تجربة في الإصلاح دون حضور الذات.. لشيخ محمد أمين زين الدين نموذجاً

كلّما اشتدّت التحدّيات الخارجية على الأمة، ازدادت ضرورة الإصلاح والتّطوير الداخلي.

ذلك لأنّ الجمود والرُّكود يقعد بالأمة عن الاستجابة للتحديات التي تواجهها، وإذا كان العالم من حول الأمة في حركة وتقدم، فإنّ تسمّر الأمة في مكانها يعني التخلّف والتراجع.

فلابد للأمة من انبعاث متجدّد، وتطوّر دائم لتواكب مسيرة التقدّم الحضاري، ولتنفض عن نفسها غبار الزمن وتراكم النّواقص والثّغرات.

بيد أنّ عملية الإصلاح والتطوّر الداخلي أشقّ وأصعب من المواجهة المباشرة للتحديات الخارجية، لذلك اعتبر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قتال الأعداء جهاداً أصغر، وجهاد الذات جهاداً أكبر، فيما يُروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث سرية ـ فرقة صغيرة من الجيش ـ فلمّا رجعوا قال: «مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر».

قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟.

قال: «جهاد النفس»[1] .

لأن المصلح ورائد التّغيير والتّطوير يواجه معركة حامية الوطيس داخل المجتمع، ولهذه المعركة بعدان:

الأول: تجاه الأفكار الإصلاحية التّغييرية التي يتبنّاها المصلح، حيث يتشبّث المجتمع بالأفكار التي ألفها والسُّلوكيات التي اعتاد عليها. وبالتّالي فإنّه غالباً ما يُواجه أيّ فكرة جديدة تخالف الموروث، أو برنامجاً حديثاً يغاير المعتاد، بالتحفّظ والرّفض.

فيحتاج المصلح إلى الكثير من الجهد والصبر ليتمكّن من بثِّ أفكاره الإصلاحية، وليقنع الناس بها، ويعالج تحفّظاتهم نحوها، ويكسر حدّة رفضهم لها.

أمّا البعد الآخر والأعنف للمعركة فيدور حول ذات المصلح وشخصيته.

لأنّ الجهات النّافذة في المجتمع، والقيادات المسيطرة، ومراكز القوى المتحكّمة، يخيفها ويثير توجّسها ظهور شخصية قيادية جديدة، تسحب من تحت أرجلها البساط وتكتسح ولاء الجمهور، وتشكّل منافسة خطيرة لمواقع نفوذها.

من هنا تبدأ حالة تحسّس حادة تجاه شخص المصلح، وتُثار حوله التساؤلات و الإشكالات، وعلامات الاستفهام، وتُوجّه له الاتهامات، وتزرع في طريقه العقبات والعراقيل والألغام. ومن ثم يستدرج المصلح إلى معركة الدّفاع عن الذات.

وهذا هو المأزق العنيف الذي واجه ويُواجه المصلحين عبر التاريخ، فلا يتحقّق الإصلاح والتّطوير إلاّ بوجود قادة وروّاد يحملون مشروعه ولواءه، لكن ذواتهم وشخصياتهم تثير تحسس الآخرين وخوفهم على مواقعهم وزعاماتهم. فهل يمكن الفصل بين ذات المصلح ومشروعه؟.

إنّ المصلح مُطالب بالإخلاص لرسالته، وأن لا يستهدف الظُّهور وحبّ الزّعامة والرّئاسة، ولكن هل يتجاوز المأزق بتحقيق هذا المطلب في ذاته؟.

إنّ عملية التّبشير بالإصلاح، والعمل من أجله، يستلزمان شيئاً من حضور الذّات، فالمصلح لابدّ أن يتكلم ويخطب ويكتب ويـبادر ويُؤسّس ويتحرّك ويعمل، وهذه الأنشطة بدورها تفرض حضور الذّات، وكونها في موقع الظُّهور والبروز.

والزّعامات التّقليدية والجهات النّافذة، لحرصها على مواقعها، لا تقنعها التّطمينات التي يُبدي بها المصلح زهده في ما تخاف منه عليه، بل تبقي فزعةً قلقة من حركة الإصلاح ومن ظهور المصلحين.

وإذا ما قرأنا واستقرأنا تجارب المصلحين، وطريق تعاطيهم مع هذه المشكلة، ونتائج خوضهم لهذه المعركة في بعدها الشّخصي الذّاتي، فسنُواجه حالات متعدّدة ومختلفة.

فبعض المصلحين يُصاب بالانهيار، وينهزم في معركة الإصلاح والتّطوير حينما تستهدف ذاته السِّهام، وتمعن في تمزيق شخصيته الرِّماح.

وبعضهم يجبن في الدّفاع عن ذاته، ويُبالغ في التّواضع والزُّهد في التصدِّي لتحمُّل المسؤولية، على حساب مصلحة الرِّسالة، ذلك لأنّ هناك خيطاً فاصلاً دقيقاً بين الزُّهد في المواقع وبين التصدِّي لتحمُّل المسؤولية، وهو ما يشير إليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) في قوله:

«أما والذي فلق الحبّة، وبرأ النّسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود النَّاصر، وما أَخَذَ الله على العلماء أَلاَّ يُقارُّوا على كِظَّه ظالم، ولا سَغَب مظلوم، لألقيتُ حبلها على غاربها، ولسقيتُ آخرها بكأس أوَّلها، ولألفيتُم دُنياكُم هذه أزهدَ عندي من عفطة عنز»[2] .

وبعضهم على العكس من ذلك تماماً، حيث يتضخّم لديه مشروع الذّات، بمبرّر الدّفاع عن النّفس، والاستجابة للتحدّي، ولحاجة الإصلاح إلى قيادة ورمز وواجهة. فيصبح برنامج الطّرح الشّخصي أوسع رقعة من طرح الأفكار، ويأخذ الدَّور المحوري في الحركة والعلاقات والتَّحالفات. فالولاء لذات القائد، والتّمجيد لشخصية الرَّمز هي مقياس الإخلاص وعليها تتحدّد درجة القُرب والبُعد.

وحينئذٍ قد تلتفّ حول المصلح مجاميع لا شأن لها بأهدافه وأفكاره الإصلاحية، لكنّها تزايد على الآخرين في الولاء له والتملُّق لشخصه..

وتتعدّد برامج التّكريس، وألوان الطّرح للحالة الرَّمزية والشَّخصية.. من اختيار للألقاب، وتثبيت للعناوين والصِّفات، ومن التفنُّن في نشر الصُّور واحتلال المواقع البارزة لها، ومن اقتناص فرص الطَّرح الإعلامي، ومن استقطاب الأسماء اللامعة، ومن تجيير للمشاريع والمؤسّسات باسم القائد الرَّمز.. إلى ما هنالك من أساليب ووسائل تحوّل الشَّخص إلى مشروع، والرَّمز إلى حركة، والذَّات إلى هدف، وما قد يؤدِّي إليه ذلك من صنمية وتقديس مطلق يتجاوز حدود الشّرع والعقل في كثير من الحالات.

ويقدم الخلّص من المصلحين الصَّالحين نموذجاً آخر في التّعامل مع هذه المعركة الشّرسة في بُعدها الشّخصي والذّاتي، والتي لابدّ لرُوّاد التّغيير والتّطوير من خوضها.

فهم لا يفرّون من الزّحف، ولا ينسحبون من المعركة، ولا يستولي عليهم الانهيار.

كما لا يقعون في فخ تضخيم الذّات، وتورّم الحالة الرّمزية.

ولكنّهم في نفس الوقت يعرفون قيمة أنفسهم، ويُدركون قدر ذواتهم، في إطار تحمّل المسؤولية، والتصدِّي للواجب الشّرعي، والوظيفة الرِّسالية.

إنّهم يعتمدون منهجاً دقيقاً منذ الوهلة الأولى لتحرُّكهم الإصلاحي، وحركتهم التّغييرية، يتّسم بالحذر من الظُّهور والبُروز، والتّخفيف من حضور الذّات إلاّ بمقدار الضّرورة. ومن ثمّ يوجِّهون كلّ جهدهم واهتمامهم إلى ما يخدم أهدافهم المبدئية، وتطلّعاتهم السّامية.

وبذلك يقلِّلون من توجيه الأنظار إلى ذواتهم فيقلّ بذلك استهدافهم، كما يوفّرون كلّ إمكانياتهم فلا يتبدّد شيء منها في معارك شخصية وجانبية، بل هي موجّهة صوب الهدف ونحو الغاية.

وهو منهج صعب مستصعب يحتاج إلى مستوى متقدّم من الخلوص والإخلاص، وإلى إرادة قوية للتّحكم في النّفس واتخاذ الحكمة في المواقف، ويحتاج بعد ذلك كله إلى توفيق وتسديد إلهي حتى تكون الظُّروف والأُمور مساعدة على إنجاح هذا المنهج والبلوغ بصاحبه إلى المطلوب.

في رحاب التَّجربة

إنَّ حياة المفكر الإسلامي الكبير الفقيه المربِّي المرجع الديني الشيخ محمد أمين زين الدين تعتبر تجربة رائدة رائعة في مجال العمل الإصلاحي، دون إثارات ودون الدُّخول في معارك أو صراعات شخصية وجانبية.

فهو من أوائل الفقهاء المعاصرين الذين أدركوا عُمق التحدِّيات التي تواجهها الأمة، ويظهر ذلك جلياً في كتاباته وخطاباته وسيرته.

كما أدرك أنّ هذه التّحدِّيات لا يمكن أن تُواجه إلاّ بتغيير وتطوير في ذهنية الأمة وأفكارها وسُلوكها.

وقد قرّر تحمُّل مسؤوليته الدِّينية والاجتماعية، وخوض هذه المعركة المقدّسة.

لكنه وهو يعيش في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، ويعرف طبيعة أوضاعها وأجوائها والمعادلات السّائدة فيها، لابدّ له أن يحسب ألف حساب لكلّ خطوة يخطوها، وأن يتسلَّح بأعلى درجة من الاحتياط في كلِّ عملٍ يقدم عليه.

فأجواء النجف الأشرف كانت تسودُها حالة من التحفُّظ الشَّديد، والتحسُّس المبالغ فيه تجاه أيَّ جديد أو تغيير أو تطوير، خوفاً على المبادئ والقِيم، والأعراف والتَّقاليد، من مؤامرات الأعداء، ودسائس الدُّخلاء، وانحرافات المغرضين، وإفساد الجهلاء.

هذا الخوف والقلق الصحيح في منطلقاته ومبرّراته، والخاطئ في أساليـبه ووسائله، أصاب الحوزة العلمية بالرُّكود والجمود، وسبَّب لها التخلُّف عن مواكبة تطوّرات العصر والحياة، ودفع بها إلى حالة من الانكفاء والانطواء، بينما ساحة الأمة تعيث فيها الأفكار الوافدة والمبادئ المستوردة فساداً، تحت شعارات التقدُّم والخلاص، وعناوين التحرُّر والوحدة.

وفي النجف الأشرف يتواجد الآلاف من رجال الدين، والمئات من الفقهاء والمجتهدين، والعديد من المراجع المقلدين، مما يعني وجود كيانات ومراكز قوى بيدها أزمة الأمور، وتتمتّع بالسيطرة والنُّفوذ، وتحتدم بينها معارك التَّنافس والصِّراع بين الحواشي والمكاتب والأطراف والأتباع، ثمّ بين الانتماءات والتَّوجهات المختلفة.

ممّا جعل انطلاق مهمّة التَّطوير والإصلاح داخل الحوزة العلمية صعبة معقّدة، أوّل وأشدّ أخطارها التورُّط في صراع ونزاع داخلي مع بعض المراجع والأقطاب والحواشي والأتباع، والانزلاق إلى معادلة الاختلاف بين الانتماءات والتّوجُّهات.

في هذه الأجواء والأوضاع بدأ الشيخ زين الدين مهمّته الإصلاحية وبذر بذور الصَّحوة الإسلامية في العراق والمنطقة المحيطة به.

معالم المنهج

مع خُطورة الدَّور التَّأسيسي الذي قام به الشيخ محمد أمين زين الدين، في العمل الإسلامي المعاصر، ومع أهمية الجهود التي بذلها، والنّتائج التي تحقّقت على إثرها؛ إلاّ أنَّك لا تكاد تجد للشيخ إسماً في خضمّ الأحداث، ولا موقعاً بارزاً في معارك الصِّراع الدَّاخلية والخارجية التي واكبت الصَّحوة الإسلامية في المنطقة.

لقد حالف التّوفيق الشيخ زين الدين حينما اختار منهجاً عميقاً هادئاً نطلق عليه«منهج الإصلاح دون حضور الذات» فما هي معالم هذا المنهج؟ وكيف مارسه الشيخ في سيرته وحياته؟

إنّ على أبناء الصَّحوة الإسلامية أن يدرُسوا حياة المؤسِّسين والرُّوّاد الأوائل، ليأخُذوا منها الدُّروس والعِبر، وليتلافوا الثَّغرات والنَّواقص، وليستكمِلُوا البناء على أسُسه السَّليمة وقواعده الصَّلبة.

والشيخ زين الدين في طليعة القادة الدِّينيين الذين شقُّوا للأمة طريق الإصلاح والتَّغيير في هذا العصر، وقاموا بمهمّة التّجديد والتّطوير في الفكر والثّقافة الإسلاميين.

وإذا كانت حياة الشيخ زين الدين تحت سلطة الحكم العراقي تمنع الباحثين الرِّساليين من تسليط الأضواء على شخصيته ودوره، حرصاً على وجوده، وحفاظاً عليه من الظُّلم والعدوان، فإنّ رحيله إلى عالم الملكوت، وإلتحاقه بالرّفيق الأعلى، يفتح المجال واسعاً للعودة إلى تجربته التّأسيسية الرّائدة، لقراءتها وبحثها ودراستها، للإفادة منها، ولإيفاء بعض حقِّه من التَّقدير والتَّكريم.

وفي هذا السِّياق نرصد في بحثنا هذا أبرز المعالم في منهجه الإصلاحي:

الإبتعاد عن التَّنافس على المواقع:

فمع قدراته العلمية المشهودة، وطاقاته الفكرية المتميّزة، إلاّ أنّه لم يُرشِّح نفسه، ولم يقبل التَّرشيح لأيّ موقعٍ بارز. وحتى التّصدِّي للمرجعية والإفتاء، ومع إقتناع بعض المؤمنين في بلدان عديدة بتقليده، إلاّ أنّه كان حريصاً على أن لا يحوط نفسه بمظاهر الطّرح المرجعي المألوف، فالرِّسالة العملية التي تتضمّن فتاواه وآراؤه الفقهية لم يخرجها للطّبع إلاّ متأخراً وفي العقد الأخير من حياته، ولم تطبع في النجف الأشرف، مركز المراجع والحوزة وساحة الطّرح المرجعي، وإنما طبعت في البحرين سنة(1409هـ)، وتقع في عشرة أجزاء بعنوان[كلمة التّقوى] لسد حاجة عملية لدى مقلِّديه هناك، وليس ضمن خطّة للتّبشير أو العمل لمرجعيته.

لكنّ تميّز هذه الرسالة العملية بالأُسلوب الرَّصين، واللغة الواضحة، والطرح التَّأسيسي، حيث لم تكن تعليقةً على متن سابق، ولإحاطتها وإستيعابها لمختلف أبواب الفقه وتفريعات مسائله، بمنهجية متقنة، كلُّ ذلك أوجد إقبالاً عليها من قبل الفُضلاء والعُلماء ممّا دفع لإعادة طبعها في قم المقدّسة وبيعها عبر المكتبات.

وهو لم يترأس جماعة، ولم يتزعّم مؤسّسة، ولم يرض بإحتياز ألقاب محدّدة، ولم تُنشَر له صور، ولم تُكتب عنه مقالات، ولم يُطرح إسمه للتَّبشير بمرجعيته، كما هو متعارف في طرح المرشّحين للمرجعية، وخاصة بعد فقد أيّ مرجع من المراجع.

ونقل أحد الفُضلاء أنَّ الشيخ زين الدين دخل مرّة«مسجد الطوسي» في النجف الأشرف، لحضور مجلس فاتحة فهتف أحد الحاضرين بالصّلاة على محمد وآله، كما هو متعارف عند دخول أيِّ مرجع معروف، فعاتبه بعد ذلك الشيخ زين الدين ووبّخه وحذّره من أن يكرِّر ذلك معه مرّة أخرى.

(لقد انطلق في خط المرجعية، وكانت رسالته من أغنى الرسالات وأكبها، بكل هدوء وبكل صمت، وبكل وعي وبكل تقوى، حتى كان ينكر ذاته في موقعه، وموقعه كبير كبير… كان المتواضع كأعظم ما يكون التواضع، في الوقت الذي يملك فيه الكثير مما يستعرض الناس فيه عضلاتهم، لا سيّما أنه كان مميزاً في طاقاته التي يتحرك فيها … كان بإمكانه أن يستعرض دوره، لكنه كان الإنسان الذي ينكر ذاته، ويعطي بدون حساب وبدون منّ…)[3] .

تجاوز الخلافات والصِّراعات:
 

وجُود الخلاف والإختلاف طبيعي في كل مجتمع، وخاصّة في الوسط العلمي، حيث تتعدّد المدارس، وتتباين الآراء، لكنّ التّعاطي مع هذه الحالة يختلف من شخص لآخر، فهناك من يستهويه الخلاف، ويشمّر له عن ساعديه، ويستعرض فيه عضلاته، على قاعدة: جاء دريد شاهراً رمحه.

وهناك من يقف عند حدود الدّفاع، فيستدرج إلى معارك الصِّراع، حيث يأبى لنفسه أن يكون ضعيف الجانب مهيض الجناح، بل يعمل على أساس﴿ومن إعتدى عليكم فإعتدوا عليه بمثل ما إعتدى عليكم﴾[4] .

وهناك من يسمو بنفسه على حالات الخلاف، وينفس بطاقاته وجهوده أن يتبدّد شيء منها في صراعات جانبية ثانوية، فهو لا يـبدأ أحداً بخلاف، ولا يستجيب لمن أراد إستدراجه. فمن قال له: إيّاك أعني.. أجابه: وعنك أغضي. كما ورد ذلك عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام إن لئيما اعتدى عليه فسبّه، فأشاح عليه السلام بوجهه عنه، فانتفخت أوداج اللئيم وراح يقول له: (إياك اعني) وأسرع الإمام قائلاً: (وعنك أغضي)[5] .

وهذا هو منهج الشيخ محمد أمين زين الدين.

فلم يسجَّل عليه الدُّخول في أيِّ خلافٍ أو صراع، ولا المشاركة في أيِّ نزاع أو سجال.

ورغم أنّه يصنَّف ضمن مدرسة المحدِّثين الأخباريـين، ويُنظر إليه كمرجع وفقيه بارز لهذه المدرسة، إلاّ أنّه كان يعيش في وسط وعمق المدرسة الأُصولية النَّجفيه، حيث حضر بحث الشيخ ضياء الدين العراقي(توفي: 1361هـ) في الأصول لمدة سبع سنوات، وكتب تقريرات درسه في دورة كاملة لعلم الأُصول. ولم يظهر منه أيَّ اعتراضٍ أو تبنٍّ لرأي مخالف، في الوسط العلمي الأُصولي الذي يحيط به، فهل هو أخباري محدّث أم فقيه أُصولي؟.

إنَّ الأخباريـين يعتبرونه زعيمهم، والأُصوليـين يَرونه أحد أعلامهم.

وحينما طبع رسالته العملية[كلمة التّقوى] تجاوز«باب التقليد» والذي يـبدأ به الفقهاء رسائلهم العملية جرياً على ما فعله السيد محمد كاظم اليزدي في[العروة الوثقى] لكي يتلافى طرح المسائل المختلف عليها في هذا الباب.

كما عاصر الشيخ زين الدين الصِّراع المحتدم بين الخطِّ التّقليدي المحافظ في حوزة النجف والسَّاحة الدِّينية، وبين الخطِّ التَّجديدي النَّاهض، لكنَّه لم يُحدِّد له موقعاً في الصِّراع ضمن أي من الخطين.

ومع أنَّ رُوَّاد خطِّ الإصلاح والتَّغيير قد تربُّوا في أكناف بُحوثه ودرُوسه ومجالسه، ونهلوا من أفكاره وآرائه وتوجيهاته، إلاّ أنّه كان وثيق الصِّلة بكبار المراجع، يحظى بثقتهم واحترامهم، ويعتمدون رأيه في بعض شؤونهم وقضاياهم.

ومن ذلك مثلاً أن السيد محسن الحكيم، وكان المرجع الأعلى في عصره، يُشجِّع ولده السيد مهدي الحكيم على الإستفادة من الشيخ زين الدين وحضور دروسه[6] .

وحينما بدأت ظاهرة السُّفور في الإنتشار في أوساط نساء العراق، بتشجيع التَّوجهات الشّيوعية، طلب السيد الحكيم من الشيخ زين الدين مواجهة هذه الظّاهرة المخالفة للإسلام ثقافياً وفكرياً، بإعداد بحث مناسب يبين فلسفة الحجاب في الإسلام ومفاسد التبرُّج والسُّفور، واستجابة لهذا الطلب ألَّف الشيخ زين الدين كتاب[العفاف بين السَّلب والإيجاب]، وحينما منعت الرقابة طبع الكتاب تدخّل السيد الحكيم مباشرة بالإحتجاج على السُّلطات حتى فسح طبع الكتاب[7] .

"وعندما أصدر الكاتب المصري أحمد أمين كتابه (المهدي والمهدوية) الذي عالج فيه الفكرة بطريقة سلبية، كلّف المرجع الكبير السيد محسن الحكيم الشيخ زين الدين للرد على أحمد أمين، لمعرفته بمقام الشيخ وجدارته وعمق فكره وغور نظره، فكان كتابه (مع الدكتور أحمد أمين في حديث المهدي و المهدوية)"[8] .

والسيد الخوئي، الذي تسنَّم المرجعية العُليا بعد السيد الحكيم، حينما أراد طبع كتابه[البيان في تفسير القرآن] كان للشيخ زين الدين دور أساس في إعادة صياغة الكتاب والإرتقاء بلغته الأدبية، ليكون مناسباً لمقام السيد الخوئي ومكانته[9] .

هكذا كان الشيخ زين الدين يجمع بين دوري إعداد الجيل النَّاهض والتَّواصل مع القيادات المحافظة والمراجع الكبار.

تربية جيل الإصلاح والتَّغيير:

هذه الأمة الكبيرة المترامية الأطراف لا يمكن لشخص واحد أن يدفعها نحو التّحرُّك والنُّهوض.

وذلك الجمود المتراكم على الأذهان والنُّفوس لا يستطيع قائد لوحده أن ينُوء بأعباء نفضه وإزالته.

كما أنَّ من يُباشر القيام بهذا الدَّور يتورَّط في الجانب الذّاتي والبُعد الشَّخصي من المعركة، وهو ما كان يحرص الشيخ زين الدين على تلافيه وتجنُّبه.

فلابدّ إذاً من إعداد وتربية جيل للقيام بهذه المهمّة العظيمة الشّاقة.

هذا ما أدركه الشيخ زين الدين واتّجه له، فاحتضن نخبة من أبناء الحوزة العلمية، ومن أعرق بيوتاتها، ومن مناطق وبلدان مختلفة، وفتح لهم صدره وقلبه، وربّاهم على أساس التطلُّع والطُّموح، وتحمُّل المسؤولية تجاه واقع الأمة.

ومن خلال ما تحدّث به بعض تلامذته، ومن ملاحظة مستويات وتوجُّهات أُولئك التّلامذة الذين تربَّوا على يديه، يمكننا أن نلمح في مدرسته التربوية ما يلي:

(أ) ـ تنمية القدرات العلمية: فعُمقه العلمي وبيانُه الواضح كانا خير دافع ومعين لتلامذته على فهم وإستيعاب المناهج الدِّراسية العلمية، ومن هنا كان تلامذته من النُّخبة العلمية التي عُرفت بالعُمق والنُّضج العلمي، ومنهم أخوه الشيخ علي زين الدين، (توفي: 1406هـ)، والذي«كان من أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف، ومن أبرز من اشتُهروا بتدريس كتاب[كفاية الأُصول] حيث تخرَّج به العدد الكبير من طلاّب الحوزة النجفية»([10)].

ومنهم أيضاً الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي العالم والباحث المعروف؛ والدكتور السيد محمد بحر العلوم؛ والسيد حسين بحر العلوم؛ والدكتور السيد مصطفى جمال الدين؛ والشيخ محمد مهدي الآصفي؛ والشيخ أحمد البهادلي؛ وأمثالهم وهي شخصيات مشهودٌ لها بالعلم والفضل.

يقول الدكتور السيد مصطفى جمال الدين: تمحَّضتُ في أكثر دروسي بعد ذلك على الشيخ محمد أمين زين الدين، فأخذت عنه[الكفاية]، و[الرسائل]، وقسماً من[المكاسب]، وأكثر[شرح منظومة السّبزواري] في الفلسفة الإسلامية، وقد تنقّلت في حياتي الدِّراسية عل أساتذة كثيرين، ولكني لم أجد من هو أجلى بياناً، وأكثر إيصالاً من الشيخ محمد أمين زين الدين. وكانت لأستاذي هذا رحلات سنوية قد تمتدُّ أشهراً في بعض الأحيان، يستوطن فيها قريته(نهر خوز) في قضاء(أبي الخصيب) أو يذهب فيها للإرشاد والتَّوجيه الدِّيني إلى أتباعه في البحرين، فأجد عناءً كبيراً على العُثور على أستاذ أنسجم مع بيانه إنسجامي مع الشيخ زين الدين[11] .

(ب) ـ التَّشجيع على الإنفتاح الفكري والثَّقافي: على العكس ممّا كان سائداً في أجواء الحوزة من تحذير الأساتذة لطلاّبهم من الإنشغال بغير كتب الدِّراسة، ومن الإقتراب من وسائل الإعلام الحديثة، كالراديو والتلفزيون والصُّحف، ومن إقتناء كتب الضّلال، وتعني ـ عند الأغلب ـ كلّ الإصدارات الفكرية والثّقافية الجديدة.

وبذلك ينشأ طلاب العلوم الدينية في جوٍّ منغلق، وفي حالة من العُزلة والإنكفاء عن كلِّ ما يحدث في العالم من تطوّرات.

على العكس من ذلك، كان الشيخ زين الدين يُشجِّع تلامذته على الإنفتاح الفكري والثّقافي والسِّياسي، ليُواكبوا تطوُّر العالم والحياة، وما كان يخشى عليهم من ذلك الإنفتاح وقد تسلَّحُوا بالأصالة، وامتلكوا قُوّة الفِكر والثِّقة بالنَّفس والمبدأ.

وقد تحدّث السيد مصطفى جمال الدين عن الحلقة الأدبية التي أنشأها الشيخ زين الدين، و إنضم إليها السيد مصطفى، وكانوا يُتابعون فيها«الإطّلاع على كلِّ جديد يصدر في المكتبة العربية وصحفها ومجلاتها.. على أيِّ حال كنّا نمتاز عن الأجيال الأدبية التي عاصرناها في النجف، أننا كنّا كثيري القراءة والمتابعة لكلِّ ما هو جديد، فإذا كان زاد النّاشئة التي نتعايش معها دواوين السيد محمد سعيد الحبوبي؛ والسيد حيدر الحلي والشّبيـبي واليعقوبي من الجديد، ودواوين المتنبي والبحتري والشريف الرضي ومهيار الديلمي من القديم، فقد أضفنا إلى ذلك كلَّ ما تيسَّر لنا من دواوين الشُّعراء العرب المحدثين، بما فيها موجة الشِّعر الحديث، بل إنّ بعضنا أخذ يكتب تجاربه بطريقة ـ التَّفعيلة ـ التي لا يعتبرها أكثر نُقّاد النجف شعراً. وإذا كان النقد المسيطر على هذه الأجيال التي عاصرناها هو نقد الجاحظ وقدامة بن جعفر وضياء الدين بن الأثير فقد أضفنا إلى ذلك نقد أحمد الشّايب وسيد قطب ومارون عبود وميخائيل نعيمة ورئيف خوري وكثيراً من الدِّراسات الأدبية المترجمة في موسيقى الشِّعر، وأصوات اللغة، عن الفرنسي«غويار»، والأمريكي«سابير»، والرُّوسي«كوندراتوف»، والإنجليزي«إليوت»..» [12] .

هذا المنحى في مدرسة الشيخ زين الدين هو الذي جعل تلامذته نخبة متنوّرة منفتحة، قادرة على التّعاطي مع التطوّرات العلمية والفكرية والأدبية في السّاحة.

(ج) ـ تفجير الكفاءات العملية: فقد كان طالب العلوم الدينية في الحوزة يتعبأ من العلم، دون أن يتدرّب أو يتعلّم أساليب بثِّ العلم ونشره، فليست هناك دروس للكتابة أو الخطابة أو الإدارة أو العمل الإجتماعي، بل كان هناك تكريس للعزوف عن هذه الأنشطة والممارسات، لأنها تشغل الطالب عن العلم، وهي أدوار لا تتناسب مع الوزن العلمي. لذلك يتحدّث السيد مهدي الحكيم عن الضُّغوط التي مُورست على والده لكي يمنعه من الخطابة الجماهيرية وإلقاء المحاضرات، فتلك وظيفة الملالي و«الروزخونية» والقُرّاء، ولا تتناسب مع المقام العلمي!!

وحينما اهتمّ الشيخ باقر شريف القرشي ببحث حياة الأئمة والتحقيق في سيرتهم والكتابة عن تاريخهم، وأصدر كتابيه المشهورين[حياة الإمام الحسن] و[حياة الإمام الكاظم] قرّر بعض موزِّعي رواتب الطَّلبة من قبل المراجع قطع راتبه ومكافأته الشَّهرية، لأنه ما عاد يصدق عليه أنه طالب علم بل كاتب وقرطاسي!!

أمَّا الشِّعر والأدب فإنَّه يزري بالعلماء، كما قال أحدهم:

لكنتُ اليوم أشعر من لبيد

ولولا الشِّعر بالعلماء يزري

وقد ذكر الأستاذ علي الخاقاني في موسوعته[شعراء الغري] عن بعض العلماء أنّهم أتلفُوا دواوين شعرهم حفاظاً على سمعتهم العلمية.

كان هذا هو الجوُّ السَّائد في الوسط الحوزوي، ولكن الشيخ زين الدين وهو يهيّئ طلابه وتلامذته للقيام بدورهم الرِّسالي، ووظيفتهم الشَّرعية في استنهاض الأمة، وتوعيتها بدينها وواقعها، ودفعها نحو بناء المستقبل الأفضل لذلك توجّه لتفجير كفاءاتهم العملية، وتشجيعهم على الإمساك بسلاح القلم، وصقل سيف اللسان، وامتلاك لغة الأدب الحديث.

كان الشيخ زين الدين يشقّ أمام تلامذته طريق الأدب المعاصر وقدَّم لهم من كتاباته وشعره نموذجاً ونهجاً يقتفون فيه أثره.

يقول الأستاذ علي الخاقاني:

(ولمزيد فضله فقد أخذ عليه الفقه والأصول رعيل من شبابنا المثقَّف، واطمأنَّ إلى خبرته الأدبية فريق من الأدباء المعروفين من النَّاشئة. وقد حباه الله بمواهب عالية في الأسلوب، فهو موفّق فيه يستولي على الألباب الواسعة ويهيمن على القلوب المتحجِّرة، وكُتبه التي ألَّفها دلَّت على خبرته وإتقانه للأُسلوب الأخَّاذ المشفوع بالخواطر الجليلة... وبقدر ما أُوتي موهبة في الأُسلوب النَّثري فقد حاز على مقياس كبير في الشعر)[13] .

وهو صاحب أوّل مبادرة لتدريس الأدب الإسلامي في الحوزة العلمية، كما كان يُشجِّع طلابه ضمن حلقته الأدبية على التمرُّس في فنون الشِّعر والأخذ بألوان الأدب.

يقول السيد مصطفى جمال الدين: (كنت أنا واحداً ممّن انضمّ إلى حلقة الشيخ زين الدين. وكانت في أول أمرها في مدرسة الخليلي ثم انتقلت إلى مدرسة الآخوند الوسطى. وفي هذه المدرسة انضمّ إليها قطب آخر هو الشيخ سلمان الخاقاني بما له من ثقافة واسعة، واطلاع على كل جديد يصدر في المكتبة العربية وصُحفها ومجلاّتها، وكان نشاطنا الأدبي يُثيره فيها كل من الشيخ زين الدين والشيخ الخاقاني بأسئلة شعرية يطلب الإجابة عنها شعراً، أو اقتناص موضوع طريف يتسابق فيه الجميع، ثم يحكّم أحد شعراء النجف البارزين يومئذٍ كاليعقوبي أو الجعفري للحكم بأجود قصيدة لهؤلاء المتسابقين، وهكذا)[14] .

ويقول أيضاً: (أمّا حياتي الأدبية والشِّعرية بوجه خاص فإذا كنت مديناً فيها لأحد فلهذين الشّيخين الجليلين: محمد أمين زين الدين.. وسلمان الخاقاني، فهما اللذان وضعا اللبنة الأولى في أساس ظللتُ أبني عليه بعد ذلك) [15] .

(د) ـ تهذيب النَّفس وصقلها بمكارم الأخلاق: حيث كان خير قدوة لتلامذته، وما كان بحثه عن الأخلاق عند الإمام الصّادق(عليه السلام)، والذي طبع في كتاب مستقل إلاّ بلورة وصياغة لبعض أحاديثه وتوجيهاته الأخلاقية لطلاّبه.

كما كان يغرس في نُفُوس تلامذته هُموم الأمة، ويضعهم أمام مسؤولياتهم في التّصدِّي لمهمّة الإنقاذ والتَّغيير.

لذا نرى تلامذته وقد أصبحوا قادة لمسيرة الإصلاح والنَّهضة في مجتمعاتهم، وروّاداً بارزين في ساحة الصَّحوة الإسلامية المعاصرة.

ونشير إلى بعض تلامذته كنماذج للتَّدليل على هذه الحقيقة.

1ـ السيد مهدي الحكيم: أُستشهد سنة(1989م) كان اليد اليُمنى لوالده الإمام الحكيم ومعتمده في المهام السياسية بشكل خاص، حيث كان يقيم في بغداد، وكانت السُّلطات الحاكمة تنظر إلى دوره الفعّال بقلق وإرتياب، وتراه مصدر خطر على إستبدادها وسياساتها القمعية الفاسدة.. فحاكت ضدّه المؤامرات حتى اضطُرّ لمغادرة العراق، واستقرّ به الأمر لبضع سنوات في إمارة دبي، حيث نظم شؤون المؤمنين هناك وجمع شملهم، وأشاد مؤسسة لإدارة أوقافهم، وحينما تحرّكت السّاحة الإسلامية في العراق بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، كان له دور قيادي سياسي بارز، حيث انتقل إلى لندن والتي أصبحت منطلقاً لنشاطه، وأسّس«رابطة أهل البيت»، واغتيل في الخرطوم من قبل المخابرات العراقية.

2ـ الدكتور السيد مصطفى جمال الدين(توفي سنة1996): من أبرز أُدباء العرب المعاصرين، ويحتل مكانة علمية وسياسية وإجتماعية مرموقة، وكان له ثقله في ساحة العمل الوطني والإسلامي في العراق.

3ـ الشيخ مهدي السماوي: وكان العالم الدِّيني لمدينة السماوة العراقية، ومن طلائع الحركة الإسلامية في العراق، ومن العلماء الرِّساليين العاملين، وقد أُستشهد سنة(1979م) على يد أجهزة النظام العراقي.

4ـ الدكتور السيد محمد بحر العلوم: وهو علم بارز في المجال السياسي للقضية العراقية، إضافة إلى مكانته العلمية والأدبية.

5ـ الشيخ محمد مهدي الآصفي: وهو من قادة الحركة الإسلامية في العراق، وله عطاء علمي وفكري متميّز في السّاحة الإسلامية.

6ـ الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي: وهو من أبرز علماء الأحساء المعاصرين، تميّز ببحوثه الفكرية، وتحقيقاته العلمية، وبعطائه الثّقافي الذي جعله في الطَّليعة من مفكِّري الصَّحوة الإسلامية.

7ـ الشيخ عبد الأمير الجمري: من أفاضل علماء البحرين وخطبائها المرموقين، ومن قادة الحركة الإسلامية فيها، حيث يحظى بشعبية كبيرة ونفوذ جماهيري واسع.

8ـ الشيخ أحمد البهادلي: من أساتذة جامعة النجف الأشرف وكلية الفقه، وكان عضواً في منتدى النشر، وأبرز مؤلّفاته[محاضرات في العقيدة الإسلامية].

هذه النَّماذج المتميِّزة من العلماء والمفكِّرين وقادة الإصلاح والعمل الإسلامي تُدلِّل على منحى مدرسته، ونوعية التَّوجيه التربوي فيها.

وحقاً ما قالته«منظمة الإعلام الإسلامي» في الجمهورية الإسلامية ضمن التَّقديم لكتابه [الإسلام: ينابيعه، مناهجه، غاياته] حيث قامت بإعادة طبعه سنة(1985م)، وأطلقت على الشيخ زين الدين لقب «أُستاذ الجيل العراقي المسلم».

وحقّاً ما قاله فيه سماحة السيد محمد حسين فضل الله:

(وقد انطلق سماحة الشيخ زين الدين في تربية مجموعة من الشباب استطاع أن يثبت فيهم روح الوعي وحركيه الثقافة الأدبية في الإسلام والفكرة، فكان منهم الكتّاب والشعراء، ولذا فقد أطلق البذرة الأولى في أرض الحوزة في النجف الأشرف في نشوء جيل مسلم منفتح على العصر بأسلوب العصر، وفي دائرة ذهنيته؛ وبهذا يعتبر سماحة الشيخ زين الدين من أوائل المجددين في هذا الاتجاه)[16] .

التجديد الفكري والثقافي:

كانت الأمة تعيش تناقضاً حاداً بين الفكر الديني التّقليدي في أُسلوبه وطروحاته، وبين الفكر المادّي الحديث بقسميه الغربي والشّرقي في شعاراته الجذّابة وأُسلوبه الرّائق.

فمع انشداد أبناء الأمة لدينهم، ورغبتهم في التمسّك بأصالتهم، لم يكن الخطاب الديني مشجعاً ولا قادراً على الإستقطاب والإقناع، فأُسلوبه قديم، وأطروحاته متخلّفة عن مواكبة قضايا الحياة، ومواضيعه لا تلامس هموم العصر. وفوق ذلك كلّه فهو قليل التوفّر والحضور في أوساط الجمهور.

أمّا الفكر المادي الوافد فقد أطلّ على نخبة الأمة وجماهيرها في لغة عصرية شيّقة، وعبر آليات وقنوات متنوّعة، كالقصّة والرّواية والمسرح والصّحافة ووسائل الاعلام المتطوّرة.

وهو يقدّم الحلول ـ ضمن منحاه المادي ـ لمشاكل يعيشها الناس، ويضع المعالجات لقضايا تستقطب اهتمامهم، ويرفع شعارات الإنقاذ والخلاص.

لقد عانى جيل الأمة المعاصر، منذ مطلع هذا القرن، استقطاباً حاداً، وتناقضاً عنيفاً بين ما يرغب فيه من أصالة دينية، وإلتزام مبدئي، وبين ما يحتاج إليه من حلول ومعالجات لواقعه المتأزم، ومشاكله اليومية الحياتية، ولغة عصره المعاش.

وكان الشيخ زين الدين من أوائل علماء الشيعة في العالم العربي الذين أدركوا عمق هذا التحدّي، وشخّصوا حقيقة المشكلة، واتجهوا إلى معالجتها وتلبيتها.

وكتابات الشيخ زين الدين تعتبر من الكتابات التأسيسية للتجديد في الفكر الإسلامي، ولعله أول قلم ديني لفقيه يتجاوز لغة الماضي في أُسلوبه، ويكتب بلغة الأدب المعاصر، كما هو واضح في كتابه[ الإسلام: ينابيعه، مناهجه، غاياته ] وكتابه[ العفاف بين السّلب والإيجاب ] وكتابه[ إلى الطليعة المؤمنة ] وسائر كتبه.

يقول الدكتور مصطفى جمال الدين:

«وكان هذا الشيخ ـ زين الدين ـ بالإضافة إلى علمه الجمّ، شاعراً من طراز متقدم، وكاتباً بارعاً ذا أُسلوب متميّز، لعلّه أقرب إلى أُسلوب الزيّات، تدلّ عليه رسائله[ إلى الطليعة المؤمنة] وكتابه الرائع[ الإسلام: ينابيعه، مناهجه، غاياته ] ولعله أول كتاب يظهر في النجف بلغة مشرقة الأُسلوب، حديثة المعالجة لقضايانا الفكرية، كما كان فيلسوفاً أخلاقياً يشهد له كتابه[الأخلاق عند الإمام الصّادق(عليه السلام)]، ورسالته[كلمة التقوى] في عشرة أجزاء، أكبر دليل على فقاهته، وغير ذلك من مؤلّفاته، وكان هذا الشيخ الجليل محور حلقة من العلماء يمتازون بثقافتهم الواسعة، وأساليبهم الرائعة»[17] .

ويقول سماحة السيد حسن النوري:

(وأحسب أن قلم شيخنا الفقيد كان فريداً في حوزة النجف من حيث الجمال والشفافية، وإن كان هذا لا يعني عدم وجود أقلام أخرى تميزت بجوانب أخرى من الكمال.

كانت الحروف والكلمات تنساب على لسانه بيسر وطلاقه، كما كانت تفعل حيث يجري قلمه. وإنه ليأخذك من غير اختيار في موضوعاته لأن المضامين رائعة والأسلوب أروع)([18).

الإنفتاح على الجمهور:
النَّمط المعتاد في حياة الفقهاء هو العيش ضمن إطار الحوزة العلمية، والتَّعاطي مع العلماء والطلاب والتلامذة فيها، دون أيّ انفتاح أو تواصل مع جماهير الأمة إلاّ عبر قنوات ونوافذ محدودة قليلة.

فالفقيه والمرجع لا يغادر الحوزة العلمية إلاّ نادراً، وفي حدود الضّرورة. ولا يسافر إلى سائر المناطق والبلدان، ولا يكتب لعموم الناس، وإنما يكتب في مجالي الفقه والأصول وفي مستوى الإستدلال العلمي، ولا يخاطب الجمهور وإنما يلقي بحث الخارج للتلامذة المتخصّصين.

هذا الإنقطاع من قبل المراجع والفقهاء عن ساحة جماهير الأمة، والذي تفرضه الظروف في بعض الأحيان، وتقتضيه الأعراف والتّقاليد غالباً، له آثار سلبية على الفقهاء وعلى جمهور الأمة.

فالفقيه لا يُلامس قضايا الناس، ولا يـباشر التَّعاطي والتَّعامل معهم، وبالتّالي فمعرفته بهم وإدراكه لآلامهم وآمالهم محدودان ومتأثّران بالقنوات والنَّوافذ الموصلة بينه وبينهم.

كما أنَّ حضور الفقيه وسط الجمهور يعطي للناس زخماً معنوياً كبيراً، ويكرِّس انشدادهم وارتباطهم بالدين والقيادة الدِّينية.

من هذا المنطلق، كان الشيخ زين الدين حريصاً على الحضور والتَّواجد في ساحة الجمهور، عبر رحلاته التي كان يقوم بها سنوياً إلى البحرين والقطيف والبصرة، فيؤمّ الناس في صلاة الجماعة، ويُلقي فيهم الدُّروس والخطب، ويستقبلهم ليجيب على تساؤلاتهم، ويتحادث معهم، ويتقبّل دعواتهم، ويدخل بيوتهم ومنتدياتهم.

يقول الأستاذ سالم النويدري:

«كانت له زيارات منتظمة للبحرين في كل عام، حيث يقضي في ربوع قرية آبائه ـ كرزكان ـ على السّاحل الغربي للبحرين ثلاثة أشهر متّصلة، يُقيم الجمعة في جامعها المشهور الّذي تؤمُّه جماهير البحرين المؤمنة من مختلف المدن والقرى، وكان يتنقّل في أرجاء البلاد ليتحف المؤمنين بمحاضراته القيّمة ومواعظه المؤثّرة.

(ومثل ذلك كان يفعل في ـ القطيف ـ، وفي مسقط رأسه بمدينة ـ البصرة ـ ثمّ يعود أدراجه إلى دار هجرته في ـ النجف الأشرف ـ ليرفد طلاّبه الّذين ينتظرون قدومه متلهفين بفيض معارفه وزاخر علمه وناصع بيانه، ويكلأهم برعايته وحنانه الأبوي الفيّاض..

ولئن نسيت، فلا أنسى تلك المجالس التي كانت تجمعنا بسماحته في البحرين حيث يتحلّق الشّباب المؤمن من حوله، وكلّهم آذان صاغية لذلك السّلسال العذب من الألفاظ، وهو يردّ على أسئلة الحاضرين، فيشيع في أرجاء المجلس روحانية قلّما تلحظها في مجالس أخرى.

وكانت هيبته ووقاره لا يمنعان الشباب ـ ولو كانوا في سنّ الحداثة ـ من الإرتشاف من معينه العذب، لما يلمسونه فيه من إقبال منقطع النّظير على احتضانهم والإقتراب من حياتهم، والولوج إلى أعماق مشاكلهم، وهذا ما لم يعهدوه حتى فيمن دونه رتبة ومقاماً، من حملة العلم وأرباب الفضل في مجتمعهم»([19)].

ويقول الحاج كاظم يوسف التميمي: (كانت زياراته المنتظمة للبصرة في فصل الصيف أشبه بمواسم التثقيف والتوعية، حيث تستضيفه مكاتبها الإسلامية فيسارع إليه المؤمنين ويجتمع لديه الدعاة العاملون في سبيل الله، يستمعون إليه محاضراً في موضوع أو متحدثاً في مناسبة، وفي حديثه من قبسات الفكر والمعرفة وهدي القرآن وسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) وآل البيت (عليهم السلام) وجهاد المسلمين في صدر الإسلام ما يغرس في النفوس حتمية انتصار الإسلام، ويهوّن أعباء الطريق الطويل، ويخفف عنهم ضغوط الواقع المختلفة.

كما يتوافدون إلى بيته في نهر خوز في زيارات جماعية، فكان ديوانه المتواضع ملتقى لمريديه، وأغلبهم من الشبان المتحمسين لتلقّي أفكاره وتوجيهاته، وقد كان لي شخصياً شرف الحضور والإفادة من أفكاره السليمة وآرائه السديدة، مع بعض الأخوة البصريين ومن الشهيد الشيخ عارف البصري، وهو من مريديه والمقربين إليه، وأول من دعاني لزيارة الفقيد وعرفني عليه. ومنهم المرحوم الشيخ سهيل نجم السعد وآخرون. كما كانت للشيخ الفقيد (رحمه الله) زيارات عمل ونشاط فكري وتربوي في البحرين و القطيف و سيهات على الساحل الشرقي للخليج، يتجول بين مدنها وقراها، وتنعقد مجالس الوعظ والإرشاد أينما حلّ، ولا يفوتني أن أذكر أنه كان يدفع المرتبات الشهرية لطلبة الحوزة العلمية في النجف، ويسهم في إعالة ما يقرب من ثلاثة آلاف عائلة في النجف والبصرة بعد فرض الحصار على الشعب العراقي) [20] .

وكان للشيخ زين الدين انفتاح مميّز على الطّبقة المتعلّمة والمثقّفة من الأمة من أساتذة الجامعات وطلابها، حيث وجدوا فيه ملاذاً للإجابة على إشكالاتهم وتساؤلاتهم، وكان يرفدهم بالتشجيع والدّعم الرُّوحي، ويُعطي من نفسه ووقته للإجابة على أسئلتهم تحريرياً حينما يراسلونه وبشكل مسهب مفصّل، وقد جمع بعض تلك الإجابات وطبعها في كتاب بعنوان[ إلى الطليعة المؤمنة ] اشتمل على ثمانية وأربعين رسالة.

ويُشير في فقرة من احدى تلك الرسائل إلى اهتمامه بمراسلة أولئك الشباب على كثرتها، وأنّه يعطيها الأولوية على سائر بحوثه وكتاباته، فيقول في سياق الإعتذار لأحدهم لتأخره في الإجابة على أسئلته:

«وقد وردت عليّ أمنيّتك هذه أيُّها العزيز وأنا في ضائقة من الشَّواغل، فماذا أعمل، وماذا أصنع؟.

فهل تعلم أنَّ بين يديَّ أكثر من عشرين عملاً يتطلَّب الإنجاز؟

وفي ضمن هذه الأعمال أكثر من ثلاثين سؤالاً ينتظر الجواب؟

وأنَّ بعض هذه الأسئلة يفتقر إلى أكثر من خمس صحائف في الشَّرح والتَّعليق؟

هل تعلم أنِّي منذ شهرين كاملـيـن، لـم أكتب جمـلـة واحدة فـي الـحلـقـة الـثَّـانية من كتاب [ الإسلام ]؟!» [21] .

ويقول ضمن رسالة أخرى:

«إنَّني لا أتساهل ـ ما استطعت ـ في أمر تفرضه عليَّ الدَّعوة إلى الله والدَّلالة على سبيله، وإنَّ من مهمّات هذه الأُمور لديّ أجوبتي على مسائل الشباب الميامين الذين أعقد عليهم الأمل، وأتوسَّم فيهم الخير، والَّذين يجعلونني موضعاً لثقتهم فيفضون إليَّ بشبهاتهم، ويبثُّون إليّ شجونهم في رسائلهم.

لا أتسامح ما استطعت وما يكون لي أن أتسامح وأنا أعلم أنَّها أمانة كبيرة يحاسبني الله عليها ويسألني عن الوفاء بها، أمَّا محاسبة الضَّمير ومسألته فهما دون ذلك في موازين أهل الدعوة وفي موازين أهل الدين»[22] .

تلك كانت بعض المعالم من منهج الإصلاح والتّطوير في حياة الشيخ محمد أمين زين الدين، والتي يتلاشى فيها حُضُور الذَّات إلى أقصى حدٍ ممكن، بينما يتركّز فيها العمل من أجل الهدف المقدَّس، والإخلاص للرِّسالة المنقذة، والحركة والنِّشاط لتطوير الأمة، فهي تمثّل تجربة رائدة في الإصلاح دون حضور الذات.

بالطّبع فإنَّ لكل تجربة ظروفها وخصائصها، ولكلِّ مصلح أُسلوبه وطريقته، وحينما نقرأ أيَّ تجربة فإنَّها لا تُغنينا عن سائر التَّجارب، ولا تلغيها ولا تخدش من قيمتها، بل تجعلنا أمام أفق جديد، وخيار آخر ودروس إضافية.

رحم الله الشيخ زين الدين ورفع درجته ومقامه في الجنّة، ووفَّق الله أبناءه وتلامذته والعاملين المخلصين من أبناء الأمة لمتابعة مسيرته وتحقيق أهدافه الإسلامية العظيمة.

ملامح من أفكاره وآرائه

فقرات مقتبسة من بعض كتابات الشيخ زين الدين بمثابة عينات على فكره الرسالي وآرائه الإصلاحية
تصحيح نظرة رجال الدين إلى الشباب:
«والمظـنَّة التي يظنها فريق من أصحاب المنابر ورجال الدين ببعض الشباب فيبعدون عنهم، وينفرُّونهم من قُربهم، هذه المظنّة السيّئة هي مصدر البلاء الذي حاق بنا يا عزيزي والذي جنينا ثماره وحملنا آصاره.

وما ضرّ رجل الدين أو خطيب المنبر، أن يـبـسـط خلقه وعلمه للنّاقد من الشباب أو غير الشباب، حتى يحيله مادحاً، و للجاهل حتى يصيره عالماً، وللغاوي حتى يجعله رشيداً.

وهذا الشاب أو الغاوي ليس بأحطّ نفساً ولا أسوأ قصداً ولا أقلّ قيمة من ذلك البدوي الغليظ الجافي الذي كان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يستقبله بإبتسامة العطف واللطف، ثم يفترش معه الحصى ويكبّ عليه يفحص أدواءه داءاً داءاً، ويعالجها واحداً واحداً، ولا يفارقه إلا وهو أحب الناس إليه وأشدّهم إنقياداً لقوله.

إنها دروس رفيعة رفيعة يا عزيزي لو أننا اتبعناها في مجالاتنا من الدّعوة إلى الله، لأفدنا منها خيراً كثيراً وكفينا شراً كثيراً.

ومنبر الدّعوة لم يُؤسِّس حين تأسَّس لتعليم العالم وإرشاد الرَّشيد، ولو كانت هذه مهمته لفقد جدواه وبطلت حكمته» [23] .

التديّن الإنطوائي بعيد عن روح الإسلام:
«أمّا الإيمان القاصر المنطوي فإنّه بعيد عن روح الإسلام الهادية المتفائلة التي تريد أن تفتح الدنيا وتنير أقطار المعمورة وتعمر آفاق الناس وقلوبهم وضمائرهم.

أي وعينيك، إنَّ هذا اللون الحائل من الإيمان أبعد الأشياء عن روح الإسلام.

وأسميه قاصراً منطوياً لأنه قد يملأ جانباً واحداً من جوانب النفس الكثيرة ولكنه لا ينفذ إلى جوانبها الأخرى.

فقد يتلقّى الإنسان عقيدة الإسلام بفكره المجرّد فينظر فيها نظراً ثاقباً ويؤمن بها إيماناً شديداً، ولكن النّواحي الأُخرى من نفسه، ولكن حبَّه وآماله وعواطفه ومشاعره، تكون بعزلة كاملة عن ذلك، فلا تؤثِّر في إيمانه شيئاً ولا تتأثَّر به، كأنَّ الأمر لا يعنيها بشيء أبداً.

ومعنى ذلك أنَّ هذا الإنسان آمن إيماناً جافاً صلداً ليس فيه طراوة الحب ولا نبضة العاطفة ولا تجدّد المشاعر ولا ابتسامة الأمل.

ومعنى ذلك أنه آمن إيماناً يائساً متشائماً قاسياً يظن في ما حوله الظنون وينظر إليه بريبة، يحكم بالضّلال على من خالفه لأقلّ بادرة، وييأس من صلاحهم لأدنى تهمة، وهو من أجل هذه الأزمة التي تأخذ عليه آفاق نفسه، لا يجهد بإبلاغ دعوة ولا يأمل في إقبال فتح، ولا يرجو إشاعة صلاح أو تقويم عوج.

إنَّ هذا الإيمان المنطوي أبعد الأشياء عن روح الإسلام وعن رشد القرآن، وعن هدي الرسول، والدعاة المسلمون هم الذين يستقبلون أعداءهم الأشدّاء الألدّاء بإبتسامة الحب وعطف الأُخوّة، ويتلقونّهم بسماح الإسلام وأخلاق الرسالة فيفعلون العجائب ويحقّقون المعجزات»[24] .

الإسلام يرفض التّمييز بين المواطنين:

«أيَّ دين هذا الذي يشعر أتباعه بالسمو على المواطنين الآخرين في الحقوق والواجبات والحريات الفردية والجماعية التي يعترف بها الدين، وأمام محاكم العدل، وسلطان التنفيذ؟

أيَّ دين هذا الّذي يشعر أتباعه بالسُّمو على المواطنين الآخرين في شيء من ذلك؟ والدين الذي يرتكب ذلك يثبت بطلان نفسه، ويناقض العدل الذي يكدح هو وأتباعه في الدّعوة إليه.

أمّا الإسلام على الخصوص فإنّه أعظم الأديان براءة وأشدّها نزاهة عن هذه الهنات... وتاريخه النـيّر المشرق، ومناهج تشريعه العادلة براهين صدق على هذه الدّعوى.

والمواطنون الآخرون حين يعلمون أنَّ الدين الرَّسمي للدولة يصون لهم حقوقهم كاملة، ويضمن لهم حرياتهم دون ميل ودون انحراف، لا يشعرون بغربة أو ببعد عن الفئة ذات الدين الرسمي ويشعر الجميع بالمساواة والطمأنينة كما يدعو إليها الإسلام، ويتعاون الجميع من أجل مصلحة الدولة ومصلحة البلاد.

إنَّ الإسلام يُنمِّي الكفاءات في أتباعه وفي مواطنيه على السَّواء، ويمهِّد للمواهب أن تظهر وأن تتفتّق، ويهيء لها الأجواء الصَّالحة، ويمدُّها بالتّربية الموجّهة، ويستثمرها جميعاً لمصلحة المجتمع ومصلحة الدولة دون ميل ولا مواربة، إلاّ أن ينحرف ذو الكفاءة فيعمل طاقته في هدم الإسلام وشلِّ حكومته والكيد للمسلمين والفتـنة لهم في دينهم، وإذا ثبت ذلك فلا جور ولا ضير في أن يؤدَّب المعتدي»[25] .

لنتجاوز الحديث عن الأمراض إلى تقديم العلاج:

إنَّ السبب ـ للواقع السيئ ـ هو الجهل، ومصدر الجهل هو تقصيرنا نحن في تقديم الغذاء النافع لأبنائنا والدواء النّاجع لأدوائهم، تقصيرنا الذي لا بدّ لنا من الإعتراف به والإستغفار منه، والعمل للتخلص من نتائجه.

لقد عرفنا السبب وعرفنا المصدر الذي حدثت عنه جرثومة الدّاء، وقد آن لنا أن نفيد من التجربة، وأن نعمل لحسم الدّاء، وإقتلاع جذوره وإبادة بذوره.

هذه هي الثّمرة الصّحيحة المحمودة التي يجب أن نجتنيها من تشخيص الدّاء وتعداد الأخطاء.

أمّا أن نشغل أوقاتنا وأنفسنا بتعداد الذُّنوب والإعتراف بالتَّقصير دون عمل مجد، فهذا ما لا يجرّ لنا إلا خبالاً ووبالاً.. لا يثمر لنا غير إضاعة الوقت وتكرار الخطيئة، وتضخم النتائج وإرهاق النفوس بالشعور بالإثم، وإضعافها بل وإذلالها بالإيحاء إليها أنّها لا تستطيع فكاكاً ولا تملك علاجاً.

فلنعمل إذن مجدّين، فقد مضى وقت الكسل والهزل.

لنبيّن للناس ما يرشدهم ويصلحهم ولنوضح للنّاشئة ما يصونها ويثبتها، ولنقدم للعقول ما يغذيها ويزكيها.

لنثبت لأبنائنا إثباتاً ليس بعده مجال للشكّ أنّ دين الله أولى بالقبول وأنّ دعوة الله أحقّ بالإستماع وأنّ مبدأ الله أحقّ بالإتباع.

ليعمل كلٌ منّا في هذا السّبيل قدر طاقته ومبلغ جهده وحسب اختصاصه»[26] .

متى ترتفع راية الإسلام:

«متى ترتفع راية الإسلام؟ ومن سيرفعها وأين سترتفع؟

ستتحقّق هذه الأُمنية ـ بإذن الله ـ يوم يجدّ العاملون من أبناء الإسلام في تطبيق مناهج دينهم وحدود كتابهم، يوم ينتشر الوعي الإسلامي الصحيح بين أبناء الأمة، وتنمو التربية الإسلامية لناشئتها، والتفهم الكامل لأسرار الشريعة، ويخلص الجميع في حمل الدعوة إلى الله وتأدية الواجب في الدين.

سترتفع راية الحق بأيدي تلك الفئة المجاهدة في سبيل الله وفي تلك البلاد التي تسمو بالخضوع لحدود الله ويتآزر أهلها لإعلاء كلمة الله.

أمّا إذا رغبنا نحن أن نكون من تلك الفئة وأن تكون بلادنا من تلك البلاد فإنَّ علينا أن نحمل تلك الأعباء ونؤدِّي ذلك الثمن»[27] .

الشَّخصيّة الإسلامية:

«ما هي الشَّخصيّة؟

مجموعة من السِّمات والخصائص، تجتمع فتكوّن للفرد هويَّة خاصَّة تميِّزه عن الأفراد الآخرين، وبمقتضى علو تلك الصِّفات والخصائص وهبوطها، واستقامتها وإنحرافها، يتعيّن مركز الفرد في مجتمعه، علواً وهبوطاً، واستقامةً وإنحرافاً، وهي سرُّ نجاحه أو إخفاقه في الحياة، وهي أساس قبوله أو رفضه لدى الآخرين.

هذه هي الشَّخصية، فإذا تألف من تلك المجموعة نظام كامل مترابط سميت الشَّخصية متكاملة.

وتقابلها الشَّخصية المنحلَّة المفكَّكة: التي لا يكون بين مجموعة صفاتها ترابط، وتقابلها من وجه آخر الشَّخصية القلقة: التي تصطرع فيها عدَّة من الصِّفات المختلفة النُّزوع، المتضادّة الإتجاه.

والشَّخصية الإسلامية المتكاملة: هي التي تكون مجموعة الصِّفات والخصائص فيها كلها من صنع الإسلام ومن إشعاعه، ويكون التّرابط ما بينها على ضوء مناهجه وتربيته.

هي التي يصوغها الإسلام وفق مناهجه، ويمدّها من قوته، ويوجّهها إلى غايته، فلا ضعف ولا قلق، ولا تفكّك ولا إنحراف»([28)].

ثقافة المرأة وأدوارها الإجتماعية:

«لماذا لا نفتح لفتياتنا المدارس والمعاهد والكليات الخاصة بهنَّ، ونهيّء لهنَّ الأستاذات القديرات ذوات الكفاءة، اللاتي يضمن لتلميذاتهنَّ بلوغ الغاية في أيِّ حقل من حقول الثقافة، وفي أي فرع من فروع العلم؟

وحاجة بعض النِّساء إلى الخبرة والتَّجربة لا تقلُّ عن حاجة الرجال.

ماذا تعمل التَّاجرة التي ورثت عن أبيها أو قريبها تجارة كبيرة متعدِّدة الجوانب، متَّسعة الأقطار، ألا تفتقر إلى تجارب وخبرة تدير بها تجارتها، وتدبّر أعمالها ومعاملها، وإن كانت من وراء حجاب؟

والملاّكة التي انتقلت إليها بالوراثة الشَّرعية وفرة من الأراضي والأملاك، متباعدة الأمكنة مختلفة الإنتاج، ألا تحتاج إلى خبرة وتجارب تدبّر فلاحيها ووكلاءها وتستثمر أراضيها، وإن كانت لا تختلط بالرجال؟

ومملكتها الصَّغيرة: بيتها، زوجها، أطفالها، أُسرتها، ألا تفتقر في تدبيرها وحسن رعايتها إلى خبرة واسعة وتجارب مضمونة؟

الإسلام لا ينكر قابلية المرأة، ومن أجل ذلك فرض عليها طلب العلم كما فرضه على الرجل، وفسح لها باب العمل كما فسحه للرجل، ووعدها بالدرجات الرفيعة والحياة الطيبة ـ إذا عملت صالحاً ـ كما وعد الرجل، سواءٌ بسواء.

والإسلام لا يعيّن للمرأة نوعاً من الثَّقافة، ولا فرعاً من العلم، فلها أن تختار ما تشاء منها، وهو يحبّ لها أن تبرز وتتفوّق في النوع الذي تختاره من الثّقافة، والفرع الذي تتخصص به من العلم، مع مراعاة حدودها الشَّرعية.

وأمّا علم الدين: علم ما يـبين لها عقيدتها، ويصحّح لها عملها، فهو واجب عيني عليها، كما هو واجب على الرجال، والإزدياد منه على هذا المقدار واجب كفائي على الجميع، وفي النساء من بلغن الدرجات العالية في هذه الحقول، وفي النساء المعاصرات من شهد كبار المجتهدين لها ببلوغ درجة الإجتهاد، وحصافة الرأي في الفقاهة»[29] .

حرية الرأي في بلاد الإسلام:
«وقد كان للسُّلطة ـ العراقية ـ القائمة في تلك البرهة موقف من الكتاب[العفاف بين السَّلب والإيجاب] لا يحمده الإسلام، ولا ينساه المسلمون في النجف، والله وحده هو الرقيب الحسيب.

ولقد عجبت كثيراً وعجب أصدقائي الذين قرؤا الكتاب، وسيعجب الآخرون الذين سيقرؤنه بعد هذا، لماذا كان ذلك المنع، ولماذا كان الإصرار عليه والمبالغة فيه؟!

تمنع كلمة الإسلام، أن يجهر بها في بلاد الإسلام، وبين أبنائه، وفي حكومة يعلن دستورها المؤقت والدائم أنّ دينها الذي لا تستبدل به ديناً سواه هو الإسلام؟!

تمنع كلمة الإسلام أن تُقال في هذه البلاد وتحت ظلِّ هذه الحكومة، ثم لا تمنع كلمات وأقوال وكتب ونشرات تنابذ الإسلام، بل وتنال من قدسه؟

ولست أقصد من قولي هذا أن تمنع هذه الدَّعوات والإدِّعاءات، فإنَّ الإسلام لا يخشى منها أبداً ولا يهوله أمرها، ولا يجد فيها ما يصلح أن يُعدّ منافساً، ولكنّ المقصود من ذلك القول أن يفسح المجال لكلمة الإسلام كما يفسح لغيرها سواء بسواء، فتنتشر دعوته دون تحريف، وتعلن حجته دون منع، وتبين حكمته دون ميل، أن يصنع كذلك ليتخذ العقل الواعي سبيله في البحث الحر والموازنة الكاملة والإستنتاج الصحيح.

أمّا أن تخنق وتوأد هي وحدها دون ما سواها فهذا ما لم يدر في حسبان!!

وبعد الإستنكار الشديد من الطبقات المؤمنة في النجف، وبعد الإحتجاج البالغ من المراجع العليا في الدين عادت النسخة المخطوطة الوحيدة المصادرة من الكتاب وعلى كل صفحة منها ختم للمنع، وتحت كل سطر منها خط أحمر، حتى تحت الآيات القرآنية التي ذكرت في طوايا الكتاب»[30] .

التّمييز بين النافع والضّار في الحضارة الغربية:

والتقدم والحضارة، هل معناهما التقليد البليد لعادات الغرب والإتباع الأعمى لخطواته والرجع المردّد لنغماته، على غير تمييز بين النّافع منها والضّار، وبين المعوجّ والمستقيم؟

من القبيح بالأمة أن لا تكون مستقلة بذاتها حتى في هذه البداءة، وحتى لا تفكر إلا بعقول غيرها ولا تشعر إلاّ بشعوره ولا تنظر في مصالحها وصوالحها إلاّ بمنظاره!!

من القبيح بالأمة أن تكون إمعّة إلى هذه الحدود! والذي لا يستطيع أن يفكر لنفسه بنفسه، ولا يستطيع أن ينتزع عوائده من صميم حياته ومن ملابسات مجتمعه، كيف يؤمل به أن يسمو إلى ذروة أو ينهض بأعباء؟!

والتقليد معرّة كبيرة شديدة، فمعناه الصريح هو الجهل، ومردُّه الواضح هو الضعف وفلسفته الغريـبة هي الصغار وعدم الإستقلال، وهي في المجتمع أشدّ نكاية منه، في الفرد.

وقد لا تلام الأمة عليه إذا كان تقليداً فيما ينفع، فإنَّ من العقل أن يفيد الإنسان من تجارب غيره، ولكنها تمتهن وتحتقر ويسخر منها ومن سلوكها إذا كان تقليداً في ما يضر، وتكون أكثر استيجاباً للمهانة والزراية والسخرية إذا كانت تعتقد مع ذلك أنَّ هذا التقليد ضروري لها ولحياتها، لأنه جهل مكرّر، وضعف متمكّن، وصغار ذاتي قاتل، وهذه هي الأدواء الأولى التي تفتك بالأمم وتقتل معنوياتها وتحكم عليها بالدمار وعلى أمجادها بالإندثار»[31] .

الحضارة والتقدم:

«الحضارة والتقدم تطور في الثّقافة، وتمكّن في العلم وإرتقاء في الصناعة، وارتفاع في الإنتاج والعمران، والحضارة والتقدم علوّ في الأخلاق وإستقامة في السُّلوك، وصدق في المعاملة وقوة في الحفاظ واعتصام بالكرامة، والحضارة والتقدم التفاف من الأمة حول مبادئها القويمة وإستمساك منها بدينها الحق وقيمها العالية، وجمعها لأسباب القوة وتوكيدها لوشائج الأُخوّة وتعزيزها لمظاهر التضامن.

وليس من الحضارة أبداً، ولا من التقدم ولا من العلم ولا من المدنيّة، ألا تضاع في الموازين والهبوط في القيم والترهُّل في السُّلوك والتملّق للشَّهوة.

ليست هذه الأشياء من الحضارة ولا من التقدم ولا من العلم ولا من المدنية في شيء أبداً، وإن اتخذت أسماء، أُخر وتحلَّت بسمات أُخرى، فإنَّ الواقع لا تُغـيّره الأسماء ولا السِّمات»[32] .

الأقلام والكتابات الطّائفية:

 «وفريق آخر من الكُتـّاب المسلمين ملكت عليهم العصبيات الطّائفية مذاهب القول، وأوصدت عليهم منافذ التّفكير، يبغون أن يعرفوا الإسلام فيصدعون شمل المسلمين ويقطعون أواصرهم ويمزقون وحدتهم، نعم ويثكلون الإسلام غايته الأثيرة التي قاسى الرسول(صلى الله عليه وآله) لإنشائها ما قاسى، وكابد المسلمون السابقون لتوطيدها ما كابدوا، وتحمّل التّابعون في تعزيزها ما تحمّلوا!!

مستبدُّون ينظرون في الإسلام من نافذة ضيّقة، ثم يحكمون في أمره ويتحكّمون ويقولون في أهله ويتقوّلون، والله حسيبهم على ما يصنعون.

أرأيت المسلم يكيل التُّهم لأخيه المسلم دون عدّ، ويختلق الأكاذيب عليه دون مراقبة؟!

أرأيت المؤمن يُصوِّر قريبه المؤمن كما يُصوّر الغول، ويتحدّث عنه كما يتحدّث عن الخرافة، ويقسو عليه كما يقسو على الخصم الألد؟!

ثم أتريد أن أضع بيديك ثبتاً طويلاً بأسماء هذه الكتب وبأعلام هؤلاء الكُـتّاب؟

اطمحُوا بأبصاركم عالية أيها الإخوة لتروا أنَّ الإسلام أرفع من هذا الحضيض الذي تتنسمون، وأرحب من هذا المضيق الذي تتوهّمون.

الإسلام دين يعصم العقول أن تنقاد لهوى، وعقيدة ترفع النفوس أن تتهم بسوء، ومبدأ ينقي الأفئدة أن تنطوي على ضغينة، وشريعة تطهر الألسن أن تنطق بكذب.. فهل نحن كذلك؟

والإسلام دين تعاطف وأُخوّة، وشريعة مودّة ورحمة، ومبدأ إخلاص وولاء، أليس المؤمنون إخوة كما يعلن كتاب الإسلام في مواضع منه، ورحماء بينهم كما يذكر في مواضع أخرى، وبعضهم أولياء بعض كما يقول في آيات غيرها، ولقد كانت هذه نعوت أسلافنا من قبل، فهل نحن كذلك؟

لا يُلام باحث أن يستعرض المذاهب بالموازنة المنطقية، ويستوعبها بالنَّقد النَّزيه ويحكم في قواعدها البرهان الصحيح، لا يُلام باحث أن يفعل لك تثبيتاً للحُجَّة وإستيضاحاً للحق، وقد يكون مثاباً عند الله سبحانه على فعله متى كان حسن النية فيه.

ولكنه يكون ملوماً يوم يتحزّب ويتعصّب، ويكون مُؤاخذاً أعنف المؤاخذة وملوماً أعظم اللوم يوم يجرُّه التَّعصُّب إلى ما لا يُحمد، فلا يبصر غير مطاعن ولا يذكر إلاّ مثالب»([33).

مقاومة الظُّلم والظَّالمين:

«إنَّ الإسلام لا يرضى من المسلم أن يخضع للدَّنـيـّة ويستسلم للهوان، ويحتّم عليه أن يثأر لكرامته وحريته، ويحتم عليه أن يلزم العدل في ثورته وفي إستيفاء حقه، والمسلم يعلم، ما دام ملتزماً بالعدل، أنَّ الله ناصره من الظلم ومجيره من البغي: ﴿ذَلِكَ وَمَن عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ ثُمَّ بُغِي عَلَيْهِ لَيَنْصُرنَّه الله﴾([34).

فإذا أعيا على المظلوم أن يُدرك حقّه، وإذا عزَّ عليه النَّاصر وصعب عليه الإنتصار، فهل يباح له في شريعة الإسلام أن يتطامن للذُّل وأن يستلين مهاده؟

إنَّ الإسلام يحرِّم عليه هذا النَّمط المرذول من الحياة، ويأبى له الإقامة عليه.

يُحرِّم عليه أن يخلد إلى الهون، ويوجب عليه الهجرة عنه، ويأنف له من أن يفتدي قراره في مكان ما بكرامته.

وليست كرامة الفرد في رأي الإسلام حقاً من حقوقه الخاصة ليكون مختاراً في إهدارها. إنَّ كرامة الفرد المسلم هي بذاتها كرامة الإسلام وكرامة المجتمع المسلم فليس من حقِّ الفرد ألبتَّة أن يتغاضى عنها ويتساهل فيها.

إنَّ الإسلام يأبى الضَّيم، ويأبى لأحد من أبنائه أن يقرّ عليه أو يهادنه، أو يجد مسلماً يرزح تحت أثقاله ثم لا يخف إلى نصره وإلى فكِّ إساره، وهو يجنِّد لذلك ضمير المسلم وإرادته وقواه وعامة مشاعره، ويُوطئ له في عقيدته ويربط به أعماله، ويُؤسِّس على ذلك بناء المجتمع المسلم ويقيم عليه صلاته ويحكم وشائجه.

وقد غنم الثَّائرون في تاريخ الإسلام ـ المصلحون منهم والمفسدون ـ هذا الإحساس القوي الملتهب في نفوس المسلمين فصرفوه لغاياتهم، ومن أجل ذلك كثر الناهضون في الإسلام وربا عديدهم ولم يعرف التاريخ لهم ضريـباً في ذلك»[35] .

سطور من تاريخه وحياته

¤ الشيخ محمد أمين بن الشيخ عبد العزيز بن الشيخ زين الدين بن الشيخ علي بن زين الدين.

¤ ولد في «نهر خوز» من قرى البصرة في العراق سنة(1333هـ ـ 1914م).

¤ بدأ دراسته الدِّينية في محل ولادته ثم هاجر إلى النجف الأشرف سنة(1351هـ).

¤ أسرته من أهالي البحرين، وقد هاجر منها جدُّه الشيخ زين الدين إلى البصرة وأصبح من علمائها، وكذلك كان أبوه الشيخ عبد العزيز المتوفي سنة(1347هـ) من علماء البصرة.

¤ توفي عن عمر يناهز (84 عاماً)، وذلك بتاريخ(20/6/1998م)، في النجف الأشرف.

من أساتذته:

1ـ الشيخ ضياء الدين العراقي: (توفي سنة1361هـ) في أُصول الفقه.

2ـ الشيخ محمد حسين الأصفهاني الكمباني: (توفي سنة1361هـ) في الحكمة والفقه.

3ـ السيد حسين البادكوبي(توفي سنة1358هـ) في الحكمة.

4ـ السيد أبو الحسن الأصفهاني(توفي سنة1365هـ) في الفقه.

5ـ الشيخ محمد طاهر الخاقاني(توفي سنة1405هـ)في الأصول.

6ـ السيد محسن الحكيم(توفي سنة1390هـ) في الفقه.

من تلامذته:

1ـ الدكتور السيد مصطفى جمال الدين: درس عنده الكفاية والرسائل وقسماً من المكاسب وشرح منظومة السبزواري في الفلسفة.

2ـ الشيخ علي زين الدين: ـ أخو المترجم ـ توفي سنة(1406هـ).

3ـ الشيخ أحمد البهادلي.

4ـ السيد حسين بحر العلوم: درس عنده الجزء الثاني من[كفاية الأصول] و[شرح التجريد] في الكلام للعلامة الحلي.

5ـ السيد إبراهيم الزنجاني: درس عنده المكاسب.

6ـ الشيخ مهدي السماوي: (أُستشهد سنة1979م).

7ـ الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي.

8ـ الشيخ عبد الهادي الربيعي البحراني.

9ـ الشيخ محمد حسين الخزاعي.

10ـ الشيخ محمد رضا العامري.

11ـ الشيخ صالح الشيخ مهدي الظالمي: من أساتذة كلية الفقه في النجف الأشرف.

12ـ الدكتور السيد محمد بحر العلوم.

13ـ السيد مهدي السيد محسن الحكيم: (أُستشهد سنة1989م) درس عنده الأدب الإسلامي.

14ـ الشيخ عبد الأمير منصور الجمري: من أبرز العلماء في البحرين.

15ـ الشيخ ضياء الدين زين الدين: (ابن المترجم).

16ـ السيد رؤوف جمال الدين: درس عنده العلوم اللغوية والأدبية.

17ـ الشيخ إبراهيم المبارك البحراني: درس عنده[معالم الأصول].

18ـ الشيخ محمد مهدي الآصفي: حضر دروسه في الأخلاق.

19ـ الشيخ محمد حسين حرز الدين.

مؤلفاته:

1ـ [الأخلاق عند الإمام الصّادق(عليه السلام)]: مطبوع.

2ـ [الإسلام: ينابيعه، مناهجه، غاياته]: مطبوع.

3ـ [إلى الطَّليعة المؤمنة]: مطبوع.

4ـ [رسالات السّماء]: مطبوع.

5ـ [العفاف بين السَّلب والإيجاب]: مطبوع.

6ـ [مع الدكتور أحمد أمين في حديث المهدي والمهدويّة]: مطبوع.

7ـ [من أشعّة القرآن]: مطبوع.

8ـ [من أمالي الحياة]: ديوان شعر مخطوط.

9ـ [كلمة التّقوى]: (عشرة أجزاء) مطبوع.

10ـ [المسائل المستحدثة]: مطبوع.

11ـ [تعليقة على العروة الوثقى] للسيد الطباطبائي اليزدي: مطبوع.

12ـ [تقريرات]: بحث أستاذه الشيخ ضياء الدين العراقي في الأصول، دورة كاملة، مخطوط.

مصادر ترجمته:

1ـ [أحكام الدين بين السّائل والمجيب]: السيد عامر الحلو (الحلقة التاسعة) ـ منشورات مركز أهل البيت الثّقافي الإسلامي، فيينا ـ النمسا (1415هـ ـ 1995م).

2ـ [نقباء البشر في أعلام القرن الرّابع عشر]: الشيخ آغا بزرك الطهراني (ج1).

3ـ [معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام ]: الشيخ محمد هادي الأميني (ج2).

4ـ [شعراء الغري]: على الخاقاني (ج7).

5ـ [أعلام الثّقافة الإسلامية في البحرين خلال14 قرناً]: سالم النّويدري (ج3) ـ الطبعة الأولى (1412هـ ـ 1992م).

6ـ [الدِّيوان]: الدكتور السيد مصطفى جمال الدين، الطبعة الأولى(1415هـ ـ 1995م) ـ دار المؤرخ العربي ـ بيروت.

7- المرجع الإسلامي الكبير محمد أمين زين الدين في ذكرى الأربعين، إعداد حميد الخاقاني.

مصادر البحث

1ـ القرآن الكريم.

2ـ العاملي: محمد بن الحسن الحر[تفصيل وسائل الشيعة]: (ج15)، مؤسسة آل البيت  لإحياء التراث ـ قم.

3ـ الموسوي: الشريف محمد الرضي[نهج البلاغة].

4ـ زين الدين: محمد أمين[كلمة التقوى].

5ـ الحلو: عامر[أحكام الدين بين السائل والمجيب]: (الحلقة التاسعة).

6ـ الفضلي: عبد الهادي(ذكرى الشيخ ميرزا محسن الفضلي)[مجلة الموسم]: (العددان التاسع والعاشر) ـ المجلد الثالث(1991م).

7ـ جمال الدين: مصطفى[الديوان]: دار المؤرخ العربي ـ بيروت(1995م).

8ـ زين الدين: محمد أمين[الإسلام: ينابيعه، مناهجه، غاياته]: (الطبعة الثانية ـ 1985م) منظمة الإعلام الإسلامي ـ طهران.

9ـ زين الدين: محمد أمين[إلى الطليعة المؤمنة]: (الطبعة الثالثة ـ 1985م) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.

10ـ زين الدين: محمد أمين[العفاف بين السّلب والإيجاب]: مؤسسة النعمان ـ بيروت(1992م).

11- الخاقاني، حميد (إعداد) المرجع الإسلامي الكبير محمد أمين زين الدين في ذكرى الأربعين.

12-القرشي، باقر شريف، حياة الإمام زين العابدين، دارة الأضواء، بيروت، الطبعة الأولى 1988م.

13-الخاقاني، علي، شعراء الغري، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي، قم، 1408هـ.

14-النويدري، سالم، أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين، الطبعة الأولى، 1992م.

العدد (14) الربع الأول 1420هـ - 1999م
[1] العاملي: محمد بن الحسن الحر[تفصيل وسائل الشيعة]: (ج15/ص136)، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم.
[2] الرضي: الشريف[نهج البلاغة]: (خطبة رقم3).
[3] السيد محمد حسين فضل الله ، (جولة في أزقة الذاكرة) المرجع الإسلامي الكبير محمد أمين زين الدين في ذكرى الأربعين، إعداد حميد الخاقاني، ص 11-12.
[4] سورة البقرة : (الآية 194).
[6] الحلو: السيد عامر[أحكام الدين بين السائل والمجيب]: (الحلقة التاسعة ـ ص22).
[7] المصدر السّابق: (ص24).
[9] المصدر السّابق: (ص 27).
[10] الفضلي: الدكتور الشيخ عبد الهادي[مجلة الموسم]: (العدد 9ـ10/ص184).
[11] جمال الدين: السيد مصطفى[الديوان]: (ص30) دار المؤرخ العربي ـ بيروت(1995م).
[12] المصدر السابق: (ص42ـ44).
[13] الخاقاني: علي[شعراء الغري]: (ج7/ص295)، مكتبة آية لله العظمى المرعشي(رقم 1408).
[14] جمال الدين: السيد مصطفى[الديوان]: (ص43).
[15] المصدر السابق: (ص30).
[16] السيد محمد حسين فضل الله ، (جولة في أزقة الذاكرة) المرجع الإسلامي الكبير محمد أمين زين الدين في ذكرى الأربعين ، إعداد حميد الخاقاني، ص9-10.
[17] المصدر السابق: (ص29).
[19] النويدري: سالم[أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين]: (ج3/ص326) ـ الطبعة الأُولى(1992م).
[21] زين الدين: محمد أمين[إلى الطليعة المؤمنة]: (ص205) ـ الطبعة الثالثة(985م)، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.
[22] المصدر السابق: (ص55).
[23] المصدر السابق: (ص33).
[24] المصدر السابق: (ص36).
[25] المصدر السابق: (ص43).
[26] المصدر السابق: (ص58).
[27] المصدر السابق: (ص61).
[28] المصدر السابق: (ص247).
[29] المصدر السابق: (ص251ـ256).
[30] زين الدين: محمد أمين[العفاف بين السّلب والإيجاب]: (ص9ـ11).
[31] المصدر السابق: (ص35).
[32] المصدر السابق: (ص37).
[33] زين الدين: محمد أمين[الاسلام: ينابيعه، مناهجه، غاياته]: (ص19ـ20).
[34] سورة الحج: (الآية60).
[35] زين الدين: محمد أمين[الاسلام: ينابيعه، مناهجه، غاياته]: (ص79ـ80).