مع تركي الدخيل في القطيف

جريدة إيلاف الإلكترونية نبيل فهد المعجل

 

وصلتني دعوة كريمة من الزميل تركي الدخيل للذهاب معه الى مدينة القطيف شرق السعودية وذلك لحضور إحدى الأمسيات الثقافية المقامة على شرفه حيث يستعرض تجربته الاعلامية من خلال برنامج «اضاءات».

إلتقينا في مدينة الدمام تمام الساعة السادسة مساء حيث كان لدينا متسعا من الوقت وقررنا استغلاله بالذهاب الى مكتبة العبيكان المواجهة لكورنيش الدمام الجميل وذلك للتحدث مع مدير المكتبة في أمر يخص كتابه الجديد «ذكريات سمين سابق» ومنها نتسكع قليلا بين أروقة الكتب الجديدة. أقترح تركي أن نمشي قليلا على أقدامنا قبل الدخول الى المكتبة وبالفعل كانت رياضة جسمانية وذهنية أثبت خلالها بأنه جاد في أن يبقى سمينا سابقا.

دخلنا إلى المكتبة على أمل أن تكون زيارتنا لخمس دقائق ولكن تجمهر الناس حوله والكل يريد توقيعه على كتابه أطالت زيارتنا الى أكثر من نصف ساعة! سألني تركي مداعبا إن كنت اريد توقيعه على كتابه فاقترحت عليه أن يوقع لي على دفتر شيكاته مع معرفتي المسبقة بأن رصيد الإعلاميين, وبالذات ذائعي الصيت منهم, هو حب الجماهير فقط «يعني على باب الله» اوعلى الأقل يمثلون ذلك إما بخلا أو تواضعا ولا أدري في أي خانة يقع فيها تركي. رأينا فتيات بعمر الزهور واقفات عن بعد والحسرة بادية على وجوههن ويتمنين لو ينقلبن الى ذكور كي يتسنى لهن أخذ توقيعه على كتابه وتساءلنا ما الذي يمنع لو طلبن ذلك؟

في تمام الساعة السابعة سلكنا طريق كورنيش الدمام مرورا بسيهات وعنك وغيرها من القرى وتركي لا يترك حارة أو شارعا أو زقاقا إلا وسألني عنه. كعادته, لم يعطني الفرصة لإكمال أي من أجوبتي وحينها شكرت الله بأنني لست من الشهرة بمكان أن يستضيفني في برنامجه «إضاءات».

قبل وصولنا الى مكان الندوة توقفنا في مزرعة احد اعيان قرية العوامية وتناولنا عشاء عواميا لذيذا وجلسنا هناك بعض الوقت للحديث عن امورعدة تكفلت أنا بالإجابة عن بعض الأسئلة الموجهة اليه حينها نفذ صبره والتفت الي قائلا وبنبرة لا تخلو من نبرات إضاءاته «لماذا لا تحيي الأمسية بدلا عني؟»

وصلنا إلى مكان الأمسية حيث إمتلأت الصالة عن بكرة أبيها مما أضطرالكثير منهم إلى الجلوس على الأرض والغالبية, وبكل أسف, إلى المغادرة. كان عدد الحضور لا يقل عن 300 شخص. كان هناك تنوعا وخليطا رائعا في الحضور سواء من الفئات العمرية العديدة أو الإتجاهات المختلفة من ليبرالية ودينية وغيرها. كان من بين الحضور الشيخ حسن الصفار الذي وصل بعد خمس دقائق من بدء تركي لقراءته وهنا لفت انتباهي انه جلس وبكل تواضع ومن غير نحنحة وكبر ولم يثر غبارا ولا مقاطعة ولا «شوفو تراني وصلت». هل من الضروري أن أذكر انه جلس على يميني وكان على يساري معمم آخر لا أذكر إسمه الآن ولأكون دقيقا في سرد مشاعري فقد إنتابتي رهبة سرعان ما تلاشت بعد بعض الأحاديث الجانبية معهما فقد كانا في قمة الأدب والبشاشة وسعة الصدر!

بدأت الأمسية بتقديم من الأستاذ ميرزا الخويلدي, مدير مكتب جريدة الشرق الأوسط في المنطقة الشرقية, وبعدها أمسك تركي بدفة الندوة وقرأ لهم الجميل من خبايا شخصيته أيام شبابه وحماسه والذي لا يخلو من قلة الخبرة عندما كان يعمل في الصحافة السعودية ولم ينس فضل صحيفة الحياة عليه لأنها أول من علمته التعامل مع الإعلام باحترافية وذلك لافتقار صحفنا المحلية آنذاك, وربما الى الآن, لأساليب وأدوات التطوير اللازمة. تململ تركي من القراءة وترك الورق جانبا وتكلم بعفوية وتلقائية وحسنا فعل. فتركي الذي يحبه الناس يجب أن يكون تلقائيا وهذا ما لمسته من أعين الحضور فقد كان تفاعلهم مع تلقائيته أكثر حميمية.

بعدها بدأت المداخلات وكان موضوع الشيعة في إضاءات له النصيب الأكبرحيث أثنوا على إنصافه وعدم إنحيازه لأي فئة على حساب فئات أخرى. قلة من الناس كان لهم رأي حاد في إسلوبه في حلقة إضاءات مع الشيخ حسن الصفار عندما سأله لماذا لم يقاطع الشيعة البضائع الدانمركية وهو ما نفاه السائل عندما قال بأن جميع الشيعة قاطعوها. صفق الحاضرون كثيرا على هذه المداخلة وهنا أسجل موقفا مشرفا لتركي وللجمهور فهو دافع عن نفسه ووجهة نظره بكل هدوء وفي المقابل كان الحضور راقيا في اختلافه ولم يعطي الموضوع اكبر من حجمه. لا أدري لماذا جاء في ذاكرتي حادثة الندوة المصاحبة لمعرض الكتاب بالرياض من سباب وشتم وصراخ وعويل على ضيوف الندوة ولكن هذا موضوع آخر ليس مجاله هنا.

من وجهة نظر كاتب هذه السطور, تركي الدخيل إعلامي ومن واجبه إن يسأل ما يجول في أذهان الناس حتى وإن خانه التعبير فالعبرة بالنهاية حيث أن قضية الرسوم الدانمركية أكسبت حلقة الشيخ الصفار شعبية كبيرة وسمع الناس آراءه الأخرى ومنها التطبير وعاشوراء والرد على تهم سب الصحابة رضوان الله عليهم والخلاف بين السنة والشيعة في نظرتهم الى أبي طالب عم الرسول عليه الصلاة والسلام وأمور لم نكن نتحدث عنها بشفافية.

كان هناك سؤال عن حظ النساء في برنامجه وأتى على ذكر المخرجة السعودية هيفاء المنصور بأنه طالما الضيف يملك قصة تستحق المتابعة فسيسعى للقائه ولا تهمه الأسماء الكبيرة طالما أنها لن تضيف شيئا. ولم ينس أن يذكر بان حظ النساء في الظهور في إضاءات كان يمثل 10% وهو ما تمثله نسبة مشاركتها في المجتمع بشكل عام.

من الأمور التي كان له وقعا كبيرا على الحضور مداخلة طريفة من احد موظفي أرامكو السعودية عندما قال انه ولأجل تركي الدخيل فقد أجل موعد نومه المقدس مما تسبب في إلغاء طقوس ومقبلات موعد النوم لتلك الليلة. أما أصعب سؤال وجه لضيف الندوة فهو ما المفروض أن يفعله الشيعة لتجنب نظر الناس الآخرين لهم بنظرة ريبة وشك. لا احد يملك إجابة سوى من يؤمن بهذه النظرة.

لمست حبا حقيقيا من قبل أهل القطيف لإبن الدخيل وهو بالمناسبة لا يختلف كثيرا عن كاتب هذه السطور من حيث انه ليس بالضرورة أن تتبتى أفكار الغيرعلى حساب أفكارك بقدر ما تسمح لنفسك بالاستماع إلى الغير والتحدث معهم وإلقاء بعض الإضاءات أو الومضات هنا وهناك لعلها يوما من الأيام تساعد على ردم الهوة بين الفرقاء إن كان هناك فرقاء.

وصلتني اتصالات عدة من أناس لم يحضروا الأمسية وتحسروا على ضياع هذه الفرصة وتمنوا أن تتكرر في المستقبل ووعدتهم بأنني سأنقل طلبهم إلى تركي بشرط أن يسمح لي بالإجابة بدلا عنه!!