تفاعلا مع الشيخ الصفار نعم للتعايش والحوار

لا شك أن ما كتبه المفكر الإسلامي سماحة الشيخ حسن الصفار مؤخرا حول اعتبار سب الصحابة الأبرار وأمهات المؤمنين من أشد المحرمات يعد موقفا مهما كباحث شيعي وواحد من الأصوات المهمة في المنطقة.

إنه لا يكتب من فراغ بل ينطلق من ركائز قوية استند عليها في حديثه لجريدة "عكاظ "؛ فهو بذلك يغلق بابا للجدل العقيم الذي استمر فترات طويلة بين المتشددين من السنة والشيعة، فلقد بحث عن جوهر الدين الحنيف فوجد أنه لا توجد فوارق عميقة بين المذهبين، بل هي اختلافات فرعية او لتقل هامشية، لا تضرب في منطقة الأسس المتينة للدين العظيم الذي انزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وما يصطنعه بعض المتزمتين من هذا الطرف أو ذاك يأتي من خلال أفق ضيق، وفكر مغلق، لايعترف بالتحولات في بنية المجتمعين: الإسلامي والعربي.

إن ما دعا إليه سماحته من ضرورة وجود ميثاق شرف يؤكد على معنى التعدد في المذاهب ضمن إطار الإسلام الذي نتشرف جميعا بالانتساب إليه هو محاولة جادة وجسورة لتبني هذا التوجه الذي يستجيب لمستجدات العصر، وفي الوقت نفسه يمثل حائط صد أمام الهجمات الشرسة للعدو المشترك الذي يهمه أن تظل الخلافات قائمة، والهوة تتسع شيئا فشيئا على طريقة المقولة الاستعمارية البالية "فرق تسد".

إن رفض الإساءة لأي رمز أو شخصية يقدسها ويحترمها طرف من الأطراف مقدمة ضرورية لنشر روح التسامح، وتقبل الآخر المختلف عنا جزئيا، والعمل على إيجاد صيغة للتفاهم والتناغم والملاءمة خاصة إذا ما أدركنا أننا أبناء وطن واحد، وقد شكلتنا تجارب مشتركة، وتاريخ طويل حقق لنا بناء مجتمع قوي ناهض نباهي به الأمم.

لا مندوحة من الاعتراف بأن هذا التوجه الذي جاء قويا واضحا ومباشرا وبلا تأويلات تفرغه من مضمونه قد ظهر في وقته تماما حيث المناخ مهيأ لعملية مصالحة واسعة بين الشيعة والسنة في إطار من الفهم الأصيل، و الاحترام المتبادل، والود العميق للعلماء الكبار الذين لهم في القلب إعزاز كبير؛ فهم يجتمعون من أجل هدف جليل حقا، وهو أن تكون الأمة قوية تصمد للمحن والشدائد، ويمكنها أن تساهم في بناء الإنسان المعاصر الذي يواجه اطار العولمة بكل تشرذمها وقسوتها، وهباتها القاهرة.

وليس هناك من ينكر وقوع سوء تفاهم في بعض الاحيان نتيجة بعض التحليلات والتفسيرات لوقائع تاريخية معينة، وفي أزمنة لم نعشها فكان لكل طرف اجتهاداته. ما يقوله الشيخ الصفار نؤيده كثيرا لأنه يسد باب الفتن التي يمكن ان تفضي إلى المشاحنة والبغضاء، فحسب قوله: «حتى لو كنا نختلف في تقويم الأشخاص السابقين من الصحابة والأئمة والتابعين والعلماء، ونختلف في تحليل أحداث ووقائع التاريخ، لكن ذلك لا يجيز لأي أحد منا أن يسيء إلى من يحترمه الآخر». وهو كلام كما نرى منطقي ويصدر عن عالم واع بضرورة المواجهة مع الخصوم الحقيقيين الذين يبتهجون كثيرا عندما يشاهدون حدوث صدع في جدار الامة فيذكون لهيب الصراع بسكب الزيت على النار غير مبالين بشيء إلا بمكاسبهم التي تضيف النفوذ لبلدانهم.

وقد اكد الشيخ حسن الصفار على أهمية العدل والمساواة بين المواطنين، ورفض أي تمييز أو ظلم أو انتقاص لحقوق المواطنة بمبرر اختلاف الانتماء المذهبي، وهذا حق، فالوطن لنا جميعا بدون تحيز او تمييز حسبما أعلن خادم الحرمين الشريفينالملك عبدالله، وكما نص عليه النظام الأساسي للحكم.

ـ وجدير بالذكر أن فكرة التعايش ونعني بها قبول الآخر والتعامل معه على أساس الشراكة الوطنية، بغض النظر عن الاختلاف معه في الانتماء الديني. عنصر مهم في هذه المرحلة من تاريخنا الوطني، مطالبون بتحقيقه لأن فيه صلاح الوطن ومصلحة الأفراد، سيان.

الخطوة المقبلة كما بينها سماحة الشيخ الصفار هي محاولة تحقيق التقارب بين المنتسبين للمذاهب، من اجل تجاوز القطيعة على صعيد العلاقات الاجتماعية، والتركيز على مساحة الاتفاق الواسعة، والحوار حول قضايا الخلاف ضمن ضوابط االمناهج العلمية الصارمة، والآداب الإسلامية الرصينة.

على هذا يرى الشيخ الصفار أن التعايش والتقارب بهذا المعنى أمر يمكن حدوثه في مجتمعنا المحلي، وعبر معايير دقيقة لإحداث نوع من الحراك الفقهي، وهو بهذا المفهوم شيء يسير، وليس حالة عصية على التنفيذ.

والمتابعين للقنوات الفضائية وما تبثه وكالات الانباء يدرك أن مختلف دول العالم تتعامل مع فكرة التنوع كواقع معاش، فلماذا يكون عصيا لدينا ونحن نمتلك روحا وثابة وعقولا نيرة أضاءها الإسلام بنوره؟

وكخطوة تنفيذية لابد من سن قانون يجرم كل محرض على الازدراء، وكراهية الآخرين، والإساءة للأشخاص والمذاهب مهما كان شكلها. بتلك الدعوة الجادة يمكننا تدارك التراشقات التي تطال الرموز في بعض وسائل الإعلام والمنابر المختلفة.

وقد أكد الصفار أنه من المهام الرئيسة للدولة حماية حقوق الأفراد فيما بينهم، حتى لا يتعدى أحد على الآخر، ومن اعتدى فإن الدولة تصبح مسؤولة عن إيقافه، وردعه ومعاقبته العقاب المناسب، وهذا واضح في مجال الاعتداءات المادية، كما لو اعتدى أحد على شخص أو جماعة جسديا أو ماليا، ومن الملائم أن يشمل ذلك الاعتداءات المعنوية، التي تحرض على الكراهية ونشر العصبيات القبلية الضيقة والمذهبية، فإنها نوع من العدوان المباشر والصريح.

ينبغي أن يشمل الحظر كل القنوات التي تثير النعرات الطائفية من أية جهة كانت وهي خطوة اولى في اتجاه تحقيق العدل الدائم، وكذلك لابد من منع الفتاوى والخطب في المساجد التي تحرض الناس على بعضهم بسبب اختلافاتهم المذهبية أو الفكرية.

وأؤكد الإشادة بمواقف سماحة الشيخ الراسخة والثابتة لتعزيز اللحمة الوطنية، ولعلي أشير الى مشاركته الفاعلة مؤخرا في "لقاء التعايش ووحدة الوطن " الذي احتضنه منتدى حوار الحضارات بمحافظة القطيف، بمشاركة سماحة السيد منير الخباز ومعالي الشيخ عبدالمقصود خوجة والدكتور محمد سعيد طيب وسيد حسن النمر وعبدالله فراج الشريف ومحمد عسكر وزيد الفضيل والدكتور عبد الرحمن العصيل والدكتور عبدالرحمن المحرج والدكتورة سعاد ناشي الشمري والمهندس منسي حسون والشيخ عادل بوخمسين والدكتور عبدالرحمن الوابلي والشيخ فهد أبوالعصاري والشيخ مخلف الشمري وعالية فريد.

هذه بعض الابعاد الفكرية التي نرى انها تنحاز عن وعي وحسن بصيرة وإدراك لفكرة الاعتدال وتمكن الفقهاء ومشايخ المذاهب من وضع قدراتهم في خدمة الأمة حتى تساهم ـ كما كانت دائما ـ في نشر الخير والنماء والرفاهية للبشر أجمعين.

3/4/2010م
كاتب وصحفي - القطيف