفيه خلق الله آدم


وذكرت المصادر الشيعية استحباب إيقاع العقد ليلاً استناداً للحديث السابق المذكور في المصادر السنيّة، كما استشهدوا بحديث عن الإمام علي الرضا

أوقات مكروهة للعقد:
ذكر فقهاء الشيعة أن هناك أوقات يكره إجراء عقد الزواج فيها، اعتماداً على بعض الروايات الواردة، والتي تشِير إلى أن نسبة احتمال وقوع المشاكل في العلاقة الزوجية تكون مرتفعة حينما يحصل العقد في تلك الأوقات. ومنها:
1- القمر في برج العقرب: ذلك لأن القمر خلال كل شهر يمر ببرج العقرب – حسب تسمية الفلكيين اليونانيين القدماء – يومين وربع يوم فيصادف ليلتين أو ثلاث ليال يذكرها أصحاب التقاويم، لأنها ليست ليال ثابتة، فقد تكون بداية الشهر أو وسطه أو آخره. وقد جاء في رواية عن الإمام جعفر الصادق

2- محاق الشهر: المِحاق والمُحاق – بكسر الميم وضمها – آخر الشهر إذا انمحق الهلال فلم يُرَ، وهي ليلة 28/29/ 30 . حيث وردت رواية مرسلة أنه «يكره التزويج في محاق الشهر» [12] . ورواية أخرى عن الإمام الهادي

3- كوامل الشهر: هناك روايات ذكرتها بعض المصادر الشيعية غير الرئيسية، تصنّف الايام إلى أيام سعيدة، تصلح ظرفاً للأعمال والانشطة المهمة، لأن احتمالات النجاح والتوفيق فيها أكبر، وأيام نحسة، ينبغي ان يتجنب الإنسان فيها القيام بالمهام الحساسة، حتى لا تتأثر بنحوسة تلك الأيام، ويصيبها الفشل، أو تعترضها العقبات.
وبملاحظة تلك الروايات حدّد بعض العلماء تلك الأيام التي اعتبروها نحسة بسبعة أيام هي: الثالث والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرون والرابع والعشرون والخامس والعشرون.
ولم يتبين لي سبب تسميتها كوامل جمع كاملة، إلاّ أن يكون المقصود كتمال احتمالات الضرر والسوء فيها.
ونقل عن السيد رضي الدين بن طاوس في كتابه الدروع الواقية وهو من الكتب المهتمة بهذه الأمور قوله: دلّت الأخبار على التحذير من العمل فيها بأي عمل كان، ولزوم الإنسان بيته، وعدم الحركة لشدة نحوستها [13] بالطبع يصعب تعقّل مثل هذا الكلام وقبوله،فهي سبعة أيام من كل شهر، تمثّل 25% من أيام السنة، فكيف ستكون حالة العمل والإنتاج في مجتمع يتقيّد أبناؤه بمثل هذا التوجيه؟
في المقابل هناك روايات تدعو الإنسان إلى التوكل على الله، والتسلّح بالدعاء، وآيات القرآن، ودفع الصدقة، للاحتماء من المخاوف والخاطر، وعدم التطيّر والتشاؤم، وعدم الاهتمام بما يُثار حول نحوسة بعض الأيام.
1- كحديث سهل بن يعقوب الذي قال للإمام علي الهادي


2- وعن الحلبي عن الإمام جعفر الصادق


3- وعن الإمام جعفر الصادق

4- ويروى عن النبي


ويمكننا أن نفهم من الحديث أن الإنسان إذا تشاءم من أحد الأيام، فإن هذا التشاؤم يخلق لديه إيحاءً نفسياً يكون مبعثاً لقلقه وانزعاجه، ويساعد على هذا المعنى الحديث الوارد عن الإمام جعفر الصادق

5- وفي كتاب وسائل الشيعة خصّص الحر العاملي باباً تحت عنوان: ( باب استحباب ترك التطير والخروج يوم الأربعاء ونحوه خلافاً على أهل الطيرة، وتوكلاً على الله)[19] .
ومن أحاديث ذلك الباب أنه كتب بعض البغداديين إلى الإمام علي الهادي


خلاصة واستنتاج:
صرفت وقتاً في المطالعة حول الأوقات التي يكره فيها إيقاع العقد، وراجعت مختلف المصادر المتوفرة لدي، وتذاكرت مع بعض الفضلاء، لما أراه من اهتمام الناس في مجتمعنا بهذا الموضوع، خاصة وأن مراسيم الزواج أصبحت تستلزم استعدادات مسبقة، من حجز مكان للاحتفال، أو أخذ موعد للعروس في أماكن التجميل، وما أشبه. ولوجود التحسس من الأيام التي ذكر فيها كراهة العقد، مما يخلق تشاؤماً وإيحاءً نفسياً تجاهها، وقد وصلت إلى الاستنتاجات التالية:
1- إجراء عقد الزواج أو الدخول في أي من تلك الايام، لا يترتب عليه إثم من الناحية الشرعية، وإنما هناك روايات وأقوال تحذّر من احتمال حدوث بعض المشاكل والعوائق، إذا حصل الزواج فيها.
2- ولأنها احتمالات فقط فإننا نجد المجتمعات التي لا تسود فيها هذه الأقوال، يحصل فيها الزواج، كما يحصل في غيرها من الأيام.
3- للدعاء وقراءة آيات الذكر الحكيم والصدقة، دور كبير في دفع احتمالات السوء والخطر، بل ورد عنه

4- الروايات الواردة تحدثت حول كراهة إيقاع العقد والقمر في برج العقرب وفي المحاق، أما بالنسبة للأيام السبعة التي يطلق
عليها كوامل فليس هناك روايات تنهى عن الزواج فيها، وإنما استند من ذكر ذلك إلى كونها أيام منحوسة، وهو ليس مبرراً كافيا.
يقول السيد الشيرازي في تعليقه على ماذكره السيد اليزدي في العروة الوثقى من كراهة إيقاع العقد فيها: ولعل مستند المصنف في هذا وفي الأيام المنحوسة، ما ورد من أنها أيام نحسات، لكن لا يخفى عدم التلازم بين الأمرين، كما لا تلازم بين الأيام السعيدة كالجمعة والأعياد وبين استحباب النكاح فيها، كما أنه لا تلازم بين الأماكن المشرفة، أو السيئة كبرهوت وبين استحباب وكراهة العقد فيها.. ولم أجد في هذه العجالة ما يدل على ذلك من الأخبار[22] .
والحمد لله رب العالمين.