تجديد الخطاب المنبري.. الشيخ حسن الصفار أنموذجًا

 الكتاب: عاشوراء خطاب التنمية والاصلاح

• المؤلف: الشيخ حسن بن موسى الصفار

• الناشر: دار المحجة البيضاء

• الطبعة: الأولى 2011م

• عدد الصفحات: 241 صفحة

من أجل الإصلاح خرج الإمام الحسين ، وتخليدًا لذلكم الدور البطولي التضحوي ظهر ما يعرف في الثقافة الإمامية ﺑ (المنبر الحسيني) الذي يحيي سنويًّا تلكم الحادثة الكربلائية المفجعة، وذلك من خلال ما يتناوله الخطباء من أحداث السيرة الحسينية وما يستفيدونه من تلكم الأحداث فيسقطونه على أرض الواقع الاجتماعي المعيش، ولذا لا بد أن يكون هدف هذا المنبر الحسيني الإصلاح فيما تعيشه مجتمعاتنا من خلل في نواحيها المتعددة، هذا ما يريد الشيخ حسن الصفار طرحه من خلال كتابه الجديد (عاشوراء خطاب التنمية والاصلاح)، والرسالة التي يطالب الخطباء بأن تكون نصب أعينهم، ومحور خطاباتهم، ومرتكز أطروحاتهم. إذ على المنبر اليوم أن يواصل ما بدأه الإمام  الحسين في مسيرة الإصلاح.

وهنا قد يثار سؤال: من المستهدف من الإصلاح؟. على الخطيب الحسيني أن يبتغي الإصلاح على كل المستويات، «إصلاح الفرد المسلم ليكون ملتزمًا بدينه ناجحًا في حياته»، و«إصلاح العائلة في تحقيق الانسجام الداخلي وإنجاز التربية الصالحة»، و«إصلاح المجتمع وحماية أجوائه من الانحراف والفساد، والتكافل والتضامن بين أفراده ومكوناته»، و«إصلاح الدولة برعاية حقوق المواطنين وتحقيق التنمية الشاملة»، و«إصلاح الأمة بالتأكيد على وحدتها ومواجهة فتن الصراعات والانقسامات». فإذا عرفنا أن المستهدف (أنا وأنت ونحن وهم) سَهُل البدء في عملية الإصلاح.

وماذا عن إصلاح المنبر الحسيني؟. لقد مارس سماحة الشيخ حسن الصفار عملية الإصلاح بوجهيها، إصلاح المنبر وإصلاح الخطاب من جهة، وحمل رسالة الإصلاح من جهة أخرى، وهذا واضح جلي في أقل تأمل لخطابه، فهو ينادي بالإصلاح ويدعو إليه ويمارسه عمليًّا في الوقت نفسه.

رسائل ثلاث

للمنبر الحسيني رسائل ثلاث. وسماحة الشيخ الصفار يرى أن شمولية  الخطاب المنبري رَهْنُ هذه الرسائل الثلاث، ولقد جاد فِكْرُه بها نتيجة خبرة عملية متراكمة، مارسها سماحته ردَحًا من الزمن، خطيبًا مفوّهًا، ومحاضرًا له حضوره المميّز، وسيكون طرحنا في هذه السطور قراءة في كتابه (عاشوراء خطاب التنمية والإصلاح)، نموذجًا من خلاله نستقرئ الرسائل الثلاث، ونحاول تسليط الضوء عليها.

أولا: عرض سيرة أهل البيت نموذجًا للاقتداء من خلال إسقاط الوقائع التاريخية على واقع الحياة المعاصرة باعتبارها المهمة الرئيسة للخطاب المنبري. وانطلاقًا من هذه الفكرة يُقدِّم الشيخ الصفار أهل البيت للناس، عارضًا إنجازاتهم، وعلومهم، وما يجب على الأمة تجاههم، ولا يكتفي فقط بذكر فضائلهم، أو مصائبهم، إذ الهدف – كما يطرحه الشيخ الصفار – لا يقتصر على الجانب المأساوي في تلكم السير والأحداث، فإن لهم رسالة ومشروعًا من أجله تحمّلوا قسوة الحياة مع طغاة عصورهم. فلو لم يكن لهم مشروع إصلاح لما استهدفوا بالقتل أو السجن أو التشريد. فنحن بحاجة إلى معرفة حقيقية بالمشروع النضالي/ الإصلاحي لأهل البيت .

عاشوراء عِبرة وعَبرة، وبين هذه وتلك يجب أن نستجليَ طريق الحق، ونمارس الإصلاح. يقول الشيخ الصفار متحدثًا عن عاشوراء (ص22) وموضّحًا أن سبب الاهتمام بهذه الواقعة يعود إلى «عظمة الموقف المبدئي الذي وقفه الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه، إذ كانوا قلّة قليلة، ولكنهم ضربوا أروع الأمثلة في الصّمود والثبات والالتزام بالقيم والدفاع عن المبادئ... ونحن حينما نتذكّر عاشوراء إنما نتذكّر هذه المواقف العظيمة»، وفي السّياق ذاته يشير إلى «بشاعة الظلم الذي وقع على أهل البيت وعلى الانتهاك لحرمات الله في ذلك اليوم». فعاشوراء إذًا ليست دمعة فقط، وإنما دمعة وفكرة وموقف.

هنا نتوقف مع الأصل الديني لحب أهل البيت . وذلك من خلال هذا الحديث الذي يشغل الصفحات (27 – 44) وفيه راح الشيخ الصفار يُعرَّف بمكانة أهل البيت في الأمة، وبمسوؤلية التعريف بأهل البيت التي تقع على عاتق شيعتهم، فإذا «قرأنا في تاريخ الأمة نرى أن هناك تقديرًا وتعظيمًا واضحًا عند المسلمين في كل عصر وجيل، لأهل البيت... فالأمة تعرف مكانة أهل البيت السامقة» ص 34، لكن التّعتيم السياسي تجاه أهل البيت فرض على شيعتهم مسوؤلية التعريف بهم وإيصال معارفهم للناس، والدعوة لهم بالسلوك الإيجابي. فالكتاب والسنة هما المؤصلان لهذا الحبّ الذي يستقرّ في قلوب المسلمين تجاه أهل البيت وبثّ معارفهم يُقرِّب الناس لهم أكثر.

ثانيًا: الوعظ والإرشاد المهمّة الثانية. حيث يمارس الخطيب عادة توجيه الناس بتحبيبهم في الخيرات، وتحذيرهم من الذنوب، لكن الخطاب الفردي، والتحذير الفردي من المعاصي ما عاد وحده يجدي، لذا وجد الشيخ الصفار أن الدعوة الى التحذير من الذنوب الاجتماعية، والمعاصي المجتمعية، والحثّ على مراعاة حقوق الناس، هي الأجدى، ولا بُدَّ للخطيب من التوجّه إليها. فالوعظ الفردي يبني الفرد ولكنه قد لا يحمي المجتمع.

فإذا كنا نحاول تأسيس أطُرٍ جديدة في العلاقات الاجتماعية، تبني المجتمع، وتساعده على الإصلاح، فالذنوب الجديدة التي يراها الشيخ الصفار ويحذّر منها هي من قبيل الصّراع بدل التنافس الإيجابي (ص85)، وممارسة العنف في محيط الأسرة (ص224)، وأيضًا هناك حسنات يجب الحثّ عليها من قبيل التنافس الإيجابي وتقدّم المجتمع (ص77) والمسؤولية تجاه الشباب (ص163)، ودور المجتمع في حماية الأسرة (ص 232). فهذا الطرح الجديد في الحثّ على مساعدة المجتمع لينهض ويتخلص من ذنوبه هو الفعل الواجب ممارسته اليوم.

ثالثًا: نشر الثقافة والوعي بين أفراد المجتمع. فالمجتمع يتلقى من المنبر أكثر معارفه، فإذا كانت نهضوية وإصلاحية، تبتعد عن الإثارة، نما المجتمع في وضعية صحيحة. ودور الخطيب- كما يضطلع به الشيخ الصفار- هو أن يقوم بَثُّ المعارف الحقيقية التي تأخذ بيد المجتمع إلى درجات الرُّقي والتقدُّم. فَدُونَ ثقافة واعية يتأخر المجتمع وتتكلس حركته.

ولأن للسؤال دورًا بارزًا في تمرير الأفكار. لذا نجد الشيخ الصفار- من أجل توصيل الفكرة يطرح تساؤلاً مشروعًا: الشباب، مجرمون أم ضحايا؟ (ص158)، أو «ماذا نستفيد من عاشوراء؟» (ص186)، وقد يتركك للحظات تفكّر في السؤال، لكنه لا يضنّ عليك بالإجابة الوافية التي تشبع رغبتك في تعرُّف الإجابة. فبالسؤال يلفت الشيخ الصفار انتباه المستمع لأهمية الموضوع.

وكما أن للمجتمع ذنوبًا فله حسنات يجب البحث عنها وتعريف الناس بها وحثّهم على التمسك بها. فالتّواصل الاجتماعي حسنة، والطموح حسنة، ولذلك فالتنافس مشروع، وكما أن للعبادات جانبًا فرديًّا فكذلك لها جانبها الاجتماعي، وليس السعي للثروة مذمومًا كلّ آنٍ في فكر أهل البيت . فكما يحذّر الخطباء من الذنوب لا بُدّ أن يحثوا على مثل هذه الطاعات التي ترفع من المجتمع وتعمل على إنهاضه، وهو ما تناوله الشيخ الصفار في موضوعاته التالية: (الدين الإسلامي يدعوا إلى العلو)، (مراعاة المظهر والسلوك العام للمجتمع الاسلامي)، (فك الارتباط بين الغنى والتعلق المذموم بالدنيا)، (حاجة المجتمع إلى العلاقات والمعارف وأصحاب الجاه)، إذ يشير هناك إلى أهمية السعي للتكسّب الحلال الذي من شأنه الرقي بالمجتمع. إذا  فعلى الخطاب المنبري أن يشيد بالحسنات المجتمعية ويدعوا لها.

وهكذا يمارس الشيخ الصفار التعريف بأهل البيت . فالإمام الحسين دعوة للحوار، وقد مارس السّلم في نهضته، وله مدرسة ثرية معطاءة، وقيم أخلاقية عالية. وهكذا يجب أن نُعَرِّف بالإمام الحسين .

من هنا نستطيع أن نقدّم الشيخ الصفار نموذجًا لإصلاح المنبر. وذلك فيما مارسه من دور إصلاحي تجديدي تمثّل في نهجه المنفتح على واقعه الجديد من خلال رؤية ترتكز في أسسها على قراءة واعية ومتأنّية لسيرة المعصومين نموذجًا أعلى في تطبيق التعاليم الدينية السمحة فوسّع دائرة الارتباط بأهل البيت ، ودعا إلى التعريف بعلمهم وإنجازاتهم، وابتكر تعريفًا جديدًا للوعظ الاجتماعي، حذّر من خلاله من الذنوب التي تسود المجتمعات، وأعطى تثقيف المستمع جُلّ اهتمامه. بهذا يمارس الشيخ الصفار الإصلاح بالقول والفعل.

باحث وكاتب من القطيف (تاروت)