الشيخ الصفار لـ«العربية.نت»: ما زال التمييز الطائفي يمارس ضد شيعة السعودية

العربية.نت

طالب رجل الدين الشيعي السعودي الشيخ «حسن الصفار» القيادة السعودية بتعيين وزراء من الشيعة في الحكومة، وذلك في مقابلة صحفية مطولة أجرتها معه «العربية.نت»، مؤكدا أن تحسنا كبيرا طرأ على أحوال الطائفة، ونفى أن يكون للشيعة السعوديين ارتباطا سياسيا بإيران، ودعا إلى تجاوز التراكمات التاريخية للوصول إلى صيغة تقارب بين المذهبين السني والشيعي.

والشيخ «الصفار» الذي عاش فترة كمعارض سياسي في الخارج يعد القيادي الأبرز بين صفوف الشيعة في السعودية، وقد اختار في لحظة استراتيجية فتح باب الحوار مع الحكومة السعودية والتخلي عن المعارضة الخارجية التي كثيرا ما توصم بالارتباط بالقوى الأجنبية، فكانت عودته إلى البلاد قبل سنوات إحدى ثمرات سياسة «الحوار» التي أطلقتها الحكومة السعودية مع طوائف الشعب المختلفة، وسجلت هذه العودة إطلاقا لعدد من الإجراءات التي استهدفت تحسين أوضاع الطائفة الشيعية في السعودية، وهو الأمر الذي اخترت أن أبدأ منه هذا الحوار معه.

كنت مشغول البال تماما بشخصية رجل الدين الشيعي الشيخ حسن الصفار لدرجة أننا بلغنا مدينة القطيف من دون أن أتجاذب أطراف الحديث مع صديقي الذي رافقني إليه. تبعد القطيف حوالي 40 كيلومترا عن الدمام، وهي مدينة بحرية في غاية النظافة والهدوء. البيوت هنا لا تزيد في الغالب عن طوابق ثلاثة، وتعيش المدينة أجواء حميمية بفضل تعارف جميع سكانها ووشائجهم الأسرية القوية. يسري عبق التاريخ في جنبات المدينة الوادعة، حيث كانت حاضرة لحضارة قديمة تدعى «دلمون».

ويقع منزل الشيخ حسن الصفار المتواضع مواجها لإشراقة الشمس بوسط القطيف ويتكون من دورين، مكتبه ملحق بالدور السفلي بمدخل خاص عن مدخل العائلة. لون الحوائط قريب من اللون الطيني، وبمجرد دخولك إلى البيت عبر البوابة الزجاجية يضفي الاستقبال الدافئ الذي يحفك به مساعدو الشيخ الصفار ومنسوبي مكتبه الخاص طقسا خاصا ينقلك إلى أجواء حوار من نوع مغاير. انتظرنا في قاعة فسيحة وبعد دقائق أتي الشيخ الصفار وعلى وجهه ابتسامة لم تخف طلعته الوقورة بلباسه المميز المكون من العمامة والجبة.

أوضاع الشيعة في السعودية


في مبتدأ حواري مع الصفار سألته عن أوضاع الشيعة في السعودية، فأجاب: «هناك تغيرات واضحة طرأت على أوضاع الشيعة في السعودية منذ 1994، فالحوار الذي جرى بيننا وبين الحكومة قاد لإنهاء عملنا السياسي والإعلامي المعارض للحكومة في الخارج وعدنا للمملكة لينفتح الباب أمام حوارات مباشرة مع المسؤولين من أجل معالجة المشاكل، وإلى غاية الآن لم تعالج كل الأمور ولكن لا زال التواصل قائماً».

ويعتبر الصفار أن المشكلة التي ما زالت قائمة هي أنه على الرغم من أن المواطنين في المملكة كلهم مسلمون متساوون في الحقوق والواجبات بحسب النظام الأساسي للحكم وما يصرح به المسؤولون في البلاد، إلا أن هناك بعض ممارسات التمييز الطائفي ضد الشيعة التي ما زالت تمارس من قبل بعض الجهات أو الأشخاص وهي تسبب شعوراً لدى المواطنين الشيعة بأنهم لا يحظون بنفس الفرص والامتيازات التي يتمتع بها غيرهم من المواطنين.

• في هذا السياق سألته هل طالبتم فعلا ولي العهد السعودي بتعيين وزير شيعي؟

• نعم.. فالمفروض أن يتم تعيين الوزراء بناءً على كفاءاتهم ولا أعتقد أن المواطنين الشيعة يقلون عن غيرهم في الكفاءات والقدرات. لذلك نتطلع إلى أن يشارك المواطنون الشيعة -حسب نسبتهم- في خدمة وطنهم على كافة المستويات والأصعدة وقد أشارت وثيقة «شركاء في الوطن» التي قدمها الشيعة إلى ولي العهد لهذه المسألة.

ولكن الشيخ الصفار عبر عن رفضه لأية فكرة تهدف لإجراء إحصاء رسمي للشيعة في السعودية مبررا ذلك بقوله «إننا لا نرغب في تصنيف المواطنين طائفياً فكلنا مواطنون مسلمون ولا ينبغي أن يكون التنوع المذهبي سبباً للفرز».

ويرى الشيخ الصفار أن التغييرات التي طرأت حتى الآن على أوضاع الشيعة في السعودية ليست مملاة من الخارج، مؤكدا أن «القرارات التي ترتبط بالشأن الداخلي في المملكة تتخذها القيادة السياسية بناءاً على معادلة الوضع الداخلي، لكن في الجانب الآخر تؤثر الأوضاع السياسية الدولية والإقليمية على الشأن الداخلي في كل المجتمعات، فحينما تكون هناك حرب ملتهبة في المنطقة كالحرب العراقية الإيرانية، فإنها تترك آثارا على أوضاع المنطقة كلها، وحينما يتم غزو دولة من دول المنطقة لإلغائها من الخارطة وإنهاء وجودها السياسي كالاحتلال العراقي للكويت وما جرى من نتائجه وآثاره، لا شك أن لذلك آثاراً وانعكاسات. وهكذا الأمر بالنسبة للتطورات الأخيرة في العراق وعلى المستوى العالمي.. هذه الأوضاع السياسية تترك آثارها وبصماتها أما القرار السيادي فهو داخلي محض».

الحوار الوطني والإصلاح


ويكشف الشيخ الصفار عن تقييمه لمؤتمرات الحوار الوطني التي عقدت في الرياض ومكة -وهي اللقاءات التي شارك في فعالياتها- معتبرا أنها حققت مكاسب كبيرة أولها يتمثل في التعارف والتواصل بين القوى والتيارات الموجودة في المجتمع السعودي علاوة على المصارحة والمكاشفة، أما المكسب الثاني فيتعلق -في نظره- بتوفر فرص إعلامية لم تكن متوفرة سابقا للقوى السياسية المختلفة، ويقول إن «الإعلام الرسمي في السعودية كان ذا اتجاه واحد ورأي واحد، ولكن الفرص أصبحت متاحة أكثر من ذي قبل بعد الحوار الوطني».

ويرى الصفار أن القطيعة التي ألقت بظلالها على الأطراف السعودية تبددت إلى حد كبير بانعقاد مؤتمرات الحوار التي أفضت إلى توصيات مهمة تتمثل –حسب رأيه- في «التوصية بالإسراع في الإصلاح السياسي بحيث يكون هناك فصل بين السلطات الثلاث، وأن يتم اختيار أعضاء مجلس الشورى بالانتخاب وليس بالتعيين، وترشيد إنفاق المال العام ومحاولة الحد من عجز الميزانية فضلا عن الاعتراف بالتنوع الفكري والمذهبي، وإعطاء فرص للجميع على مستوى الوطن، بالإضافة إلى احترام حقوق المواطنة وغض النظر عن التمايز المذهبي والفكري والاهتمام بموضوع المرأة، وإعطاء مجال للتجمعات المدنية وتوسيع رقعة التعبير عن الرأي».

ولكن فعاليات مؤتمرات الحوار لم تخل من تشنجات ضارة يعتبرها الصفار «نتيجة ركام من خلافات لا يمكن أن تزول بين عشية وضحاها وتحتاج إلي وقت وجهد»، لافتا إلى أن هناك متطرفين في مختلف المذاهب والطوائف، وهؤلاء المطرفون «لن يدعوا مسيرة الحوار تسير بهدوء وتشق طريقها وسيثيرون اشكالات ويحيطون المؤتمرات بشبهات بهدف عرقلتها».

وقال الصفار إن ضغط التيارات يشكل عنصرا حاضرا وأن هذه الضغوط تترتب على كل مشارك حسب تياره، ولم يستثن من ذلك الطائفة الشيعية التي قال إنها تمارس عليه ضغوطا، كما تمارس ضغوطا على آخرين من التيار السني، لكنه لم يخف تطلعاته أن تكون النخبة المتحاورة في مستوى تحدي الارتقاء بجماهيرها وتياراتها وليس الانحدار معها.

ملامح الإصلاح السياسي حسب رؤية الصفار


سألت الشيخ حسن الصفار:

• ما هي ملامح الإصلاح السياسي الذي تسعى له؟

• نحن نسعى إلي مشروع إصلاحي شامل، وأبرز ما فيه أمران، الأول توسيع رقعة المشاركة الشعبية في القرار السياسي عبر الانتخابات والحريات على النمط الديموقراطي الموجود في دول العالم بحيث لا يكون القرار السياسي محدودا بفئة معينة، والثاني حرية التجمعات والنشاط المدني بأن تكون هناك جمعيات سياسية وثقافية واجتماعية، ومؤسسات أهلية مدنية. إذا توفر هذان الأمران فإن ذلك سيعني أننا نسير على طريق الإصلاح.

• ولكن جزءا من مبررات الشك في أطروحات الأقلية الشيعية يعود إلى إفراطها في استخدام مبدأ «التقية» وإظهار غير ما تضمره، فهل يمكن تجاوز هذا المبدأ؟

• التقية مبدأ إسلامي أثبته القرآن الكريم، وقد اختلف العلماء حولها، هل تكون من الكافر الظالم فقط؟ أم من المسلم الجائر أيضاً؟ وكثير من فقهاء المسلمين سنة وشيعة يرون جواز التقية عند خوف الضرر سواء كان صادراً من ظالم كافر أو مسلم، ولذلك لا بد من رفع الضغوط عن الشيعة ليمارسوا شعائرهم ويطرحوا آراءهم بكل حرية ووضوح وعندها لا يكون هناك داع للتقية؛ فهي ليست أصلاً ولا هواية ولا أمراً محبباً، لكنها علاج لحالة استثنائية، وأمر اضطراري بسبب الموانع والضغوط وتزول حين تزول مسبباتها. إن المسلم الشيعي قد يصعب عليه أن يمارس صلاته حسب مذهبه في بعض الأحيان كأن يسبل يديه أو يضع حجراً يسجد عليه لعدم جواز السجود على غير الأرض وما أنبتت غير المأكول والملبوس عند الشيعة. فماذا يفعل الشيعي تجاه مثل هذه الحالة؟ هل يترك الصلاة؟ أم يصطدم مع إخوانه المسلمين الذين يصادرون حريته العبادية؟ أم يمارس التقية منعاً للتوتر والنزاع؟!.

التعايش بين السنة والشيعة


• وتنقلنا الإجابة الأخيرة للشيخ الصفار إلى قضية التعايش بين السنة والشيعة في المجتمع السعودي، سألته تلمح إلى صعوبات في التعامل بين السنة والشيعة، فهل ترى إمكانية للتعايش في ضوء التراكمات التاريخية الطويلة التي تسبب نوعا من التصادم؟

• المشكلة أن هناك تضخيما في مسألة الثوابت العقائدية، فليست هناك مشكلة عقدية تمنع من التعاون حتى لو كانت هناك قضايا مختلف عليها في فروع أصول العقيدة، ما دمنا نتفق على التوحيد وعلى النبوة والميعاد ومرجعية الكتاب والسنة وأركان الدين الأساسية تبقى الفروع قضايا جزئية، سواء جزئية في العقائد أو في الفقه.

في كل مرة يجري الكلام عن التعايش أو التعاون، يبرز من يقول لا تنازل عن ثوابت الأمة العقدية، وهذا في نظري «تهويل»، فالتعايش والتعاون لا يعني أن يتنازل أحد الطرفين عن ثوابته. كل طرف يتمسك بقناعاته وأفكاره، المطلوب التنازل عن شيء واحد فقط وهو ما يسيء إلي الطرف الآخر، فلتكن للشيعي كل معتقداته وقناعاته، ولكن ليس مقبولا منه أن تصدر منه إساءة للطرف السني الذي هو شريكه في الدين وفي الوطن وفي المصلحة العامة والعكس كذلك. هذا هو الأمر الوحيد الذي يجب أن نتفق عليه وهو كف الإساءة والاعتداء من أي طرف على الآخر».

• ولكن موقفكم من الصحابة وبخاصة من عمر بن الخطاب يعد عنصرا رئيسا في الخلاف السني الشيعي، كيف سيتأسس حوار أو تعايش في ضوء خلاف كهذا؟.

• ليس شرطاً لحسن العلاقة بين السنة والشيعة أن يتنازل أي طرف عن رأيه وقناعته. للشيعة رؤية عن موضوع الخلافة والإمامة، وأنها تكون بالنص من الرسول ، ولديهم أدلتهم التي يرونها ملزمة بالإيمان بذلك، ولا يجدون أنه يمكنهم التنازل عما ثبت لديهم بالأدلة العقلية والشرعية. أصبح موضوع الخلافة والخلفاء قضية تاريخية، فلماذا يكون عقبة في طريق الأمة في عصرها الحاضر، بحيث ينشغل الشيعة بإثبات رأيهم، أو يحرص السنة على تغيير رأي الشيعة فيه؟ لسنا مخيرين الآن بين خلافة أبي بكر وخلافة علي حتى نهتم بإقناع بعضنا بعضاً بأحد الخيارين، لكننا على مفترق طرق فيما يرتبط بوجودنا وكرامتنا في هذا العالم بين أن نكون أولا نكون.

• لكن ترد إشارات في كتب الشيعة تحمل إساءة لخلفاء وعلماء سنيين، فكيف تنظر إلى الأمر؟

• في كتب التراث السني والشيعي انعكاس لحالات الخلاف والتشنج المذهبي، وهي تعبر عن أراء أصحابها، كما أنها نتاج لبيئاتهم وعصورهم، فلماذا نكون أسرى لكتب التراث.

ويضيف الشيخ الصفار: «لماذا يحاكم بعضنا بعضاً على ما ورد في كتب أسلافه؟علينا أن نقرر تجاوز هذا الجانب المظلم السلبي من تراثنا سنة وشيعة، ونركز على الجانب المضيء الإيجابي منه الذي يساعدنا على إصلاح أمورنا ومعالجة مشاكلنا وتدعيم وحدتنا وألفتنا». «مقولات التجريح والطعن والسب والشتم لا تقتصر على بعض كتب التراث الشيعي، فهي موجودة في بعض كتب التراث السني، فكتاب (السنة) لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل ( 213-290هـ) -على سبيل المثال- فيه فصل كامل يبلغ 50 صفحة في ذم الإمام أبي حنيفة واستحباب بغضه ووصفه بالكفر والزندقة واتهامه بأبشع التهم، فهل يعني ذلك أن يحصل النزاع والخلاف الآن بين الأحناف والحنابلة؟ وكذلك لو راجعت كتاب طبقات الشافعية لوجدت فيه نقلاً كثيراً لتجريح وخصومات بين علماء الحنابلة والشافعية، وفي كتب الشيخ ابن تيمية كلام عنيف ضد الشيعة وضد علمائهم وزعمائهم، فهل نعيش آثار هذه المعارك الموجودة في كتب التراث الشيعي والسني، ونتخذ المواقف من بعضنا البعض على أساسها؟».

عقلية رفض الآخر


• في ضوء كل تلك الخلافات الحادة هل ترى أن الفكرة التي تطرحها حول حوار المذاهب الإسلامية والتقريب بينها يمكن تحقيقها حاليا؟

• المشكلة واحدة. وهي تنحصر في عقلية قبول الآخر والرأي الآخر، فنحن تربينا على الأحادية، وعلى رفض الرأي الآخر. ضخت لنا ثقافة بهذا الاتجاه. نرفض التعددية ولا نقبلها. ونمارس الرفض في مختلف الدوائر، القريبة والبعيدة، بينما القرآن يوجهنا إلى أن نقبل الرأي الآخر المخالف لنا في الدين، فيقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. الآية تذكر ست ديانات كاعتراف بوجودها في الواقع الخارجي. أما من حيث الصواب والحق فإن الدين عند الله هو الإسلام. بل أن القرآن يخاطب الديانتين المنافستين بأهل الكتاب وهذا اسم للاحترام. وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقبل بوجود النصارى واليهود كأمر واقع مع قوله إن الدين عند الله الإسلام. ولكن في الواقع الحياتي كان يقبل وجود الآخرين. والحديث المشهور موجود في صحيح البخاري وفي رسائل الشيعة إن الرسول كان جالسا فمرت جنازة فقام وقام الأصحاب وقالوا يا رسول الله إنها جنازة يهودي. قال أو ليست نفسا. هكذا كان يتعامل نبينا. ونحن كيف نتعامل فيما بينا. يقول القرآن ﴿لقد كرمنا بني آدم لم يقل المسلمين، لأن التكريم الإلهي للإنسان بعنوانه الإنساني بغض النظر عن العناوين الأخرى.

• ولكنك شخصيا متهم بالأحادية ورفض الآخر، وهناك مواقع على الإنترنت تنشر أحاديث لك تهاجم فيها المذاهب الأخرى، فكيف ينجح الحوار والتقريب إذن؟


• يبدو أن هناك جهات تزعجها مبادرات الوحدة والتآلف وجهود التقريب بين المسلمين، وتسيطر عليها حالة من التشنج الطائفي، لذلك تسعى إلى افتعال ما يشكك في صدقية هذه المبادرات والجهود، وليس صعبا دبلجة بعض الأشرطة والتسجيلات وإقحام شيء من العبارات فيها، ويهمني أن أشير هنا إلى ما هو معروف من أنني كنت أعيش ضمن وضع معارضة سياسية في الثمانينيات، وكانت المنطقة آنذاك تعيش تشنجاً سياسياً طائفياً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وأثناء الحرب العراقية الإيرانية، وقد تكون بعض خطاباتي في تلك المرحلة، ذات طابع تعبوي في الاتجاه السياسي والمذهبي.

ويضيف الصفار: ثم أدركت مبكراً ضرورة تجاوز مثل هذه التوجهات، واعتماد منطق الاعتدال والتسامح والحوار والعمل البناء لمعالجة مشكلة الخلاف والتمييز الطائفي، وأعلنت عن هذه التحولات الفكرية والسياسية في وقتها وكنت خارج الوطن. وتغيرت لغة خطابي السياسي والديني، تبعاً لتغير قناعاتي، وأعقب ذلك حواري مع الحكومة وعودتي إلى الوطن بحمد الله، وقد صدر لي في هذا السياق في 1989 كتاب بعنوان (التعددية والحرية في الإسلام: بحث حول حرية المعتقد وتعدد المذاهب)، أعقبته كتب أخرى في سنوات لاحقة ككتاب (التنوع والتعايش)، وكتاب (التسامح وثقافة الاختلاف)، وكتاب (رؤية حول السجال المذهبي)، (وكتاب السلم الاجتماعي مقوماته وحمايته)، كما ألقيت خطابات كثيرة في جمهور المواطنين الشيعة في المملكة موجودة على موقعي في شبكة الإنترنت تبشّر بتوجهات الاعتدال والتسامح والتقريب، وهي تعبر عن قناعات نؤمن بها ونعمل من أجلها، لكن بعض المغرضين يبحثون عن كلمات قيلت في التعبئة السياسية والمذهبية من مرحلة سابقة، وضمن توجهات تجاوزناها فكرياً وعملياً، من أجل تشويه الصورة وتعويق مسيرة الوحدة والانفتاح.

• في ضوء ما سبق.. هل ترى الطائفية عاملا إيجابيا في تكوين المواطنة أم تعدها عنصرا سالبا؟

• الطائفية خطر على كل وطن أو شعب يبتلى بها، لأنها أولاً، تضعف الوحدة الوطنية، وتجعل الناس يفكرون ككيانات قلقة من بعضها البعض، بدل أن ينظروا لأنفسهم كياناً واحداً، ثانياً تخلق أرضية النزاع والاحتراب الداخلي، ثالثاً يحرم الوطن من الاستفادة من الكفاءات الحقيقية لبعض أبنائه حينما يهمش دورهم ضمن المعادلة الطائفية، رابعاً تعطي الفرصة للأعداء للعب بهذه الورقة ضد مصلحة الوطن.

• إذن كيف يتم إيجاد آليات مناسبة لحوار مذهبي يؤدي إلى الوحدة ويقضي على الطائفية؟

• الآليات السليمة للحوار المذهبي تتمثل في الاتفاق على مبادئ للتعايش والتعاون ضمن مصلحة الأمة والوطن والبحث في القواسم المشتركة ومناطق الاتفاق والتأكيد عليها والانطلاق منها بوصفها الآليات السليمة للحوار المذهبي فضلا عن الحوار حول القضايا المختلف فيها لمعرفة أدلة كل طرف ومستندات آرائه، بعيداً عن التقولات والتفسيرات الخاطئة، وأخيرا دراسة التحديات المعاصرة التي تواجه الإسلام والأمة وتقديم الحلول الفكرية والتشريعية لها بالاستفادة من اجتهادات مختلف المذاهب.

شيعة السعودية والولاء لإيران


وكان ضروريا أن نعرج على مسألة تثار من حين لآخر حول ارتباط الشيعة السعوديين بإيران وتأثير هذا الارتباط -في حال وجوده- على ولاءات الشيعة في السعودية، سألته عن ذلك فقال:

«تاريخياً لم تكن للشيعة في السعودية علاقة مع إيران حتى على المستوى المذهبي إذ كانت المرجعية التي يرجع إليها المواطنون الشيعة في السعودية موجودة في العراق. ولكن بسبب القمع في العراق انتقل كثير من العلماء والمرجعيات الدينية إلى إيران وبالتالي حصل ارتباط في ناحية الفتاوى والثقافة الدينية. من جهة أخرى كانت إيران في ظل نظام الشاه موالية للغرب ومؤيدة لإسرائيل، ولما سقط هذا النظام تفاعل مع هذا التغيير ليس الشيعة فحسب، بل المسلمون في مختلف البلدان الإسلامية. لكن ليس هناك ارتباط سياسي بين الشيعة في السعودية والشيعة في إيران. فالشيعة في السعودية جزء من وطنهم وولاؤهم لهذا الوطن ويخضع الجمهور الشيعي هنا لعلماء الشيعة الموجودين داخل السعودية.

• ولكن لا يوجد مرجع ديني للشيعة في السعودية؟

• هذا سيحدث إذا توفرت حركة علمية للشيعة في المملكة لأن ذلك سيؤدي إلى وجود مرجعية دينية محلية كما كان في الماضي قبل حوالي نصف قرن هذا جانب، أما الجانب الآخر فهو أن الارتباط العلمي والديني لا تحده الجغرافيا والحدود السياسية عند جميع الأديان والمذاهب، فهناك بعض المسلمين «السنة» في العالم كانوا يأخذون بفتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز في المملكة فهل كان ذلك مخلاً بانتمائهم وولائهم الوطني؟ وبالمثل هناك كثير من المسلمين من خارج مصر يأخذون بآراء وفتاوى الجامع الأزهر وليس ذلك منافياً لوطنيتهم.

• وماذا عن علاقتكم بالقوى الشيعية الأخرى في العراق وسوريا؟

• نحن نؤمن بضرورة التواصل مع كل القوى الإسلامية شيعة وسنة، ولدى الشيعة في السعودية علاقات وانفتاح على الشخصيات والعلماء المسلمين في الكويت والبحرين ولبنان والعراق وإيران وغيرها وهي علاقات تتعدى الإطار المذهبي الطائفي لتنبني على أساس التعاون على البر والتقوى والتعاون بالجهود الثقافية المعرفية.

• وإذا كانت الفتنة مأمونة فلماذا إذن –بتصورك- لا زالت الكتب الشيعية تمنع في السعودية؟

• لا أرى مبرراً مقبولاً لمنع الكتب الشيعية في المملكة، فما يثير الفتنة يمنع سواء كان كتاباً شيعياً أو سنياً أما الكتب العلمية والفكرية التي تعرض رأي الشيعة العقدي والفقهي وغيره فلا مبرر لمنعها، وسبب المنع هو الهيمنة الأحادية لرأي مذهبي واحد لعله يخشى من تأثير الآراء الأخرى أو قوة منطقها.

العراق.. حالة تدعو للتفاؤل


ويقيم الشيخ الصفار المشهد العراقي في جزئيته المتعلقة باحتمال نشوب صراع مذهبي بأنه «مشهد يبعث على التفاؤل لأن الشعب العراقي إلى غاية الآن أثبت نضجا بتلافيه الفتنة الطائفية على الرغم من أن الأحداث التي وقعت كانت كبيرة بدءاً من استشهاد السيد الحكيم وما حدث في كربلاء والكاظمية يوم عاشوراء، وما حصل في بغداد من اغتيال أئمة السنة. هذه الأحداث –كما يقول- كانت تؤهل لتفجير فتنة طائفية خصوصا في ظرف كالظرف العراقي، لكن الشعب العراقي وقياداته أبدوا نضجا وتجاوزوا الأحداث. ونأمل أن تستمر هذه الحالة في العراق وتكون قدوة لبقية الشعوب، لذا علينا أن نستنهض وعي الأمة وهمم المصلحين والمفكرين حتى لا تتم مثل هذه المخططات والتي هي في أغلبها داخلية يستفيد منها الخارج بحسب رأيه. لكنه يؤكد في الوقت ذاته بأن التخويف بالفتنة له نصيب من الواقع، لأن هناك أرضية في المجتمعات الإسلامية للاستجابة للانفعالات والعواطف فما ان ينبري واحد من السنة أو الشيعة مدافعا عن واحد من المذهبين حتى يهب الآخرون لنصرته من دون تبين صحته من خطأه».

الشيخ حسن الصفار في سطور


• الشيخ الصفار –حسب ما يقول مرافقوه- لا يهتم لأمر الطعام كثيرا فهو يأكل المتوافر ويقبل أكثر على المأكولات البحرية، حيث يسكن بجوار شاطئ الخليج العربي وسوق الأسماك المركزي.

• يبدأ برنامجه اليومي مع مطلع الفجر بالقراءة ثم الاستقبال في العاشرة صباحا حسب برنامج معد سلفا، بعد ذلك يتوجه لمسجد الفتح ليؤم الناس في صلاة الظهر والرد على استفساراتهم الشرعية بعدها يعود لمكتبه لمتابعة البرنامج اليومي ويقضي الشيخ الصفار جل وقته في القراءة والكتابة والسياحة الفكرية بين دفات الكتب.

• ضيفنا مجامل من الطراز الأول فتجده أول من يبارك في الأفراح ويواسي في المأتم، وهو شخصية متواضعة عندما توجهنا لمقابلته أول مرة لم نتعب كثيرا، خاصة وأن الجميع يعرف بيته كما أنه يعرف جميع أبناء الشارع بالاسم وكثيرا ما يلجأ إليه الناس لحل مشاكلهم العائلية وحتى مع الدوائر الحكومية.

• الشيخ الصفار أخيرا رجل عصري يتابع الفضائيات ويمتلك هاتفا نقالا ويخصص جل وقته للناس والمريدين ولا يجلس مع عائلته إلا يوم الجمعة فقط.

وعن القطيف أيضا


تعتبر مدينة القطيف وما جاورها اليوم من المدن الصغيرة والقرى، جزءاً حيوياً من المنطقة الشرقية، حيث تتربع واحة القطيف المشهورة على جانب من الضفة الغربية للخليج العربي، شمال غرب مدينة الدمام، عن خط الطول 50 وخط العرض 26,32. مناخ واحة القطيف مناخ قاري إذ تصل الحرارة في الصيف إلى نحو 44 درجة مئوية، ونسبة الرطوبة إلى حوالي 90%. أما في الشتاء فتتراوح الحرارة ما بين 18 و25 درجة مئوية، وتهب على المنطقة خلال شهري مايو ويونيو تقريباً، رياح موسمية حارة يطلق عليها أهل المنطقة اسم (البوارح).

أما الرياح الجنوبية التي تهب على المنطقة فتسمى (الكوس) وهي رياح دافئة تحمل نسبة كبيرة من الرطوبة. أما نسبة سقوط الأمطار عليها فقليلة. وتحتل واحة القطيف مساحة تقدر بما يزيد على 160 كيلوا متراً مربعاً تقريباً وتبعد عن الدمام 30 كيلومتر ويبلغ عدد سكانها حوالي 89000 نسمة موزعين على عدد من القرى تزيد على عشرين قرية. أما منطقة القطيف ككل فقد نمت واتسعت وأصبحت تضم عدداً من المدن، والقرى الكبيرة، يبلغ عدد سكانها مجتمعة نحو 250000 نسمة، ومن أهم هذه المدن والقرى: سيهات وعنك والقديح وصفوى والعوامية والملاحة والجش وحلة محيش وأم الحمام والجارودية والتوبي وأم الساهك وأبومعن والأوجام، بالإضافة إلى جزيرة تاروت التي تشمل تاروت ودارين والربيعية وسنابس والزور وغيرها.

يضم المجتمع القطيفي أربع فئات هي: الصيادون والفلاحون والتجار وموظفو الحكومة والشركات والمؤسسات. فالفئة الأولى تعتبر الممون الرئيسي لأسواق المنطقة الشرقية بالسمك، حيث يتم بيع وشراء كميات كبيرة من الأسماك بالمزاد العلني كل يوم في سوق القطيف، ومنه يتوزع إلى أسواق مدن المملكة، وفي الآونة الأخيرة اشتهرت مدينة سيهات بسوق السمك، حيث يتوجه كثير من المواطنين والمقيمين عصر كل يوم، لجلب مختلف أنواع الأسماك الطازجة، والتي يصطادها الصيادون المحليين.

شهدت أرض القطيف أمماً وحضارات شتى كالكلدانيين والكنعانيين والفينيقيين والدلمونيين، حيث كانت القطيف حاضرة ذات شأن كبير في منطقة الخط والتي تعني الساحل الممتد من البصرة إلى عُمان. وحول هذا الموضوع يقول المؤرخ الشاعر محمد سعيد المسلم: القطيف مدينة ساحلية، وميناء مهم في الوقت نفسه، فالميناء يستقطب النشاط التجاري، والحضارات جميعها في الغالب تنشأ على ضفاف الأنهار وشواطئ البحار.

كانت منطقة الخليج تعتبر بوابة الشرق والغرب، في الزمن القديم، أو كما يقولون همزة وصل بين تجارة الشرق والغرب، ولذلك استقطب الخليج حركة تجارية في شرق الجزيرة العربية، وتدفقت عليه أجناس سامية كالسومريين، الذين أنشأوا الحضارة الدلمونية، وكانت مدينة القطيف عاصمة إقليم البحرين في أدوار مختلفة، ففي القرن الأول والثالث والتاسع الهجري كانت عاصمته وأزهى مدنه، وإليها كانت تنسب الرماح الخطية الشهيرة (ساحل الذهب الأسود – الطبعة الثانية – محمد سعيد المسلم).

ومما لاشك فيه أن الساحل الشرقي من شبه الجزيرة العربية قد لعب دوراً مهماً عبر العصور السالفة، حيث كان الملتقى الرئيسي لتجارة التوابل والعطور، التي كانت تصدر من موانئ القطيف وتاروت ودارين إلى عدد كبير من دول العالم، وإلى هذا الإقليم كانت القوافل تتجه من قلب الجزيرة مارة بالدهناء تنقل شتى البضائع التي اشتهرت بها المنطقة كتمر هجر ومسك دارين وثياب الظهران ورماح الخط وغير ذلك من السلع التي كانت تنتجها أو ترد عن طريقها.