الإسلام والرعاية الصحية

الشيخ حسن الصفار *

قال تعالى:

﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ[1] .

الإنسان المؤمن يجب أن يكون دائم الذكر لله سبحانه وتعالى، ودائم الارتباط والاتصال به؛ لأنه يعتقد أن كل شيء في هذا الكون وفي هذه الحياة هو من الله وبيده سبحانه وتعالى. ولذلك فكل شيء يذكِّره بالله تعالى.

يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه أنه قال: «ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبل وبعده ومعه».

كل شيء يذكر الإنسان بالله، ولهذا جاءت النصوص والروايات تحث الإنسان المؤمن أن يذكر الله تعالى في كل حال من الأحوال.

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [2] .

ويقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ[3] .

وفي رواية أن نبي الله موسى على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام قال: «يا رب إني أكون في حال أجلك أن أذكرك فيها» كما لو كان الإنسان في حال قضاء الحاجة والتخلي، فجاءه النداء من الله تعالى ﴿اذكرني على كل حال[4]  فذكر الله حسنٌ في كل حال من الأحوال.

والإنسان المؤمن إذا أراد أن يأكل يذكر الله، ينتهي من الطعام يذكر الله، وكذا في الشرب، وكذا إذا أراد أن يدخل في مكان أو يخرج منه، أو ينام أو يستيقظ من النوم، بل في كل حال من الأحوال.

ولدينا نصوص وأوراد وأدعية تذكر الإنسان المؤمن بالله سبحانه وتعالى، وذلك لأن كل شيء بيد الله.

وثانياً لأن ارتباط الإنسان المؤمن بالله يدفعه نفسياً ويرفع معنوياته ويمنحه الاطمئنان ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [5] .

وثالثاً أن ذكر الإنسان لربه ليس مجرد تحريك للسان وإنما هو حضور لربه تعالى في قلبه وفي أحاسيسه ومشاعره فيراقب الله في أعماله وتصرفاته، فيراعي أوامره ونواهيه.

جاء رجل إلى رسول الله فقال: «أريد أن أكون من أخص الناس إلى الله فهل هناك وسيله لأصبح من أخص الناس إلى الله؟ قال: نعم، أكثر من ذكر الله تكن من أخص الناس إلى الله».

وفي حديث آخر عن النبي أنه قال: «إن أحبكم إلى الله جل ثناؤه أكثركم ذكراً له، وأكرمكم عند الله عز وجل أتقاكم»[6] .

الآيات التي بدأنا بها تتحدث عن نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام ينسب فيها كل شيء إلى الله عز وجل، فهو سبحانه وتعالى الخالق، وهو أعلم بمصالح العباد فيهديهم إلى سبيل الرشاد، ﴿ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ([7].

وهو يهيئ للإنسان الرزق الحلال ويطعمه من نعمه، فهو عز وجل يسهل أسباب الحصول على الرزق، لأنه السبب الحقيقي لحصول الإنسان على طعامه. وأخيراً تأدباً لم ينسب حصول المرض إلى الله عز وجل، فقال: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ بل نسبه إلى نفسه، وما ذلك إلا نوع من الأدب مع الله رغم أن كل شيء بيد الله ومنه المرض والصحة.

ويقول بعض العلماء الآن: إن الأمراض غالباً ما تحصل نتيجة خلل وتوجد بسبب الإنسان نفسه وبسبب الظروف المحيطة به، ولذلك لم ينسبها إلى الله سبحانه وتعالى في هذه الآية.

والحديث حول المرض والشفاء يسوقنا إلى الحديث عن الرعاية الصحية في الإسلام.

الرعاية الصحية:


وهنا سؤال:
هل في الإسلام رعاية صحية؟

وهل الرعاية الصحية من اهتمامات الدين حتى نشغل بها منبرنا الديني؟

الجواب: نعم.

نجد نصوصاً كثيرة واردة عن النبي وآله عليهم جميعاً أفضل الصلاة السلام، وهي تتحدث حول موضوع الصحة والمرض والعلاج والطب، ولو قرأنا حياة كل إمام من الأئمة لوجدنا قسماً من أحاديثه ورواياته في الطب. وقد طبعت كتب كثيرة حول الطب النبوي، وحول الطب العلوي، (طب الإمام علي بن أبي طالب ) وكذا بقية الأئمة عليهم السلام.

ومع كثرة الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في الطب ووصف العلاج لبعض الأمراض إلا أنه ينبغي مراعاة أمور:

1- نحن بحاجة إلى ملاحظة الروايات وفهمها جيداً، والتدقيق في سندها.

2-لا مانع من العمل بالروايات ذات المضامين الطبية العامة، أما الروايات التي تصف دواءً لأمراض قد تختلف من شخص لآخر، فنحن بحاجة إلى فهماً جيداً وملاحظة الفروق، بل هناك حاجة ماسة إلى استشارة مختصين في هذا المجال. وذلك للاختلافات التي قد تكون بين الأشخاص، وما يكتنف الحالة التي وصف لها الإمام الدواء من خصوصيات معينة لا نعلمها.

وهذه الروايات الكثيرة الواردة حول الطب وحول الصحة والمرض تؤكد عناية الإسلام بالرعاية الصحية.

هذا جانب ومن جانب آخر نقلت لنا كتب السير أن رسول الله جعل قسماً من مسجده كمستشفى، يعالج فيه الأطباء المرضى.

ويؤكد هذه الرعاية عناية الإسلام بأن يكون أتباعه أقوياء «إن الله يحب المؤمن القوي» وذلك ليكونوا قادرين على أداء وظائفهم وواجباتهم، قادرين على مقابلة الأعداء. والمراد القوي في كل شيء، في إيمانه وفي جسمه، أما إذا كان مريضاً وضعيف الجسم فإنه لا يستطيع أن يواجه ويقابل الأعداء.

لذلك يهتم الإسلام بهذا الجانب، ولذا جاءت تشريعات كثيرة في الإسلام لحماية صحة الإنسان.

يقول تعالى: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبائث [8] .

فلماذا أحل الله أموراً وحرم أخرى؟ فيحرم الخمر والزنى ولحم الخنزير وغيرها؟

هذا التحريم يرتبط بمصلحة الإنسان وصحته لما في ذلك من أضرار عليه كما كشف بعض جوانبها العلم الحديث.

وقد جاءت نصوص كثيرة حول أهمية الصحة والعافية، فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه يقول: «الصحة أفضل النعم».

ويقول الأمام الصادق : «النعيم في الدنيا الأمن وصحة الجسم وتمام النعيم في الآخرة دخول الجنة». النعيم في الدنيا الأمن بأن يعيش الإنسان آمناً على نفسه وعرضه وماله، وصحة الجسم من النعيم في الدنيا.

وورد في الحديث عن النبي : «أفضل ما سئل الله به أن سئل عن العافية، فاطلبوا من الله العافية».

جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله علمني (أفضل دعاء أدعو به) قال:« اطلب من الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة». وجاء في اليوم الثاني: يا رسول الله علمني أفضل دعاء، فقال له نفس الدعاء، وجاء في اليوم الثالث أيضا بنفس الطلب، وفي اليوم الرابع قال له:« يا هذا إذا أعطاك الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة ففي ذلك فلاحك، ماذا نريد أكثر من ذلك».

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :«العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان»[9]  فجعل الإمام علم الأبدان إلى جانب علم الأديان.

ما هي أبعاد الرعاية الصحية في الإسلام؟

بعد أن علمنا أن الإسلام يهتم بالجانب الصحي في حياة الإنسان فما هي أبعاد هذا الاهتمام وهذه الرعاية ؟

أولاً: الصحية النفسية:
يركز الإسلام على الصحة النفسية وعلى صحة الروح والعلم أيضاً يؤكد على أن للنفس انعكاسا مباشراً واضحاً على جسم الإنسان فمتى ما كان الإنسان سليماً نفسياً كان أكثر صحة من الناحية الجسدية وكذلك العكس. لأن هناك تفاعلاً وارتباطاً واضحاً بين الروح والجسد.

وقد ظهر مصطلح [الأمراض النفس جسمية] ويطلق عليها أيضاً [اسيلكوماتية] وهو لغة الأمراض ذات الجذور والأسباب النفسية.

ويقول المهتمون بهذا الجانب إن 47% من الأمراض التي يصاب بها الناس لها أسباب نفسية، لذلك كلما تكون الحالة النفسية عند الإنسان أفضل تكون صحته أفضل.

كيف تكون الحالة النفسية أفضل؟ يتحقق ذلك بالارتباط بالله سبحانه وتعالى، وبأخلاق الإسلام وتعاليمه، فالإنسان المرتبط بالله معنوياته عالية ونفسه مطمئنة فمتى واجهته مشكلة في هذه الحياة فإنه على علم بأنّ الله سيعينه فيها. ولذلك ترى الإنسان المؤمن مطمئناً متفائلاً لا يعرف اليأس طريقاً إلى قلبه، وما اليأس إلا لضعف إيمان الإنسان، والمؤمن لا يكون يائساً، وإنما يكون أمله كبير في الله سبحانه وتعالى تجاه أي مشكلة أو حادث أو قضية؛ لذلك معنويات الإنسان المؤمن تكون رفيعة، وهذا يؤثر على صحة الإنسان المؤمن.

بعض الناس تسود الدنيا في عينه بمجرد أن يصيبه مرض بسيط، فتضطرب نفسه وينهار وينهزم أمام المرض أو مشكلة تصيبه كما تحدثنا عن الماديين الذين يلجئون إلى الانتحار تجاه أي مشكلة تواجههم. لكن الإنسان المؤمن قلبه مطمئن بالله مهما تصيبه من مشاكل أو تتعرض له من قضايا.

لا يعني ذلك عدم السعي للعلاج والخلاص، وإنما يسعى مع معنويات رفيعة؛ لذلك الحالة الإيمانية قدرة ومقاومة حتى للأمراض الجسمية التي يعانيها، وهذا لاحظه كثير من الأطباء فقالوا أن الإنسان عبر التدين والإيمان بالله يستطيع مقاومة العدوى بالكثير من الأمراض. والعقبات والصعوبات تحتوى دائما بذكر نعم الله وبذكر رحمته يقول أحدهم: أشد الأيام علي أني في يوم من الأيام أصبحت وأريد الذهاب إلى المسجد فلم أجد من الفقر حذاء ألبسه فتأثرت وجئت إلى المسجد حافياً، ووجدت على باب المسجد إنساناً قد قطعت رجله، ففكرت في نفسي أنا ليس عندي حذاء فأشعر بالأذى وهذا الرجل قطعت رجله فحالي أفضل من حاله، فتوجه إلى الله وشكره سبحانه وتعالى على نعمه.

الإنسان المؤمن وإن فقد شيئاً، أو أصابه نقص، أو تعرض لمشكلة فإن ذلك لا يسيطر على نفسه، وإنما يلتفت إلى جانب النعم التي أنعمها الله سبحانه وتعالى عليه.

نبي الله أيوب كما في رواية مفصلة لا مجال لذكرها أصابته مختلف الابتلاءات، تأتيه الناس تعاتبه فيما أصابه وتسأله: لماذا لا تطلب من الله أن يرفع عنك هذا البلاء. وتأتيه زوجته وتطلب منه أن يرى ما آل إليه حالهم ليرجوا الله في خلاصهم فيقول:« لقد مرت علينا 70 سنة ونحن نعيش في رخاء ألا نصبر 7 سنوات ونعيش في البلاء».

الإنسان المؤمن هكذا تكون نفسيته هذا أولاً وثانياً المحيط الاجتماعي الذي يعيشه الإنسان له تأثير على صحته أيضاً لأن قسماً كبيراً من الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان هي نتيجة العلاقات غير السليمة وغير السوية في المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الإنسان المؤمن.

المجتمع المؤمن يتعامل أبناؤه مع بعضهم البعض بود واحترام وتقدير وبالتالي يمتص الواحد منهم آلام الثاني، ومشاكله.

وفي بعض الأحيان الناس هم يسببون المرض لبعضهم، يخرج المرء من بيته ليس به شيء ولا مشكلة لديه يواجه شخصاً في الشارع أو في العمل أو في المدرسة أو في أي مكان يفتعل معه مشكلة يعكر عليه راحته وصفو حياته.

إذا كان الإنسان يتعامل مع الناس باحترام وتقدير والناس يبادلونه هذه المعاملة فإنه يعيش في سعادة وراحة من قسم كبير من المشاكل النفسية والأمراض.

وقد حثت تعاليم الدين قرآناً وسنة على معاملة الناس بالحسنى فعلاً وقولاً ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ وفي آية أخرى﴿ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا، وفي آية ثالثة﴿ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا في الحديث عن رسول الله قال (الكلمة الطيبة حسنة) الكلمة الطيبة صدقة مع زوجتك، مع أبناءك، مع جارك، مع الذين يتعاملون معك، اجعل لسانك طيباً لأنك لا تدري كم كلمة ممكن تجرح مشاعر الطرف الآخر.

مررت بمزارع في إحدى البلدان عنده نتاج مزرعته يبيعه، فمر به شخص فأراد أن يشتري لكنه لم تعجبه البضاعة أو وجد السعر غالياً فأمطر المزارع بالكلمات الجارحة ذماً له ولبضاعته، فتبرم المزارع من ذلك قائلاً: إن كان لا يريد الشراء فليذهب ولا حاجة لإيذاء الناس وجرح مشاعرهم.

وهذا الحال متعارف فعندما يريد شخص أن يشتري بضاعة حتى يقلل سعرها يذم تلك البضاعة وهذا أمر مكروه شرعاً، من لا يريد أن يشتري لا يشتري، أما يذم أو يقول كلمة جارحة فلا؛ لأن هذه تؤثر في نفس البائع، لأنه إنسان عنده مشاعر وأحاسيس، ينبغي أن نراعي مشاعر بعضنا البعض لا نجرح عواطف بعضنا البعض، بل نقول الكلمة الطيبة، في لا تسبب لنا ضرر ما، الكلمة الطيبة صدقة، بينما الكلمة السيئة إثم يحاسبك الله سبحانه وتعالى عليه.

وقد أدرك آباؤنا سوء العلاقة الاجتماعية على صحة الإنسان ولذا إذا تأذى الواحد منهم من جاره مثلاً، أو من زبون عنده، أو من ولده، يقول: (انا زين ليش فلان امرضني) هذه الكلمة حقيقية لأن العلاقات السيئة تمرض.

فالمجتمع الذي يعيش علاقات سليمة بين الحاكم والمحكوم، بين رب العائلة والعائلة، بين الناس بعضهم البعض، هؤلاء تكون نفسياتهم طيبة وتكون الأمراض بينهم أقل. بينما إذا كانت العلاقات سيئة، كل واحد يعاني من الطرف الآخر، فهذا يساعد على انتشار الأمراض النفسية، ويساعد على ضعف مناعة الأجسام تجاه الأمراض الجسمية هذا هو البعد الأول.

ثانياً: الوقاية من الأمراض:
البعد الثاني جانب الوقاية من الأمراض، وكما هو معلوم (درهم وقاية خير من قنطار علاج) الإنسان ينبغي أن يعيش أجواء وقائية تحميه من الأمراض.

الوقاية أفضل من العلاج، حاول أن لا تمرض، لأنك إذا مرضت تطلب العلاج. الأفضل أن تجنب نفسك أسباب الأمراض.

كيف تجنب نفسك أسباب المرض؟


أولاً: البيئة النظيفة:
الإنسان إذا عاش في بيئة نظيفة، هذا عامل مساعد للصحة، ويقلل من الأمراض، لذلك يأمرنا الإسلام بالنظافة ورد في الحديث (النظافة من الإيمان) فعلاً النظافة من الإيمان، وعلى الإنسان المؤمن أن يهتم بنظافة جسمه، ونظافة بيئته.

فمن الظواهر السلبية أن يبصق الإنسان في الشارع، وأن لا توضع القمامات والقاذورات في مكانها الطبيعي. هذه مظاهر غير حضارية ومخالفة للذوق والآداب الإسلامية تراه ماشياً في السيارة يشرب عصيراً أو غيره ينزل النافذة ويرمي العلبة الفارغة في الشارع هذا ليس عنده ذوق أو ليس ملتفتاً، لماذا يصدر عنه هذا التصرف، أو يرمي المنديل الورقي في الشارع، هذا خطأ.

ومن المظاهر المخالفة للذوق وللأدب إذا مررت بعض الأحيان على (الكورنيش) صباح يوم الخميس أو يوم الجمعة أو يوم السبت ترى الأماكن المخصصة لرمي الفضلات لكن بعض الناس ليس لديه خلق يدعوه لرميها في أماكنها المخصصة، أو ربما ليس لديه قوة العضلات ليحملها إلى الأماكن الخاصة بها. ولذلك ترى حالة غير إيجابية وغير سليمة في هذه الأماكن العامة.

نظافة البيئة شيء مطلوب من الإنسان، والإنسان المسلم يجب أن يكون عنده ذوق رفيع ويكون متحضراً.

ثانياً: الابتعاد عن مسببات الأمراض:
مثل التدخين الذي أكثر الأطباء في الحديث حوله، وأنه من مسببات الأمراض، وسنرى بعض نتائج تعاطيه فحسب تقارير منظمة الصحة العالمية يبلغ عدد ضحايا التدخين سنوياً 10 ملايين إنسان، 70% منهم في العالم الثالث، وتعتبر المملكة من بين 15 دولة تستورد أكبر كمية من التبغ هي الدولة الرابعة، فيومياً تستهلك المملكة 47 مليون سيجارة، ولدي أيضاً تقرير من مركز الرعاية الصحية في القطيف حسب دراسة ميدانية يقول أن نسبة ميزانية الذكور المدخنين عندنا في المنطقة 20% ونسبة النساء المدخنات13,5% من اللواتي يستخدمن (القدو).

ثالثاً: التغذية الصحية:
مسألة التعامل مع الغذاء نوعية وكمية هامة جداً. لماذا تأكل؟ ولماذا تشرب؟ من أجل أن تعيش ومن أجل أن تحيى. بعض الناس بالعكس يعيش ليأكل ويشرب. ولذلك لا يراعي صحته في طعامه وشرابه من حيث كمية الطعام ومن حيث نوعيته، ولهذا كثير من أمراض العصر انتشرت بسبب سوء التغذية.

فالإنسان هو الذي يجلب لنفسه هذه الأمراض، فيؤتى من قبل شهوة البطن.

ومن اللطائف في هذا الشأن يقال: إن رجلاً كان يرغب في الطعام وإذا رأى أو سمع أن في أي مكان أكلاً يذهب إليه مسرعاً، وفي يوم من الأيام رأى طابوراً على باب الإمارة هيئاتهم حسنة وكانوا مجموعة من الزنادقة قد حكم عليهم بالإعدام، هذا رأى هيئاتهم حسنة فظنهم مدعوون إلى وليمة في قصر الإمارة فاحتال ليقف معهم، فدخل معهم وإذا شرطة وجنود وأحكام بالإعدام، تقدم إلى رئيس الشرطة وقال له: يا طويل العمر أنا لست منهم، لقد حسبتهم مدعوين على طعام، فأجابه رئيس الشرطة هذا الكلام لا يفيد، أنت معهم وكلهم محكوم عليهم بالإعدام. يا جلاوزة قدموه واضربوا عنقه، فعندما سمع هذه الكلمة (اضربوا عنقه) قال له: عندي طلب واحد، قال له: ماذا؟ قال: قل: لهم يضربوا بطني، لأنه سبب محنتي.

في كثير من الأحيان يردي الإنسان نفسه ببطنه. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : «رب أكلة منعت أكلات» فينبغي للإنسان أن يحافظ على نفسه ويراعي نوعية الطعام الذي يأكله فيتجنب الدهون الكثيرة والسكريات الكثيرة حتى بالنسبة إلى أطفالنا ومع الأسف نحن نترك أطفالنا يأكلون كل شيء ويشترون كل شيء مع وجود تقارير وحقائق أن كثير من الأطعمة المصنعة تدخل فيها مواد كيماوية ومواد حافظة ومثبتة وألوان ونكهات وقسم كبير منها مضر لصحة الأطفال.

مراكز الرعاية الصحية تقول: بين 70% إلى 80% من الأطفال في القطيف في المدارس الابتدائية يعانون من سوس الأسنان وأهم الأسباب هو تناول الحلويات بدون ضبط وبدون ترشيد يعطى الطفل 5 أو 10 ريالات ويذهب إلى البقالة ماذا يأكل لا نعلم. فينبغي أن ننبه أولادنا ونرشد سلوكهم الغذائي.

هناك إحصائية تقول إن نسبة الإصابة بالسمنة في المملكة هي 40% والسبب هو الغذاء غير المناسب فقبل 10 سنوات كان المصابون بالسكري في المملكة 5% والآن بلغت نسبتهم 13,5%.

ثالثاً: النشاط والحركة:
إذا كان الإنسان يتناول الطعام ويتحرك فلا ضير في ذلك لأنه يصرف طاقة. لكن المشكلة الآن هي أن الحياة أصبحت مرهفة فالإنسان يأكل ولا يتحرك ولا يبذل جهداً وهذا هو الذي يسبب له الأمراض والمشاكل، ومن هنا تأتي أهمية الرياضة كالمشي. نعم عندك سيارة لكن من صالحك أن لا تركب السيارة في بعض الأحيان امشي وابذل جهداً لأن ذلك مهم لك. لذلك عندنا في الإسلام بعض العبادات التي يفهم منها هذا الأمر، كالصوم مثلاً يقول النبي محمد (صوموا تصحوا) ولن يكون للصوم هذه الفائدة إلا بشروطه أما الذي يصوم في النهار ويكثر من الأكل في الليل فلا وكذا الصلاة فالمؤمن يصلي الفرائض مع النوافل في كل يوم 51 ركعة فبالإضافة إلى كونها عبادة يأتي بها المؤمن قربة إلى الله تعالى فهي أيضاً تحريك لجسم الإنسان.

إذن الحركة مهمة خاصة بالنسبة إلى آبائنا المتقاعدين الذي ليس عندهم عمل ينبغي أن يكون عندهم كما نرى في البلدان الغربية والأجنبية كيف أن كبار السن يومياً عندهم برامج يتمشون ويمارسون أنواع الرياضة. هذا مهم لصحة الإنسان.

رابعاً: الوقاية الطبية:
بمعنى أن للإنسان فحوصات دورية يراجع الطبيب ويحاول أن يتأكد من حالته الصحية بين فترة وأخرى وخاصة في بعض الحالات.

وهنا أشير إلى أمر مهم وهو أن أكثر الأمراض انتشارً عندنا في القطيف هي أمراض فقر الدم المنجلي المعروف (بالسكلسل) حيث تتراوح نسبة الحاملين للمرض في المنطقة ما بين 25 إلى 30% ونسبة الإصابة بها 13 إلى 14% ومن الوسائل التي تضعفه عند الأجيال القادة من أبنائنا هي مراجعة الأطباء قبل الزواج، لأن الإنسان الحامل للمرض أو المصاب به إذا تزوج من فتاة حاملة للمرض أو مصابة به تزداد نسبة ولادة المصابين به منهم. بينما إذا كان أحد الطرفين سليماً فلا مشكلة إذا كان الطرف الثاني مصاباً أو حاملاً، المهم أن لا يكون كلا الطرفين حاملاً أو مصاباً.

وقد استفتينا العديد من المراجع، أكثرهم قالوا: حرام على الإنسان أن يسبب الضرر للآخرين.

فإذا تزوج المصابان بالمرض وجاء الولد مصاباً بالمرض فهما اللذان سببا ألمه، وهما المذنبان في حقه معاقبان على ذلك.

وليس الفحص قبل الزواج أمر مخجلاً ولا عيب فيه بل هو في صالح الطرفين، والأجيال القادمة.

وقد سنت بعض الدول قانوناً يقضي بلزوم تقديم شهادة صحية تثبت تناسب الزوجين مع بعضهما صحياً

تلقي العلاج:

على الإنسان أن يلجأ إلى العلاج، فقد أوجب الشرع عليه إذا مرض وكان الأمر بحاجة إلى علاج أن يتعالج.

لماذا؟

لأن جسمك أمانة عندك ولست المتصرف، فلا يقولن أحد هذا جسدي وأنا حر، أريد أن أنتحر أو غير ذلك فذلك لا يجوز.

وقد حرم الشرع الإضرار بالنفس ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ[10]  ولذلك حتى العبادات عندنا إذا كانت تسبب ضرراً للإنسان تحرم عليه فإذا كان الصوم يضره يجب عليه الإفطار والقضاء لاحقاً.وإن صام فلا يسقط عنه القضاء وكذا الوضوء والغسل بالماء، يجب على الإنسان أن يغتسل ويتوضأ بالماء لكن إذا كان الماء يضره بسبب مرض ويسبب له استعمال الماء استمرار المرض أو زيادته لا يصح له أن يتوضأ أو يغتسل بالماء بل يتيمم وإذا أصر أن يغتسل أو يتوضأ بالماء وهو ضار له يقول الفقهاء: غسله ووضوءه باطل.

فجسم الإنسان أمانة بيده لا يصح له أن يضر جسمه وعليه أن يسعى لمنفعة جسمه، فالعلاج واجب على الإنسان لدفع الضرر عن جسمه. فإذا كان هناك ضرر بالغ فعلى الإنسان أن يتعالج، وعلى المجتمع أن يوفر العلاج؛ لأن توفير العلاج أهم شيء فيه هو توفر الأطباء المخلصين، فهو مسألة مهمة، ولذلك ورد في الحديث عن الإمام الكاظم (لا غنى لأهل كل بلد عن ثلاثة وإلا كانوا همجاً رعاع: فقيه ورع، وأمير خير، وطبيب مخلص).

بلدنا بحاجة إلى أطباء ولذلك يجب أن نوجه أبنائنا إلى الطب، وأن نستفيد من أي فرصة أو مجال لتربية الأطباء من أبناء بلدنا لأنهم أعرف بطبيعة وظروف البلد، وأمراضه، وأقدر على التعامل مع أبنائه.

ومن المؤسف أن نسبة السعودة في المجال الطبي لا تزال منخفضة جداً عندنا في المملكة فتبلغ نسبة السعودة 17% وعدد الأطباء في كل المملكة في المستشفيات الرسمية والمستشفيات الخاصة يبلغ 30445 طبيباً، منهم 5306 سعوديين والباقي كلهم من خارج البلاد، وهي نسبة منخفضة جداً وقد تناولت الصحف هذه المشكلة منها جريدة اليوم الصادرة عندنا في الدمام بتاريخ 10/5/1418هـ وتاريخ 14/5 في مقالتين طالبت فيهما الجامعات وكليات الطب بأن تتوسع في قبول الطلاب لأن هذا العدد المحدود الذي تقبله كليات الطب في المملكة لا يفي بحاجة المواطنين فينبغي أن تتوسع هذه الكليات في قبول الطلاب، وينبغي أيضاً على الناس أن يبادروا إذا لم تكن هناك فرصة لدراسة الطب في بلده بأن يبحثوا عن أي فرصة في أي بلد آخر ليفيد الناس والمجتمع وفي ذلك ثواب أيضاً إذا جعل الطبيب في نيته أن يعالج الناس قربة إلى الله تعالى وإن تقاضى على ذلك أجراً ما دام مخلصاً في عمله وتعامله مع الناس.

وفي الجانب الآخر ينبغي أن يتعاون الناس مع مؤسسات العلاج والمستشفيات من خلال الدعم بالرأي وإذا رأى المواطن خللاً أو خطأ في المستشفى، أو المستوصف، أو في المركز الصحي، عليه أن يتحمل مسئوليته تجاه هذا الخطأ فيتقدم إلى المسئولين في المستشفى أو الجهات المختصة، لأن الأخطاء إذا سكت عنها تستفحل وعوائد الأخطاء في صحة الإنسان ثمنها باهض جداً.

ونحن نجد مواطنين في مختلف المناطق يتبرعون إلى المستشفيات بشراء أجهزة، أو ببناء أقسام خاصة، وهذه أريحية وطنية وإنسانية طيبة، مما ينبغي أن يسعى الناس إلى الاستثمار في مجال الصحة وفي هذا منفعة لهم وللمجتمع.

رعاية المرضى:

عندنا في الإسلام روايات وأحاديث كثيرة جداً تحثنا على الرفق بالمريض والعناية به. وتتأكد هذه العناية بذوي العاهات وكبار السن، فهؤلاء يجب أن يهتم بهم ذووهم وكذلك المجتمع ككل وهناك شكاوى من دور العجزة مثلاً أن بعض الناس من كبار السن يحضرهم أهلهم إلى دور العجزة ويهملونهم ويتركونهم ولا يعودون لزيارتهم.

وممن تجدر العناية بهم المرضى المصابون بالأمراض النفسية، خاصة مرض الاكتئاب، ومرض القلق النفسي، ومختلف الأمراض النفسية.

والمرض النفسي ليس عيباً لذلك على المجتمع أن يتحمل مسئوليته تجاه المرضى النفسيين.ورعايتهم تكون بإحاطتهم بمشاعر الحب.وهذا مطلوب ومستحب من الناحية الشرعية.

فالمريض يرعاه الإسلام ويأمر برعايته ولذلك عيادة المريض فيها ثواب كبير «من مشى إلى عيادة مريض شيّعه 70 ألف ملك من الملائكة يستغفرون له»وفي رواية أخرى «أن الله تعالى يخاطب عباده يوم القيامة: عبدي مرضت فلم تعدني، فيقول: يا رب العالمين أنت أجل من أن تمرض وأن أعودك، فيقول: عبدي المؤمن فلان مرض لو عدته لوجدتني عنده» والإسلام يخفف على المريض الأعباء ﴿ لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [11]  فيسقط عنه التكاليف والواجبات التي تجب على غيره، ولهذا شاءت حكمة الله تعالى أن يبقى علي بن الحسين عليهما السلام يوم كربلاء لأنه كان مريضاً حتى لا يندفع نحو المعركة كبقية أبناء الحسين لأنهم كانوا في طليعة المتقدمين إلى المعركة، فقد كان علي الأكبر أول هاشمي يرد إلى المعركة لأنه صحيح الجسم ولا يوجد ما يعفيه من ذلك أما زين العابدين علي بن الحسين فقد كان معذوراً لأنه مريض.

تقدم علي بن الحسين الأكبر شبيه النبي في خلقه وأخلاقه عزيز قلب الحسين، لذلك نحن الليلة في عزاء الإمام، نعزي الإمام الحسين بابنه الشهيد الذي فقده يوم عاشوراء تقول الروايات إن تأثر الإمام الحسين لولده علي الأكبر لا يوازنه تأثره لأي شهيد آخر مع عظمة كل الشهداء، وقيمة كل الشهداء، لماذا؟ لأن علي الأكبر رمز يمثل أصحاب الكساء كلهم عند أهل البيت.

ورث الصفات الغر وهي تراثه *** من كل غطريف وشهم أصيد

في بأس حمزة وفي شجاعة حيدر *** بإبا الحسين وفي مهابة أحمد

وتراه في خلق وطيب خلائق *** وبليغ نطق كالنبي محمد

* حسينية العوامي - القطيف، 9 محرم 1419هـ

[1]  سورة الشعراء، الآية 78 – 80.
[2]  سورة الأحزاب، الآية 41.
[3]  سورة آل عمران، الآية 191.
[4]  بحار الأنوار، ج3، ص329، الحديث رقم 29.
[5]  سورة الرعد، الآية 28.
[6]  بحار الأنوار، ج74، ص88، الحديث رقم 2.
[7]  سورة الملك، الآية 14.
[8]  سورة الأعراف، الآية 157.
[9]  بحار الأنوار، ج1، ص220، الحديث رقم 52.
[10]  سورة البقرة، الآية 195.
[11]  سورة النور، الآية 61.