الزواج بمتزوجة أو معتدة

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين



يولي الإسلام اهتماماً كبيراً لحماية العلاقات الزوجية، واحترام الكيان العائلي، ويضع سياجاً منيعاً من الحدود والقوانين للمحافظة عليه من أي عبث خارجي، أو تصدع داخلي، من أجل أن تبقى العلاقة بين الزوجين وثيقة قوية متماسكة.

والأحكام الشرعية التالية تبرز جانباً من هذا الاهتمام.

التحادث مع متزوجة حول الزواج:


لا يجوز لرجل أن يبدي لامرأة متزوجة رغبته في الزواج منها، تصريحاً أو تلميحاً، احتراماً وحفاظاً على ارتباطها مع زوجها. وكذلك لو كانت في عدة رجعية لأنها لا تزال على عهدة زوجها، ولإمكانية رجوعه لها. أما لو كانت في عدة بائنة ومنها عدة الوفاة فلا مانع من خطبتها تلميحاً أو تصريحاً.

إن أي تعاط عاطفي مع امرأة متزوجة يتضمن إبداء الرغبة في الزواج منها ولو بشكل غير مباشر، هو محاولة لتخريب علاقتها الزوجية القائمة، وهو أمر محرم شرعاً. وقد يستغل بعض الأشرار وجود مشكلة أو سوء تفاهم بين الزوجين، للتعاطي مع الزوجة على هذا الأساس، بوعدها بالزواج منها، مما يجعلها أكثر تشدداً ونفوراً تجاه زوجها، وذلك خلاف أمر الله تعالى بالسعي لإصلاح ذات البين.

التزوج بمتزوجة:


من الواضح أنه لا يمكن للمرأة شرعاً أن تتزوج أكثر من زوج، في ذات الوقت، ولو تزوج رجل بامرأة متزوجة مع علمه بأنها متزوجة، فالعقد باطل، وتصبح حراماً عليه مؤبداً.

ولو تزوجها وهو لا يعلم أنها متزوجة، ودخل بها، فإنها تحرم عليه مؤبداً أيضاً.

وإذا تزوجها وهو لا يعلم ولم يدخل بها فإن العقد باطل لكنها لا تحرم عليه مؤبداً، بل يستطيع الزواج منها فيما بعد لو انفصلت عن زوجها.

انتهاك الحرمات:


إذا زنى بذات بعل حرمت عليه مؤبداً، فلا يجوز له نكاحها بعد موت زوجها، أو زوال عقدها بطلاق أو فسخ، ولا فرق في ذات البعل بين الدائمة والمتمتع بها، والمدخول بها وغير المدخول بها، والعالمة والجاهلة، ولا فرق في الزاني بين العالم بكونها ذات بعل والجاهل بذلك.

وكذلك لو زنى بامرأة وهي في عدة رجعية فإنها تحرم عليه مؤبداً أيضاً، وهذا هو المشهور عند فقهاء الشيعة، لكن بعض الفقهاء توقف في ذلك كالمحقق الحلي والسيد الخوئي لعدم تمامية الأدلة لديهم [1]  وكذلك الشيخ التبريزي الذي أفتى بالاحتياط الاستحبابي فقط (لو زنى بذات بعل أو بذات العدة الرجعية فالأحوط الأولى أن لا يتزوجها)[2]  .

أما لو كانت في عدة غير رجعية، كعدة البائنة وعدة الوفاة، وعدة الزواج المنقطع وزنى بها، لا تحرم عليه بل يجوز له أن يتزوجها بعد انقضاء عدتها.

ولو زنى بامرأة كانت في العدة ولم يكن يعلم بأنها في عدة رجعية أو بائنة، فمع الشك لا يحرم عليه الزواج منها فيما بعد.

أما لو كان يعلم أنها في عدة رجعية لكنه شك في انقضائها فإنها تحرم عليه مؤبداً لو زنى بها.

العدة امتداد للزوجية:


إذا مات الزوج أو انفصل عن زوجته، فإن عليها أن تعتدّ لفتـرة من الزمـن - ضمن تفاصيـل في أحكامها

وفترة العدة تعتبر امتداداً للعلاقة الزوجية، ويستطيع الزوج أن يستأنف علاقته الزوجية معها إذا كانت العدة رجعية، لذلك لا يصح الزواج من المرأة قبل انتهاء عدتها من زوجها الذي مات أو انفصل عنها. دون فرق بين أن تكون العدة لوفاة أو بائنة أو رجعية، وسواء كان الزواج الذي تعتد منه دائماً أو منقطعاً، أو وطء شبهة.

فلو علم الرجل أو المرأة بأنها في العدة وبحرمة الزواج فيها وتزوج بها حرمت عليه مؤبداً وإن لم يدخل بها بعد العقد. وإن كانا جاهلين بأنها في العدة، أو بحرمة الزواج فيها، وتزوج بها بطل العقد فقط ويمكنه أن يتزوجها فيما بعد.

هذا إذا لم يدخل بها أما إذا دخل بها حتى مع الجهل منهما تحرم عليه مؤبداً.

وقد نص القرآن الكريم في أكثر من آية على احترام فترة العدة بالنسبة للوفاة والطلاق كقولـه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفٌِ [3]  فإن الأمر بالتربص أي الانتظار إنما يعني عدم جواز التزوج في تلك المدة.

ومثل ذلك قولـه تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ [4] .

فتحريم الزواج من المرأة المعتدة هو موضوع اتفاق بين فقهاء المسلمين، لكن التحريم المؤبد لمن تزوج امرأة في عدتها هو مورد اختلاف بين الفقهاء، فقد اتفق فقهاء الشيعة على ذلك إن كان الزوج عالماً أو دخل بها، لنصوص صحيحة لديهم عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، كصحيح الحلبي عن الإمام الصادق أنه قال: « إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحل له أبداً عالماً كان أو جاهلاً، وإن لم يدخل حلت للجاهل ولم تحل للآخر»[5]  .

أما فقهاء السنة (فاختلفوا على رأيين: قال الجمهور: إن الدخول بالمعتدة لا يحرمها عليه، بل إذا انقضت عدتها حل له الزواج بها، لأن الرجل لو زنى بامرأة لا يحرم عليه الزواج بها بالاتفاق، فكذلك لو دخل بها وهي في العدة أو بعدها، لا يحرم عليه الزواج بها بعد انتهاء العدة، ولأن علي بن أبي طالب قال: يفرق بينهما، ثم يخطبها بعد العدة إن شاء. وروي مثله عن ابن مسعود (رضي اللَّه عنه).

وقال المالكية: الدخول بالمعتدة يحرمها على الرجل تحريماً مؤبداً، فيفرق بينهما ولا تحل له أبداً، بدليل ما روى مالك عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار: أن عمر بن الخطاب (رضي اللَّه عنه) فرق بين طليحة الأسدية وبين زوجها راشد الثقفي لما تزوجها في العدة من زوج ثان، وقال: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها، فرّق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم كان الآخر خاطباً من الخطاب، وإن كان دخل بها فرّق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من الآخر، ثم لا يجتمعان أبداً)[6]  .

يتزوجها في عدتها منه:


لو كان متزوجاً بامرأة زواجاً منقطعاً، وانتهت المدة، أو وهبها المدة، جاز له أن يعقد عليها مرة أخرى في عدتها منه.

أما إذا كانت زوجة دائمة، وطلقها طلاقاً رجعياً، فإنه يستطيع العودة لها أثناء العدة، ولا يقع عليها عقد جديد، لأنها لا تزال زوجته.

تصديق المرأة:


يجوز الزواج من امرأة تدعي أنها خلية من الزوج من غير فحص، حتى فيما إذا كانت ذات بعل سابقاً فادعت طلاقها أو موته، نعم لو كانت متهمة في دعواها لزم الفحص عن حالها قبل الإقدام على الزواج منها.




[1]  الخوئي: السيد أبو القاسم/ مباني العروة الوثقى ج1 ص280.
[2]  التبريزي: الشيخ جواد/ المسائل المنتخبة- المعاملات مسألة 985.
[3]  سورة البقرة الآية234.
[4]  سورة البقرة الآية228.
[5]  الحر العاملي: محمد بن الحسن/ وسائل الشيعة- حديث رقم 26067.
[6]  الزحيلي: وهبة/ الفقه الإسلامي وأدلته ج7 ص148.