النادي الرياضي ودوره الاجتماعي

من أهم ما تحتاجه شريحة الشباب وجود أطر ومؤسسات اجتماعية تستقطبهم وتستوعبهم، وتحقق لهم الوظائف التالية:

اشباع الحاجة الى انتماء


ففي مرحلة الشباب، يكون الشعور بالحاجة الى الانتماء لكيان ما، أكثر منه في أي مرحلة أخرى، لأن الانتماء يشكل مدخلا إلى ساحة القوة والتأثير في المعادلة الاجتماعية، وهذا ما يسعى الشباب للوصول إليه، تأكيدا لتجاوزهم حالة التبعية والخضوع، إلى مستوى القدرة والفاعلية.
والانتماء عنوان ومظلة ينتزع الشباب عبره أدوارهم الاجتماعية، ويثبتون حضورهم ووجودهم الفاعل في الحياة العامة. وعادة ما يكونون مخلصين لانتمائهم، فالكبار تتبلور عندهم استهدافات المصلحية الشخصية، وقد يسخرون انتماءهم لخدمة مصالحهم، بينما يضحي الشباب بصدق وإخلاص في خدمة الجهة التي ينتمون إليها، ويطغى عليهم الحماس للدفاع عنها، والتضحية من أجلها.

تنمية الطاقات والمواهب


الشباب منطقة تزخر بالكفاءات والطاقات، لكنها بحاجة إلى التحفيز والتنمية، وهذه من أولويات المؤسسات الشبابية، حيث يكتشف الشباب عبر أجوائها التنافسية مواهبهم وقدراتهم، ويتوافر لهم التشجيع والتوجيه، لتفجير تلك الطاقات وتفعيلها.

فائض القوة والوقت


بسبب محدودية الالتزامات والمسؤوليات، يجد الشباب لديهم فائضا من الطاقة ووقتا للفراغ، وعدم تصريف هذا الفائض يحدث مضاعفات ومشاكل نفسية، وقد يدفع لانحرافات سلوكية.

لذلك لابد للشباب من مؤسسات تفتح أمامهم آفاق الحركة والنشاط، وتتيح لهم فرص استغلال فائض الطاقة والوقت، ضمن برامج نافعة تخدم مستقبلهم، ومصالح المجتمع.

الإعداد والتأهيل الاجتماعي


والشباب كضيوف جدد على هذه الحياة تنقصهم الخبرة والتجربة، فيحتاجون إلى اطار يتدربون ويتأهلون من خلاله على مواجهة تحديات الحياة، وعلى ممارسة العلاقات الاجتماعية، واتخاذ القرارات والمواقف، وتحمل مسؤولياتها وتبعاتها.

التحصين والترشيد


ضبط الغرائز والشهوات يمثل تحديا صعبا للشباب، حيث تتأجج أحاسيسه وعواطفه، خاصة في هذا العصر الذي تشتد فيه أساليب الإغراء والإغواء، الموجهة نحو شريحة الشباب بالذات، إضافة إلى التيارات الفكرية والثقافية المختلفة، التي تسعى لاقتناص الشباب واحتوائهم. ومن أجل تحصين الشباب، وترشيد مسارهم، يحتاجون إلى أجواء حاضنة، تنتصر لعقولهم على عواطفهم، وتحفظ انتماءهم القيمي، والتزامهم السلوكي.

هذه الوظائف الهامة لا تتحقق عبر التوجيه العام للشباب، ولا من خلال الارشاد الفردي، والسبيل الأفضل لتحقيقها وجود المؤسسات والأطر الاجتماعية للشباب.

الأندية الرياضية نموذج


تتنوع المؤسسات التي تعنى باستقطاب الشباب في المجتمعات البشرية، تبعا لاختلاف الظروف السياسية والاجتماعية، فهناك الاتحادات الطلابية، التي تتنافس على استيعاب الشباب في المرحلة الجامعية، وتشكل إطارا لتفعيل حركتهم ونشاطهم، وهناك النقابات العمالية والمهنية، وهناك الأحزاب والتنظيمات في البلدان التي تسمح بها، لمختلف الأغراض الدينية والسياسية والاجتماعية والبيئية.

وفي مجتمعنا فان الأندية الرياضية هي الإطار المناسب لملء هذا الفراغ في أوساط الشباب، حيث يصبح النادي كيانا ينتمون إليه، واطارا يجتمعون ويتلاقون في فنائه، ومن خلاله يمكن لطاقاتهم ومواهبهم ان تظهر وتتجلى، وأن يتوافر لهم مختلف البرامج الترفيهية والتدريبية، للتأهيل والإعداد الاجتماعي.

لم يعد النادي مجرد ساحة للرياضة، وحفظ اللياقة الجسمية، وتقوية العضلات، بل اصبح مؤسسة شبابية اجتماعية متعددة الأبعاد، يمكن ان يسهم في اعداد جيل المستقبل، وتأهيلهم للنجاح والتقدم. حيث تتسع مهامه ووظائفه للنواحي العلمية والتربوية والدينية والاجتماعية، وغالبا ما يعنون بأنه: رياضي ثقافي اجتماعي، تتوافر فيه مكتبة للمطالعة، ومسجد للصلاة، وميزانية للنشاط الثقافي يمكن ان تقام فيه دورات تقوية تعليمية، للمواد الدراسية التي يحتاجها الأعضاء، وأن تعقد فيه دروس للقرآن الكريم، حفظا وتلاوة وتجويدا وتفسيرا، وأن تجري من خلاله مسابقات قرآنية وثقافية، وأن تشجع ضمنه المواهب الفنية من رسم وخط وتمثيل مسرحي، وكذلك تنمية الكفاءات العلمية العملية، كالحاسب الآلي، واللغات الأجنبية. كما تتهيأ عبر النادي فرص العمل الاحترافي وتحصيل الرزق، فاللاعب الموهوب يستحق راتبا ومكافأة شهرية، قد تصل إلى عشرين ألف ريال شهريا وأكثر، وتنافس الأندية على شراء اللاعبين المتفوقين، والمدربين الاكفاء، والحكام المعتمدين على الصعيد الوطني والدولي. لقد أصبح النادي من الواجهات الحضارية للمجتمعات، يعبر عن جانب من مستوى تقدمها الاجتماعي، كما يشكل مرآة لقدراتها التنظيمية والأخلاقية. والجانب المهم في الأندية الرياضية أنها إطار يحتضن الأبناء والشباب، ويحميهم من الضياع والتسيب، إذا توافرت فيه أجواء صالحة مناسبة.

فاعلية الإدارة


من أجل ان يأخذ النادي دوره الاجتماعي المطلوب، ويتمكن من استقطاب الشباب، وتنمية كفاءاتهم وطاقاتهم، وتأهيلهم ثقافيا واجتماعيا، لابد له من إدارة صالحة كفوءة، تنطلق في تصديها من منطلق تحمل المسؤولية تجاه المجتمع والوطن، وتدرك خطورة الشريحة التي تتعامل معها، وهي شريحة الشباب، وتتفهم ظروفهم وآمالهم وتطلعاتهم . إن ضعف الإدارة يحرم الشباب والمجتمع من الاستفادة الكاملة من مؤسسة النادي، ويحجم دوره ونشاطه، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى تفعيل حركة النادي، وتنشيط دوره، وتطوير أدائه. فمجتمعنا تقارب فيه نسبة الشباب 55% ولا تتوافر فيه أطر ومؤسسات بديلة لاستيعاب هذه النسبة الكبيرة من الشباب، والنادي هو الخيار المتوافر، فينبغي استثمار دوره إلى أقصى حد ممكن، مما يوجب دفع العناصر الواعية الصالحة، لتحمل مسؤولياتها، والتصدي لإدارة الأندية، وإذا كان ذلك يأخذ من وقت الإنسان وجهده، ويسبب له شيئا من المعاناة والمشاكل، فإنه كأي عمل تطوعي يحتسب الإنسان فيه الأجر والثواب من قبل الله تعالى، ويسهم من خلاله في خدمة مجتمعه ووطنه، مما تنعكس آثاره ونتائجه الإيجابية عليه كجزء من هذا المجتمع والوطن.

ومؤسف جدا ان يصل العزوف عن التصدي لهذه المسؤولية الخطيرة، في بعض أندية المنطقة، إلى حد تعطيل مجلس الإدارة، لعدم تقدم مرشحين يكتمل بهم نصاب مجلس الإدارة، مما يدل على ضعف الإقبال على العمل التطوعي، ومجالات الخدمة الاجتماعية.

إنني أدعو الواعين القادرين من رجال المجتمع، لأن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه أبنائهم وشباب وطنهم، بالدخول في مجالس إدارات الأندية، ليسهموا في تقديم أكبر خدمة للمجتمع والوطن، برعاية هذا الجيل الناشئ، وتنمية مواهبه وطاقاته، وفي ذلك عظيم الأجر والثواب إن شاء الله، كما نأمل من الإدارات القائمة مضاعفة جهدها، وتطوير أدائها، لتصبح أنديتنا في طليعة أندية الوطن، وتحقق التقدم على المستويين الإقليمي والعالمي.

الاربعاء 2 جمادى الأولى 1424هـ الموافق 2 يوليو 2003م، العدد 10974