زواج الثيب

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين



1- أجمع فقهاء الشيعة على استقلال الثيّب مع البلوغ والرشد بأمر زواجها، وأن لا ولاية لأحد عليها، ولا تحتاج إذناً من أحد، وذلك لأن الولاية خلاف الأصل يخرج منها ما ثبت استثناؤه فقط، ولورود (النصوص الكثيرة التي كادت تكون متواترة السالمة عن المعارض المعتد بها)[1]  فقد سئل الإمام جعفر الصادق عن المرأة الثيب تُخطب إلى نفسها، فقال: «هي أملك بنفسها تولّي من شاءت إذا كان كفواً بعد أن تكون قد نكحت زوجاً قبل ذلك»[2]  وفي حديث آخر عنه :«فإذا كانت ثيباً فهي أولى بنفسها»[3] .

نعم يستحب لها أن تستأذن أباها أو جدها، وإن لم يكونا فأخاها، وإن تعدد الأخ قدمت الأكبر.

ويوافق الشيعة على ذلك فقهاء الحنفية لأنهم يرون نفاذ نكاح البالغة الرشيدة بكراً كانت أم ثيباً بلا رضا ولي.

2- أما جمهور أهل السنة من المالكية والشافعية والحنابلة فيرون أن النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها، فإن فعلت ولو كانت بالغة عاقلة رشيدة، لم يصح النكاح، ويستدلون بحديث عائشة وأبي موسى وابن عباس أن النبي قال: «لا نكاح إلا بولي»[4] .

ولا فرق في ذلك بين البكر والثيب، حيث لابد من الولي، إلا أن الثيب يجب استئذانها وإحراز رضاها، أما البكر فيستحب استئذانها[5] .


تعريف البكر و الثيب:


البكارة: (Virginity)العَذارة، والبكر أول كل شيء، وكل فعلة لم يتقدمها مثلها، ويقال للرجل بكراً إذا لم يقرب النساء، والمرأة البكر أو العذراء في الاصطلاح هي المرأة التي لم تُجامع، وعلامتها غشاء البكارة الذي يكون في القُبُل.

علماً بأن زوال غشاء البكارة ليس دوماً دليلاً على الجماع، فقد يحصل بسبب مرض أو رضّ، وقد تولد بعض البنات دون غشاء بكارة في حالات نادرة، وقد يتمزق بسبب وثبة أو حركة خاطئة وما أشبه[6] .

والعذراء: المرأة التي لم تزل بكارتها بمزيل. فالعذراء ترادف البكر لغة وعرفاً، وقد يفرقون بينهما، فيطلقون العذراء على من لم تزل بكارتها أصلاً.

والثيوبة: زوال البكارة بالوطء.

والثيب لغة: ضد البكر، فهي التي تزوجت فثابت، وفارقت زوجها بأي وجه كان، وعن الأصمعي أن الثيّب: هو الرجل أو المرأة بعد الدخول.

والثيب والبكر ضدان[7] .

والثيوبة مصدر صناعي من ثاب يثوب إذا رجع، ويقال للإنسان إذا تزوّج ثيب، وإطلاقه على المرأة أكثر، لأنها ترجع إلى أهلها[8] .


التحديد الفقهي:


3- وقد اختلف الفقهاء في تحديد الثيوبة، والتي يترتب عليها استقلال المرأة برأيها في الزواج، وارتفاع ولاية الولي عنها، عند من يقولون بذلك، طبعاً مع اتفاقهم على أن مجرد ذهاب غشاء البكارة بوثبة أو مرض أو ما أشبه لا ينافي البكارة، وأبرز الآراء ما يلي:

1- إن الوطء (الجماع) هو مقياس الثيوبة، فإذا حصل ذلك للمرأة سواء كان بنكاح شرعي أو شبهة أو بممارسة حرام، تصبح ثيباً، وإن لم تعرض للوطء فهي بكر.

وقد ذهب إلى ذلك جمع من فقهاء الشيعة كصاحب الجواهر حيث قال: الثيب التي قد ذهبت بكارتها بالوطء ولو من زناً أو شبهة قبل البلوغ وبعده[9] .

وهو رأي السيد الخوئي والسيد الشيرازي والشيخ التبريزي من المعاصرين.

على أساس أن (الذي يظهر من اللغة ويساعد عليه العرف أن البكر هي التي لم يدخل بها، وهو المستفاد من قوله تعالى:
﴿ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا [10] . بضميمة قوله تعالى: ﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ
جَانٌّ
[11] ، فإن من الواضح أن الآية الثانية ناظرة للأولى وبصدد تفسير ما ورد فيها من وصف حور الجنة بالأبكار -كما يظهر ذلك جلياً من الآيات المتقدمة والمتأخرة عن الآيتين المذكورتين-.

هذا كله مضافاً إلى صراحة صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال:( سألته عن الرجل هل يصلح له أن يزوج ابنته بغير إذنها؟ قال: «نعم ليس يكون للولد أمر إلا أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك، فتلك لا يجوز نكاحها إلا أن تستأمر») في أن المرأة التي لا تحتاج إلى إذن أبيها في صحة النكاح إنما هي التي دخل بها فإنه لم يعتبر في اعتبار استئمار المرأة إلا الدخول بها من غير تعرض لاعتبار كون ذلك عن زواج صحيح)[12] .

وكذلك قال الحنابلة: الثيّب هي الموطوءة في القبل سواء كان الوطء حلالاً أو حراماً وهذا مذهب الشافعي أيضاً[13] .

2- أن الثيوبة إنما تكون بوطئ الزوج، أمّا الوطء عن زنا فلا يسلب حكم البكارة عنها، وممن يذهب إلى ذلك من فقهاء الشيعة السيد الحكيم حيث قال في المستمسك: ( لا ينبغي التأمل في أن الثيبوبة تتحقق بزوال البكارة بوطء أو غيره. وحينئذ فإن أخذ بإطلاق الثيب والبكر كان اللازم إلحاق زوال البكارة بالوثبة ونحوها بالثيبوبة، لصدقها حقيقة. وإن بني على تقييد الإطلاق بالنصوص المتقدمة فهي مختصة بالمتزوجة. وحملها على الغالب في هذه الجهة دون غيرها تفكيك لا يساعد عليه العرف. فإذاً المتعين البناء على التقييد في الأمرين معاً. وحينئذ يتعين في زوال البكارة بالزنا والشبهة الإلحاق بالبكر)[14] .

وإلى ذلك ذهب الحنفية والمالكية على المشهور فقالوا: إن الثيب هي الموطوءة في القبل إذا كان الوطئ حلالاً[15] .

3- ويرى السيد اليزدي: أن مجرد عقد الزواج يسلب البكارة وتصبح ثيباً، (فإذا تزوجت ومات عنها أو طلقها قبل أن يدخل بها لا يلحقها حكم البكر)[16] .


الزواج بالثيّب:


صحيح ان هناك روايات تشجع على اختيار الزوجة البكر، لكن هناك روايات كثيرة تشير الى الاهتمام بالمواصفات والجوانب الأخرى في شخصية الزوجة، مثل كونها كريمة الاصل، وتميزها في تدينها واخلاقها، وكونها ولوداً، مما يعني أن الزواج من امرأة ثيّب لوجود صفات مرغوبة أمر جيد، وحينما يتحدث القرآن الكريم عن تعويض الله تعالى للنبي محمد بزوجات غير زوجاته، بعد أن حصل من بعضهن اساءة له ، كما تشير آيات سورة التحريم، فإن الله تعالى يذكر المواصفات المعنوية لتلك الزوجات، ولا يولي مسألة البكارة أهمية، بل إن الثيب والبكر خياران متساويان يقول تعالى: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [17] . ومعروف ان اكثر زوجات رسول الله ثيبات بل لم يتزوج بكراً غير ام المؤمنين عائشة على المشهور، وكذلك تزوج امير المؤمنين على ابن ابي طالب باسماء بنت عميس، بعد ان ترملت من زوجين جعفر بن ابي طالب، والخليفة ابي بكر.

وما نلحظه في مجتعاتنا من بقاء الارملات دون زواج لعزوفهن او لعزوف الرجال عن الزواج بهن امر خاطئ، خاصة اذا كانت المرأة ذات مواصفات جيدة، وفي مقتبل عمرها، وكونها ثيباً قد يكون نقطة قوة، لاكتسابها خبرة وتجربة في الحياة الزوجية والعائلية.



[1]  النجفي: الشيخ محمد حسن/ جواهر الكلام ج10 ص451.
[2]  الحر العاملي: محمد بن الحسن/ وسائل الشيعة، ج20 ص 268، حديث رقم 2559.
[3]  المصدر السابق/ حديث رقم25606.
[4]  ابن قدامة الحنبلي: عبدالله بن احمد بن محمد/ المغني ج9 ص345 / الطبعة الثانية1992 هجر للطباعة، القاهرة.
[5]  المصدر السابق ص405-406.
[6]  كنعان: الدكتور احمد محمد/ الموسوعة الطبية الفقهية ص154.
[7]  الموسوعة الفقهية- الكويتية ج8ص176.
[8]  المصدر السابق ج15 ص65.
[9]  النجفي:محمد حسن/ جواهر الكلام ج10 ص451.
[10]  سورة الواقعة الآية 35-36.
[11]  سورة الرحمن الآية56.
[12]  الخوئي: السيد أبو القاسم، مباني العروة الوثقى/ كتاب النكاح ج2 ص270-272.
[13]  ابن قدامة: عبدالله بن احمد بن محمد/ المغني ج9ص410.
[14]  الحكيم: السيد محسن/ مستمسك العروة الوثقى ج14ص450.
[15]  الموسوعة الفقهية_ الكويت ج15 ص66.
[16]  اليزدي: السيد محمد كاظم/ العروة الوثقى_ أولياء العقد_ مسألة2.
[17]  سورة التحريم الآية5.