أ. أديب أبو المكارم لملحق الرسالة: ولكن السؤال الأهم .. ماذا بعد مكاشفات الصفار؟؟

ما نشرته صحيفة المدينة في ملحقها ( الرسالة ) من مكاشفات مع سماحة الشيخ حسن الصفار، يعتبر طفرة نوعية في الإعلام السعودي الذي كان طيلة السنوات الماضية يخفي الرأي الآخر ولا يسمح له بالظهور.

كانت الأسئلة التي تناولها المحاور العزيز الأستاذ عبدالعزيز القاسم صريحة ومكثفة وواقعية، وكانت الإجابات على هذه الأسئلة أكثر صراحة وشفافية ووضوحاً من قبل العلامة الشيخ الصفار.

لذا نحن نشكر مساعي هذه الصحيفة ونشد على أيدي القائمين عليها، فالحوار الصريح ونشر آراء الآخر وتبادل وجهات النظر إنما هي خطوة كبيرة لتقبل الآخر والانفتاح عليه.

بدا واضحاً من المحاور والمجيب الهدف الأساس من الحوار وهو التقارب وإزالة الغبار العالق بفكر البعض عن الآخر ، عشنا فترة طويلة من القطيعة والانغلاق وقد تجرعنا مرارات هذا الأمر وآن لنا الآن والمؤامرات تحيط بنا من كل جانب أن نتحد ونتكاتف وننفتح على بعضنا ويتقبل كل منا الآخر حتى نروى عذوبة الأخوة والمودة لنزداد قوة وترابطاً وبذلك ندحر عدونا الذي يتربص بنا الدوائر، ونحن بهذا نطبق منهج الإسلام وتعاليمه السمحة ومبادئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي آخى بين المهاجرين والأنصار، فالنتآخى نحن سنة وشيعة لنكون كما وصف نبي الرحمة صلى الله عليه وآله المسلمون في الحديث المشهور: مثل المسلمون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

كما أننا بتآخينا نبارك مشروع ولي العهد في إنشائه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الذي يؤكد على تحاور جميع الفصائل والأطياف في المملكة لكي نتقبل بعضنا بعضا.

لقد أكد الصفار في هذه المكاشفات وفي كثير من الكتب التي ألفها والمقالات التي نشرها في كثير من الصحف وفي ندواته ولقاءاته الصحفية على أهمية الوحدة الوطنية وأنها أمانة في أعناق الجميع كما يقول، كما أكد كثيراً على التقارب بين أتباع المذاهب الإسلامية وأن على الجميع أن يتفهم الآخر لكي يستطيع أن يتقبله ويتعايش معه وليس مطلوباً من أحد ما أن يتنازل عن مبادئه ومعتقداته لإرضاء الآخر والتقرب منه.

ما دمنا أخوة في بيت واحد وهو دين الإسلام القويم فلماذا التناحر والتباعد ؟، ليعمل كل منا حسب ما يرتئيه صحيحاً متجنباً طعن الآخرين والتشكيك في نواياهم.

هناك من أهل السنة من استمع لصوت الصفار الذي بح وهو ينادي بالوحدة والتقارب، وقرأ ما كتب واستجاب لندائه ملبياً وشاكراً وداعياً مثله أيضاً أمثال: الدكتور محمد عبده يماني، والدكتور محمد علي البار، والدكتور غازي القصيبي، والدكتور الشيخ عوض القرني، ومحاور (مكاشفات) الأستاذ عبد العزيز القاسم والذي تجشم عناء السفر وجاء ليجري هذا الحوار ليدعم مشروع الشيخ حسن الصفار الوحدوي ويشد على يديه ويبين رؤاه وأفكاره للطرف الآخر. وقد حقق هذا الحوار كثيراً من أهدافه، إلا أنه من المؤسف جداً أن ننحى بمسار الهدف الأسمى للحوار إلى مسار آخر غير الجادة المقصودة لتذهب كل هذه الجهود والمساعي أدراج الرياح.

الردود التي جاءت تعقيباً على بعض المكاشفات جاءت مركزة على أمور عقائدية وكأنها تريد أن تصيّر الحوار سجالاً مذهبياً قد لا يجدي نفعاً، وكما قال الشيخ الصفار: لقد قال السنة كل ما لديهم، وقال الشيعة كل ما لديهم، ولن يضيف أحد منهم شيئاً جديداً إلى ركام السجال المذهبي فإلى متى الانشغال والاجترار؟.

وإن كان ولا بد فليكن بالأسلوب اللين اللطيف، لا بالتهجم والطعن والتشكيك. مع شفافية الإجابات التي أدلى بها الشيخ الصفار إلا أننا نجد تشكيكاً في النوايا ورفضاً لتقبل الآخر مع أن كثيراً من الأمور العقائدية التي طرحت في المكاشفات لم تكن جديدة وقد أشبعها الشيعة إيضاحاً، بل وألفت حولها كتب كثيرة، ولكن لعدم صفاء النوايا من البعض ما يزال يردد هذه الأسئلة ويطرحها مراراً وتكراراً حتى وصل الأمر إلى الإثبات بالقسم والأيمان المغلظة .

لماذا يشكك السنة في مصداقية ما يقوله الشيعة متدرعين بمفهوم التقية عند الشيعة، ويقولون: أن الشيعة يظهرون خلاف ما يبطنون فتسعة أعشار دينهم تقية، ونحن لا نستطيع التعامل معهم؟!.

وفي المقابل لماذا يأخذ الشيعة السنة بالصدق ويحملونهم على حسن النوايا؟ في حين أن الأولى أن يشكك الشيعة في السنة وليس العكس فمن به عيب يحسبه موجوداً في الجميع، ومشهور عندنا في المثل الشعبي ( كلن يرى الناس بعين طبعه ).

نحن كلنا أخوة في دين الإسلام، والواجب علينا أن نصفي نوايانا، وأن نحمل بعضنا على محمل الخير، في الحديث عن رسول الله : «احمل أخاك المؤمن على سبعين محمل من الخير»، وفي نهج البلاغة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب : «لا تظنن بكلمة خرجت من أحدٍ سوءاً وأنت تجد لها في الخير محتملاً» . جربنا القطيعة ولعقنا مرارتها، فلماذا لا نجرب التقارب لنذق حلاوته؟.

ديننا الحنيف يلزمنا بالتقارب والتآخي والتآلف، والأوضاع التي نمر بها وتحيط بنا تجبرنا على ذلك، لذا نحن نطمع أن تكون نتائج الحوار الوطني مترجمة على أرض الواقع، وأن تعطى الحريات وأن يتم الاعتراف بالمذاهب الأخرى رسمياً، كما نطمع أن يأخذ العقلاء من كل المذاهب والأطياف دورهم في ترسيخ مفهوم الوحدة والتقارب في أذهان الناس وأن يمارسوا ذلك عملياً حتى يكونوا قدوة وأنموذجاً يحتذى به.

ونطمع أن يكون الإعلام بشتى وسائله منفتحاً للجميع تجمله حرية التعبير عن الرأي بما لا يسيء لأي طرف.

ختاماً نشكر صحيفة المدينة على هذا الحوار الطيب التي أجرته مع سماحة الشيخ حسن الصفار، متمنين منها المزيد، وأن يقتفي إثرها الصحف الأخرى.
 

والله ولي التوفيق...

أديب عبد القادر أبو المكارم - القطيف
كاتب وشاعر