المحرّمات بالمصاهرة

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين



بين البشر نوعان من القرابة العائلية: نوع يطلق عليه نسب ويشمل الأبوة والبنوة والأخوة وما يتفرع عنها ويرتبط بها، وقد أعطى الإسلام للرضاع اعتباراً مثيلاً لعلاقة النسب، فيما يرتبط بأحكام التزاوج، فهو داخل ضمن إطاره.

والنوع الثاني من القرابة يطلق عليه سبب أو مصاهرة.

والمصاهرة في اللغة مصدر صاهر، يقال: صاهرت القوم إذا تزوجت منهم. قال الأزهري: الصهر يشتمل على قرابات النساء ذوي المحارم وذوات المحارم، كالأبوين، والأخوة، وأولادهم، والأعمام، والأخوال، والخالات، فهؤلاء أصهار زوج المرأة، ومن كان من قبل الزوج من ذوي قرابته المحارم فهم أصهار المرأة أيضاَ. وقال ابن السكيت: كل من كان من قبل الزوج من أبيه أو أخيه أو عمه.. فهم الأحماء، ومن كان من قبل المرأة فهم الأختان، ويجمع الصنفين الأصهار[1] .

وقد تحدث القرآن الكريم عن هذين النوعين من القرابة بقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا [2] .

قال ابن عاشور: الصهر اسم لما بين المرء وبين قرابة زوجه وأقاربه من العلاقة، ويسمى أيضاً مصاهرة لأنه يكون من جهتين، وهو آصرة اعتبارية تتقوم بالإضافة إلى ما تضاف إليه، فصهر الرجل قرابة امرأته، وصهر المرأة قرابة زوجها[3] .

وعلى الصعيد الفقهي: المصاهرة علاقة بين أحد الزوجين مع أقرباء الآخر موجبة لحرمة النكاح إما عيناً أو جمعاً[4] .

التحريم بالمصاهرة:


يحرم بالمصاهرة أربعة أنواع:

1.زوجة الأصل: وهو الأب وإن علا، فتحرم على الابن زوجة أبيه وجده وإن علا، سواء كان جده لأبيه أو لأمه. لقوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً [5] . والأب يطلق على الجد أيضاً وإن علا. فالآية نهي صريح ومشدّد عن الزواج من زوجات الآباء، والذي كان يفعله بعض العرب في الجاهلية، إذا مات الرجل وخلف زوجة وأولاداً، وكان الأولاد من زوجة أخرى ورثوا زوجة أبيهم كما يرثون أمواله، أي أنه كان يحق لهم أن يتزوجوا بها، أو يزوجوها لأحد، فيتصرفوا فيها كما يتصرفون في المتاع والمال. لكن الزواج من زوجة الأب كان ينظر إليه باستياء حتى وصفوه بالمقت أي البغض، فهو زواج ممقوت مبغوض. وقد وضعت هذه الآية حداً لتلك العادة السيئة، وأصبح نكاح زوجة الأب محرماً، أما ما حصل قبل ورود التشريع بالتحريم فهو معفو عنه غير معاقب عليه.

والمحرّم بهذه الآية زوجة الأب فقط، أما بنتها أو أمها فلا تحرم على الابن، فيجوز أن يتزوج الرجل امرأة ويتزوج ابنه بنتها أو أمها.

والتحريم لزوجة الأب يشمل ما إذا كانت زوجة بالزواج الدائم أو المنقطع، وحتى لو لم يكن الأب قد دخل بها فمجرد عقد الزواج عليها يجعلها تحت هذا العنوان، كما لا فرق بين زوجة الأب النسبي والأب من الرضاعة.

2.زوجة الفرع: فلا يصح للرجل أن يتزوج زوجة ابنه، أو زوجة حفيده ابن ابنه، أو زوجة سبطه ابن بنته، مهما بعدت الدرجة، ومجرد العقد كاف في التحريم وإن لم يحصل الدخول، سواء كان العقد بالزواج الدائم أو المنقطع، وهو يشمل زوجات الأبناء بالرضاعة أيضاً.

ويدل على تحريم زوجات الأبناء قولـه تعالى: ﴿ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ [6] .

والحلائل جمع حليلة، وهي الزوجة، سميت حليلة لأنها تحلّ مع الزوج حيث يحلّ، وقيل حليلة بمعنى محلّلّة.

وقيّدت الآية أن يكون الأبناء من الأصلاب، لإخراج الأبناء بالتبني، فلا تحرم زوجاتهم، أما زوجة الابن الرضاعي فهي محرمة استناداً إلى قوله (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم): (( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )).

3.أصل الزوجة: وهي أمها، وأم أمها، وأم أبيها، وإن علت، سوء كانت هذه الأمومة بالنسب أو الرضاع، وهنّ يحرمن على الرجل بمجرد عقده على زوجته حتى وإن لم يدخل بها، كما هو رأي جمهور الفقهاء من السنة والشيعة، وسواء كان العقد لزواج دائم أو منقطع، وسواء كانت الزوجة صغيرة أم كبيرة.

وذلك لقوله تعالى: ﴿ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [7] .

4.فروع الزوجة المدخول بها، فإذا عقد الرجل على امرأة عقداً دائماً أو منقطعاً، ودخل بها، حرمت عليه بناتها، وبنات أبنائها، وبنات بناتها، أما إذا فارق زوجته قبل الدخول بها جاز له أن يتزوج من بناتها يقول تعالى: ﴿ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [8] .

والربائب جمع ربيبة، وهي بنت الزوجة من رجل آخر، وسمّيت بذلك لأن زوج الأم يربيها أي يقوم بأمرها. وإنما قال تعالى: ﴿ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ لأن الشأن الغالب في بنت الزوجة أن تكون مع أمها، فتصبح تحت رعاية زوج أمها، لكن ذلك ليس قيداً، فبنت الزوجة المدخول بها محرّمة على الزوج، وإن لم تتربى في حجره وتحت رعايته.

ويلاحظ أن حرمة المصاهرة في زوجة الأب، وزوجة الابن، وأم الزوجة تتحقق بالعقد وحده، أما في بنت الزوجة فالتحريم يترتب على الدخول. لذا اشتهر عن الفقهاء قولهم: (العقد على البنات يحرّم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرّم البنات).

الجمع بين الأختين:


لا يجوز الجمع في النكاح بين الأختين نسبيتين كانتا أم رضاعيتين، سواء تزوجها بالنكاح الدائم أو المنقطع، أو إحداهما بالدائم والأخرى بالمنقطع، ولو تزوج بإحدى الأختين، ثم تزوج بالأخرى، بطل الزواج الثاني دون الأول، ولو تزوج بهما في لحظة واحدة، ضمن عقد واحد، أو بعقدين منه ومن وكيله، أو من وكيليه، بطل العقدان معاً.

نعم يصح له أن يتزوج أخت زوجته، إذا ماتت زوجته، أو طلقها وخرجت من عدتها إن كان الطلاق رجعياً، أما إذا كان الطلاق بائناً، كالطلاق الثالث، أو لم يكن عليها عدة كالصغيرة وغير المدخول بها، جاز له أن يتزوج أختها بعد الطلاق فوراً.

يقول تعالى: ﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ [9] .

زواج بنت الأخ والأخت مع العمة والخالة:


إذا تزوج الرجل امرأة لا يصح له أن يتزوج عليها بنت أخيها أو بنت أختها، إلا بإذنها، من دون فرق بين النكاح الدائم والمنقطع، فلو تزوج بنت الأخ، أو بنت الأخت دون رضا زوجته التي هي عمتها أو خالتها، توقفت صحة الزواج على رضاها، فإن أجازت وإلا بطل الزواج.

وسواء كانت العمة أو الخالة مباشرة أو غير مباشرة كعمة الأب وخالته، وسواء كانت نسبية أو رضاعية.

وإذا أذنت العمة أو الخالة ثم رجعت عن الإذن، فإن كان الرجوع عن الإذن قبل العقد لا يصح العقد، وإن كان بعد العقد فلا أثر لذلك ويكون الزواج صحيحاً.

ويصح له أن يتزوج بنت أخ زوجته أو بنت أختها، إذا ماتت زوجته، أو طلقها، فإذا كان الطلاق بائناً جاز له فوراً، وإن كان رجعياً جاز له بعد انتهاء عدتها. لكنه يجوز نكاح العمة على بنت أخيها والخالة على بنت أختها دون حاجة إلى استئذان.

هذا في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) حيث ورد عن الإمام محمد الباقر قولـه: « لا تزوج ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على العمة ولا على الخالة إلا بإذنهما وتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما » [10] . وأحاديث أخرى عديدة بنفس المضمون. أما في مذاهب أهل السنة فقد اتفقوا على حرمة الجمع بين بنت الأخ وعمتها وبنت الأخت وخالتها، ولا اعتبار لإذنهما، وذلك لحديث ثبت عندهم عن أبي هريرة: أن رسول الله (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم) « نهى أن تنكح المرأة على عمتها، أو العمة على بنت أخيها، أو المرأة على خالتها، أو الخالة على بنت أختها »، وعليه الأئمة الأربعة[11] .

[1]  وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- الكويت/ الموسوعة الفقهية ج37 ص367.
[2]  سورة الفرقان الآية54.
[3]  ابن عاشور: محمد الطاهر/ تفسير التحرير والتنوير ج19 ص55.
[4]  السيستاني: السيد علي/ منهاج الصالحين- المعاملات/ القسم الثاني ص57.
[5]  سورة النساء الآية22.
[6]  سورة النساء الآية23.
[7]  سورة النساء الآية23.
[8]  سورة النساء الآية23.
[9]  سورة النساء الآية23.
[10]  الحر العاملي: محمد بن الحسن/ مسائل الشيعة ج20 ص487 حديث رقم 26159.
[11]  وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- الكويت/ الموسوعة الفقيه ج36 ص223.