النادي الرياضي والمجتمع


يشعر كثير من العوائل بقلق بالغ تجاه مستقبل ابنائهم الفكري والسلوكي, في ظل انفتاح اعلامي مبتذل, وتواصل معلوماتي غير منضبط, ومع وجود مشاكل وتحديات, تثير في نفوس الشباب مختلف الانفعالات, يرافق ذلك انشغال الوالدين عن احاطة الابناء بما يحتاجون من رعاية واهتمام.

ويزيد من مستوى هذا القلق, ما يسمعه ويلحظه الآباء من وقوع بعض ابناء المجتمع في مهاوي الانحراف والفساد, كعصابات الاجرام, والادمان على المخدرات, والاعتداء على اعراض الناس, وممارسة سلوكيات شاذة كالتفحيط بالسيارات.

ولكن ماذا يفيد اجترار القلق, وابداء الاستياء, تجاه واقع يزداد قتامة وسوءا؟

انه يجب ان يكون دافعا نحو مبادرات ايجابية فعالة تضع حدا للمشكلة, وتقدم حلولا لمعالجتها.

ان توفير المناخ الصالح والاجواء الطيبة لشباب المجتمع, هو من اجدى الوسائل, وانفع الاساليب, لحمايتهم من الغواية والضياع, ولتوجيههم نحو الاستقامة والخير.
والنادي الرياضي يمثل خيارا نموذجيا على هذا الصعيد, ضمن ظروفنا الاجتماعية القائمة, فهو مؤسسة تحظى برعاية الدولة, وتوفر له مستوى من الامكانيات, وينجذب اليه الشباب, مما يتيح الفرصة لتوجيه مسارهم وتنمية طاقاتهم, وحماية افكارهم وسلوكهم. لكن نسبة نجاح النادي في القيام بمهامه المرجوة, تتوقف على مدى تفاعل المجتمع معه, فكلما تقدم مستوى التفاعل الاجتماعي مع النادي, ارتفعت نسبة نجاحه, وارتفعت درجة ادائه وانجازه.

وقد ينظر البعض من الناس للنادي كمؤسسة رسمية حكومية, تتحمل الحكومة اعباء رعايتها ونجاحها. لكن هذا التفكير ليس صحيحا, وانما هو تبرير للتهرب من المسؤولية. فالنادي مؤسسة اهلية في الاساس تحظى بدعم الحكومة, فاذا لم تكن هناك حالة رياضية في منطقة ما, ضمن مستوى يستحق اقامة ناد, فان الحكومة لا تنشئ النادي ابتداء. كما ان اعضاء الادارة ينتخبون اهليا ولا تعينهم الحكومة, وفائدة النادي تعود على المجتمع, وهو يشكل اسهاما في حل مشكلة يعانيها الجميع, هي استيعاب الشباب وحسن توجيههم. من ناحية اخرى فان بعض الاوساط في المجتمع لا تزال تنظر للنادي نظرة ريب وتجاهل, فهو عندهم مجرد ساحة للعب واللهو, واشغال الشباب وتضييع اوقاتهم, وقد تتسلل اليهم من خلاله عوامل الفساد والانحراف!! هذه النظرة الضيقة نابعة من محدودية افق اصحابها, وقد تكون نشأت كرد فعل من تجارب بعض الاندية غير الناجحة في بعض الفترات. واساسا فان هؤلاء يتصورون ان النادي منحصر في الاهتمام الرياضي, ولا يعرفون الجوانب الاخرى التي يمكن الاستفادة منها, كما ان نظرتهم للرياضة وكأنها امر معيب لا تستحق العناية والاهتمام, نظرة خاطئة.

الرياضة بين نظرتين


غالبا ما تتركز النظرة السلبية نحو النشاط الرياضي في بعض الاوساط الدينية, انطلاقا من ان الرياضة لعب ولهو على حساب جدية الانسان, واتزان شخصيته, وانها مدخل لتجمع غير مضمون الاستقامة والصلاح, وقد يستشهدون بنماذج سلبية, لاوضاع ادارية وسلوكية في بعض الاندية, كما يشيرون الى جانب المبالغة والتضخيم في النشاط الرياضي, وان ذلك له استهدافات سياسية واجتماعية, لتزييف اهتمامات الناس, واشغالهم عما هو اهم وأوجب.

يجب ان نعترف بأن هذه النظرة السلبية نحو الرياضة, لا تقتصر على هذه الاوساط الدينية, فهناك علماء اجتماع ومفكرون من مختلف العصور والمجتمعات, كانت لديهم مثل هذه التحفظات.

فقد اشار «كارل ديم» الالماني الجنسية 1949م وهو احد رواد علم اجتماع الرياضة, الى الوظائف السلبية للرياضة عندما كتب عنها انها «انشطة بلا غاية» وانه توصل الى ذلك من خلال تحليله الافكار النظرية الغربية, ولكنه عدل عن هذا الرأي فيما بعد, حيث صرح بأن الرياضة تعني القوى الحيوية, ولكن ليس دائما في الاتجاه الصحيح, ولذلك ينصح بأن يناط بالرياضة التوجيه التربوي. ولم يتحرج ارنو بلاك من نعت الرياضة بأنها ليست سوى شكل من اشكال العدوان, حتى لو تم الادعاء بعدم ضررها, ذلك لان التاثير النفسي اللاشعوري للرياضة يعني عدم الايمان بجدية الذات الانسانية, وتجاهل القيم الاخلاقية الانسانية, فقد اتهم ممارسو الرياضة التنافسية بالتحايل والمغالطة في سبيل الفوز.

ولقد اورد لوشن في دراسته الممتازة «الرياضة والصراع وحل الصراع» قائمة بالباحثين ممن تناولوا سلبيات المنافسات الرياضية مثل مظفر وكارولين شريف 1961 اللذين اثبتا بطريقة ميدانية تطبيقية الى اي حد يؤثر التعبير النفسي في الرياضة على العنف والعدوانية, حتى يقال ان المسؤولين عن التجربة تدخلوا لفض بعض المنازعات التي حدثت بين الاندية التي اشتركت في التجارب البحثية!

ولقد استعرض لوشن عددا من المؤلفين والباحثين ممن ابرزوا السلبيات الاجتماعية للرياضة, ولعل اشهرهم باسكال وفبلن حيث نظروا للرياضة والرياضي خلال المنافسة على انه موقف عدمي, لا جدوى ترجى منه.

ونقول في مناقشة هذه التحفظات: ان كل ظاهرة من ظواهر النشاط الانساني, قد ترافق ممارستها بعض السلبيات والاضرار, وحتى اقدس الممارسات وهي الاعمال العبادية التي يتوجه بها الانسان الى الله تعالى, لم تنج من هذا الاحتمال, حيث يؤديها البعض رياء, وتصبح ستارا لاغراض دنيئة, كما قد يتنطع البعض في ادائها الى حد الاصابة بالوسواس. والمطلوب هو ترشيد الظواهر الاجتماعية, وتوجيهها بالاتجاه الصحيح, وصيانتها من سوء الاستغلال. والرياضة هي احد الانشطة الانسانية العريقة في تاريخ الانسان, فلا يكاد يخلو مجتمع انساني من ممارستها, وتؤكد تجارب البشرية على الدور الحيوي للرياضة, ليس في مجال تقوية عضلات الجسم, وصحة البدن, وحفظ لياقته فقط, بل تؤدي دورا على الصعيد النفسي, حيث تعتبر احدى الوسائل الاجتماعية المقبولة لتفريغ الدوافع والنوازع المكبوتة, وتخفيف مشاعر المعاناة والتوتر التي يستشعرها الفرد حيال ضغوط الحياة.

يقول الدكتور امين الخولي «الرياضة والمجتمع ص 59, سلسلة عالم المعرفة 216, الكويت 1996م»: بالرغم من ادعاء البعض ان الرياضة تتضمن بعض العناصر العدوانية, او ان الناس قد تستعرض العدوانية من خلال الرياضة, والعدوانية قد تكون مضمرة وقد تكون معلنة, بل ان العدوانية في بعض الاحيان تتنكر في شكل رقيق يصعب اكتشافه, لكن مازال الكثيرون يؤمنون بأن احد عوامل الجذب في الرياضة, انها تتيح وسطا اجتماعيا مقبولا للفرد لاستعراض العدوانية او التنفيس عنها.

وقد تكون هناك مساحة ما للعدوانية في الرياضة لكنها محكومة بقواعد اللعب وجزاءاته, لكن مما لاشك فيه ان الرياضة كأحد المناشط الانسانية, تعد اكثر هذه المناشط ملاءمة للتخلص من قدر كبير من العدوانية, حتى اننا كثيرا ما نسمع التربويين يشبهون ضرب الكرة بالمضرب او بالعصي كآلية تسمح بتخريج قدر كبير من العدوانية والتنفيس عنها. وللرياضة دور ايجابي في تنمية قدرات التعامل والعلاقات الاجتماعية, حيث يكون الفرد جزءا من فريق, وعضوا في مؤسسة, وملتزما في ممارسته الرياضية بنظام وقانون, ويطمح الى الانتصار على الطرف المقابل, لكنه مستعد لاحتمال الهزيمة امامه.

الاربعاء 25 ربيع الآخر 1424هـ الموافق 25 يونيو 2003م، العدد 10967